بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. إن الكتابة عن الإسلام بعظمته أمر لا يطاله أمثالي من الذين لم يحظوا بعلم يمكنهم من الخوض والغوص في بحره الواسع ولا يحملون من سمت العلم والعلماء ما يجعلهم في مقدمة الصفوف ولكني بفضل الله ومنته منتسب وملتزم للإسلام بأن أغرف من بحره حسب وسعي وبقدر ما أستطيع حمله ، فإن كانت غرفتي هي الحق فلله الحمد والثناء الحسن وإن كنت فيها حاطب ليل فذلك من نفسي ومن الشيطان . عالمية الإسلام وشموليته وكيفية الدعوة إلى الله : قال تعالى "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا " الفتح الآية 28 ، وهذا يدل على أن الإسلام دين عالمي وشامل لا ينبغي لأصحابه والمنتسبين إليه احتكاره بل الواجب عليهم دعوة غيرهم للدخول فيه ولا أن يتحدث المنتسبون إليه بأنهم هم أهل الله وخاصته ولكن الصحيح أن يقولوا لقد هدانا الله للإسلام وعرفنا ما فيه من خيري الدنيا والآخرة وأن هلموا أيها الآخرون لتدخلوا معنا ولتغرفوا من رحمة الله الواسعة . إن أهل الله وأوليائه لم يزهوا بما عرفوا من نعم الله عليهم ولكنهم هم الخائفون دوماً من مكر الله وهم السائلون الله أن يثبتهم في الدنيا والآخرة ، الثبات في الدنيا بأن يميتهم على ملة محمد صلى الله عليه وسلم والثبات في الآخرة بأن نالوا رضوان ربهم وجنته، نورهم يسعى بين أيديهم . هذه الخصوصية والتي أنعم الله بها على عباده الذين اصطفى وقد يكون هناك من يحس بها ويراها في الدنيا قبل الآخرة لم تكن فضلاً يتباهون به ، ولكنهم يعيشون بين الناس ولا تكاد تعرفهم . إنهم ناكرون لذواتهم ، لم يتميزوا عن غيرهم ، عملهم دائماً بين أنفسهم وخالقهم ، يمشون بين الناس هوناً لا بطراً ورياءاً ، تحيتهم السلام ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً . إن من خطأ المشتغلين بالدعوة من المنتسبين للإسلام أنهم وجهوا دعوتهم للداخل ، فتراهم في حرب ضروس ضد بعضهم من المسلمين ، نعم قد تكون هناك بعض الانحرافات عند هذه الفئة أو تلك ، ولكن الجامع أنهم كلهم يأخذ من الإسلام ، لم يوجهوا رسالتهم لغير المسلمين ليدعوهم للإسلام ولو تركوا المشاحنات الداخلية ولوم بعضهم واتجهوا لغير المسلمين لكسب الإسلام أرضاً جديدة ربما نكون في أمس الحاجة لدعمها ، أعتقد أنهم لم ينتبهوا لعالمية وشمولية الإسلام بل ظنوا أن الغاية هي أن يظهر الكل أنه هو من يعرف الإسلام ويطبقه صحيح التطبيق. قضية أخرى لا يعيرها هؤلاء الأكرمون أي اهتمام وهي أن غير المسلمين لا يفرقون بين جميع التيارات الإسلامية ، فالصوفية والوهابية والقاعدة وربما الشيعة وغيرها كلها عندهم الإسلام . فإذا كان من خارج الإسلام يرانا كتلة واحدة فلم التناحر والتنابذ ولماذا لا نعذر بعضنا ونتوجه للخارج لنشر دين الله . الإسلام دين بسيط في قواعده يدخله الإنسان بكلمتين فقط ، لا يطلب من داخله بعد ذلك غير القيام بما فرض عليه من الفرائض وهي أيضاً قليلة ( أركان الإسلام الخمسة )، فما أسهله وأيسره من دين ، لم يطلب شهادة حسن سير وسلوك ولا شهادة عدول ولا يحزنون فقط كلمتان تقولهما ثم تصبح واحداً من المسلمين (قل أمنت بالله ثم استقم) .التعقيد والالتباس الذي قد يشتكى منه بعض غير المسلمين لفهم الإسلام وطبيعته هو في حقيقته من صنعنا. أمرنا الله أن نقدمه ديناً بسيطاً سهلاً للناس كافة ليقبلوه (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) القمر الآية 14 ولكننا قدمناه وهو يحمل خلافاتنا وسلوكنا الغليظ ورأينا المتعصب ! (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران الآية 159. من أزمة دعاتنا هداهم الله أنهم لم يعيشوا عصرهم بل عاشوا في الماضي مع ابن تيمية والغزالي وابن عربي وغيرهم من أعلام الأمة ، فكيف ينشرون الإسلام وهم لا يعرفون اللغات الأجنبية الحية والتي يتكلمها الآن نصف سكان الكرة الأرضية وعندهم انفصام مع الحاضر . نعم لقد فهم بعض المسلمين الدعاة وهم قلة أهمية اللغات الأجنبية لنشر الدعوة. فترى رجلاً أمة كالدكتور زاكر نايك ، الداعية الهندي وهو يتحدث في الهواء الطلق بلغة انجليزية آسرة لمجموعة ضخمة من البشر بينهم المسلم والمسيحي والهندوسي ، فلا تستطيع أن تكفكف دموعك وأنت ترى العشرات من الهندوس يدخلون في دين الله أفواجاً نتيجة محاضرة واحدة فقط. لماذا لأنه كلمهم بلغتهم واتخذ منهج دعوة غير المسلمين بالحسنى من أولوياته . فحدثهم بصوت الإسلام المبسط والخالي من تقليد السلف وتعقيد الخلف . لم يذكر في محاضراته حدثنا فلان عن فلان أو قال شيخ الإسلام أو الإمام الأكبر. لم يدخل في التفاصيل تركها لغير هكذا وقت، يجادل بالتي هي أحسن من الكتاب وصحيح السنة لا غير. ما يفعله الدكتور عبد الرحمن السميط الداعية الكويتي المعروف والذي ترك الطب ليتفرغ للدعوة في سبيل الله بين الأفارقة ، تكلم معهم بكل بساطة عن الدين الحق وعاش بينهم يأكل معهم ويشرب شرابهم فأطاعوه لما دعاهم إليه أفراداً وجماعات ، لله دره ، ثم هناك الداعية السوداني الشيخ صديق والذي عاش بين قبائل الماساي بكينيا يدعوهم لدين الله فاستجاب كثير منهم ولله الحمد وقد أهدته تلك القبائل عصا الزعامة والتي تعني الحماية الكاملة له من قبلهم ، فجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين. لم تسقط دولتا علوة والمغرة المسيحيتين في شمال السودان الأوسط قبل خمسة قرون في يد أحد من المسلمين ودون أن يشهر فيهما سيف واحد ولكنهما ذابتا وتآكلتا من الداخل بعد أن تحول مواطنيهما للإسلام طواعية ، مما جعل جميع سكان هذا الإقليم الآن من المسلمين . أعتقد أن قادة وعلماء المسلمين في ذلك الوقت كانوا أكثر حكمة وفهماً لدعوتهم، فجعلوا الدين علماً وعملاً بأن بنوا خلاوى تحفيظ القرآن وتعليم الناس أمر دينهم دون ضوضاء بل كرسوا جل وقتهم لرسالتهم فأوصلوها للناس بسيطة خالية من التعقيد فتقبلها الناس بقبول حسن ودخلوا في دين الله أفواجاً. إن انتشار العلم الدنيوي في عصرنا وتطور الاتصالات والمواصلات كلها طرائق تساعد الإسلام على الذيوع والانتشار وهو الحادث الآن ، ولكن للأسف بعض من منتسبيه الذين يتواجدون بين ظهراني الأوروبيين أو الأمريكان وغيرهم لم يقولوا للناس إن ديننا سهل وميسور، فقط كلمتان، يقولهما الإنسان ثم يصبح مسلماً ، كيف يقدمونه وهم يناقضون بين القول والعمل ، يقول أحدهم أنه مسلم وهو يمارس أفعالاً لا يقرها دينه ، فتنتفخ أوداجه إذا قيل له أنه خالف تعاليم الإسلام ، فالكذب عنده عادة ، والفهلوة حذاقة ، والجهل له مزية والتخلف يلبسه ثوباً ، حمل أمراض الشرق معه ، لم يتخلص منها بل ضمنها حقيبته وطار بها صوب بلاد العلم والتقدم . هناك صنف آخر من منتسبيه حمل الدين في وجهه ولباسه ونسى أن يأخذه في قلبه وعقله ، فصار يعيب على أولئك القوم كل ما يقومون به ، فصارت ردة فعله عنيفة اندهش لها البعض منهم حيث اعتبروه رجلاً بعيداً عن الحضارة لم يسلك سبيل الحوار ، لأنه ببساطة جاهل بفن أولويات الدعوة ولم يدر أنه بأفعاله تلك قد أساء لدينه إساءة عظمى!. كتب الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله كتاباً أسماه (ماذا خسر العالم من انحطاط المسلمين) وقال فيه ما قال عن انحطاط المسلمين وكيف خسرهم العالم بيد أن الواجب أن يضاف إليها عبارة ماذا خسر العالم من عدم معرفة دعاة المسلمين للأولويات وفقهها . من يقدم الإسلام الآن لأوربا الحائرة أو أمريكا العاجزة عن المحافظة على إمبراطوريتها المتداعية ؟ إن دعاتنا هداهم الله يسكنون الماضي وهم في الحاضر حيث لم يحس بهم أهل الماضي ولم يكسبوا الحاضر، (إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى). أعتقد جازماً لو قدم الإسلام كما قدمه نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام لتداعت إليه الأمم ينشدون فيه الراحة مما يعانون من أمراض ومشاكل مستعصية ، لأن السبب ببساطة هو أن هذا العصر هو عصر العقل بامتياز وديننا كذلك يعطى العقل مكانة عليا لم يعطها ديناً قبله حيث يحقق جميع المطالب روحية وعقلية وفنية ورياضية وبيئية وغيرها. لقد جرب العالم الاشتراكية والرأسمالية، بارت الأولى بانهيار المعسكر الشرقي والثانية تعاني أزمة ثقة كبيرة وأعراض شيخوخة مبكرة بعد الأزمة العالمية الأخيرة ، لم يبق أمامهم غير التشبث بالإسلام ليجدوا فيه الحل فهل نحن منتبهون ؟؟!! لو كان الإسلام – يا سادتي - معقداً وغير ميسر لما استطاع أن يكتسح الجزيرة العربية كلها في بضع سنين ، فهل يعجز أن يكتسح العالم بعد أربعة عشر قرناً من الزمان، إن المسلمين هم أول من يسأل عن ركود دينهم وعدم انتشاره بين الأمم ، لأنهم مالوا للتقليد وسلموا قيادة أمرهم لقوم لم يحسنوا الأولويات وشاعت بينهم الفنقلة (هي طريقة ابتكرها فقهاء المذهب المالكي لافتراض المسألة الفقهية وافتراض الحل لها أي فإن هم قالوا ذلك قلنا لهم كذا) وأهملوا التجديد في الدين ولم يوسعوا في مقاصد الشرع وما يتناسب وعصرنا . إذا أراد المسلمون أن يعم دينهم العالم فعليهم أن يقدموه للناس كما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، بسيطاً قوياً في معانية يدعو إلى توحيد الله ومخالقة الناس بخلق حسن ، بعيداً عن تصنيفات المصنفين وحواشي المحدثين ، بل قول وعمل وعلى قاعدة (لكل مقام مقال ولكل أوان وزمان رجال) .. قال تعالى (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم .. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم إنه سميع مجيب... يتبع... الطيب كباشي الفزاري الرياض/ المملكة العربية السعودية altayb kabashi [[email protected]]