تابعتُ مع مجموعة من المغتربين ومنهم زملاء من مصر وسوريا خطاب رئيس الجمهورية أمام «البرلمان» الذي نقلته بعض الفضائيات العربية، وهي قد نسقت لذلك منذ وقت مبكر لحصول مراسليها على ملامح الخطاب الذي تكمن اهميته «للفضائيات» في اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ولعل الامر الذي يستوقف المرء ليعبر عن اعجابه هو ردة فعل النواب الذين حينما قال رئيس الجمهورية: «ونؤكد اننا سنمضي في الاتصالات مع القوى السياسية والاجتماعية كافة، دون عزلٍ أو استثناء لأحد، بما في ذلك المجموعات التي تحمل السلاح، وقد كفلنا مناخ الحريات وتأمين حرية التعبير للأفراد والجماعات، وتأكيداً لذلك فإننا نعلن قرارنا بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ونجدد التزامنا بتهيئة المناخ لكافة القوى السياسية التي أدعوها إلى إعلان استعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوار».. كانت ردة فعلهم التلقائية بالتكبير و «التصفيق» وأغلبية هؤلاء النواب هم عضوية المؤتمر الوطني، وفي ذلك دلالات عميقة على ان غالبية عضوية المؤتمر الوطني تريد اطلاق الحريات، وتحقيق الاجماع الوطني من اجل العبور بالبلاد الى بر الامان، وتوظيف موارده بما يتنزل على الناس خيراً وهو ينعكس على حياتهم لجهة الغذاء والدواء والتعليم بعيداً عن الاحتقان والاحتراب. نعم خطاب رئيس الجمهورية عمر البشير الذي سارعت المعارضة للترحيب به وهو يمثل ابرز اشتراطاتها للحوار الجامع قبل اقرار الدستور الدائم، وجد تأييداً كبيراً من عضوية الحزب الحاكم الذي يدرك أن المخرج الوحيد لشاطئ الامن والاستقرار يكمن في توحيد القوى الوطنية حول القضايا المصيرية كإجازة الدستور الدائم، وتشكيل ملامح المستقبل السياسي. ويتوجب على رئيس الجمهورية الذي اعلن انه لن يترشح لولاية رئاسية ثانية وسط جدل واسع حول هذه الخطوة بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ولك دفوعاته، يتوجب عليه بأن يمضي في هذا الطريق الى آخر محطاته، بأن يمهد السبل الى الحوار الجاد والحقيقي مع حاملي السلاح لإسكات صوت المدافع في النيل الأزرق وجنوب كردفان في حرب لن يكسبها أي من الاطراف المتحاربة، بل الخاسر الاكبر هو الشعب السوداني الصابر والحالم بغدٍ أفضل، حينما يتوافق قادته على اعلاء شأن الوطنية، وهم يتنازلون عن كثير من الأجندة التي ثبت عدم تحقيقها بالسلاح. يجب أن تمضي الحكومة بقوة نحو خصومها، وان توظف المناخ الذي ساد الاوساط السياسية عقب خطاب رئيس الجمهورية في البرلمان، والذي توج بمعانقة الأهالي لذويهم المعتقلين السياسيين وهم يغادرون السجن، بأن تكون الخطوة القادمة أن تمضي الحكومة خطوات اوسع نحو حاملي السلاح، وهي عندما تقوم بهذا الفعل فإنها تمارس دورها الطبيعي فيتحقيق أمن البلاد وحفظ أراضيه وجمع أهله نحو جادة الطريق. كما أن رئيس الجمهورية عمر البشير عليه متابعة تنفيذ موجهات خطابه الذي تخشى قوى المعارضة ألا يترجم إلى واقع ملموس.. وإن تحقق ذلك فإن كثيراً من النيران ستخمد، والعديد من الخيرات ستتحقق، وبعدها إن رغب الرئيس أو لم يرغب في فترة رئاسية جديدة، فإنه يكون قد حقق إنجازات سيحفظها التاريخ.