إذا كسب المرتزقة الفاشر يعني ذلك وضع حجر أساس دولة العطاوة    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشجرة (قصة قصيرة) .. بقلم: شوقي بدري
نشر في سودانيل يوم 07 - 06 - 2013

العواجيز في مدينة مالمو كانوا يتذكرون الحي عندما كانت المنطقة حقولا لزراعة القمح والبطاطس وبنجر السكر. والبعض يتذكر المنطقة قبل ان تقام حلبة سباق الخيل ، التي اعطت الحي اسمه.
بعد الحرب العالمية الثانية انتعش الاقتصاد السويدي بطريقة غير مصدقة. فعندما كان كل العالم في حالة حرب, كان السويديون يبنون بلادهم. وصارت السويد تستورد العمال من جنوب اوروبا. واحتل القادمون الجدد الشقق القديمة. وانطلق السويديون الي المناطق الجديدة.
امتاز حي سباق الخيل بالفلل الصغيرة , التي كانت عبارة عن نسخة واحدة من عشرات الوحدات. وكانت الطبقة الوسطي الجديدة سعيدة جدا في نهاية الخمسينات وبداية الستينات بتلك المنازل. وكانت تعتبر طفرة بالنسبة للكثيرين. الا ان الاغلبية بعد فترة ضاقوا بالنظرة الاشتراكية, وتشابه المساكن. وحاول الكثيرون اضافة تغييرات هنا وهنالك. ولكن بقي الحي كما هو . وعرف بالحي الذي تتشابه فيه كل المساكن.
السيد بيورن استراند. كان اول من اختار منزله. فهو من نوع الذي يحسب نفسه احق بان يستمتع بالدنيا من الجميع. ويستغل صلاته بزملاء دراسته ومعارفه. ولهذا اختار منزلا في نهاية الشارع ليكون بعيدا عن الشارع وصوت العربات.
السيد اندرش سفنسون كان مدرسا . وكان علي اقتناع كامل بان الانسان يجب ان يقدم لمجتمعه اكثر من ما يستطيع. وان الانسان السوي يجب ان لا يزاحم الاخرين. ولهذا لم يحاول ان يزاحم في اختيار مسكنه. وانتهي به الامر كمالك للمسكن الاول علي ناصية الشارع الكبير. وكان سعيدا بمسكنه. بل كان يظن ان المسكن اكثر من ما يستحقه هو وزوجته وبنته الوحيدة. وخصص غرفة لكتبه الكثيرة , كما صارت الغرفة مكانا ياتي اليه طلبته ويساعدهم في دروسهم ومشاكلهم الاجتماعية.
بيورن كان سعيدا باسمه . فهو اسم سويدي خالص وتعني الدب. لم يتعدي الصف التاسع الاجبارى في المدرسة. ولم يذهب الي المدرسة الاعدادية او الجامعة كاغلب السويديين. كان قد تعلم من والده ان المال هو كل شيء وان التعليم هو الحصول علي وظيفة. وان الموظفيين هم الاغبياء الذين ينقصهم الطموح. وكان يعرف كيف يستغل الاخرين وكيف يجني المال بكل الطرق . ولم يكن هنالك شيء يكرهه في الدنيا اكثر من الضرائب السويدية العالية وكان يتحدث عن انها نهب شيوعي.
السيد استراند والد بيورن كان تاجر خيول مشهور في منطقة جنوب السويد. كان سيء السمعة. ولكن لم يكن هنالك من يعرف الخيل خيرا منه. عندما كانت الخيول هي القوة العاملة في الحقول علي مدار السنة كانت اسواق الخيول مكملة للحياة الاجتماعية. وكان استراند يعرف تاريخ كل ذوات الحوافر في منطقته, وشجرة نسب اصغر مهر. ولذا كانت استشارته واجبة. والا انتهي المزارع بحصان لا يعمل او يصير كسيحا بعد بضعة شهور من العمل. وكان خبيرا بكل انواع الخيول من ذوات الدم البارد وخيول الحقول العملاقة وحتي خيول السباق ذات الدم الحار وخيول القفز. وخيول الزينه التى لم يكن يخلو منها منزل فى الريف السويدى . وكان يتقاضي اجرا عاليا. وتنتهي كل صفقة بالكثير من المال وزجاجات الخمر. ومطاردة النساء بعد انتهاء السوق.
زوجته كانت تقضي ليالي طويلة في انتظاره ، بدون جدوي. وابنائه الاثنان كان عليهما بالرغم من صغر سنهما ان يستيقظا بعد منتصف الليل او في الفجر. لادخال الجوادين والعربة, ونزع الالجمة والياقات الجلدية الضخمة والمعدات الاخري. ووضعها في اماكنهما المخصصة واطعام الخيول , قبل مساعدة والدهما الذي يكون نائما. وهو لا يقوي علي المشي بسبب سكره. واخيرا ضاقت زوجته بالحياة. وشنقت نفسها في الاصطبل. ولكن زوجها لم يكن مهتما وواصل حياة العربدة.
بعد صفقة ضخمة جلس يشرب مع احد كبار ملاك المزارع. وعندما علم المزارع بوفاة زوجته قال له ان الرجل يجب ان يكون عنده امرأة في البيت. وذهب المزارع المخمور ورجع مع فتاة في العشرين من عمرها. وقدمها كابنة خادمته. وان والدها غير معروف. ولم يكن هذا شيئا غير عاديا حتي في الثلاثينات. وبعدها ببضع اسابيع كان السيد استراند الذي تخطي الاربعيين متزوجا بماريا التي صار اسمها ماريا استراند.
ولم يغير السيد استراند اسلوب حياته بل صار يغيب بالايام من منزله. فلقد صارت عنده زوجة وخادمة تعرف مكانها ولا تطالبه بالكثير. وعندما صار له ابنا من زوجته الجديدة في نهاية الثلاثينات احس بالاطمئنان وانها لن تتركه وستخدمه وستخدم ابنائه كذلك. وواصل سيد استراند حياته متنقلا بين قري جنوب السويد. والكثيرون يجدون فيه رفيق سكر جيد. فهو لا يبخل بماله وله رصيد ضخم لا ينضب من القصص ، بعضها كان حقيقيا. والقصة التي يتداولها الناس , هي قصة خيوله التي انتحرت. فلقد وقفت الخيول في وسط شريط السكة الحديدية ورفضت ان تتحرك , وصاحبها نائم. وعندما جاء القطار دهس الحصانين وانقلبت العربة. وانكسرت يد صاحب العربة واصيب برضوض في رأسه. والجميع كان يردد ضاحكا ان الخيول قد قررت الانتحار نسبة للشقاء الذي عانته مع صاحبها.
بيورن تعلم الكثير من والده. فما ان بلغ اشقائه السابعة والثامنة عشر حتي تركا والدهما بدون رجعة. واكتسب بيورن كثيرا من خصال والده وعدائه للمجتمع. ومحاولته ان يستفيد من كل ثغرة في القانون او ان يتهرب من الضرائب. وحتي عندما كبر كان يحكي بفخر عن والده الذي اجبر ضابط بوليس ان يترجل من سيارته. و يساعده في تهدئة خيوله. ولا احد يدري اي شيطان اخبر السيد استراند, ان هنالك قانون قديم. يلزم صاحب السيارة بان يترجل ويساعد صاحب الخيول في كبح جماحها اذا فزعت الخيول من صوت السيارة الذي لم يكن عاديا في بداية القرن العشرين.
بيورن كان يحب الحياة وكانت له مقدرة خيالية في التملص وكسب المال والتحايل علي الدنيا. ومن الممكن انه الشخص الوحيد الذي انهي خدمته العسكرية باقل جهد ممكن. وخرج وفي جيبه ثروة صغيرة. فلقد عمل في المطبخ وكان يبيع كل شيء. ويسلف المال للاخرين بفوائد عالية. وكان يفتح اذنيه وعينيه ويراقب كل شيء ويؤدي الخدمات لرؤسائه او الى من يعرف انه يمكن ان يستفيد منه يوما.
عند بدأيه حرب الكنغو كان الجنود السويديون اول المرشحيين كمراقبين للامم المتحده . بسبب حياد السويد وانضباط جنودها. ولان داق همرشولد السويدي كان سكرتيرا للامم المتحدة. ولكن لم يكن هنالك من يصدق بان بيورن استراند كان يمكن ان يكون في تلك القوة التي ذهبت الي الكنغو ، فلم يكن جنديا جيدا. ولكن اسمه كان هنالك .ولابد ان المرتب الضخم قد شجعه .
ورجع بيورن وهو يحكي الاساطير عن رحلته للكنغو كانما هو الجندي الوحيد في الكنغو. وكانه لم يكن هنالك هنود وافارقة واروبيون.وعندما يبدي احدهم اي شك في كلامه كان يحضر ما عرف بكونتراكت الكنغو المكون من ثلاثة صفحات. ويقوم بترديد كل الفقرات. خاصة الفقرات التي تنادي باحترام حقوق ومعتقدات وثقافة الدولة المضيفة.
وقصته التي لا يتعب من ترديدها وهي كيف انقذ حياة عشرات الفتيات الافريقيات , اللاتي كان احد الزعماء الافارقه يحتفظ بهن كجواري ويستخدمهن كعاهرات للجنود. وكيف ذهب لوحده وقام بتخليصهن. وحتي بعد ان وضع الزعيم الافريقي العملاق رمحه في صدر بيورن, لم يهتز بل نظر للزعيم الافريقي لفترة طويلة ثم ازاح الرمح ببطء. وضع فوهة رشاشه علي صدغ الزعيم وطلب منه ان يطلب من رجاله الانصراف. والا سيتطاير مخه في الهواء. وتحدث بيورن عن الحفل والرقص الذي اقيم علي شرفه بعد اعادة الفتيات الي قراهن. وان زعيم قريه اطلق اسمه علي احد اطفاله.
حتي من الكنغو رجع بيورن بثروة صغيرة. الا انه لم يمتلك مبلغا من ستة ارقام الا ان اتته فرصة كشك لبيع المقانق والمرطبات. فبالرغم من ان الكشك كان في موقع استراتيجي, الا ان شجرتين ضخمتين كانتا يحجبانه من الزبائن. فاشتري بيورن الكشك بثمن بخس وساعده احد معارفه في الحصول علي قرض من البنك.
تلك السنة لم تزهر الشجرتان. واكتشف المسؤولون حزاما لا يزيد عن قيراطين حول جزع كل شجرة, اختفي منه اللحاء. واضطرت البلدية لقطع الاشجار. فبدا شكل الكشك واضحا. وصار في الامكان ان يجلس الانسان علي كراسي جميلة فى مكان الشجرتين , مستمتعا بشمس الصيف التي يعشقها السويديون.
وبعد سنتين باع بيورن الكشك وكسب مئة الف كرونة وكانت وقتها تساوي عشرين الف دولار. وفي الستينات كان هذا المبلغ يعتبر ثروة كبيرة. وذهبت عشرين الف كعربون للمنزل الجديد. وعشرون الف ذهبت لسيارة فولفو جديدة. وصار بيورن يجلس في مكتب ويقدم نفسه للجميع كمدير.
ولكن امثال بيورن ياكل قلبهم الحسد ويتمنون ان كل سيارة جميلة ملكهم وكل امراة جميلة تجلس بجانبهم. وكان يؤلمه جدا ان الاستاذ اندرش سفنسون الذي لا يتكلم كثيرا يمتلك شجرة الصفصاف الغريبة الشكل. فأشجار الصفصاف مكملة لمنظر الريف في جنوب السويد ، وتعيش لمئات السنين. وتقف حول جداول الماء والبرك. وتقص اغصانها كل سنة لتنمو من جديد وكانها جنية. وصفصافة المدرس كانت تبدو كانها يد مفتوحة. وهنالك الابهام واربعة اصابع. ويمثل ساق الشجرة ساعد الانسان. ويميل الساعد قليلا حتي تبدو الشجرة كراحة اليد او كمقعد ضخم.
الشجرة كانت تجذب الناس ولها سحر غير طبيعي. وعند الشجرة يلتقي العشاق. وينتظر اهل الحي عندما يطلبون عربة اجرة. او يقف الناس هناك ويتحدثون وفي رأس السنة كانت الشجرة ملتقي كل اهل الحي لاطلاق الالعاب النارية. وبيورن كان يلوم نفسه لعدم اختياره لذلك المنزل. فالشحره كانت موجوده عندما وزعت القطع السكنيه .
وعندما رجع بيورن من زيارة الي كوريا بعد رحله عمل . احضر معه تمثالا من الصلب. كان في شكل شجر الصفصاف. والصفصاف كان يينمو كذلك في كوريا. الا ان التمثال كان صورة من صفصافة المدرس التي كانت تثير حفيظة بيورن. ولكم تمني لو كان في الامكان نقل تلك الشجرة الي حديقته.كما صارت الشجره شعار شركه بيورن وصار ذلك الرسم على الاوراق المروسه .
حديقة بيورن كانت بدون منازع اجمل حديقة في الحي. فبعد ان بدأ بيورن يكثر الزياره الى بولندا. صار يأتي باثنين من البولنديين, لكي يقوما بصبغ منزله والعمل في حديقته بعشر ما يتقاضاه العامل السويدي. وبالرغم من ان بيورن صار يكسب كثيرا الا انه كان سعيدا باحضار كميات ضخمة من القطع النقدية البولندية التي لا تساوي اي شيء , لكي يستعملها في عدادات مواقف السيارات, و في شراء السجاير من ماكينات السجاير. لم يكن محتاجا للمال ولكن كان يفرح عندما يتحصل علي شيء بدون ان يدفع.
وحتي عندما اقترب بيورن من مرحلة الكهولة لم يقلع عن عاداته. وانتشي عندما دله شخص علي امكانية خداع ماكينات البنزين التي تعمل اوتوماتيكيا بعد اطعامها بالاوراق النقدية. وعرف كيف يضع ورقة نقدية واحدة ثم يتبعها بعدة اوراق اخري من الورق الشفاف مقصوصة في حجم الورقة الاصلية. وكم فرح لانه سمع ان خمس وسبعين في المئة من سعر الوقود يذهب كضرائب للدولة . ولم يفكر فى صاحب محطه البنزين المسكين .
عندما صارت الطبقة الوسطي تلعب القولف كشيء طبيعي ، كان بيورن اول المشتركين. ولم يكن خافيا علي اي انسان ان بيورن قد كسب كثيرا في مرحلة تشييد النادي. ولم يرضي الاعضاء عن اسلوبه. ولكن لم يكن هنالك من عرف كيف يتحصل علي المواد او يتعاقد مع العمال, خيرا منه. ولم يكن هنالك من يقدر ان يقول بيورن قد سرق. وكل شيء كان علي الاوراق الرسمية. ولكن الشركة التي تحصلت علي عقد زراعة النجيل الخاص . حول حفر القولف. شوهد عمالها يزرعون نفس النجيل الفاخر في منزل بيورن. والشركة التي اسست النادي. شوهد رجالها ينقلون ارائك فاخرة لمنزل بيورن.
في بداية التسعينات صار نادي القولف من اشهر النوادي في مدينة مالمو. وصار للنادي مطعم ومقهي فاخر وصار الزوار يأتون من المانيا والدنمارك واستوكهولم للمشاركة. كما شارك بعض اعضاء النادي في مباريات عالمية.
وفجاة صار اسم تايقر يعني الكثير في كل العالم. ولاول مرة كان هنالك لاعب قولف اسود. وهو بطل العالم ومعجزه القولف .فالقولف كان ولا يزال رياضة الاغنياء. وعندما ذكر اسم تايقر, في النادي حسب بيورن انهم يتحدثون عن دك تايقر النيجيري بطل العالم للملاكمة في الستينات. وزعم انه قد قابله وتعرف به الا انه وجد من شرح له ان المقصود هو تايقر وود. الذي حير العالم. وتحدث البعض عن غرابة وجود رجل اسود في عالم القولف. فذكر اكسيل صديق بيورن الذي لا يفترق عنه والذي يقال عنه , تابع بيورن او ظله, انهم قد شاهدوا قبل سنوات لاعب قولف حير الكثيرين من لاعبي القولف في النادي وانه كان اسود اللون . وضحك اكسيل بخبث. فترك بيورن النادي ممتعضا.
بيورن كان يحب اسفتزاز المدرس اندرش. وكان لايضيع اي فرصة لكي يسخر منه. فلقد كان مستوى اندرش مترديا في القولف. اذ لم تكن نشاطاته في مساعدة طلابه قد قلت. ولم يكن عنده الكثير من الوقت لممارسة اللعب. مثل الآخرين من البرجوازيه الجديده .
في احد ايام الربيع كان بيورن يطوف الحي ويبدي ملاحظاته, للذين لم يقوموا يتقليم اشجار التفاح والكميثرة او تنظيف حدائقهم من الاوراق الجافة, او من لم يقوموا بتشذيب الاسوار النباتية. فالقانون يطالب الجميع بتشذيب حدائقهم, وكنس الجليد من الرصيف خلال ايام الشتاء.
وبين ما بيورن يسير كالامبراطور في مملكته واكسيل يتبعه لاحظ ان شجرة الصفصاف تقف واغصان السنة الماضية تقف علي هامتها. وكان المفروض ان تقطع قبل الربيع . ودخل بيورن مصحوبا باكسيل منزل المعلم وهو يسب ويشتم كعادته في كل صغيرة وكبيرة. وبين ما هو يتفحص الشجرة لاحظ ان هنالك كثيرا من الحشرات السوداء بين الاغصان. ومن المفروض ان ترش بالمبيدات والا انتقلت الحشرات للجيران. فزاد غضبه. وعندما احس بشخص يقف خلفه التفت نحوه لكي يلقن المعلم درسا عن الاعتناء بالحدائق. وكان يدفع بيده في صدر المعلم لكي يؤكد وجهة نظره. وعندما اراد ان يتطلع في عيني الشخص الذي يقف امامه, اكتشف ان العينين غير موجودتين. بل كانتا تجلسان عاليا جدا في وجه شخص اسود غاضب.
وانتهي الامر بتدخل الشرطة وجرح في وجه بيورن احتاج لخياطة. وبيورن كان يقول ان الرجل الاسود اعتدي عليه. وآكسيل لم يكن في موقف لكي يؤكد اوينفي فلقد ركض خارج الدار لا يلوي علي شيء. ولكن بعض السكان والذين تواجدوا كالعادة عند ناصية الشجرة شهدوا بان بيورن بطل الكنغو, اغمي عليه بدون ان يمسه الرجل الاسود. وان الاصابة كانت بسبب سقوطه وسط شجيرات الورد ذات الشوك المعكوف.
ابنة المعلم رجعت من امريكا ومعها زوجها. وهو لاعب كرة سلة محترف. والزوجة كانت حاملا. ولقد قاموا بشراء منزل والدها لكي يحضروا الصيف كل سنة حتي لا تنقطع صلتهم بالسويد. وان المعلم وزوجته سينتقلون الي شقة. لان الحديق والمنزل يأخذان وقتا طويلا للعناية بهما . وهذا الوقت يمكن ان يستفيد منه تلاميذه. المنزل سيكون بمثابة منزل خلوي لقضاء الاجازة والاسترخاء بالنسبة للاعب السلة الثري.
وذهب المعلم مصحوبا بصهره الي نادي القولف. وتغلب الرجل الاسود علي الجميع بالرغم من انه كان يعتبر نفسه هاويا ويلعب القولف لتزجية الوقت.
المعلم اندرسون انتقل الي كالفورنيا مع زوجته بعد بلوغه سن التقاعد. والمنزل اشتراه بعض الغجر الذين اتي بهم طوفان الهجرة من شرق اوروبا. وتخلصوا من النجيل وقاموا بتبليط الحديقة. وفى وسط المنزل كان تجلس سيارتان فاخرتان من ماركه المرسيدس .
وعندما بيورن جالسا فى سيارته الفولفو في طريقه الي بولندا. حيث يمكن ان يتحصل الانسان علي اجمل الفتيات الصغيرات بملاليم, شاهد الصفصافة ترقد مسترخية علي الرصيف. فلقد قام الغجر بقطعها.
رجع بيورن الي منزله وبكي بدموع حقيقية. وكان يقول لزوجته التي لا تعارض رأيه ابدا. لقد انتهت السويد ها هم الغجر يسكنون في بداية شارعنا . لقد قطعوا الشجرة. الغجر معروفون كلصوص لا يعملون ولا يفيدون المجتمع. هذه نهاية السويد. عن ما قريب ستختفي صورة السويدي الرجل الامين المنتج المحب للعمل. وكأن ما ارادت الدنيا ان تواصل قسوتها علي بيورن فلاول مرة قالت له زوجته. ومتي كنت انت امينا اومحبا للعمل. وانا جد سعيدة بأن الصفصافة قد قطعت ، لقد كانت محور حياتك لاكثر من ثلاثين سنة. وبسببها جعلت حياتك وحياتي وحياة الكثيرين كريهة.
شوقي بدري
Shawgi Badri [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.