النيابة العامة تقيّد بلاغًا جنائيًا ضد ناشري خطاب مُفبرك منسوب لنيابة مكافحة الثراء الحرام والمشبوه    من أسوار الملاعب    رباعية من أيندهوفن في ملعب أنفيلد تعمق معاناة ليفربول    هاشم الأمين رئيسا لبعثة نادي حي العرب الى كسلا    (خواطر …. سريعة)    الخرطوم تشترط لوقف إطلاق النار وواشنطن تريد هدنة بدون شروط    السودان يهزم لبنان ويتأهل لكأس العرب بقطر    ياسر العطا يفجّرها: سنجلس للتفاوض    إبراهيم شقلاوي يكتب: الكهرباء وفرص العودة إلى الخرطوم    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر المثيرة للجدل سماح عبد الله تسخر من الناشطة رانيا الخضر والمذيعة تغريد الخواض: (أعمارهن فوق الخمسين وأطالبهن بالحشمة بعد هذا العمر)    شاهد بالصورة والفيديو.. بثوب فخم ورقصات مثيرة.. السلطانة تشعل حفل غنائي بالقاهرة على أنغام "منايا ليك ما وقف" والجمهور يتغزل: (كل ما نقول نتوب هدى عربي تغير التوب)    رئيس الوزراء يوجه بترقية وتطوير الأداء بمطار بورتسودان    شاهد.. "بقال" يحاصر القائد الميداني "يأجوج ومأجوج" بأسئلة ساخنة وحرجة: (أذكر السبب الحقيقي لخروجنا من الخرطوم؟ ومن أي كلية تخرج عبد الرحيم دقلو كما زعمت؟)    هل استقال وزير الدفاع؟ غياب مثير للجدل وتكتم رسمي    شاهد بالفيديو.. (حرم وعلي الطلاق) طبيبات سودانيات بإحدى دول الخليج يتصارعن على دفع الحساب داخل المطعم ويخطفن إعجاب وضحكات الجمهور    القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن: (أبوي داعم للحرب وهو الان في موقف غلط ودا ما محتاج مجهر او نظرة مرتين وكتار بضغطوا عليه بسبب مواقفي وخياراتي)    النيابة العامة تقيّد بلاغاَ جنائياً ضد ناشري خطاب مُفبرك    تعرف على أكبر هزيمة في تاريخ برشلونة بدوري أبطال أوروبا    فضيحة كندية بشأن خطوة خطيرة في السودان    بيان الصراخ... لماذا تفقد دبلوماسية سلطة ابوظبي المنطق ؟    هل القحاتة عشان لابسين بدل وبتكلموا انجليزي قايلين روحهم احسن من ابو لولو ؟    مصر.. تحذيرات بعد إعلان ترامب حول الإخوان المسلمين    لاعبو المنتخب الوطني يرفضون أداء التمرين بقطر ويعودون للفندق والسبب تأخير "الحافز"    شاهد.. بعبارة "كم شدة كشفت معادن أهلها" صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تزين شوارع العاصمة السودانية الخرطوم    لماذا يصعب الإقلاع عن التدخين؟    "نفير الأغاني".. رهان على الفن من أجل السلام    التضخم ..."غول" يحد من قدرة السودانيين على الشراء    بنك الخرطوم: استوفينا جميع المطلوبات لافتتاح فرع للبنك في مصر    السودان.. قرار بحظر نشاط صيد الأسماك وإغلاق لبحيرتين    لجنة عودة المواطنين للعاصمة تتفقد أعمال تأهيل محطات المياه والكهرباء بمحلية الخرطوم    لماذا لا ينبغي التعويل على تصريحات ترامب    شاهد بالصورة والفيديو.. أحدهم وقف أمامه وأنشد قصيدة.. "تمثال" قائد الجيش "البرهان" يثير جدلاً واسعاً وسط تعليقات متباينة ما بين مشيدة ورافضة (الكاهن يستحق أكثر من ذلك ورجعنا لعبادة الأصنام)    أطباء ينصحون بتقوية المناعة قبل دخول الشتاء    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    زراعة الخرطوم ومنظمة الفاو تنفذان حملة تطعيم الماشية بولاية الخرطوم    ادارة مكافحة المخدرات ولاية النيل الابيض تضع حدا لنشاط شبكة إجرامية متخصصة في الإتجار وتهريب الحبوب المخدرة    أكبر هبوط شهري منذ انهيارات الكريبتو في 2022.. لماذا ينهار سوق العملات المشفرة الآن؟    إدارة مباحث كسلا تفكك شبكة إجرامية لتهريب البشر يتزعمها أحد أهم المطلوبين الهاربين من السجن    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    أمريكا تفتح بوابة الرقاقات المتقدّمة أمام G42    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    شاهد.. صور ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مع علم السودان تتصدر "الترند" على مواقع التواصل والتعليقات تنفجر بالشكر والثناء مع هاشتاق (السودان بقلب بن سلمان)    تسيد السعودية للإقليم خلال العقد القادم    الطيب صالح ناهض استعلاء السلطة عبر "الكتابة السوداء"    دونالد ترامب يفجّرها حول حرب السودان    فريق ميداني متخصص من إدارة مباحث ولاية كسلا يسدد بلاغ خاص بسرقة عربة بوكس    الطاهر ساتي يكتب: مناخ الجرائم ..!!    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاقات الجيرة


محاضر بجامعة إفريقيا العالمية
الإسلام دين الحق والعدل، ولهذا فإنه يقوم على مبدأ الحقوق والواجبات، بدءاً بالعلاقة بين الخالق والمخلوقين، وانتهاءً بالعلاقة بين المسلم وأخيه، فمن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا معه غيره، ومن حقهم عليه إن فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة، وكذلك العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وبين الزوج والزوجة، وبين الجار والجار، وبين المسلم والمسلم.
وهذه الحقوق منها ما هو واجب، ومنها ما هو من فروض الكفايات.
لقد أضاع جل المسلمين كثيراً من هذه الحقوق وقصروا فيها، وأكثر الحقوق ضياعاً حقوق الجوار، خاصة في المدن وفي هذه الأعصار. وإذا كان أبو حازم رحمه الله، وهو من التابعين، ينعي على المسلمين في وقته ضياع حقوق الجار، حيث قال كما روى عنه مالك: كان أهل الجاهلية أحسن جواراً منكم، وإلا فبيننا وبينكم قول الشاعر:
ناري ونار الجار واحدة
وإليه قَبْلي تنزل القدر
ما ضر جار لي أني أجاوره
أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت
حتى يواري جارتي الخدر
ونحن لا نطالب الجار بما قرره هذا الشاعر الجاهلي، فهذا مطلب بعيد المنال، عزيز التحقق، ولكن نطالب الجار بالالتزام بما أمر به الشارع، نحو:
1. أن يتعرف عليه إذا حل في جواره.
2. أن يبدأه بالسلام إذا خرج أو دخل.
3. أن يشاركه أفراحه وأتراحه.
4. أن يعوده إذا مرض أو أحد من أهله.
5. أن يشيع جنازته.
6. أن يتفقده إذا غاب أومرض.
7. أن لا يؤذيه.
8. أن لا يتجسس ولا يتحسس عليه.
9. أن يجيب دعوته.
10. أن يصون حرمته.
11. أن يعينه عند الشدائد.
12. أن يواسيه ويكثر بره ويحسن إليه.
13. أن يستر عيبه.
14. أن ينصح له.
15. أن يحسن عشرته.
لقد ورد في ذلك حديث عن معاذ بن جبل، قال القرطبي: سنده حسن، وبيّن أهم حقوق الجار: «قلنا: يا رسول الله، ما حق الجار؟ قال: إن استقرضك أقرضته، وإن أعانك أعنته، وإن احتاج أعطيته، وإن مرض عدته، وإن مات تبعت جنازته، وإن أصابه خير سرك وهنيته، وإن أصابته مصيبة ساءتك وعزيته، ولا تؤذه بقُتَار قدرك إلا أن تغرف له منها، ولا تستطيل عليه بالبناء لتشرف عليه وتسد عليه الريح إلا بإذنه، وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها، وإلا فأدخلها سراً لا يخرج ولدك بشيء منه يغيظون به ولده، وهل تفقهون ما أقول لكم، لن يؤدي حق الجار إلا القليل ممن رحم».
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من حق الجار أن تبسط له معروفك، وتكف عنه أذاك.
وقال علي للعباس رضي الله عنهما: ما بقي من كرم أخلاقك؟ قال: الإفضال على الإخوان، وترك أذى الجيران.
وكان يقال: ليس من حسن الجوار ترك الأذى، ولكن الصبر على الأذى.
والجوار ليس قاصراً على السكن، وإنما يشمل الجار في السوق، وفي الزراعة، والطلب، ونحوها.
الجيران ثلاثة:
1. جار قريب مسلم، وهذا له ثلاثة حقوق: حق الجوار، والقرابة، والإسلام.
2. وجار مسلم، وهذا له حقان: حق الجوار، وحق الإسلام.
3. جار كافر، وهذا له حق واحد هو حق الجوار.
وحقوق الجار تتفاوت كذلك بين الجار الأقرب، والأدنى، والأبعد.
وصية الله ورسوله بالجار:
لقد وصى الله ورسوله بالجار حقاً، فقال تعالى: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب».
قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: «والجار ذي القربى والجار الجنب»: «أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه، ألا ترى سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين: «والجار ذي القربى« أي القريب، «والجار الجنب» أي الغريب.
إلى أن قال: وعلى هذا فالوصاة بالجار مندوب إليها مسلماً كان أوكافراً، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه».
أما الأحاديث التي توصي بالجار وتأمر بالإحسان إليه وتنهى عن أذاه فكثيرة، منها:
1. ما صح عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه«.
2. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «إن خليلي أوصاني: إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف«، وفي رواية: »فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك».
3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرْسِن شاة«.
4. وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن؛ قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جارُه بوائقه«.
5. وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره«، ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم«.
6. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: »إلى أقربهما منك باباً«.
حد الجيرة :
ذهب أهل العلم في حد الجوار مذاهب هي:
1. أربعون داراً من كل ناحية، وهذا مذهب الأوزاعي والزهري.
2. من سمع النداء فهو جار.
3. من سمع إقامة الصلاة فهو جار المسجد.
4. من ساكن رجلاً في محلة أومدينة.
والجيرة مراتب بعضها ألصق من بعض وأولى.
الجار الحسن يُشترى:
حسن الجوار من النعم العظيمة والآلاء الكريمة، ولهذا قال علي: الجار قبل الدار؛ فالدار الطيبة الواسعة القريبة تضيق بساكنيها إذا ابتلوا بجار سوء، والدار الضيقة البعيدة تطيب لساكنيها إذا حظوا بحسن الجوار.
باع أبو الجهم العدوي داره بمائة ألف دينار، ثم قال للمشترين: بكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ فقالوا: وهل يشترى جوار قط؟ قال: ردوا عليَّ داري، وخذوا دراهمكم، والله لا أدع جوار رجل: إن فقدتُ سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألتُه أعطاني، وإن لم أسأله ابتدأني، وإن نابتني جائحة فرّج عني.
فبلغ ذلك سعيداً فبعثه إليه بمائة ألف درهم.
الجار السوء يباع بأبخس الأثمان:
كان أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو صاحب علي من سادات التابعين وأعيانهم، واضع علم النحو بتوجيه من علي رضي الله عنه، «من أكمل الرجال رأياً، وأسدهم عقلاً، ويعد من الشعراء، والمحدثين، والبخلاء، والفرسان، والبُخْر، والعُرْج، والمفاليج، والنحويين»، وصاحب ملح ونوادر، من ذلك:
كان له جيران بالبصرة، كانوا يخالفونه في الاعتقاد، ويؤذونه في الجوار، ويرمونه في الليل بالحجارة، ويقولون له: إنما يرجمك الله تعالى؛ فيقول لهم: كذبتم، لو رجمني الله لأصابني، وأنتم ترجمونني ولا تصيبونني؛ ثم باع الدار، فقيل له: بعتَ دارك؟! فقال: بل بعت جاري؛ فأرسلها مثلاً.
ولله در القائل:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي
ولم يعرفوا جاراً هناك ينغصُ
فقلت لهم كفوا الملام فإنها
بجيرانها تغلو الديار وترخص
حفظ ورعاية حق الجار ولو كان مسيئاً:
ورد في وفيات الأعيان أن الإمام أبا حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله كان له جار إسكافي يعمل نهاره، فإذا رجع إلى منزله ليلاً تعشى ثم شرب، فإذا دب الشراب فيه أنشد يغني، ويقول متمثلاً بقول العرجي:
أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
ولا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وأبو حنيفة يسمع جلبته في كل يوم ويصبر.
وفي يوم كان أبو حنيفة يصلي بالليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسعس منذ ليالٍ، فصلى أبو حنيفة الفجر من غده، ثم ركب بغلته وأتى دار الأمير، فاستأذن عليه، فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكباً، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط؛ ففعل به ذلك، فوسع له الأمير من مجلسه، وقال له: ما حاجتك؟ فشفع في جاره، فقال الأمير: أطلقوه وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومناً هذا؛ فأطلقوهم أيضاً، فذهبوا وركب أبو حنيفة بغلته، وخرج الإسكافي معه يمشي وراءه، فقال له أبو حنيفة: يا فتى هل أضعناك؟ فقال: بل حفظت ورعيت، فجزاك الله خيراً عن حرمة الجوار.
ثم تاب، ولم يعد إلى ما كان يفعل، بسبب هذه المعاملة الكريمة ومقابلة الإساءة بالإحسان.
قال الأصمعي رحمه الله: ومن أحسن ما قيل في حسن الجوار:
جاورت شيبان فاحلولى جوارهم
غريباً عن الأوطان في زمن المحل
فما زال بي إكرامهم وافتقادهم
وبرهم حتى حسبتهم أهلي
لقد استعاض بعض الناس من الكفار وغيرهم الكلاب بالجيران، فأصبحوا يربونها، ويعتنون بها، ويوصون لها بالأموال بعد هلاكهم، لما لمسوا من وفائها وتنكر الأهل والجيران لهم.
ذكر صاحب كتاب »فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب« ابن بسام محمد بن خلف المرزبان المؤرخ، المترجم، الأديب، البغدادي المتوفى 309ه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قتيلاً، فقال: ما شأنه؟ قالوا: إنه وثب على غنم بني زُهْرة فأخذ منها شاة، فوثب عليه كلب الماشية فقتله؛ فقال: قتل نفسه، وأضاع دينه، وعصى ربه، وخان أخاه، وكان الكلب خيراً منه».
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «كلب أمين خير من صاحب خؤون».
وقال كذلك: كان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم، وكان شديد المحبة لهم، فخرج في بعض منتزهاته، ومعه ندماؤه، فتخلف منهم واحد، فدخل على زوجته، فأكلا وشربا، ثم اضطجعا، فوثب الكلب عليهما فقتلهما، فلما رجع الحارث إلى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر، فأنشد يقول:
وما زال يرعى ذمتي ويحوطني
ويحفظ عرسي والخليل يخون
فيا عجباً للخل يهتك حرمتي
ويا عجباً للكلب كيف يصون
فاحذر أخي المسلم أن يكون الجاهليون أحسن جواراً منك، بل والكلاب، واحذر أن تكون جار سوء، واحرص أن ترعى وصية ربك ورسولك في جيرانك، واجتهد أن يكون لك في رسولك، والصحب الكرام، والسلف العظام، والجاهليين الراعين لحق الجوار الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة، والمثال الذي يحتذى.
ما نسمعه من قصص وحكايات عن سوء الجوار، وغلظتهم وغفلتهم عن حقوق إخوانهم المسلمين يندي لها الجبين، ويشيب لها الوليد، فكم سمعنا أن شخصاً مات في شقته ولم يعلم جيرانه بوفاته حتى تجيّف ويشموا رائحة ذلك فيبلغوا الشرطة فتأتي لتكسر الباب.
وأن شخصاً مات أبوه أو ماتت أمه ولم يجد من جيرانه من يعزيه، دعك من أن يعينه على تجهيز الميت وحمله وتشييعه ودفنه إلا عن طريق الأجرة، وهذه كلها من الحقوق الكفائية للمسلم على إخوانه المسلمين، وبالنسبة للجيران اللصيقين من الواجبات العينية.
وكم سمعنا أن جاراً يمرض ويذهب إلى الاستشفاء خارج البلد ولا يسمع به جيرانه الأقربون.
هذا بجانب الكيد، والتجسس، والإيذاء الحسي والمعنوي، والحسد، وغير ذلك.
فهؤلاء وأولئك لا بوصية ربهم ونبيهم عملوا، ولا بأخلاق أجدادهم تمسكوا، ولا من مسبات الأحاديث خافوا، قال حاتم الطائي مخاطباً أزواجه:
أيا ابنة عبد الله وابنة مالك
ويا ابنة ذي البُرْدين والفرس الورد
إذا ما عملت الزاد فاتخذي له
أكيلاً فإني لست آكله وحدي
بعيداً قصياً أوقريباً فإنني
أخاف مذمات الأحاديث من بعدي
وكيف يُسيغُ المرءُ زاداً وجاره
خفيف المعي بادي الخصاصة والجهد
أذى الجيران وحسدهم والبغي عليهم من الكبائر:
الواجب على الجار أن يحسن إلى جاره، وأن يصبر على أذاه، ويسر لنفعه، ويحزن لضره، فإن لم تستطع على ذلك فأضعف الإيمان أن تكف عن جارك أذاك، وحسدك، وعداوتك.
وأنت أخي الكريم إذا ابتلاك الله بجار سوء، حسود، ظلوم، فعليك أن تصبر على أذاه، وأن تحسن إليه، فالإحسان يزيل العداوات ويصيرها صداقات، واعلم أن المؤمن مبتلى، بل »أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل«، كما أخبر الصادق المصدوق، فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه.
فقد يبتلى الصالحون بالطغاة الظالمين، أوبالسفهاء الجاهلين، أوبالجيران المؤذين الحاسدين الحاقدين، أوبالأقارب المعادين المخاصمين، أوبالأبناء العاقين، أوبالنساء الخميم الرميم، أوبالمنافقين الفاجرين، وكل ذلك لحكمة يعلمها هو، لدرجة يرفعها، أولخطيئة يكفرها، إذا صبر العبد واحتسب.
قال الحسن البصري رحمه الله: إلى جنب كل مؤمن منافق يؤذيه.
ولهذا قيل: أزهد الناس في عالم جيرانه.
وقيل: الحسد في الجيران والعداوة في الأقارب؛ لغلبة ذلك عليهم.
قال رجل لسعيد بن العاص: والله إني لأحبك؛ فقال له: ولمَ لا تحبني ولست بجار لي ولا ابن عم.
وقيل: إن أحسد الناس لعالم وأنعاه عليه قرابته وجيرانه.
وأخيراً نقول كما روي عن داود عليه السلام أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من جار سوء، عينه ترعاني، وقلبه لا ينساني، ونسأله سبحانه أن يوفقنا للقيام بجميع الحقوق، وأن يغفر لنا تقصيرنا في ذلك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.