عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخاتم عدلان وذكرى رحيل بطعم كافكا .. بقلم: طلعت الطيب
نشر في سودانيل يوم 03 - 05 - 2013

فى دراسته الشهيرة " آن أوان التغيير" التى طرحها للحوار داخل اروقة الحزب الشيوعى أوائل تسعينات القرن الماضى ، من أجل الإصلاح الديمقراطى وبهدف التصالح مع (ضميره الفلسفى)، قبل أن يصيبه اليأس من الإصلاح ويتقدم بإستقالته بمدينة الضباب، كان الراحل المقيم الخاتم عدلان قد كتب:
(ان مآلات ومصائر الطبقة العاملة هامة جدا بالنسبة لحزب كحزبنا . فمشروع حزبنا قائم بجوهره على صيرورة الطبقة العاملة القوة الاساسية القائدة فى المجتمع . وهذا الموقع لن يتحقق لها الا اذا صارت المنتج الاساسى لثروة المجتمع ، وتحققت لها الغلبة العددية. ولكن هذه الاهداف التى هى أهدافنا لم تعد اهدافا للتاريخ. فقد كف التاريخ عن السير فى هذا الإتجاه.) ثم أضاف الخاتم فى ذات السياق العبارات التالية: ( ومن هنا يصعب الحديث عن الطبقة العاملة السودانية الا اذا تعاطينا مع التلفيق ، وحددنا بصورة مسبقة وتحكمية ، ان الماركسية اللينينية هى تلك الايديولوجية وعلى الطبقة العاملة ان تتبناها رغم انفها وفى هذه الحالة لا يكون هناك فرق بين ان تتبنى هذه الايديولوجية او ان ترفضها ، لاننا لم نضع اعتبارا لهذا القبول او الرفض، فى وصف الماركسية بانها ايديولوجية الطبقة العاملة. ونحن قد فعلنا ذلك وما زلنا نفعله. ولكن الوصاية المبثوثة فى هذا القول لم تعد محتملة اليوم . فالوعى الديمقراطى قد تنامى بصورة تجعل من مثل هذا الادّعاءات فادحة الثمن على المروجين لها. إن ازمة المشروع الماركسى تتمثل فى هذه النقطة بالذات ، وقد راهن هذا المشروع على حصان بدا جامحا ولكنه اصيب بالوهن فى منتصف الطريق. ولعله سيكون من المفيد ان نتذكر ان تعلق ماركس بالبروليتاريا كان فى اساسه تعلقا رومانسيا لفتى لم يتعدى العشرين الا قليلا عندما كان يبحث عن العدالة المطلقة ، فاستعار دون ان يعى مفهوم المسيح المخلص ، واصبغه على طبقة اثارت شفقته ، واستفز شقاؤها حسه العميق بالعدالة . وقد ظل ماركس فى نضجه وشيخوخته امين امانة مدهشة ، لمشروع كان قد صاغه فى صباه . إن من يقرأ نصوصه حول العمال الفرنسيين ، والعمال المهاجرين الالمان - الذين يشع النبل من اجسادهم - سيدرك بسهولة ما نرمى اليه . ان المطلع على اعمال ماركس لن يجد فى ترشيحه للبروليتاريا لقيادة التاريخ الانسانى سوى اسباب واهية) . إنتهى الإقتباس..
للخاتم عدلان عليه رحمة الله مشروع إنسانى أخّاذ، لا يمكن التعرّف عليه بالعمق المطلوب إلا بإجلاء الخرافة والشائعات عنه، أى بالتعرف عليه من خلال نصوصه نفسها، وليس من خلال ما يقوله الآخر عنه خاصة إذا كان من خصومه الفكريين. وقد ترك لنا الرجل نصوص رفيعة الشأن وعظيمة الدلالة، وربما تشهد الفقرات المقتبسة بعاليه على صحة ذلك الإدّعاء حيث يمكن إعتبار كتابات الخاتم واحدة من افضل ما كتب فى السياسية السودانية على الإطلاق فى كل ما يخص ملامح اى مشروع ديمقراطى منشود ومرتقب. نستطيع أن نصف نصوص الخاتم, ونظل منصفين, حينما نقول ان روح الكاتب الألمانى العظيم فرانز كافكا قد ظلت تتقمصها بإستمرار، ربما لجدية كتابات الخاتم وقدرتها على التفاعل مع الواقع الماثل ومصارعة الكوابيس والشرور التى يمور بها الواقع تمهيدا لعملية إصطيادها منه، حتى يغدو هذا الواقع معافى بعدها، تماما مثلما يحدث فى بعض الطقوس الدينية وعلى طريقة طرد الأرواح الشريرة من الجسد exorcism. وإذا كان فرانز كافكا قد قدم للقرن العشرين عملا ادبيا رفيع المستوى فى نقد البيروقراطية والشرور التى تصاحبها وضرورة التعاطى الجاد مع تلك الشرور وتقديم معالجات مستمرة لها، خاصة فى روايته الشهيرة ( البلاغ) The Trial ، فإن المرحوم الخاتم عدلان قد قدم نصوصا عميقة وجهدا مخلصا فى قراءة الواقع فى السودان والمنطقة قراءة صحيحة من خلال دراسته " آن اوان التغيير" ونحن بعد على اعتاب القرن الحادى والعشرين. والكافكاوية Kafkaesque ظاهرة مهمة وتعنى الخطر المحدق a sense of impending danger ، وقد تعرّض لها الخاتم نفسه فى كتاب (ما المنفى وما هو الوطن) الذى قام بجمعه ونشره مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية البشرية، حينما تحدث عما أسماه بقانون التكتل الكافكوى داخل الحزب الشيوعى، الذى كان وما يزال، يصادر حق الأقلية الفكرية فى التوثيق المستقل لمواقفها وعدم تمتعها بحرية التعبير والتنظيم من أجل الدفع بأجندتها داخل الحزب والمجتمع. وقد وصفها الخاتم بالكافكوية لانها تحمل معها خطر الإنقسام حيث يشكل تبلور رأى الأقلية إلى تيار عام- غض النظر عن مدى حجمه وتأثيره- بوادر إنقسام جديد، بحكم تحديها للائحة الحزب الشيوعى وتمردها بالتالى على القيادة. وهو سيناريو قد تكرر عدة مرات فى تاريخ ذلك الحزب كان اشهرها الإنقسام الذى طال تقريبا نصف لجنته المركزية فى العام 1970م على أثر الخلاف حول التاكتيكات الواجب على الحزب إتباعها فى التعامل مع إنقلاب مايو.
وليس من قبيل المصادفة أيضا أن تأتى الذكرى السنوية الثامنة لرحيل هذا المفكر العملاق الذى رحل عن دنيانا فى 23 ابريل 2004م، والسودان على شفا حرب أهلية شاملة بعد أن ذهبت الإنقاذ أشواط بعيدة فى تنفيذ اجندتها الشمولية على حساب واقع التعدد الإثنى والثقافى الذى تذخر به البلاد ،ولذلك فإن المناسبة نفسها تتخذ طابعا كافكويا فى توقيتها هذه المرّة وهو امر شبيه بنصوص الخاتم والكوابيس المرتبطة بها نتيجة طابعها الشفاف فى التعامل مع الواقع. وفى نصوص الخاتم أعلاه طرحت ثلاث قضايا مهمة تعتبر من صلب أى إصلاح ديمقراطى حقيقى، وهى قضية الوصاية على الطبقة العاملة وبالتالى الشعب، أو ما عرف فى أدبيات الحزب الشيوعى واليسار عموما بمفهوم (الريادة اوالطليعية) ، ثم قضية إعتبار الماركسية أن الطبقة العاملة تعد تجسيدا لجوهر الخير والعدل والجمال، اما القضية الثالثة فهى المتعلقة بالتطور الأخلاقى لكارل ماركس نفسه والتى أشار إليها الخاتم حينما لمح لإمكانية إستعارة الأول (مفهوم المسيح المخلص ليصبغه على طبقة أثارت شفقته). من المعروف أن فساد الإنقاذ إستند على مبدأ مهم منذ إنقلابها على الشرعية قبل أكثر من عقدين من الزمان، وهو تبنى سياسية التمكين عن طريق مصادرة الديمقراطية وتغييب مبادىء حقوق الإنسان عن الممارسة السياسية حتى تستمر فى الحكم كأقلية. وقد ساعدها عى إعتماد هذا المبدأ الطبيعة الشمولية للإسلام السياسى المتحالف مع اليبروقراطية العسكرية حيث يدّعى التنظيم الطهارة التامة وإحتكار الفضائل الاخلاقية إضافة إلى الغرور والتعالى على التجربة الإنسانية والحكمة التى راكمها النوع البشرى فى عالمنا المعاصر. وقد تجسدت تلك الروح الإقصائية والمتعالية فى محاولات تنزيه النخب الإنقاذية من الإنزلاق فى فساد الرأى والذمم وإمكانية ذلك حتى فى واقع يتميز بضيق دائرة إتخاذ القرار وإحتكار السلطة والقوة من ناحية، وإهمال كل الآليات الخاصة بمحاربة الفساد مثل إتباع الاجراءات المالية الصحيحة والمتعارف عليها فى التوثيق والمراجعة وعدم أحترام حرية التعبير وحرمة القضاء المستقل للبت فى المنازعات بين الناس، من ناحية ثانية. على أنه ومن باب الأمانة يمكن القول بأن تلك الجرثومة الشمولية لا يقتصر وجودها على الإنقاذ لانها مازالت كاملة الدسم فى أحزاب المعارضة حيث يحل المنصب القيادى كما قال الخاتم فى شخص القيادات على طريقة شيوخ الطرق الصوفية و( نظرية الحلول) بدلا عن أن يحدث العكس، فانظر الى ظاهرة الجمع بين رئاسة الحزب السياسى والطائفة الدينية حتى تدرك المعنى. اما الحزب الشيوعى الذى تناوله الكاتب بالنقد فيعد مثالا صارخا لتلك الممارسة لانه لم يكن قد عقد مؤتمره الخامس الا بعد مضى حوالى اربعة عقود كاملة تخللتها فترات كانت تسمح بعقده فى اجواء كاملة من الحريات ولكن قيادته اختارت الا تفعل، ،وهو شىء يؤكد فى حد ذاته على مدى الإستهانة بالاجراءات الديمقراطية. ولان مسألة حلول المنصب القيادى فى شخص الزعيم ربما تصلح لقيادة الطوائف الدينية وليس الأحزاب السياسية فقد تم حسم معظم قضايا ما عرف بالمناقشة العامة التى فتحها الحزب لتقييم تجربة إنهيار حلف وارسو حسما (لائحيا) وليس (برنامجيا). وقد تمخض المؤتمر العام عن ( لائحة) ما زالت تدمن معاقرة هوايتها المتجسدة فى المصادرة للرأى الاخر وحقه فى التنظيم المستقل والإتصالات الأفقية خارج الوحدات التنظيمية، بإفتراض أن القيادة هى الأكثر حرصا حتى من اصحاب الشأن من ذوى الاصوات المعارضة انفسهم، على إبراز اصواتهم وحمايتها من التغول والتهميش والإلغاء!. وهو وضع شبيه كما نرى بوضع الحوار والتابع فى ثقافتنا الدينية المتوارثة وبمثابة توقيع شيك على بياض للقيادة بإعتبارها منزهة عن الاخطاء. وهى الثقافة السياسية التى نهلت منها الانقاذ وإستمدت الجرأة على تطبيق سياسات التمكين. فى تقديرى الخاص من هنا تنبع اهمية نصوص الخاتم فى كشف زيف الوصاية، وصاية القيادة على الحزب، ووصاية الحزب على الطبقة والشعب تحت مختلف الزرائع والمبررات !.
إلتصقت الشائعات والأساطير بالخطاب النقدى الاصلاحى للمرحوم الخاتم، وكان أبرزها على الإطلاق ما يفيد بأنه قد تخلى عن الماركسية جملة وتفصيلا، إضافة إلى تخليه عن الإشتراكية. لكن القارىء الأمين لخطاب الخاتم قبل خروجه من الحزب الشيوعى وبعده لن يجد لذلك أثرا، فالخاتم لم ينفض يده عن الماركسية تماما، بل نفضها عن الماركسية فى نسختها اللينينية، كما أن تخليه عن الإشتراكية كان لصالح التمسك بما هو أكثر تواضعا وهو شىء نستطيع أن نجده فى مفردة العدالة الإجتماعية. ومازال المنظور الطبقى يجد إعتبارا كبيرا لدى الكاتب فى كلما يتعلق بمسائل التخطيط والتشخيص لقضايا المجتمعات ولكن ضمن إطار تعدد المناظير، أى أنه قد أراد التخلى عنها كمنظور واحد فى دراسة المجتمع. ولا يشترط الخاتم الأنحياز للطبقة العاملة معيارا للالتزام بالعدالة الإجتماعية social justice ولذلك فقد ظل يتساءل عما إذا كان الموقع فى الإنتاج هو المحدد للمواقف الايديولوجية، وهو تساؤل مشروع ولكنه يستمد مشروعيته فيما لو تخلينا عن تعريف الايديولوجيا (بإعتبارها موقف عام لطبقة إجتماعية) وهو تعريف ماركسى كلاسيكى يفترض إهمال الجوانب النفسية والثقافية ويتجاوزها بإستمرار مما يعنى ضرورة التمسك بالنظر إلى الايديوجيا كمنظور perspective . هذا الانتقال فى المصطلحات والمفاهيم تفرضه حقيقة أن المعرفة الماركسية ظلت تستند إلى العمل وعلاقات الإنتاج فى تفسير تراكم الوعى بينما تغفل تماما التربية والتنشئة الأجتماعية التى تقوم بها مؤسسات المجتمع مثل البيت والمدرسة والشارع والاعلام الخ. ذلك أن المعرفة الإنسانية لاتتم بين ذات بشرية وشىء موضوعى فى البيئة الخارجية، بمعزل عن الحوار لان الاشياء والظواهر خارج ذواتنا لا تقدم معرفة مالم يتم الحوار والمحاججة حولها بين البشر. إن إستناد الوعى على العمل وعلاقات الإنتاج يجعله وعيا أداتيا instrumental ، اى يوفر المعرفة التى تستطيع ان تخدمنا كأداة فى إطار محاولاتنا للسيطرة على الطبيعة من خلال الإنتاج. جاء فى نفس الورقة ملامح لخطاب معرفى وأخلاقى عظيم حينما كتب الخاتم: (لقد تمت صياغة المشروع الماركسى بالتركيز على لحظة التعميم النظرى . والعكس ذلك فى الفكر والممارسة معا . وكان ذلك على حساب الخصوصية ، الامر الذى أصاب الممارسة الثورية بأضرار فادحة . وتمّ التركيز على الاهداف النهائية ، على حساب الاهداف الجزئية كوسائل فقط ، مع انها تشتمل على غائيتها الخاصة ، والتى لا يمكن الوصول الى غاية نهائية - ان كان ثمة شىء كهذا - بدونها . وقد عومل البشر أنفسهم كوسائل فقط فى كثير من لحظات التاريخ المأساوية ، مع أن كانط كان قد حذر من ذلك قبل ماركس بكثير ) نستطيع ان نلاحظ هنا مدى حرص الكاتب على نقد مبدأ الجوهرانية االفلسفى Essentialism وهو موقف ماركسى يلصق النبل والعدلة الإجتماعية بالطبقة العاملة بإعتبارها رسول التاريخ فى إخراج البشرية من الظلمات إلى النور، مما يعنى أن العدالة الإجتماعية تسير أينما سارت الطبقة العاملة وحزبها الطليعى !. والحقيقة أن تحقيق العدالة الإجتماعية واجب كل مجتمع إنسانى مسئول ولكن يجب أن يأتى تحقيق ذلك الهدف النبيل فى التحليل النهائى، اى بعد وضع الظواهر ومعالجة كل منها على أرضيتها الخاصة، بمعنى ان يتم وضع إعتبار للعديد من العوامل عند التخطيط لتنمية المجتمعات فالتركيز وحيد الجانب مثلا على القطاع العام وإستمرار الإستثمار فى المؤسسات الخاسرة مع وجود بدائل أخرى للتنمية خطأ فادح كانت تمارسه دول حلف وارسو بقيادة (الاتحاد السوفيتى العظيم)ربما كان ذلك سعيا لتحقيق وهم الملكية الجماعية لوسائل الانتاج تلك المقولة الغامضة التى لم يوفق المرحوم نقد فى فك طلاسمها ضمن مساهماته فى المناقشة العامة !. والجوهرانية تعنى تخليد للوسائل مع إهمال لغايات وهو ما يمثل جوهر الفكر الشمولى يمينا او يسارا ، أن الجوهرانية تعبر عن محاولة لايجاد تعاليم يسهل إتباعها بدلا عن تطوير العقل النقدى الأمر الذى يساعد على تغذية عقل القطيع على حساب الإهتمام بالتربية وتطوير الأخلاق للأفراد، فما فعله ماركس هو وضع تعاليم وتحديد ممارسات نمطية تابعة لها وربما مناسك وشعائر تساعدنا فقط على عبور الطريق والوقوف فى الجانب الآخر منه ولكن داخل اطار عالم (الأخلاق العقائدية أو التقليدية) conventional morality دون العبور الحقيقى لإجتياز حدود ذلك العالم الاخلاقى إلى رحابة عالم (الفيلسوف كانط حيث عالم الأخلاق ما بعد التقليدية ) post conventional morality حيث العقل النقدى والبحث المستمر عن مفهوم العدالة يكون بديلا عن معيار الطاعة للتقاليد السائدة وإرضاء المجموع ومقابلة توقعات الآخرين بإتباع انماط سلوكية سائدة تتبناها الدولة وحزبها الحاكم !
لكن تبقى فى النهاية ملاحظة على قدر كبير من الأهمية السياسية والفكرية وهى المتعلقة بصدق نبوءة الخاتم فيما يتعلق بمالات الاحوال فى حزبه السابق حينما تمخض مؤتمره الخامس والأخير ليلد (لائحة) فى اهم ما يتعلق بقضايا المناقشة العامة بعد السقوط المدوى للشيوعية, ذلك السقوط الذى يذكرنا بالقصص القرانى وقوم عاد وثمود فيما لو استعرنا تصوير الخاتم. وقد خرج ذلك المؤتمر ببرنامج فضفاض يحتمل الرأى ونقيضه على نحو يدعو للشفقة والرثاء. وقد كان الحزب ورغم ادعاءاته الخاصة باعتماد المنهج العلمى حريص كل الحرص على تماسكه التنظيمى وارضاء جميع الرفاق, وقد جاء كل ذلك على حساب الموضوعية التى يمثلها البرنامج. و صدق الرجل حينما كتب فى هذا الشان:
( ان منع تكوين الاقلية ، ومأساة الرأى الاخر ،ومصادرة الديمقراطية ، وانشاء بنية سايكولوجية متينة لدى عضو الحزب تخشى الاختلاف والاستقلال والتميّز خشيتها للمرض ، هى ظواهر كفيلة باحباط وسحق تطور اى حزب او منظمة . ولا غرو ، فذلك يمثل الالغاء العملى لفعلية قانون التناقض الماركسى والذى هو القوّة الدافعة لكل تطوّر. فهذا القانون القائم على وحدة وصراع الاضداد قد ابطل فعله داخل الحزب بالتركيز وحيد الجانب - المرضى احيانا - على الوحدة على حساب الصراع. وانه لمن المفارقات الاليمة فى تاريخ الفكر السياسى والتنظيمى ان يبادر الداعون الى نظرية ما ، والمؤمنون بصحّتها وصوابها ، الى الغاء جوهرها حينما يشرعون فى تطبيقها . خاصة وان تلك النظرية تصر على وحدة الفكر والتطبيق، وتعتقد ان حقيقتها لا تتكشّف الاّ فى وحدتها . للاسف الشديد فان هذا هو بالضبط ما حدث بل ان اكثر ما يثير القيادات الحزبية ويفجّر غضبها هو القدح فى مبدأالمركزية الديمقراطية الذى ادى الى كل هذه النتائج السالبة . ولا يحدث هذا الا لان هذا المبدأ يتعلق بالسلطة الحزبية وبحماية المواقع القيادية).
جديرا بالذكر ان المرحوم الاستاذ الخاتم عدلان كان يعلم تمام العلم مصير مبادرته الاصلاحية داخل حزبه الشيوعى بدليل انه اختتم ورقته بالاقتباس التالى :
نصحتهم قومى بمنعرج اللوى فلم يسبينوا النصح إلاضحى الغد
وهو ما يدعونا لمزيد من التامل والاندهاش
طلعت الطيب
Talaat Eltayeb [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.