سيؤول – كوريا الجنوبية استيقظت مدينة أم روابة كغيرها من مدن وقرى ولاية شمال كردفان الأخرى ومنها الرهد والسميح والله-كريم على دوي مدافع من أطلقوا على أنفسهم القوة الثورية والذين أمطروا بنيرانهم كل من كان وما كان في طريقهم ولم تسلم منهم حتى خلاوى القرآن، حيث قتلوا من قتلوا من قوات الشرطة ومن المواطنين العزل، وروعوا من روعوا من النساء والأطفال، ودمروا المنشآت العامة الحيوية بهذه المدينة ومنها محطات الكهرباء وأبراج الاتصالات، وخزانات المياه، وألحقوا الخراب بالبنوك والمتاجر وسوق الماشية، وإمعاناً منهم في الاستفزاز كان لمقار معتمد المدينة ودار الشرطة ومباني المحاكم التي تعتبر مظاهر للسيادة والأمن والعدل نصيب من دمارهم، كما نهبوا الوقود وأحرقوا ما تبقى منه وسرقوا المواد الغذائية والمواشي وغيرها على النحو الذي أوردته وسائل الإعلام وآخرها الإعلام السوداني الرسمي، بطبيعة الحال. وبخلاف العادة تلقينا اتصالات في وقت مبكر من الأسرة حيث تم إبلاغنا بما جرى، وعلى الفور أجرينا اتصالات عكسيةً بمن هم موجودون في ساحة الأحداث للاطمئنان ولمعرفة المزيد من التفاصيل. كما حاولنا التعرف على الوضع من القنوات الفضائية الإقليمية والسودانية، فكان نصيب تغطية الحدث في القنوات الإقليمية متأخراً بعض الشيء بعد أخبار ظللنا نشاهدها منذ وقت طويل في سوريا وفي لبنان وفي غيرها. أما الفضائية السودانية فقد كانت في بث حي ومباشر للمؤتمر التأسيسي للأحزاب السياسية الأفريقية، فتخيل. وبعد أن فرغت الفضائية من تغطية أحداث المؤتمر وبث برامج راتبة أخرى، أطل علينا المتحدث باسم القوات المسلحة كعادته ليتلو علينا بيان مؤسسته كما عودنا دائماً بعد صياغة ما يمكن أن يقال. ثم أدركت الفضائية الموقرة فيما بعد واجب القيام بأضعف الإيمان، فأفردت مساحة زمنية أطلقت عليها تغطية خاصة أو غرفة متابعة، لست أدري، قوامها أغاني وطنية ومنها الفينا مشهودة، وفي الفؤاد ترعاه العناية، وصه يا كنار، وجدودنا زمان وصونا على الوطن، ووطن الجدود وغيرها، وأشعار حماسية من قبيل "بلادي أنا بتكِرْم الضيف"، كما استضافت على الهواء رؤساء اتحادات الطلاب والشباب ومنسقيات الدفاع الشعبي وبعض المسؤولين والقيادات الأهلية. الغريب في بيان القوات المسلحة أنه سرد بتفصيل ممل كيفية تجميع قوات المعتدين ومكان تجميعها والمسار الذي سلكته وما استفادت منه من ثغرات أمنية حتى وصلت إلى مدينة أم روابة، مع مغالطات واضحة حيث جاء في البيان أن القوات المسلحة قد تصدت للمعتدين في مدينة أبو كرشولا وكبدتهم خسائر في الأرواح والمعدات، إلا أنهم واصلوا مسيرتهم من أجل إحداث أقصى ما يستطيعون من تخريب حتى وصلوا لأم روابة. أولا: كيف لقوات دولة ذات سيادة أن تعلم بكل هذه التفاصيل المملة عن تحركات مجرد مليشيا (هذا هو الموقف الرسمي منهم) ثم تقف مكتوفة الأيدي دون أن تفعل ما يحول دون وقوع الواقعة. ثانياً: كيف تصدت لهم القوات المسلحة وكبدتهم الخسائر المذكورة لكنهم واصلوا فوصلوا؟ ولماذا لم تخطر المواطنين المعتدى عليهم حتى يوفقوا أوضاعهم لاستقبال المعتدين بالورود طالما سمحت لهم بأن يواصلوا ولم تجبر بخاطرهم. أم كانت تدرس إمكانية اللجوء لتكتيك "الكماشة" العسكري المعروف للإجهاز على المعتدين وتدميرهم تدميراً. يعجبك المتحدث بسماح الوصف، تحركوا، فوصلوا، فدمروا، فعادوا سالمين إلى من حيث أتوا، وكأنه يذيع خبراً رياضياً. ولكني لا استغرب هذا الموقف حيث إن منطقة أم روابة بخلاف مناطق السودان الأخرى لم تجد حظها من التنمية التي نعمت بها مناطق السودان الأخرى وذلك لسبب بسيط هو أن أهل هذه المنطقة لم يلجأوا إلى خيار حمل السلاح أو قطع الطريق حتى يلفتوا انتباه الحكومة بل ظلوا على ديدنهم في الحياة وعلى سبل العيش التي عهدوها من زراعة ورعي وتجارة وأنشطة أخرى، أي تركتهم يأكلوا من خشاش الأرض. ثم إنه كيف لاتحادات طلابية وشبابية يجلس رؤساؤها في مكاتب مكيفة بعيداً عن موقع الحدث أن تهدد وتتوعد بدحر المعتدين. وأين صاحب الاختصاص التقليدي الأصيل في الدفاع عن الأرض، أم أن هذه القوات مشغولة بحماية أبراجها المشيدة في الخرطوم؟ وبهذا، ألقي باللوم في جانب كبير منه على الحكومة، وأؤكد على أن ما حدث قد تم بتقاعس وتقصير من جانب القوات المسلحة، الحارس مالنا ودمنا، على نحو ما أوردناه، مضاف إلى ذلك إمكانية تلافي الموقف بأساليب كثيرة، وإلا لا أعرف معنى لوجود صرح يطلق عليه كلية القادة والأركان. وبصفتي المستمدة من انتمائي لهذه المنطقة، لا أدافع عن الجبناء الذين اعتدوا علينا واستباحوا المدينة والناس نيام مهما كانت غايتهم من فعلتهم التي فعلوا، طالما اعتدوا على مدينة معروفة في تاريخ وجغرافيا السودان بكونها من المدن الآمنة والمسالمة، المضياف أهلها، حيث ظلت منطقة أم روابة ممراً آمناً لقوافل الإغاثة سواء المتوجهة لنجدة المتأثرين بالظروف الطبيعية من جفاف أو تصحر أو غيرها أو المتأثرين بالحروب التي دارت رحاها في جنوب الوطن وغربه، دون أن يمد أحد من سكان المنطقة يده ليسرق أمانة عابرة أو يستولى عليها من باب قطع الطريق، كما يحدث في مناطق أخرى. وباسم كل أهل المنطقة أدين وأشجب وأستنكر بشدة ما أقدم عليه ذوو النظرة القاصرة المنتسبون لهذه المجموعة البائسة الذين لا يعرفون معنى القوة ولا معنى أن تكون ثورياً، كما أحملهم مسؤولية الأرواح التي أزهقوها والدماء التي أسالوها بفعلتهم، واستهدافهم عنواناً خاطئاً هو مدينة أم روابة والمدن والقرى المذكورة، وترويعهم المواطنين الآمنين في عقر دارهم، وتدميرهم المنشآت والمرافق العامة الحيوية والبنية التحتية والاستيلاء على ملك الغير بغير حق، وكيف لهم أن يجدوا تعاطفاً من أحد وهم كذلك. * من أبناء أم روابة Adam ABDELHAMEED [[email protected]]