أسعدني حقاً وسرّ بالي أن شيخنا الدكتور عبدالله علي ابراهيم آزرني - ولو جزئياً على الأقل - في موقفي ضد حملة مقاطعة صحيفة (الانتباهة). كتب عبد الله: (إنني لأقف بقوة مع دعوة مصطفى البطل أن على اولئك الذين دعوا لمقاطعة صحيفة الانتباهة أن يسألوا أنفسهم لماذا يشتري الناس الانتباهة حتي صارت في سدة الصحافة السودانية. وقد اقتنعت منذ حين أن دعاة المقاطعة من المعارضين يفرون من مثل هذه الأسئلة فرار السليم من الأجرب، لتعذر دفع استحقاقات اجاباتها من الشغل المر). ثم أن شيخنا عبد الله مضي قدماً بعد ذلك فزكّاني واستنهضني للمهمة، التي زاغ عنها (المعارضون)، وفروا منها فرار السليم من الأجرب، بحسب كلماته. ألا وهي تشخيص وتحليل أسباب نجاح الانتباهة، وارتفاع مقروئيتها في السودان. ووصفني ضمناً بأنني واحد من القادرين علي (الشغل المر) و (دفع الاستحقاقات). ثم زاد فقال بأنه يعرف عن قلمي أنه لا يرهب مثل هذه المهام الجسام. وأنا جدُّ سعيد بتزكية شيخي، أما عن المهمة التي انتدبني لها فليس عندي ما أقوله بشأنها سوى: " اطلع من دورك يا بروف"! لا أعرف لماذا اجتباني عبد الله دون غيري، للمهمة الجليلة، وهو الأقدر على تسّورها، والأجدر بتولي كبرها. ولولا أنني أعرفه وأعرف كرم نفسه ونبل سجيته لظننت الظنون بأمر دعوته إياي لركوب التيتل. وكانت قد تبادرت الى ذهني علي الفور، عند قراءتي كلماته المُستنهِضة، قصة من تراث الفور سمعتها في زمن قديم من قوم كرام تسامرت معهم ذات مساء في قصر الضيافة بمدينة الفاشر. قيل أن المواطنين في احدي مناطق دارفور القديمة أرادوا التخلص من سلطانهم، لعله السلطان كوسوفورو سلطان الداجو بحسب احدي الاساطير. فجاءوه وهم يظهرون الاحترام، وزعموا له ان بعض الناس يشككون في شجاعته وقوة شكيمته، وأنهم يريدون منه ان يقوم بعمل يخرس الألسنة فلا تخوض في سيرته. واقترحوا عليه ان يركب ظهر التيتل ويركض به أمام الناس، فيكون أول من اعتلي التيتل وروضه، فلا يجروء أحد بعد ذلك ان يناله بكلمة. وافق السلطان، وجئ له بالتيتل فاعتلاه، ثم ربطوه بجلد ثور على ظهره حتي لا يسقط. وانطلق التيتل بعدها لا يلوي علي شئ، ولم يتوقف الا والسلطان صريعاً مجندلاً على الارض، بعد ان فعل به ذلك الحيوان الأخرق الأفاعيل! يا شيخنا: قبل فترة كتبت معلقاً على ورقة الدكتور الواثق كمير إياها، وجاء في بعض ما كتبت: (ان السودان العربي الاسلامي النيلي – الرقم الأصعب في معادلة الجغرافيا السياسية والتاريخ المرصود - لن يقبل بأى حال من الأحوال، وتحت أى مسوغ او ذريعة، إعادة انتاج السيناريو الموسيفينوي في السودان، حين تمكن رئيس أوغندا الحالي يوري موسيفيني من قيادة أهل الاطراف، وزحف بهم في مسيرة مسلحة نحو العاصمة كمبالا، فاستولي عليها في العام 1986. وقد ضم جيشه آلاف المرتزقة الأجانب الذين لا صلة لهم بيوغندا وشعبها. بل أن بول كاغامي الرئيس الحالي لجمهورية رواندا كان من قادة الكتائب الزاحفة. النموذج الموسيفينوي الذي تُستنفر في لوحته الخلفية قبائل مسلحة من غربي السودان وأخلاط من دول افريقية اخري، مدعومة من حكومة جوبا، مستهدفةً العاصمة القومية وأواسط السودان بدعوى الخيار المسلح لاستعادة الديمقراطية، دونه خرط القتاد. ولا عجب أنه لا يجد تربته الا في عقولٍ عليلة ومخيلات كليلة، لم تعرف السودان ولم تخبر شعبه.). كتبت ذلك، وعينك ما تشوف الا النور! فقد كاد بطن حاسوبي ينفجر في وجهي من كثرة رسائل الشاتمين المتوعدين، فضلاً عن المتربصين المترصدين علي قارعة الأسافير، والنبابيت في الأيادي. مع أنني، والله العظيم، لم أشر من قريب او بعيد الى حملة خليل ابراهيم، المدعومة بأموال ليبية وتعزيزات تشادية، التي اقتحمت العاصمة – فعلاً لا قولاً - في مايو 2008 وحاولت احتلالها! كما لم أقل كلمة واحدة عن الأعداد الغفيرة من السودانيات الحوامل اللائي يهبطن مطارات المدن الأمريكية في كل يوم تطلع فيه الشمس، قادمات من دول الخليج وغيرها. فإذا سألت الواحدة منهن عن أسباب الزيارة، قالت لك بصوت خفيض أن الزوج قد بعث بها لتضع وليدها في أمريكا بغرض تأمين مستقبل الطفل الذي يحصل بمجرد الولادة علي الجنسية الامريكية، كما ينال الأبوان الغرين كارد. فإذا مضيت بالسؤال قدماً: "وليه التعب ده كلو"؟ جاءت الاجابة تمشي متهادية، وإن على استحياء: "والله الحقيقة السودان لم يعد آمناً ومستقبله أصبح في كف عفريت"! القرآن يعلمنا، يا شيخ عبد الله، ألا نسأل عن أشياء ان تبد لنا تسوؤنا. ثم أنني شخصياً لا أرغب في ركوب التيتل ( تلقاها عند الغافل). إركبه انت إن شئت، واجتهد في استقصاء الأسباب الحقيقية لنجاح (الانتباهة) وارتفاع نجمها. ولكن تذكر حكمة بني بمبة: "العمر مش بعزقة"! نقلاً عن صحيفة (الخرطوم).