السودان بلد العجائب، أعتقد أن هذه مقولة في محلها مائة في المائة، بل ينبغي أن يدرج ضمن عجائب الدنيا السبعة، ولعل الباب مفتوح على مصراعيه لكل ليدلو بدلوه في هذه المسألة، والوضع الاقتصادي طبعا هو سيد الموقف وفيه كثير من العجائب، ولكن في ما يبدو أن كل نظريات وثوابت وقوانين الاقتصاد السائدة في جميع دول العالم والمعمول بها في كل أنحاء المعمورة متعطلة هنا في السودان أو تعطي نتائج غير متوقعة بالمرة. فاذا قلنا أن واحد+واحد يساوي اثنين، فان هذا القانون لايسري في السودان والنتيجة ليست اثنين، كما أن واحد لا يساوي واحد، فالجنيه السوداني الذي كان يساوي مائة قرش أصبح يساوي الف جنيه (من جنسه)، ولكن قيمته الشرائية قد تدنت الى مادون الصفر (المئوي)، {طبعا صاحب النظرية هذه كان يهدف الى كبح جماح التضخم الورقي}. دعوني أحكي لكم واحدة من عجائب الاقتصاد السوداني وهي أنني في العام الماضي كنت في اجازة للسودان في منتصف مارس، وسمعت اشاعة سرعانما صارت حقيقة وهي أن اسعار العربات وسيما البكاسي قد (طارت السما)، ولم اصدق أن قيمة البوكس (موديل 92) الذي ظل في خدمتي أكثر من 20 عاما متواصلة تضاعفت لتصل (مائة مليون جنيه) وكلنا يعرف في ثوابت الاقتصاد ما يسمى بنسبة الاستهلاك المقدرة للسلع، حيث تتناقص قيمة السلعة سنويا الى ان تصل (صفرا)، وهي ما تعرف بالقيمة الدفترية، فاذا كانت نسبة الاستهلاك عشرة في المائة لذلك البوكس فان بعد عشر سنوات من (الاستعمال) تصبح قيمته الدفترية صفرا، بل ان حالته الميكانيكية وقدرته على (الحركة) تتناقص، ولكن في بلد العجائب حصل العكس، فقد زادت قيمته (السوقية) الى حد مغر جعلني اتخلص منه بسعر مضاعف عن سعره الذي اشتريته به وهو جديد (من الورقة). واثناء نفس الاجازة كنت اشتري (كرتونة) البرتقال بالقطاعي بمبلغ 35 جنيها، ولكنني صعقت لما وجدت قبل اسبوعين بالتقريب أن سعر نفس الكرتونة ( حجما ونوعا) قد (طار) ليصبح 160 ، نعم مائة وستين جنيها.. ورغم ان السودان يتمتع بمساحات اراضيه الشاسعة الا أن أغلى شئ فيه هو الأراضي التي قفزت اسعارها الى ارقام خرافية، ورغم ان السودان يتمع بعظم ثروته الحيوانية (يوجد في ولاية شمال كردفان وحدها حوالى 25 (خمسة وعشرين) مليون راس من الثروة الحيوانية) الا أن اسعار الخراف واللحوم قد قفزت الى أسعار (خرافية)، مما حدا بمعظم الاسر الى اللجوء الى انتهاج منهج (النباتيين) أو التفنن في وسائل الطبخ (بدون لحم)، والاستعاضة عن اللحوم بالمواد (الموازية) من حيث القيمة الغذائية {البروتين}، وطرق باب (التمرق)، وهو اسلوب في الطبخ كان تركن اليه الاسر الفقيرة لما ارتفعت اسعار اللحوم الى ارقام خيالية وخرافية وأصبحت اللحوم بعيدا عن متناول أياديهم، وهو استخدام مكعبات ما يعرف (بمرقة) الدجاج، التي قفزت اسعارها مؤخرا واصبحت علبتها الصغيرة التي تحتوي على (8 مكعبات) صغيرة {سعر العلبة أصبح خمسة جنيهات، وفي مصر تباع العلبة بجنيه وربع فقط} ، كما أن المنتجات الزراعية (التي يرجى ان يستكفى منها السودان ويصدرها للعالم العربي بحسبانه {سلة الغذاء} أصبحت تباع بأسعار لا تصدق، (الليمونة الواحدة بخمسمائة جنيه { أو بنصف جنيه} بالجديد... وهي كما يقول الكوميدي السوداني الراحل (ود أب قبورة، يرحمه الله خالية من أي ماء وكأنها مزروعة بتيمم) وعن البصل وغيره فحدث ولا حرج}. تتحدث الدوائر الاقتصادية هذه الأيام عن هبوط سعر الدولار بشكل كبير، الا أن السوق لن يشهد ابدا (هبوطا) في أسعار سلعه، ولكن العكس دائما يحصل، فاذا ارتفع سعر الدولار ترك أثره السريع في سلع (مخزنة) من زمن بعيد ومشتراة بسعره القديم (الهابط)، عجيب أمر السودان واقتصاده. alrasheed ali [[email protected]]