ص الرأي/ الأهرام اليوم/ يوم الخميس 21/3/2013 بحصافة [email protected] أحسب أن إعلان الرئيس عمر البشير مجدداً تمسكه برفض ترشحه لولاية رئاسية جديدة ، لم يكن مفاجئاً لكثير من السودانيين داخل السودان وخارجه، إذ أنه أعلن عن هذه الرغبة في عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة. ولكن العالمين ببواطن الأمور في السودان يشيرون إلى أن هذا التأكيد يأتي في هذا التوقيت ضمن إطار تبيان موقفه من الجدل الدائر في أروقة السياسة السودانية ، وباحتدامٍ أوضح داخل دوائر حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) التي ما زالت رهينة لهذه الرغبة المعلنة للرئيس عمر البشير منذ العام الماضي، وأنه ما فتيء يؤكد رغبة عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية في عام 2015. ومع هذا التأكيد ما زال الكثيرون من قياديي المؤتمر الوطني يصرون على أن البشير هو المرشح الوحيد للحزب في الانتخابات المقبلة. ولم يكن هؤلاء الذين يؤكدون مراراً وتكراراً أن الرئيس البشير ليس له الخيار في التمسك برفضه لترشيح نفسه لولاية رئاسية جديدة، ويدعمون تأكيدهم هذا بأن جماهير الحزب لن تقبل بمرشح آخر، ويذهب البعض الآخر إلى أن المرحلة الراهنة تحتاج إلى وجود البشير في سدة الحكم. وكان البشير قد فاتح أعضاء حزبه في أحد لقاءاته مع شباب المؤتمر الوطني أنه لن يترشح لولاية رئاسية جديدة، مفسحاً المجال لدماء جديدة، ولكن ردود أفعال قياديي المؤتمر الوطني لم تكن مرحبة بمثل هذا القرار آنذاك. وقد ذهب يومذاك الأخ البروفسور إبراهيم أحمد عمر القيادي في المؤتمر الوطني إلى توضيح حقيقة حزبية مهمة وهي أن الحزب هو الذي سيقرر ما إذا كان سيحقق للرئيس عمر البشير رغبته في عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة أو أنه سيشكل مضاغطة تجعله يستجيب لرغبة الحزب في الترشح مرة أخرى لولاية رئاسية جديدة. وكذلك تحدث عدد من قياديي المؤتمر الوطني في هذا الاتجاه، فلم يكن غريباً أن يؤكد الحاج آدم يوسف نائب الرئيس لدى مخاطبته ختام فعاليات مؤتمر تقييم أداء الدفاع الشعبي أن قرار المؤتمر الوطني حتى اليوم فيما يتعلق بمرشح الرئاسة هو إعادة انتخاب عمر البشير. وأشار لجاهزية الحزب لخوض الانتخابات المقبلة، إلا أن الرئيس عمر البشير جدد بالأمس القريب تمسكه برفض ترشحه لولاية رئاسية جديدة، معلناً عن تحركات داخل حزبه لاختيار مرشح جديد، مؤكداً في حوار مع صحيفة "الشرق" القطرية أمس أن بضع وعشرين عاماً كافية بالنظر إلى ظروف السودان والرغبة في تجديد الدماء. وأضاف "الان تجري المداولات داخل المؤتمر الوطني لكيفية تقديم مرشحهم في منصب الرئاسة والذي سيكون بعد عامين بالضبط، حيث ستجري الانتخابات ولديهم الوقت الكافي لترتيب اوضاعهم". وتضميناً لكثير من جماهير المؤتمر الوطني، حرص الرئيس البشير على تأكيد أن المؤتمر الوطنى لا يواجه أي صعوبات بشان اختيار خليفة له لخوض الانتخابات المرتقبة، موضحاً أن صفوفه مشبعة بالقيادات على مستوى المركز والولايات، وبالفعل بدأ المؤتمر الوطني في إجراء بعض التعديلات على لائحة اختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية في عام 2015. ومن هنا كان من الضروري أن يتفاعل المؤتمر الوطني مع مثل هذا التأكيد الذي ينبغي أن يعيه الحزب تماماً وأن يوليه اهتماماً خاصاً يتمثل في الاستعداد لتداعيات مثل هذا القرار، فنلحظ أن الأخ المهندس حامد صديق رئيس قطاع التنظيم أكد في تصريحات صحافية أمس "أن المؤتمر الوطني حزب مؤسسي به مكتب قيادي بالمركز به 45 قيادياً، ولديه 17 مكتب قيادي في الولايات، وليست لديه مشكلة في آليات اختيار القيادة". أخلص إلى أن هذا التأكيد الأخير من قبل الرئيس عمر البشير بشأن رفضه الترشح لولاية رئاسية جديدة، وتمسكه برغبته في ضخ دماء جديدة في شرايين الإنقاذ، خشية حدوث انسداد فيها، وبالتالي رفد المؤتمر الوطني بوجوه جديدة في إطار اختيار القوي الأمين للتصدي للعمل العام في المرحلة المقبلة، سيقود المؤتمر الوطني إلى التفكير الجاد في البحث عن مرشح قوي للحزب في انتخابات الرئاسة المقبلة. وأحسب أن هذا التأكيد سيدفع بعض مرشحي المؤتمر الوطني للانتخابات الرئاسية المقبلة إلى استنفار القوة الناعمة في التنافس المحتدم على خلافة البشير. ومما لا ريب فيه أن الإعلام بوسائله المختلفة سيكون إحدى أبرز القوة الناعمة التي ستستخدم في هذا الاستنفار بمراحله المتباينة. وقد تبدأ العملية بإبراز جوانب مهمة في شخصيات المرشحين غير المعلنين، تلميحاً وتصريحاً، وسيستفاد في هذه الحملة الناعمة في بدءها بخبرات تراكمية، لكسب دعم قوى فاعلة وجهات مؤثرة، ليس داخل المؤتمر الوطني فحسب، بل سترتكز هذه الحملة الناعمة على موجهات جديدة يكون للإعلام فيها القدح المُعلى، ليُعلي من قيم بسط الحريات، لإحداث التغيير المنشود والإصلاح المُرتجى. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ". وقول الشاعر العربي: ومن يصنع المعروف لا يعدم جوازيه لا يضيع العرف بين الله والناس