من الملاحظ أن إنسان القرن الحادي والعشرين قد تحول بقوة الأمر الواقع إلى ما يُمكن أن يُطلق عليه "الإنسان البطاقة" ، لقد تم اختزال الإنسان في مجموعة من البطاقات البلاستيكية التي لا يُمكن العيش بدونها مثل بطاقة المهنة ، البطاقة الشخصية ، بطاقة الصراف الآلي، بطاقة الإئتمان ، البطاقة الصحية ، بطاقة التأمين الصحي ، بطاقة الدخول لمكان العمل ، بطاقة ملكية مركبة ، بطاقة رخصة القيادة وبطاقة شريحة الاتصال ، وكل هذه البطاقات تحتاج إلى تجديدات سنوية أو دورية وإلا فقدت مفعولها السحري! ولعل ارتباط حياة الإنسان الشديد بالبطاقات لا يحتاج إلى دليل، فالإنسان يحتاج لها على مدار اليوم ، فهو لا يستطيع التنقل من مكان إلى آخر بدون بطاقة ملكية مركبة وبطاقة رخصة القيادة ، ولا يُمكنه مباشرة عمله اليومي بدون بطاقة المهنة وبطاقة الدخول لمكان العمل، وليس بمقدوره إجراء أي معاملات رسمية بدون البطاقة الشخصية ، وليس بإمكانه الحصول على علاج بدون البطاقة الصحية وبطاقة التأمين الصحي وليس باستطاعته سحب النقود أو إيداعها بدون استخدام بطاقة الصراف الآلي أو بطاقة الإئتمان ولا يُمكنه إجراء أي اتصال بأي شخص في العالم إذا فقد بطاقة شريحة الاتصال! ومن المؤكد أن حياة الإنسان ستتوقف تماماً إذا فُقدت أو سُرقت المحفظة التي تحتوي على كل البطاقات المذكورة أعلاه ويُصاب بما يُسميه أهل القانون بالموت المدني ، فإنت تتحول بسبب ضياع بطاقاتك إلى شخص مجهول الهوية عاجز عن التنقل ، العمل ، التعامل الرسمي، العلاج ، الحصول على النقود والاتصال ، ولكي تستعيد شخصيتك الضائعة ينبغي عليك أن تقوم بفتح سلسلة من بلاغات الفقدان لدى الشرطة ولدى الجهات المصدرة للبطاقة ومن ثم الانتظار إلى حين الحصول على البطاقات البديلة بعد دفع رسوم إصدار البطاقات البديلة! أما الأخطر من ذلك فهو أن تقع البطاقات المفقودة أو المسروقة في يد مجرم متخصص في سرقة الهويات أو سرقة الحسابات المصرفية وأن يتأخر صاحب البطاقات المفقودة في الإبلاغ عن ضياعها أو سرقتها ، ففي هكذا ظروف من الممكن أن يُعرض الإنسان نفسه لمخاطر قانونية كثيرة لا يستطيع منها فكاكاً لأن مسؤليته المدنية والجنائية عن البطاقات لا يُمكن التحلل منها إلا منذ لحظة تسجيل بلاغات الفقدان أو لحظة الإبلاغ، ومن الممكن جداً أن يقوم أحد المجرمين بتقمص شخصيتك واستخدام كافة بطاقاتك والتنعم بكافة فوائدها وهو يبتسم في سعادة ثم تزداد ابتسامته اتساعاً لعلمه التام أن أي مخالفات يرتكبها سيتم تسجيلها عليك في شكل غرامات أو حتى عقوبات جنائية خطيرة ، وفي الختام لا يملك المرء إلا أن يقول للإنسان البطاقة: حافظ على كافة بطاقاتك ولا تضعها كلها في محفظة واحدة ولا تضع أرقامك السرية مع بطاقاتك المصرفية بأي حال من الأحوال وإلا فإنه من الممكن أن تفقد شخصيتك بسبب ضياع تلك المستطيلات البلاستيكية الصغيرة! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر