أعلن رئيس الجمهورية امس بعد تحرير ابو كرشولا في احتفالات جرت مراسمها بالقيادة العامة "انه من اليوم لا يعترف بالجبهة الثورية ولا قطاع الشمال ولا حركات دارفور " وسماهم الرئيس "بالخونة " والإرهابيين " ،وأضاف الرئيس "انه لا تفاوض مع الخونة والمارقين " رسالة ثانية لا اعرف مناسبتها في ذلك الاحتفال ،ارسلها الرئيس الي دولة جنوب السودان " بأنه مستعد الي قطع الصلات التجارية والنفط في الأنابيب اذا ثبت لهم دعم الجنوب لحركات الجبهة الثورية .وقال الرئيس "بترولم ده الا يشربوا " . قد تكون تلك الكلمات قد أبهجت بعض من صفيقة ذاك الاحتفال ،باعتبار انها جاءت بعد نصر "مُتصور " بتحرير ابكرشولا . لكن تلك الكلمات بالطبع جاءت صادمة الي كثيرين واولهم انا . وددت لو انتبه الصفيقة الي ما سينتج من ذلك . بالنسبة للولايات المتحدة التي من المفترض ان يزورها نافع قريباً لن تجد خيارات غير "طنيش كلام الرئيس" فالقاعدة الرسمية التي يقرها المجتمع الدولي هي "التفاوض" وليس لديهم اكثر من ذلك . بمعني اخر فان صورة الرئيس ستبدو مهزوزة في نظر الكثيرين ومن ضمنهم اللاعبين الدوليين ،واذا بدت صورة الرئيس مهزوزة فان ذلك يعني ان النظام قد فقد اخر حصونه الدفاعية . خصوصاً اذا لم يجد المؤتمر الوطني بديلا دستوريا "ولو مزيف " لانتخابات 2015 .بشخصية الرئيس التي ستبدو عليه بعد ان يصر المجتمع الدولي ووفقا لاتفاقات سابقة مع الحكومة السودانية علي عودة الاطراف الي منصة الحوار ، ستبدو باهتة جداً الي مجموعات تؤيد الرئيس باعتباره "راجل " . ما مؤكد بالنسبة لي ولاسباب كثيرة ان المؤتمر الوطني لن يستطيع ان يتمادى في رفضة لقرارات المجتمع الدولي .بالحق هناك رقعة نزاعات متعددة في البلد ،وهناك تهديد مستمر للعلاقة مع الجنوب لو انفجر الصراع بين الشمال والجنوب ،فان ذلك يعني امتداد رقعة صراع ممتد من شرق افريقيا الي غربها ووسطها وجنوبها !أمجانين انتم ؟؟؟ لن يسمح احد بذلك وان حدث فصدقوني انه عار علي العالم كله . مشكلة العالم الرئيسية مع النظام ليس الاستهداف ولا الخطط السرية ولا حتي المخابرات العالمية .ما يقلق العالم كله هو الفوضي الضاربه في جهاز الحكم .لا يعرف العالم مع من يتعامل ومن يتخذ القرار ،وان هناك تخبط فظيع في بنية الدولة ،ويظهر الحكام مع كل ذلك عدم كفاءة بينه وظاهرة . دعونا نسأل: هل ارتجل الرئيس خطابه ؟ هل القادة الذين كانوا بجواره كانوا يعرفون ان الرئيس سيعلن ان الحركات المسلحة إرهابيين ويوقف التفاوض علي الهواء مباشرة ؟ في مرة سأل الاستاذ عادل الباز مبارك الفاضل في حوار أجراه معه لصحيفة الاحداث بعد أعلان الرئيس الحرب ضد الجنوب في اعقاب هجومهم علي هجليج .. سأل الباز ، مبارك " عن سبب اعتراضه علي قرارات الرئيس بالحرب ضد الجنوب وهو من بادر بالهجوم ؟ رد مبارك " معليش دي قرارات يطلعا من مكتبو في القصر الجمهوري مش من منبر جامع " . وبالضبط هذه هي النقطة ،سؤالنا عما اذا كان خطاب الرئيس كان معداً ام عفوياً ،يعني اننا نشك في الكفاءة الان يتعامل بها المؤتمر الوطني مع الحكم ..وفي ظل عدم الكفاءة البائن لنا امام أمام أعيننا نجد ان الذين صفقوا للرئيس امس لم يدركوا مطلقا كيف ساهموا في اهتزاز صورة قائدهم الوحيد . وجه الرئيس ذاك المساء رسائل متعددة .. كلها لم تصل رسالة الي العالم ينهي فيها بقرار الحركات المسلحة واتهامهم بالارهاب ..تظل هذه الرسالة معلقة الي حين الحديث مع نافع ،سيستمر يبعث فريق ثامبو امبيكي رسائل الي الحكومة وقتما قررت اللجنة ان الوقت مناسب لدعوة الاطراف الي حوار ،في خضم هذا الاعداد هناك رؤية تتشكل ،باعادة صياغة قرار مجلس الامن 2046 او أصدار قرار جديد "يلزم ضرورة التفاوض مع الجبهة الثورية لحل النزاع في السودان " منطق هؤلاء هو ان دائرة النزاع في السودان مرتبطة ببعضها البعض ،ساعد ذلك ان الجبهة الثورية التي تشكلت من حركات دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال ،نجحوا من خلال عملية "لصد هجوم " كما قال عبدالعزيز الحلو |،الي عملية "السيطرة علي مدن " . في تلك العملية حدث ان أرتفعت أصوات الذين كانوا ينادون بضرورة التفاوض بين المؤتمر الوطني والجبهة الثورية ،وطالما ان النظر الي أطراف الصراع دائما يتجه الي البندقية فان ظهور الجبهة الثورية بفاعلية عسكرية مشتركة يعيد الاعتبار الي منطق "التفاوض مع الجبهة الثورية " عليه لا يصير حديث الرئيس عن عدم التفاوض مع "الخونة "،و"المارقين " حديثاً معترفا به من قبل اي احد في العالم . يزيد الامر سؤً هو ان الحالة العسكرية ليس في مبادرة الجيش بعد ،ومالم نكن نريد ان ننهي الاحتفال فقط ،فأن هناك دلائل واضحة تشير اليها حالة الفزع الذي قمتم به لتحرير ابكرشولا " فلا يمكن ان يهب الناس كلهم والدولة كلها والمال كله الي تحرير ابكرشولا وبعد ذلك تنسبوا الفضل فقط للقوات المسلحة ؟ الحقيقة هي ان ابكرشولا لم تكن تحتاج ان تجيشوا الناس بتلك الطريقة ،فقد أوردت الاخبار ان بعضاً من اهاليها وصلوا الي اطراف الحصاحيصا . رسالة ثانية وجهها الرئيس الي دولة الجنوب ،اذ لو ثبت تلقي الحركات اي دعم من دولة الجنوب سنلقي كافة الاتفاقات ونقفل البترول في الانابيب .زاد الرئيس" بترولكم ده الا تشربوا " . الرسالة الثانية تنقصها كفاءة البدائل التي سيضطر السودان ا يختارها قبل ان يقدم علي خطوة كهذه .اذ انها تأتي بكل تأكيد في سياق "ان النظام حايكون قاطعو مع المجتمع الدولي " وتلك القطيعة ستفرض بالضرورة مزيد من الحصار الاقتصادي والتقييد علي حركة التعاون معه.اذا رفضت الحكومة انت تتفاوض مع الحركات المسلحة فانها بالواقع امام خيارين لا ثالث لهما وهما :انت تحسم الحركات المسلحة كلها بضربة عسكرية حاسمة وفي حال عدم فشلها وهي ترفض التفاوض سيتحول كل الدعم الدولي للسيناريو الاخير وهو التخلص من نظام الحكم في الخرطوم .دعونا فقط نذكر ان الحلفاء المتوقعين للخرطوم لن يجدو مبررا قويا للوقوف مع النظام ،قد لا يعادونه .لكن لا يمكن الدفاع عنه بسبب انه نظام يستحيل التفاهم معه .سترتد الرسالة الي جوبا بواحده من متاريس الحدود ،لأن عملية الغاء الاتفاقات تحتاج الي تدبر اقتصادي وسياسي للبديل . رسالة الرئيس الثالثة :كانت الي القوات المسلحة ،التي نالت منذ هجوم ابكرشولا ثقة ومركز احلام الجهاز السياسي باعتبارها حصناً سيدفع السودانيين "مدخراتهم القليلة " لدعمهم .في سياق هذا ،ولسبب متعلق بتعثر وصول او تنفيذ ما جاء في الرسالة الثانية ،هناك جدل فيما حققته شهادات شهامة "كواحدة من سبل الدين الداخلي ،فالشهادات هذه التي تاخذ من المواطنين مدخراتهم لتستثمرها في التنمية ،وصلت الي طريق مسدود في ظل اصرار الحكومة عليها ،مسألة شهادات شهامة توضح ان الدولة ولسنوات طويلة لم تستثمر بطريقة جيدة استثمارات السودانيين "واعتبرتها دين داخلي هالك " تعود الحكومة الان لتطلب منهم الاستمرار في دعم القوات المسلحة .الحقيقة ليس للسودانيين مدخرات يدفعون بها الي حرب لا أحد يشرح بطريقة معقولة "ما الجدوى منها ؟" ومتي تنتهي ؟ وعلي ماذا تنتهي ؟ لا يصح ان يدعم الناس القوات المسلحة "وبعضمة لسان اركان النظام " هي مؤسسة تحتاج اصلاح هيكلي لتصبح مؤسسة قومية .نقول ذلك ليس للتقليل من ضرورة ان يكون لدينا جيش قومي واحد ،وبدون ان ننسى انه ما من دولة نهضت ونمت في ظل وجود هذا العدد المهول من الجيوش التي تتصارع نحو السلطة . الامر المهم هو ان الرئيس في رسائله تلك تجاهل أهل الشأن وهم مواطني مدينة ابو كرشولا ،الذين طفقوا في ارض الله الواسعة يبحثون عن مكان ،فالحكومة لم تبلغهم علي الاطلاق باي خطة لاعادة التوطين ،وغفل عنهم الرئيس في غمرة حماسته ولم "يطراهم بالخير . قال الرئيس لا تفاوض بعد اليوم ...اذن ما الخطة يا سيادة الرئيس ؟ هل انت عازم الي خوض حرب في وصف كمال حسن بخيت "لا تنتهي "؟ فكمال نبهنا الي دعم القوات المسلحة بالمال والرجال في دعمها لخوض حروب لا تنتهي ..وهو شئ لا يقدم عليه عاقل وحسب . قالت وسائل الاعلام ان الحشد الذي خاطبه الرئيس كان عفوياً ،وان كان عفوياً- مع ان تابيتا بطرس لم تأتي عفويا - فمعني ذلك ان الرئيس فقط اعطوه المايكرفون . تفاجأوا ام لم يتفاجأو .. فانهم استقبلوا قرارات يصعب تنفيذها . Arif Elsawi [[email protected]] ///////////