بسم الله الرحمن الرحيم كنت قد نشرت في الاسابيع الفائتة مقالات تتعلق بالطبابة في السودان و قد اشرت في مقال آداب و سلوك مماسة الطبابة ان المجلس الطبي السوداني قد اصدر دليلا جامعا مانعا حول ما ينبغي على الطبيب فعله عند ممارسة مهنته النبيلة و بالضرورة ما يمتنع عن عمله. وبانتشار الوعى الصحي و الامراض والعلل اضحى الاطباء ملاذا للناس علهم يحصلون على الشفاء الناجع. و المرضى عادة لا يعقبون على آراء الاطباء ولا يتشككون فيما يرونه ليس عن استنكاف او جهل و انما عن قناعة ان الطبيب مجبول بحكم قيم و اخلاقيات مهنته ببذل قصارى جهده وخبرته لشفاء مريضه. هذا الاعتقاد السائد وسط من يعلم و من لا يعلم اضفى على ممارسة الطبابة قدسية و حصانة لم تتوفران لأى من المهن الاخرى. و بالرغم من ان المهنة و نواميسها وإرث شيوخها الاوائل و ما استقرت عليه الممارسة و ما اوجبه دليل المجلس الطبي من ان تكون مراعاة مصلحة المريض المبدأ الحاكم ، نجد ومن اسف أن بعض زمر الاطباء قد اهملت اهمالا تاما حقوق المريض .تلكم الحقوق التي ارساها الاعلان العالمي لحقوق الانسان و مواثيق حقوق الانسان التي اكدت دون لبس او مواراة حق الانسان في تلقى العلاج دونما تمييز و الحق ضمن امور اخرى في الحياة و سلامة شخصه. نحن اذن في معرض حقوق غير قابلة للتصرف من قبل من اؤتمن بداية على حياة مريضه. و قد اصدرت العديد من الدول و كذلك منظمة الصحة العالمية مواثيق بشأن حقوق المرضى. كما اصدرت بعض الدول مبادئ توجيهية سريرية الهدف منها مساعدة الممارسين و المرضى في اتخاذ القرارات المتعلقة بالرعاية الصحية المناسبة فيظروف سريرية محددة. و الذى يدعو الى احترام هذا النهج الشفاف و المسؤول ان الذين نافحوا عن حقوق المرضى كانوا من زمر الاطباء وليس اهل القانون و المشرعين. و لا بأس من تكرار أن القرارات التي يتخذها الطبيب داخل عيادته او على طاولة الجراحة قد تسفر عنها آثار بعيدة المدى ادناها العجز او الاصابة بمرض آخر. الامر في السودان جد مختلف فقلة من المرضى تدرك حقوقها ومن أوليناهم ثقتنا وسلمناهم ارواحنا ليس لديهم الوقت او الرغبة لتبصيرنا. ولست في حاجة لذكر العديد من حالات عدم مراعاة مصلحة المريض والتي افضت الى الموت او العجز الدائم فضلا عن تكلفة مالية باهظة ارهقت كاهل الناس. واذا سلمنا جدلا ان المشافي الحكومية تفتقد التمويل الازم و المعدات الحديثة فان الذين ينافحون عن المشافي الخاصة في افتخار دائم بانهم يمتلكون احدث الاجهزة الطبية. والسؤال الذى يفرض نفسه و بقوة هل نحن في معرض تقديم رعاية طبية اساسها الممارسة السليمة ام نحن في معرض استثمار تجارى اساسه الربح و الخسارة. ماذا سيكون تصرف مشفى استثماري اذا طرق بابه في جنح ليل بهيم احد غمار الناس الذين لا يملكون قوت يومهم؟ هل يتركونه يلاقى حتفه لضيق ذات اليد ام يشيرون عليه بالذهاب الى مشفى حكومي؟ و هنا قد تنقضي دقائق فاصلة بين الحياة و الموت. ومعلوم لدى العامة و الخاصة ان المشافي الوطنية والوافدة قد انتفعت بكافة الامتيازات التي يوفرها قانون الاستثمار. والطبابة و اجهزتها الرقمية وغير الرقمية ومعداتها ومعيناتها قد توفرت لها ميزات غير مسبوقة شملت فيما شملت اعفاءات جمركية قد تبلغ مليارات الجنيهات. و بالرغم من تلك الامتيازات السخية نجد ان تكلفة الطبابة في هذه المشافي تزداد كل صباح ودونها وغمار الناس خرط القتاد. أوليس حق غمار الناس ان يتلقوا علاجا بأجرة رمزية طالما انهم قد ساهموا بشكل مباشر سواء بالضرائب او باستقطاع بعض خدماتهم في الاعفاءات الضريبية و الجمركية التي تتمتع بها هذه المشافي. كثيرا ما اسأل نفسى و انا استمع لممارسات بعض زمر الاطباء والمشافي الوطنية و الوافدة وما خلفته تلك الممارسة السقيمة من اذى و تلف ، لماذا قست قلوب هذه القلة فاضحت كالحجارة او اشد قسوة فما لهم يبخلون و لا يؤودون واجبهم الإنساني وفق مطلوبات الدين و الخلق و الوجدان السليم و المسؤولية المهنية ؟ لماذا يتلقى بعض المرضى العلاج غير المناسب او غير الضروري او الضار بما تبقى لهم من صحة ؟ وفيما الاصرار على فرض تكلفة فاحشة ليس على عامة الناس بل حتى على الخاصة؟ والاسئلة تتري ، ما السبب في ازدياد حالات التلوث في المشافي و التي اودت بحياة البعض و في حالات أخرى للبتر؟ أهو نتيجة لكسل مفرط أم نتيجة لجهل يستوجب تغيير نمط السلوك المهني لزمر الاطباء و مساعديهم. لا شك أن كل هذه الظواهر السالبة و الممارسات المقيتة تستوجب التدخل العاجل و النافذ للسلطات الرقابية. و قد كنا في الزمان الغابر نسمع بإغلاق السلطات الصحية لاماكن بيع الاطعمة لعدم التزامها بالضوابط الصحية و منها التلوث و كنا نسمع بسحب "الصندوق" من القابلات اللاتي لا يلتزمن بتلك الضوابط. ماذا دهانا ، وكان آخر هم الاطباء البناة الحصول على اجر باهظ وفاحش. حتام نصم الاذان عن سلوكيات سقيمة و فاحشة تصيب افراد وجماعات المجتمع في مقتل؟ لقد زحف مبدأ التجارة الرائجة الى قلب الرعاية الصحية و في الزمان الغابر كانت الرعاية الصحية محصنة تماما من الاثار السلبية للتجارة وعروضها ومن الممارسة الربحية الجائرة ومرة أخرى شهدنا مشافيا في السودان كانت تخدم المجتمعات. المناصرون يزعمون بان المشافي الخاصة تقدم خدمات اكثر كفاءة و رعاية و تخلق منافسة مجيرة لمصلحة المرضى. هذا الزعم الزائف لا يصمد امام و اقع الحال فقد قرأنا و سمعنا و تحدثت المدينة عن اخطاء طبية فاحشة و اهمال بين و جشع لا حدود له تمت في مشافي خاصة. المناهضون و أنا منهم يعتدون بدورهم ان جرثومة الربح قد استشرت الامر الذى ادى لانهيار السلسلة القيمية لمهنة الطب. وحدث ولا تثريب عليك عن الاثار المجافية لآداب و سلوكيات المهنة. و يتعين علينا ان نستذكر مع بعض زمر الاطباء انهم قد تعلموا و تخصصوا على حساب دافع الضرائب و كأنى بهم كالذي تكفلت القرية بمصاريف تعليمه فخرج و لم يعد. وليتهم تلمسوا خطى بشر الحافي. لا ادرى ان كانت هذه المشافي الخاصة تدرك ان لها دورا أصيلا مرتجى في علاج الفقراء أم انهم سيحجزون على جثث الموتى الذين عجز اهلهم عن دفع تكلفة علاج جائر أفضى الى تلفهم. والله من وراء القصد. Kamal Abdel-Rahman [[email protected]]