[email protected] (1) يُعتبر المغرب منذ قديم الزمان وعلى مر مختلف الحقب, بأنه طفل أمريكا المُدلّل, وقد انعكس ذلك في الكثير من التعامل المشترك بين الدولتين والتي أسهم في إنتعاش المملكة المغربية على مختلف الصّعد, ولا ننسى دور المغرب المتعاظم في توجيه الإسلام السياسي نحو بر الأمان . فالمغرب يُعتبر ركيزة الدول الإسلامية قاطبة في تجسيد الوسطية في الإسلام, وقد تبنّى هذا النهج مستخدماً أدوات حداثية لمواجهة ما يُعرف ب"الإرهاب" أو "الإسلام السلفي", وقد شهد له العالم أجمع بجهوده وتفوّقه في هذا المجال منذ ما يقرب لثلاث عقود مضت. ولكن من المؤسف جداً أن نرى الولاياتالمتحدةالأمريكية تُقحم نفسها - في الآونة الأخيرة - في صراعات إقليمية وجهوية, لا ناقة لها ولا جمل في هذا إلا تنفيذا لأجندات بالوكالة لبعض الأطراف التي أثبت الزمان عجزها عن اللحاق بقطار المغرب السريع المتجه نحو الحداثة والإندماج بالسوق الأوروبية. إن فزّاعة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية لهي مبادرة تقدمت بها بعض اللوبيات الأمريكية "المرتزقة" ومارسته كورقة ضغط لاتخاذ مواقف عدائية ضد المملكة المغربية, ومنعها من بسط الأمن والاستقرار في إقليم من أقاليمها, يتمتع بنظام لا مركزي موسّع, يُعتبر نموذجاً يُحتذى به في العالمين العربي والإسلامي ولا فخر. لقد دأبت بعض جماعات الضّغط التي تقوم تحركاتها من خلال منظور ضيّق وفق مصالحها ومصادر تمويلها المشبوهة, على جعل موضوع الدفاع عن حقوق الإنسان ذريعة لتقديم تقارير تفتقد للموضوعية, وتستند على معطيات ساذجة, خاصة عند مقاربتها للنّزاع حول الصحراء المغربية, ومن هنا أقدم مركز روبرت كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان على إصدار تقرير مُتخم بالمغالطات والضلالات حول وضعية حقوق الإنسان في هذا الإقليم. ونص هذا التقرير على توسيع صلاحيات البعثة الأممية للصحراء الغربية "المينورسو" كي تشمل مراقبة حقوق الإنسان, مُعتبراً أن المنطقة لا يزال فيها نزاع مسلّح. وهذا الزعم في نظرنا ممجوج مردود, ونجده يتناقض في العمق مع المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان ومع الآليات الدولية للحماية في القانون الدولي لحقوق الإنسان, كما يتناقض مع مسارات ملف القضية إبتداء من سنة 2002م, حيث بدأ في البحث عن حل سياسي سلمي وديمقراطي . ولكن كما يُقال إذا عُرف السبب بطل العجب, فانحياز المبعوث الأممي السيد كريتوفر روس لمعسكر الجزائر له أسبابه الموضوعية, فقد كان سفيراً للولايات المتحدةالأمريكية في الجزائر, وبالتالي تنصّل المبعوث الأممي عن المسؤولية الأخلاقية التي كانت ملقاة على عاتقه تجاه القضايا الساخنة, كما إفتقر إلى الموضوعية ونزاهة المبعوث التي تُحتّم عليه المحايدة, ترك كل هذا خلفه وانحاز إلى أحد أطراف النّزاع, لم يترك للمغرب خياراً سوى أن تلوّح بسحب الثقة منه, وذلك خلال السنة الماضية. وقد اضطر هذا القرار الأمين العام للأمم المتحدة شخصياً للتدخل ويطلب من المغرب بالعدول عن هذا القرار, والإبقاء على السيد روس مبعوثاً أمَميّاً مُقابل بعض الضمانات, على رأسها حياديته في هذا الصّراع. والجدير بالذكر أنّ تعيين هذا المبعوث الأممي لم يلق الترحاب الكافي من طرف الأوساط السياسية المغاربية, باستثناء الجزائر التي تربطه بها علاقات المودة, والتي جاءت على حساب بعض الأشقاء, الذين يسعون لنزع فتيل صراع ما فتئت تؤجّجه الجزائر, كموقف عدائي تجاه جارتها المغرب, لممارسة الضغط عليه وإجباره على التنازل عن حقوقه المشروعة في ترابه الوطني وسيادته . ومن الواضح أن إحترام حقوق الإنسان والسّعي إلى محاربة الإنتهاكات هي في صُلب المشروع الديمقراطي الحداثي الذي منحه الدستور المغربي الجديد زخماً واضحاً. ولا شك في أن الدولة المغربية قد قطعت أشواطاً مهمة, وخاصة من خلال إعادة النّظر في تركيبة وعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يخضع لمعايير في مقدمتها الإستقلالية والمصداقية. في نفس السياق, فان المغرب فتح مجاله لعمل المقررين الدوليين العاملين في مجال حقوق الإنسان, كما هو الأمر بالنسبة للسيد مانديز, المقرر الخاص بالتعذيب. لكن ينبغي الإقرار أن مسالة حقوق الإنسان في الصحراء تطرح في العمق إشكالية كبيرة تتمثل في معرفة كيفية التوفيق بين إحترام حقوق الإنسان والدعوة إلى الإنفصال التي يحاول خصوم المغرب إستغلالها لمنع كل تسوية محتملة لهذا النزاع المفتعل, والذي طال أمده . تحاول هذا المقاربة ظاهرياً الفصل بين البُعد المتعلق بحقوق الانسان, والمقاربة الشاملة للتسوية, لكنها في العمق, مقاربة خطيرة لأنّها تُزكّي إستراتيجية خصوم المغرب الهادفة إلى تقويض السّيادة المغربية والبحث عن التسوية النهائية لمشكلة الصحراء وذلك من خلال التركيز على قضايا جزئية, كما هو الأمر بالنسبة لحقوق الإنسان وإستغلال ثروات المنطقة. وربما هذا هو الطريق الذي كان يوجه سلوك كريستوفر روس خلال المفاوضات غير الرسمية. ولم يتنبه المفاوض المغربي لهذه الحيلة إلاّ مؤخراً عندما قرر سحب ثقته قبل أن يتراجع عن ذلك بعد طمأنة الأمين العام لجلالة الملك محمد السادس حول ضرورة إلتزام مبعوثه بمتطلبات قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. إن توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان خرق لمبدأ كونية حقوق الإنسان, باعتباره مشروع "ديبلوماسي" و "سياسي" ضيّق من قبل مركز جون كينيدي للعدل وحقوق الإنسان, وهو مركز تشوبه الكثير من"الشبهات" في تلقيه أموال من بعض الجهات لإصدار تقارير باطلة ضد المغرب. إن مجلس الأمن بقراره رقم 1970 سنة 2012م إعترف بالمجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان ولجنته الجهوية كآليات إنتصاف وطنية قادرة على حماية حقوق الإنسان, وهذا لا يعني مراقبة أممية للمنطقة, بل مراقبة في إطار آليات الإنتصاف الدولية, فالمغرب إختار أن يكون تحت رقابة الآليات الأممية العاديّة المكلّفة بمراقبة حقوق الإنسان, أي الآليات التعاهدية وغير التعاهدية من نظام الإجراءات الخاصة. ونقرأ في البيان الصادر عن الديوان الملكي أن المغرب إتخذ "إجراءات إدارية من أجل النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها على كافة ترابه. وفي هذا الإطار, يندرج بصفة خاصة, تعزيز إستقلالية الآليات الوطنية لحقوق الإنسان وتوسيع إنفتاح المغرب على الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة, مستجيبة بذلك لإنتظارات المجتمع الدولي, وخاصة مجلس الأمن . (2) إن ما يُؤسف عليه, وما يندّ له الجبين أن نرى تلك الأموال الإفريقية والعربية, تُنفق على غير هُدى ولا سبيل مبين,كان أولى بها الفقراء والمحرومين في القارة العجوز. ولكن هذا الصرف البذخ والسخي نراه موجّه لتمويل جماعات عُرفت بتجاوزها لأبسط قواعد المهنية وعدم إحترامها للموضوعية والنّزاهة في تقاريرها, وعدم مراعاتها للقيم الأخلاقية في التعامل مع موضوع قد يمس بالوحدة الترابية للمغرب, لا لشيئ سوى إلحاق الضرر بدولة جارة شقيقة قطعت أشواطاً مقدّرة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد كان أولى أن تُصرف كل تلك الأموال للنّهوض بقضايا التنمية في منطقة تُعاني من آثار التخلّف وسوء التنمية. ولا شك أن المبعوثين الدوليين والمعنيين بشؤون الصحراء الغربية والوفود الدولية ونُشطاء حقوق الإنسان قد وقفوا على مدى التطور الكبير الذي تشهده المناطق الصحراوية في مجال التنمية, التي جهد المغرب لتحقيقها في المنطقة لرفع مستوى عيش ساكنيها وإحترام حقوقهم, كل ذلك حسب المواثيق الدولية. في حين أن أصوات العديد من المنظمات الوطنية والدولية قد إرتفعت لشجب عبث وإستهتار الجزائر بحقوق اللاجئين الصحراويين المحتجزين فوق ترابها في مخيمات تندوف, ورفضها إجراءات أي إحصاء تحت إشراف المندوبية الأممية السامية لشؤون اللاجئين, حتى لا يقف المجتمع الدولي على حقيقة الوضع في هذه المخيمات المنكوبة, وحالات الإختلاس الممنهجة للمساعدات المرصودة للاجئي المخيّمات للقضاء على معاناتهم . واللافت في هذا الموضوع, هو ضلوع الولاياتالمتحدةالامريكية فيه, تحت غطاء أممي وبإسم الديمقراطية وحقوق الإنسان, الشعار الذي تُبرر به على الدوام تدخّلها السافر في الشؤون الداخلية للدول للإنتقاص من سيادتها وقرارها المستقل, وذلك خدمة لمصالحها. ان الولاياتالمتحدةالأمريكية هي أكثر دول العالم صخباً وضجيجاً بالحديث عن حقوق الإنسان وشعاراته, كما أنها الدولة الأكثر إستخداماً لورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية, إلا أنها على صعيد الممارسة الفعلية تُعد الدولة الأخطر على مَر التاريخ التي انتهكت وتنتهك حقوق الانسان, أما كل هذا الضجيج والعجيج -الامريكي- حول حقوق الإنسان فلم يكن سوى ستار أخفى خلفه نزعة التوسّع والسيطرة . ومن الخطير جداً أن تتبنّى مصادر صنع القرار الأمريكي هذا النوع من التقارير الملفّقة والمُزوّرة, لاتخاذ قرار في شأن نزاع في أكثر المناطق حساسية اليوم. وعليه, لتلافي أي تداعيات لمواقفها أن تُعيد النّظر فيها, وتنزل بكل ثقتها لدعم مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب, والتي تُعد برأي المراقبين, أنجع السُّبل لحل سلمي مُتّفق عليه ويُرضي كلّ الأطراف . ولا شك أن الحوار السياسي بين أطراف النّزاع يَلقى ترحيباً داخل المغرب وخارجه, لأن القراءة الهادئة لأطوار النّزاع ومواقف أطرافه الإقليمية والدولية تؤكد أن الحوار هو الحل, وأي توجّه تصعيدي سيُعتبر تدخلا سافراً في الشّأن الداخلي للمغرب, من شأنه أن يُقوّض كل الإنجازات التي حقّقها المغرب في صحرائه , فيما يخص إحترام حقوق الإنسان لساكني المنطقة الذين تعرضوا في الماضي لأعتى أشكال الظّلم والقهر والإستبداد الذي مورس عليهم من طرف الإستعمار الإسباني الغاشم .