في علم (الجغرافيا) وبخاصة علم المناخ يستخدم مصطلح (انقلاب) للتعبير عن حالة الطقس شتاء وصيفا فيسمى فصل الصيف (الانقلاب الصيفي) وكذلك في الشتاء نقول (الانقلاب الشتوي) والكلمة تعبر تماما عن الحالة اذ أن حالة الطقس تنقلب تماما من حال الى حال، من نقيض الى أقصى نقيض. ولعل كلمة (انقلاب) تعبر تماما على ما يجري ايضا في السودان في جميع المجالات، انقلاب في الحياة العامة في كل القيم والمقاييس التي كانت سائدة من قبل، انقلاب اخلاقي، انقلاب في المعاملات في الأصول، تغيرت كل تلك المفاهيم وهذا ظاهر لكل من غاب عن السودان فترة طويلة. فالأوضاع تغيرت، بكل أسف، للأسوأ. حيث (اندثرت) كثير من القيم والعادات السمحة والتعاملات الحلوة لتحل محلها بعض القيم والمفاهيم الدخيلة على مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا السمحة. وكانت من أهم القيم التي نعتز ونفخر بها هي قيمة احترام وتقدير الجيرة وحقوق الجيران، الذين كانوا في مرتبة الأهل، بل قد تصل معزتهم احيانا الى كونهم (أكثر) من أهل. فمنذ شروق الشمس يبدأ المرء في تفقد جيرانه من جميع النواحي بحيث يكون ملما بكل صغيرة وكبيرة عن ظروفهم وحياتهم، عن صغاره. كانت العلاقة وطيدة ووثيقة ومتجددة في الأعياد والمناسبات. وكنا ونحن صغار وعندما الظروف قد تقتضي أن يسافر رب الأسرة في (مأمورية) عمل خارج المدينة يستدعي ابن الجيران الأكبر للمبيت مع اسرته حماية لهم، ورعايتهم في فترة غيابه، وكان هذا لا يتردد في القيام بهذا الدور باعتباره نفر من تلك الأسرة فتجده يخلف رب الأسرة بكل أمانة وصدق وتفان واحترام في الزود عن جميع أفراد تلك الأسرة وكأنه تربطه بهم (صلة) رحم دون ان تحدثه نفسه بالمساس بعرض أي من في الدار أو العبث ببمتكات صاحب الدار، بخلاف ما قد يحدث اليوم حيث نقرأ في الأخبار من جرائم (اخلاقية) وحوادث لا يصدقها العقل من اعتداء على حرمات الجيران وتدنيس شرفهم و (النبش) وتلطيخ سمعة أولادهم وبناتهم. وفي كثير من الحالات نجد أن عاداتنا السمحة تجاه الجار قد تغيرت تماما فلاهو يسأل عنا وعن أحوالنا ونحن كذلك نبادله نفس الأمر، وينحدر مستوى التعامل بين الجيران الى أقل مستوى للتعامل المعتاد من افشاء السلام والسؤال عن الحال والأحوال. ونبرر ذلك بالمشغوليات و (الجري) وراء تلك الدنيا الفانية التي صارت (أكبر همنا) وننسى الجار الذي جعل يوصي سيدنا جبريل بحقوقه علينا حتى كاد أن يكون من الوراث. وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تتناول حق الجار وتحض على التعامل معه بالحسنى وبكل اخلاص، حتى ربطت بعضها بين الايمان الحق واكرام الجار والاحسان اليه واحترامه وتقديره. هذا لا ينفي بالمرة وجود الجار السمح الذي يحترم ويكرم ويقدر جاره فهناك جيرة مثالية حتي في الحضر والمدن التي قد اندثرت فيها كل تلك الأمور، نجد فيها الجيران كما يقولون (روح واحدة في جسدين). كل واحد يقيم علاقة متينة مع الآخر لدرجة تصل فيها حد الكمال (البشري)، كل جار ملم تماما بحالة أسرة جاره، متحابين ومتآخين ومتشاركين في السراء والضراء. ربما كانت طبيعة علم جارك تحتم عليه عدم الظهور والانشغال المستمر لكن ذلك يجب الا يمنعك من السؤال عنه وتفقده وآل بيته من حين لآخر ولا يمنعك من ان تكون صاحب المبادرة في اتباع حقوق الجيرة وممارسة أصولها. كن مثاليا في التعامل مع جارك، احرص على الا تؤذيه أو تسمح لأحد من اسرتك بايذائه برفع صوت التلفزيون أو أي شئ من تلك الامور التي قد تؤذي جارك. جاء في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم {والله لا يؤمن...والله لايؤمن..قيل من يارسول الله.؟ قال: الذي لم يأمن جاره بوائقه} وقيل أي لا يكتمل ايمانه والبوائق هي الشرور والعياذ بالله. افلا نصبو الى ان يكون ايماننا مكتملا وجارنا بعيدا عن شرورنا؟؟؟؟؟ alrasheed ali [[email protected]]