راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصول من وهج الذاكرة .. بقلم: د. على حمد ابراهيم
نشر في سودانيل يوم 27 - 05 - 2013


2)
* * * و تركت الجمل بما حمل!
عوى مكبر الصوت فى المطار الشائخ يدعو المسافرين على طيران عبر الخليج الى اكمال اجراءات سفرهم. لفح شنطة صغيرة وراء ظهره . و ضم الى صدره اوراقه الثبوتية : نظر فى جواز سفره الاحمر الانيق يقرأه بتركيز لافت . يقول جواز سفره ان حامل هذا الجواز ليس من جملة الاشخاص العاديين الذين تلتقطهم الاعين الدوارة فى أى مكان عام . اطلق زفرة عميقة من صدره المأزوم . اخذ يحدث نفسه فى منلوج مكتوم : مسافر انت فى الفضاءات المستحيلة . وعزة ماكثة فى حزنها القديم . هل تنسحب من الميدان والمعركة ما زالت تستعر. أم هو سفر سفر الجفا الذى شقّ خبره على بت وداعة ، كجور المخيم ، وخازنة اسراره القديمة . و جعلها تدق صدرها من جزع وخوف ، تسأل من يحمى الديار اذا غادر أهل العزيمة و الصولجان . و ليس مثل سفر بت على ، أمه البدوية الصارمة ، و فارسة مضرب العشيرة الى مدينة البندر ، تريد المعاورة و المشاتمة مع مفتش الانجليز ، تحدثه عن اصله المقطوع وفصله ، لأنه زجّ بزوجها ود ابراهيم فى سحن المدينة عقابا له على تعديه على قوانين المناطق المقفولة ، وجعله يحمل جرادل المياه على كتفه الى منازل موظفى المركز اهانة له امام الملأ وهو شيخ القبيلة القادرة التى تحنى السيف ولا تحنى ظهرها . ام هو سفر الغبينة و قلة الحيلة . طوفان التتار الجدد غمر الخميل الجميل فى الصبح المشئوم ، صبح الجمعة بالتحديد . وفتحوا نوافذه للريح الصرصر، يدمر كل شئ فى طريقه ، ويتركه رميما او كالرميم . لا يبعثر السفر كيانك و لا يهده . و انت المفطوم على بزازة السفر والترحال . البوادى عموم لا تذكرك الا وانت مسافر فى الفضاءات الخارجية . او عائدا من سفر . وحياة عشيرتك فى بوادى دار محارب عموم ، هل هى الا ترحال سرمد فى رحلتى النشوغ الخريفية والدمرة الصيفية . السفر هو غطاؤك وفرشك الممدود . سفر الغبينة غير . اخذ يصعد الدرج بخطى وئيدة ، يقدم خطوة ، ويؤخر خطوة ، ينظر تحت قدميه من حيطة و حذر. يتطلع الى الافق الساجى وقد تلبد بالغيوم الداكنة . سماؤه توجوج فيها البروق وترعد . علها مغاضبة هى الاخرى . ومشايعة له او مؤآسية. التفت ينظر فى قسمات المودعين الذين تراصوا امام الدرج . انفعالات هنا وهناك على قسمات المودعين . اناس مسرورون . آخرون محزونون . ومجموعة اخرى لا من هؤلاء و لا من اؤلئك . تمنى ان تحدث المعجزة ويرى بين جموع المودعين اناسا من البوادى عموم يعزهم و يعزونه يلقى عليهم نظرة وداع حانية . فهو لا يدرى اين يقوده قدمه المفارق . هل يعود من قابل . ام يتيه فى المفازات اليباب و يغلبه أن يعود . هم كذلك . لا يدرون ان كان سيعود الى البوادى عموم مثلما عاد التوم الأحمر ذات يوم بعد اعوام كثيرة قضاها لاهثا فى دروب البندر حتى عده الناس فى الهالكين . صعد الدرج الاخير قبل الولوج الى جوف الطائر الفخيم . التفت وراءه والقى نظرة عميقة فى الفضاء العريض و فى وجوه المودعين . حول نظره الجوال فى اتجاه البوادى عموم. تخيل أنه يسديها تحية وداع خاصة يبثها بعض لواعج نفسه المحتشدة بالهموم . تدلت من عينيه دمعات ساخنة بلا استئذان . مسحها بكم جلبابه متظاهرا بالشجاعة رافضا الانكسار امام هجمة الخطوب . تمتم بكلمات خفيضة يحدث نفسه فى منلوج خاص : مشيتها خطوات كتبها عليك قلم القدرة . ومن كتب عليه قلم القدرة خطوات مشاها . تحية روتينية من كابتن الطائرة الفخيمة . يتمنى لنا رحلة مريحة و سعيدة معه الى البلد الذى لا تؤذن ديوكه للفجر عند كل صباح، كما تفعل ديوك الناس فى بوادى دار محارب عموم . و لا يشبه البلد الذى اطلق فيها صرخة ميلاده الاولى. لا يشبه تحديدا البوادى عموم. بدأت اذن فصول المحنة . توجس خيفة من ان يكون فراقه هذا مثل فراق الطريفى لجمله الاصهب الهباب ، ذلك الفراق الذى سارت بذكره الركبان . وصار مثلا شعبيا مطروقا . تشير النتيجة الى اليوم الخامس عشر من مارس . نفس اليوم ونفس التاريخ الذى كان يتطير منه يوليوس قيصر ، عظيم الروم . صدق احساس الدكتاتور الرومانى . قتل فى الخامس عشر من مارس . هو لا يتطير من يوم من ايام الله . ولج الى جوف الطائرة الفخيمة فى الخامس عشر من مارس مطمئنا . وليس فى قلبه ذرة من خوف غير الخوف على افئدة جزعة و ملتاعة من فراقه تركها وراءه فى البوادى عموم . هبط المطار الفخيم فى فجر اليوم المقدس ، فجر الجمعة بالتحديد . الناس يتسابقون فى هذا اليوم كما يتسابق فيه الغر الميامين فى البوادى عموم. شتان بين السباقين . الناس فى البوادى عموم يتسابقون نحو جامع المخيم الوحيد ، كل يروم مكانا فى الصف الاول ، احتسابا ليوم تشخص فيه الابصار . وتزوغ فيه من مواضعها القلوب التى فى الصدور. الناس هنا يتسابقون لحجز مقاعد للسفر الى مناطق التنزه الفخيم ، يقضون فيها عطلة نهاية الاسبوع . لا اثر ، و لا خبر عن هذا اليوم المقدس فى هذه المدينة المشغولة بمضاربات البورصات العالمية والمحلية ، و بانخفاض او ارتفاع اسعار العملات . تسابق من نوع لم يالفه من قبل . و لا تعرفه البوادى عموم . و لا يشبه تسابق الخلق فيها .. غايات الخلق هنا مختلفة عن غايات الخلق فى البوادى عموم . الخلق هنا يتسابقون للحصول على راحة قليلة لا تزيد عن بضعة ساعات فى الاسبوع كله . يعودون بعدها الى الكد المرهق وراء لقمة عيش لا تتوفر الا بجهد جهيد فى مجتمع محتشد بالانانية والفردية المفرطة و لا معين فيه لاحد عند الحاجة . الناس فى البوادى عموم يأكلون ما تيسر الحصول عليه من طعام. ويحمدون الله على ما تيسر لهم . ويفيضون من فضل زادهم على المحتاج . لا ينسون الفضل بينهم . انتبه الى سحنات الناس من حوله. تفرس فى اشكال غير متشابهة . لا يكاد يجمع بينها شئ غير الهيكلية البشرية التى صنع المولى البشر عليها . هذا آسيوى صغير الحجم ، دقيق القسمات ، ناحل الجسم كأنه مفطوم من الاكل والغذاء . وهذا افريقى اسود البشرة ، ضخم الجثة كأنه ياكل نصيبه ونصيب مجالسيه حول مائدة الطعام . وهذا ابيض البشرة ، ناعم القسمات . بدت عليه آثار النعمة التى لا يحمد الله عليها. وذاك مشغول بآلته الحاسبة يراجع بها ارباحه وخسائره فى سوق الاسهم والبورصات . اغتم صدره فجأة . اطلق زفرة عميقة من صدره المأزوم . عاد يحدث نفسه فى منلوج مكتوم : بعدت عنه البوادى عموم . و بعد عنه الناس الذين تالفهم القلوب قبل العيون . لم يعد نظره يطالهم ، ولا يحمل النسيم اليه بعض همهماتهم الحانية . عائشة ، الاخت الأم ، غابت عن العين وبقيت فى الوجدان . عجزت ان تكون فى جحفل المودعين الباكين. و عجزت مياسة الصغيرة. لماذا فعلت بهم الذى فعلت . عزاؤك الباقى انهم لا يطلبون منك اعتذارا . و لكنك تتعزى على أى حال . غلبك أن تمارس الاصطبار على المذلة والهوان . الاصطبار السرمد على الذل والاهانة غاية لا يدركها كل البشر ، حتى الانبياء منهم . ايوب النبى الكريم ، سيد كل الصابرين لم يستطع الاصطبار السرمد . ويونس النبى الكريم ، خرج مغاضبا غير صابر ، فعاقبه ربه بالحوت يبتلعه فى جوفه . لم يستطع ان يمارس الانحناء حتى تحت ظل سيف المعز او تحت بريق ذهبه . حمل اوراقه وغادر . ارض الله واسعة . والارزاق مقسمة سلفا قسمة غير ضيزى . لن تفنى نفس قبل أن تفنى ما كتب لها من رزق . قد تاكل يوما ، و قد تجوع يوما . ولكنها تبرأ من ذل الاذعان و الانحناء . بخ ، بخ ! هذا بيع رابح . تركت لهم الجمل بما حمل . بدأت ملحمة الحياة الجديدة . حياة مرة فى مجتمع مر ، يطلب اليك ان تنسى ماضيك القريب ، وأن تبدأ من الصفر فى كل شئ ، حتى تكون قادرا على تحقيق الحلم الامريكى . مغرورون هؤلاء الناس حتى نخاعهم العظمى. يانكى مغرور من قمة رأسه حتى اخمص قدميه. يريدك ان تنسى ماذا كنت . و ماذا تعلمت. وماذا انجزت فى امسك القريب : قسوة بلا حدود . مجتمع يرحم اذا كانت نار جهنم ترحم . قلت لا بتصميم غير مساوم . رفضت وظيفة كبيرة جاءتك تمشى اليك فى عقر دارك . وظيفة يسيل لها اللعاب ، عرضها عليك المرفق الخطير. كانت ستدر عليك ذهبا . كبرت نفسك عن التدنى الى ذلك الدرك . رفضت عرض المرفق الخطير. طلبت اليه أن يوقف ملاحقاته المغرية اليك . رفضت ان تمد يديك الى منظمات الاغاثة التى تحتال على الجميع ، بما فيهم المانحين و المحتاجين فى دياسبورا الامتهان . فتحت عينيك واسعتين حتى لا تقع فى الحفر العميقة كما وقع الكثيرون . فرقت بين معارضة حكومة زمنية قائمة اليوم و قد لا تكون قائمة غدا . و بين معارضة وطن انجبك ورباك وعلمك . فضلت سهر الساعات الطويلة فى مكاتب الطرق السريعة الباردة . وساعات اخرى فى مكاتب المتاحف التاريخية ، وساعات مثلها فى مكاتب التمويل المركزى على ان تقف فى صفوف الرعاية الاجتماعية . او تستجيب لملاحقات المرفق الخطير . تكتشف عالما غريبا فى البلد الذى يتدثر بالبعد عن عوالم الآخرين ، فلا يدركون كنهه و لا يرون تضاريسه الداكنة التى تجثم فوق هضاب من الوجود الآسن . صورة مطابقة لصورة رسمتها ريشة ادريس جمّاع، الشاعر الملغوم بالابداع ، تجسد فيها السماء تبدو قريبة من عالمنا . ولكنها تستعصم بالبعد عنا . قالها ادريس جمّاع الذى جمع فى صدره عذابات الابداع التى ما لبثت ان افقدته دنيا الناس وألق الحياة . كذلك هى بلد اليانكى ، قريبة من عوالمنا بزخمها المترع . بعيدة عن مداركنا بقدراتها الفتاكة فى التزيين والتزييف فى آن واحد . دولة قطب ،و اغنى بلدان الدنيا ، وتحول الحاجة فيها تحول انسانها الى ماكوك يغدو ويروح دأبا من صبحه الى مسائه وراء لقمة عيش بائسة يقضمها على عجل فى مطاعم الوجبات السريعة . ويقضم معها المرض السريع. انسان دوار مثل عجلة دوارة فى مجتمع غير متكافل . لا يسأل فيه حميم حميما . يصبح الفرد فيه و يمسى و هو غير مطمئن على أى شئ . الراسمالى الضخم قد يطيحه فى أى لحظة تتراجع فيها ارباحه سنتا واحدا . سؤال يختمر فى ذهنه كل الوقت : يسدد فواتير الاستغلال الرأسمالى كيف . و كيف يبقى فى جعبته من المال ما يوفر له و جبة ضئيلة فى مطاعم الوجبات السريعة عند المساء ينام عليها ببطن نصف خاوية . جون ، زميله فى مكان العمل ، رآه يدفع ثمن وجبة قدمها الى صديق جاء يزوره. اغتم جون ، وافترشت اساريره بسمة حائرة. لم يقل له شيئا فى التو . ولكنه اضمر ان يقول له الكثير عندما يغادر الزائر الغريب مكتبهما المشترك . الناس هنا يتكلمون بمقدار . ويبتسمون بمقدار . ولا يعرفون الضحك المجلجل مثلما يفعل الناس فى البوادى عموم . لا يدسون انوفهم فى شأن الآخرين . و يرفضون بشمم ان يدس الآخرون انوفهم فى شأن من شئؤنهم الخاصة . صديقه الجديد جون صار استثناءا منذ تعارفا فى الوردية المسائية فى مكاتب المؤسسة التى ترعى المتاحف التاريخية القومية . لم يعد يمارس معه عادة الخواجات منذ تعرف عليه فى مكان العمل . صار صديقا فوق العادة ، يدس انفه الدقيق فى امور صديقه القادم من ىعوالم الشموس الافريقية بطباع بدت له غريبة و جالبة للحيرة والاندهاش . عندما خلا المكان ، امسك بتلابيب صديقه الافريقى يجره اليه بقوة . يحتج لديه بقوة . يصرخ فى وجهه بقوة . البارحة فقط كان جائعا لا يملك قوت نفسه ولا قوت عياله . وها هو اليوم يتفضل بوجبة منتصف النهار على زائر تبدو عليه علامات الراحة المادية . يدفع ثمن هذه الوجبة من مرتبه الضامر. وكان حريا به ان يوفر هذا المال القليل للذين ينتظرونه فى برد فيرجينيا المغاضب . سأل صديقه الافريقى الذى بدا له عبيطا بما فيه الكفاية : لماذا فعلت هذا ؟ لا تقل لى ان دينك يأمرك بهذا . الرب لا يأمر بالهلاك . كلنا اهل اديان .و اهل كتب سماوية . كل واحد منا يعبد ربه بطريقته الخاصة . انت تسجد له على الارض , تعفر له جبينك بالغبار فى اسمى نوع من التقديس و اذلال النفس للديان فى علاه البعيد . تعجبنى هذه الاستكانة للخالق فى صلواتكم . يكفي هذا من شخص فى مثل حالك . لن يطلب منك الرب ان تبعثر القليل الذى تجمعه بشق الانفس على الآخر غير المحتاج و انت سيد المحتاجين . هذا زائر مستور الحال جاءك ملاطفا وليس محتاجا . لماذا تدفع له ثمن طعامه . تقبل منى دس انفى فى شانك الخاص. افعل هذا من باب الاشفاق عليك ، لأنك لا تعرف نواميس الحياة فى هذا المجتمع القاس الذى وفدت عليه بدون تدبر كاف . اريدك ان تعرف ، مثلا ، لماذا اعفاك مخدمك من العمل معه حين اكتشف انه يوظف
سفيرا سابقا يحمل من المؤهلات العلمية والخبرات ما يؤهله لوظيفة اكبر من الوظيفة التى قدمها اليه . اريدك ان تعرف الامر على حقيقته الكاملة. تصرف مخدمك هكذا لأنه يخاف قانونا يمكن ان يعرضه للمساءلة بتهمة استغلال حاجة الآخر المحتاج . هذا قانون القانون متوحش فى جانب . وانسانى فى جانب آخر. فهو لا يسأل عن ماذا يحدث لك عندما تفقد المال القليل الذى يتيحه لك عملك هذا . اما مخدمك فهو يعرف ماذا سيحدث له اذا اشتم احد المتنطعين فى منظمات المجتمع المدنى رائحة استغلال من أى نوع . يحمى نفسه بطردك من الخدمة ولا يحميك بزيادة مرتبك حتى تستمر فى عملك باطمئنان . تعرف ان منظمات المجتمع المدنى عندنا صارت دولة داخل الدولة . بل صارت اقوى من الدولة فى كيثر من الاحيان . وهى تراقب هؤلاء الجشعين الذين يمصون دماء الذين ترميهم الاقدار فى طريقهم . تبسم لصديقه جون . ولم يجادله . اذ لا جدوى من جدال كهذا . بون العادات الاجتماعية و الفوارق الثقافية والدينية بينهما شاسع. وهو جدال لا يملك له وقتا و لا استعدادا نفسيا . ولكنه سأل صديقه الجديد لماذا صار استثناءا ، و صار يتدخل فى شأن اصدقائه بصورة مخالفة لما درج عليه الناس هنا. وصار يدس انفه فى انوف الآخرين وليس فقط فى شئونهم الخاصة . ضحك جون حتى بان اصفرار اسنانه من كثرة تدخينه للتبغ الفرجينى المغرى . وقال انه صار استثناءا معه فى محاولة منه لانقاذ شخص متهور وغير مدرك لنواميس البيئة التى وفد عليها بلا تدبر حاذق . شخص يريد ان يرهن حياته الجديدة فى موطنه الجديد لنواميس بيئة تراصت بينه وبينها الوف كثيرة من الاميال الجغرافية والمعنوية .
لم يشأ ان يشرح لصديقه جون لماذا رفض الوظيفة التى عرضها له المرفق الخطير وهى وظيفة يسيل لها اللعاب . خاف ان يفرم جون الضخم الجثة رقبته الناحلة . طبعه غير المساوم ، و المجانب للشبهات من أى نوع ، كلفه كثيرا فى ماضيه غير البعيد . و لا يريد ان يكلفه سخرية اضافية من صديقه جون ، الذى لن يفهم . ولن يقبل تبريره لرفض عرض المرفق الخطير . انصرف الى نفسه يحادثها فى منلوج خاص ، كانه يعتذر لها على كل المشاق التى راكمها عليها حتى الآن . الشطب المتكرر من كشوفات الترقى و التنقلات الدبلوماسية مرات ومرات بسبب عناده . ورفضه للانحناء والحقارة من اقزام لن يصبحوا طوالا مهما نافقوا ومهما تزلفوا . مناكفاته الكثيرة ورفضه الانحناء والتقوس امام الآخر المتجبر جعلته اكثر من مرة على قاب قوسين او ادنى من الذهاب الى الشارع العريض مطرودا من الخدمة الدبلوماسية لولا رجال عظام هرعوا الى نصرته بلا سابق معرفة او صلة رحم غير صلة تقدير الابداع الادبى التى ظنوا انه يمتلك ناصيتها ، و هو بعد شاب يضع قدميه غير الراكزتين فى اول درجات السلم الوظيفى و الاجتماعى. حسبوه مشروع مؤلف روائى عظيم فى المستقبل القادم قبل ان يخذلهم جميعا : عمر الحاج موسى ، العسكرى الاديب، وجمال محمد احمد السفير المرموق والكاتب الشاهق ، خلف الرشيد القانونى الضليع، وعبد الوهاب موسى ، الباحث المدقق ، والنذير دفع الله العالم الضخم . واحمد خير، حبر التاريخ الوطنى . كلهم تراصوا خلفه اكثر من مرة وانقذوه من حبل المشنقة الوظيفية . لقد ضل البدوى الشاب طريقه عندما دلف الى حظيرة السلك الدبلوماسى فى غفلة من الزمن مثلما يقول احد اصدقائه الممراحين . كان حريا به ان يظل وسط اهله المغاوير فى المفازات المدلهمة بالخطوب التى لا تبرح عوالم البدويين . ان لزم الامر يحمل بندقيته وسيفه على كتف ويتدرع حربته الكبس ذات الكنداب على كتفه الآخر ، و يخرج مصادما نفس الهواء كما يقول شاعرنا الدبلوماسى صلاح احمد ابراهيم يرثى اهله الذين قضوا ضحايا فى عنبر جودة المشهور فى التاريخ السياسى السودانى . لم تغير الدبلوماسية من سجاياه البدوية . نعم ، تهندم بالبدل من الماركات العالية بدلا من ثياب اهله المرسلة مع الريح . ولكنه ظل على سجايا اهله البدويين الاساسية. يزيده الظلم تماديا فى العناد كعادة اهله البدويين حين يشعرون ان زيدا من الخلق يتقصدهم. اثناء فترة الحكم المايوى ضاق صدره بذلك النظام الذى سدر فى عنفه ضد اهله المهدويين فى جزيرة (أبا ) وفى ( الكرمك) وفى (ود نوباوى ). وقتل عددا من اهله الاقربين فى معارك جزيرة ابا ، و جامع الانصار فى ود نوباوى . وفى الكرمك . لجأ الى فن الابداع الادبى يبث فيه حزنه ووجده . جعل من فن القصة القصيرة والرواية والمقالة السياسية بلسما نفسيا . كتب روايته الاولى (الذين دقوا الابواب ) فى ذلك الجو السياسى الخانق . وهى رواية تمجد تاريخ الانصار الرجولى ضد الاستعمار التركى المسنود بريطانيا . وتمجد مناجزتهم لنظام الفريق عبود . وكانت الرواية نوعا من المطاعنة السياسية للنظام الذى يستهدف هؤلاء الانصار دون غيرهم فى وقت انحنى فيه البعض خوفا حتى تقوست ظهورهم من الانحناء السرمد . قصته القصيرة ( الزعامة طايرة و يطير معاها الانجليز ) التى نشرتها صحيفة ( الصحافة ) اثناء فورة الانصار ضد نظام مايو فى جزيرة ( ابا ) فى عام 1970 كانت هى الاخرى مطاعنة للنظام الباطش باستدعائها الفحوليات الانصارية التاريخية ضد الانظمة الباطشة الوطنية منها والاستعمارية ، ودعوتها لتحقيق مقولة ان التاريخ يعيد نفسه ، ادخلته فى متاهات ادارية متعبة . وجرجرته الى المساءلة امام رؤسائه الدبلوماسيين. و عرف عندها كم كان لماحا الناقد الكبير ابن خلدون الذى نصح بعدم نشر ذلك النص الروائى خوفا على مستقبل الروائى الناشئ الدبلوماسى من أن تنهيه الرواية ذات النفس السياسى الحاد متى انتبه اليها الرقيب الصحفى. لو اخذ بنصيحة الناقد الكبير وقتها ربما وفر عن نفسه تلك المتاهات الادارية . ولكنه يكون قد باع موقفه لو انه تراجع وعمل بنصيحة الاستاذ ابن خلدون واوقف نشر القصة الداعمة لكفاح شعبه ضد الطغيان الشمولى . الناقد الكبير دون ملاحظته باللغة الانجليزية على صدر القصة كنوع من التعمية. ولكن رئيس التحرير ، وهو شاعر مرهف ، اعجبه النص القصصى فاجازه . المفارقة الكبرى وقتها تمثلت فى وزارة كانت تعج بالادباء والشعراء والكتاب والمثقفين ، بينما كانت قمتها تكره الادباء والشعراء والكتاب وتزدريهم . لم يكن وحده الذى استهدفته الوزارة المدهشة ! يتعزى بأن رعيلا عظيما من الادباء و الشعراء والكتاب الدبلوماسيين لقى مصائر مشابهة من العنت الوظيفى فى الوزارة المستحيلة . ينظر فى القائمة المشرقة : صلاح احمد ابراهيم ، النور الدبلوماسى الوهاج ، قضى بعيدا عن الوزارة و مغاضبا بعد أن رفضت الوزارة الصماء عودته الى وظيفته بعد سقوط النظام المايوى بحجة انه سبق ان تقدم باستقالته من الخدمة فى النظام المايوى . استقالة ، نعم . ولكنها كانت استقالة بمثابة قلادة شرف . قدمها عندما بلغ سيل النظام الزبى . ولكن بقايا النظام (حدروا ) له وعاقبوه على مواقف وطنية عجزوا هم عن ارتيادها! ينظر فى بقية القائمة الشقية : محمد المكى ابراهيم ، خرج مغاضبا . الحاردلو اعيد من نيويورك بعد ساعات من وصوله اليها منقولا ! عبد الهادى صديق اعيد من البلد التى نقل اليها فى عجل وبلا تدبر دبلوماسى كاف ليدفع هو ثمن اخطاء وزارة تدنت قدراتها التحليلية. ما زال يحادث نفسه فى منلوج خاص . يتذكر مطاردات وزيره له لابعاده من الخارجية بحجة انصرافه الى النشاطات الاعلامية والثقافية . قالها الوزير على رؤوس الاشهاد انه يريد افندية طيعين لا يعصون الوزير ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون . اصرّ الوزير على ابعاده الى وزارة الاعلام اكثر من مرة . علل الوزير المدهش مسعاه ساخرا بأن وزارة الاعلام تتيح له مجالا ارحب لممارسة (العك ) الثقافى الذى يجيده و يضيع فيه كل وقته . السفير عزت بابكر الديب ، مدير الشىون العامة فى وزارة الخارجية ، توسل الى الوزير ذى القسمات الصارمة العابسة أن يعطيه فرصة لكى يقنع الدبلوماسى الناشئ بان ينزل عند رغبة الوزير و يتعهد بترك الكتابة فى الصحف . وبتقليل نشاطه فى المنتديات الثقافية . ولكن الدبلوماسى الناشئ ، الذى لم تبرحه نوازع اهله البدويين ، كان يقسم فى كل مرة باغلظ الايمان أن لا يترك الكتابة فى الصحف متى وجد الى ذلك سبيلا . و ان لا يتوقف عن نشاطاته الثقافية . وكانت حجته دامغة . فهو يمارس نشاطه الادبى و الثقافى فى وقته الخاص خارج الدوام الرسمى . استجاب الوزير لرجاءات السيد الديب بشرط ان لا يرى صور الكاتب الناشئ فى الصحف لأن هذا يعكس انصرافية هذا الافندى الصغير عن مجال عمله الذى يقتات منه . و يوظف قدراته فى مجال آخر بعيد عن اهتمامات وزارته . قصته التى نشرتها له صحيفة الايام فى يونيو 1974 بعنوان (دموع اوليفيرا السودانية ) زادت طينة علاقاته مع وزارته بلة . و جرته الى حبل المقصلة الوظيفية . ولم يستطع احد انقاذه من الشطب من كشف الترقى الى درجة السكرتير الاول ضمن دفعته التى كان الاول عليها فى آخر تنافس . قاد معركة ( دموع اوليفيرا ) ضده احد زملائه السفراء . كان يتقلد منصب الوكيل بالوكالة و تماشى مع خط الوزير ضده واخلص فى ذلك التماشى حتى صار مسيحيا اكثر من المسيح . سفيره العارف بنواميس العمل الدبلوماسى وحدوده و فضاءاته ، ابوبكر عثمان محمد صالح، ارغى وازبد ضد قرار شطبه من كشف الترقية الى درجة السكرتير الأول . كان يلتصق بسماعة تلفونه لساعات فى اليوم لا يكاد يترك مسئولا الا تظلم لديه بخصوص مرؤوسه المظلوم . اجرى اتصالات تلفونية غاضبة مع وكيل الوزارة ، مع الوزير ، مع وزير الدولة . كان السفير الانسان يريد ان يعرف كيف تدحرج مرؤوسه من اول القائمة الى الخروج من القائمة دفعة واحدة وليس فقط الى آخر القائمة . رغم انه أمن فى تقرير الاداء السرى على كل الايجابيات السابقة فى سجله القديم واضاف عليها ايجابيات جديدة فى ادائه كانت كفيلة ان تجعله على راس المترقين مرة اخرى . لم يتلق السفير الغاضب غير وعود مبهمة برد الاعتبار الى مرؤوسه المظلوم . ولكن المرؤوس المظلوم قبع فى كشف المظاليم ثلاث سنوات حسوما . سفيره المحتقن الصدر لم يكن يعلم ان ( دموع اوليفيرا السودانية ) هى التى اطاحت بمرؤوسه . لأ احد من الذين ارتكبوا ذلك الجرم وجد الشجاعة ليقول له انه عمد نفسه ناقدا سياسيا للعمل الادبى الذى نشره مرؤوسه الأديب . لقد كانوا جميعا انصاف مثقفين و لا يفهمون شيئا فى الادب والثقافة يجعلهم مؤهلين ليدركوا الرمزية العميقة التى حفلت بها ( دموع اوليفيرا السودانية ). ذلك فن لا يملكون أى قدر من ادواته. ولكنهم شطبوه من كشف الترقيات على أى حال . و شفوا انفسهم مما تجد نحوه . حبسوه فى درجة السكرتير الثانى حتى لحق به وتخطاه اقوام دخلوا الوزارة بعده ببضعة سنين . تبع الشطب من كشف الترقيات التهديد بالشطب النهائى من كشف الخدمة الدبلوماسية اذا استمر فى نشر اعمال سياسية مبطنة بالفن الروائى الذى يعترفون له باجادته. ساءت اموره اكثر بعد نشره قصة اخرى فى صحيفة ( الاضواء ) فى عام 1971 . كانت نقابة المحامين هى خصمه المباشر هذه المرة و ليست وزارة الخارجية . اوقفته نقابة المحامين ، هو و رئيس تحرير (الاضواء) ، خلف القضبان . و لكن الاستاذ احمد خير ، حبر التاريخ الوطنى السودانى ، هرول الى نجدته ونجدة ( الاضواء) وصاحبها ، الاستاذ محمد الحسن احمد ، و انقذه من سجن كان اقرب اليه من حبل الوريد . حفظ القاضى الدعوى لعدم كفاية الادلة لتسلم الجرة الى حين . لأنه لو حكم عليه بالسجن يوما واحدا ستكون الوزارة فى حل من طرده من الخدمة الدبلوماسية التى لا تقبل مجرما سابقا فى سجلاتها . ما زال يحدث نفسه فى منلوج خاص . قطع مكبر الصوت فى الطائر الفخيم حبل تفكيره فى ذلك الماضى الاسيف . الكابتن يبلغ المسافرين بشد احزمة الامان استعدادا للهبوط . طفرت من محياه ابتسامة ساخرة من حكاية احزمة الأمان هذه . أى أمان وهاهو تائه فى الفلوات لا يدرى ماذا يأكل غدا . ولا يدرى أين ينقضى به الأجل . اغلق النافذة المجاورة واغمض عينيه يتحسس مسار دموهع المنهمرة .
Ali Ibrahim [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.