ما اشبه الليلة بالبارحة واحزاب السودان التقليدية تقدم التنازل يلو التنازل وتعطي الضوء الاخضر للانفصاليين لتقسيم البلاد للاسف الشديد لم تكن حكومة الانقاذ هي اول من يدلي بدلوه في "مصيدة" تقرير المصير المضمنة في اتفاقية نيفاتشا الثنائية والتي تم توقيعها في ظروف ومناخ الاضطراب العظيم الذي اعقب اولي ايام موجة جرائم البلطجة الدولية التي شنتها الادارة الامريكية السابقة بعد ظهور علامات الفشل الذريع لاحلام الطاغية الامريكي الذي اعتقد واهما انه سيتحول الي "مسيح" عصره وزمانه فقد نصحه اركان ادارته المازؤمة حينها بتبني الحل لقضية جنوب السودان لتعويض بدايات الفشل في العراق في مشروع حربه العالمية وتغيير العالم والشرق الاوسط الكبير وهلمجرا فاندفع الطاغية الامريكي نحو سلام جنوب السودان لتعويض خسائره وتوقيع اتفاق السلام الذي كان من المفترض ان يتم بكل الطرق ومهما كانت النتائج مع مراعاة "سرعة الوقت" وهذا ماحدث بالضبط والحكومة السودانية كانت محتاجة ايضا لانتصار ما تثبت به اقدامها وتعيد تسويق نفسها اقليميا ودوليا بعد انتهاء الحقبة التي سادت فيها حماقات ومغامرات الترابي التي حاصرت نظام الانقاذ الذي انقذه من السقوط عدم التنظيم والعشوائية وحجم الاختراق الكبير والدقيق لبعض مراكز واليات العمل المعارض في ذلك الوقت مما سهل عملية التفكيك لهذه المعارضة بمباركة كبير" المستضيفين" للعمل المعارض انذاك ممثلا في الحكومة المصرية وحينها قال كبير ظرفاء العمل المعارض معلقا ان منظر حسني مبارك وهو يودع الميرغني والمعارضة السودانية في احتفالية العودة للسودان كان ينقصها ان يقول لهم "يلا يا جدعان" لان الحكومة المصرية اصبحت ايضا تعتقد ان الاستضافة الطويلة للمعارضة في ظل بقاء النظام وعدم وجود مؤشرات لذهابه قد اضرت بمصالحهم وحرمتهم من متابعة وتقييم الاوضاع المترتبة علي "الطالبانية" السودانية الصاعدة التي كانت والي حد كبير غير مؤهلة بمقاييس ذلك الزمن للتعامل مع ادارة دولة بحجم السودان, اما الحركة الشعبية التي وعدت الناس وكل اهل السودان خاصة عبر وسائطها وعضويتها الشمالية بتغيير السودان عبر مشروعها الخرافي للسودان الجديد فقد سارعت بطلب تضمين "حق تقرير المصير" في اتفاقية نيفاتشا وليس وحدة التراب السوداني كما تقول ولم ترتفع حتي الي مستوي الشعارات المرفوعة بالوحدة الطوعية والمشروطة كما حدث لاحقا باندفاعها نحو التحكيم الدولي الذي حرمها من البترول ومنحها الارض وتلك قصة اخري, وللامانة لم تكن نيفاتشا هي اولي الشراك التي تنصب للقوي السياسية الشمالية لكي توقع علي هذا التنازل الغير مشروع نيابة عن امة وشعب لم يستشار في امر بهذه الضخامة وهذا الحجم وكانت مقررات ماتسمي بمؤتمر القضايا المصيرية الذي عقدته الاحزاب والقوي السياسية المكونة للتجمع الوطني الدميقراطي في اسمرا منتصف التسعينات هو ضربة البداية التي رفعت الحرج عن الحكومة الاخوانية وحدث ماحدث...العالم الغربي الولاياتالمتحدةالامريكية الرسمية والمنظماتية التي اعدت العدة لدعم انفصال جنوب السودان اصيبت مؤخرا بما يشبه الوجوم والصدمة من مجريات الاوضاع والعشوائية التي تدار بها الامور في جنوب البلاد الي الدرجة التي اصبحوا فيها يتصايحون ويطالبون بتحويل التركيز والمجهودات الي "الجنوب" بدلا عن دارفور وذهبوا اكثر من ذلك وكثفوا اتصالاتهم في الشهور الماضية بالحكومة المصرية التي استعدت منذ اكثر من عام بصورة متكاملة ومحسوبة للتعامل مع جنوب السودان في حال حدوث الانفصال وهو الامر المفترض في "دولة مؤسسات" لاتركن او تعتمدعلي الصدف والعشوائية والانفعالات العاطفية في التعامل مع الامور والقضايا المصيرية ومن المفارقات العجيبة ان معسكر الدول الغربية المهتمة والمتابعة لاوضاع جنوب السودان بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية اصبح يدعو الحكومة المصرية الي حشد الدعم الاقليمي الي مشروع دولي كبير من اجل وحدة السودان لانهم لايريدون ان يتحملوا تبعات الدخول في مغامرة غير محسوبة بدعم انفصال جنوب السودان ولم تكن تلك حسبة اخلاق او قانون او مبادئ لانهم مضطرين للسير في هذا الطريق, لان الاصل في العملية ان دعم استقلال او انفصال اقليم داخل دولة مستقلة انما هو بدعة قديمة عادت وترسخت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق واختلال الموازين الدولية مطلع التسعينات والحقيقة التاريخية والعلمية الثابته ان جنوب السودان لم يكن في اي يوم من الايام خارج سلطة الدولة السودانية حتي ياتي علي الناس حينا من الدهر يستعجلون فيه تقسيم البلاد بمبررات غير قانونية, وعلي ذكر الانفصال ونجومة الذين يتسابقون في التحريض علي التعجيل بالانفصال وهولاء وبنص القوانين التي حكمت السودان قبل هذه الاتفاقيات والمهازل يتم تصنيفهم في خانة المتمردين الخارجين علي القانون قبل ان تسود في الناس موجة الملق السياسي التي رفعت امثال هولاء الي خانة المناضلين من اجل الحرية , ولكن وللاسف الشديد فحتي القوي السياسية الشمالية التقليدية التي انتقدت مهزلة نيفاتشا بالامس انضمت الي الركب الانفصالي وهي تظهر ذهدا واضحا في "جنوب البلاد" وتظهر روحا رياضية غير معتادة في التعامل مع امر بهذه الحساسية والخطورة وقد جاء في الاخبار ان السيد الصادق المهدي الذي ذهب الي عاصمة الاقليمالجنوبي شبه" المحتل" ووضع عليه الناس امال عراض في تفكيك معسكر الانفصاليين من اعلي قيادة الحركة الشعبية الي ادناها مستفيدا من التوجه الدولي الجديد الذي افصح عنه قبل ثلاثة ايام الامين العام للاتحاد الاوربي الذي قال بضرورة بقاء جنوب السودان في اطار الدولة الموحدة وبالطبع وكما تعودنا من المسؤولين والمؤسسات الغربية فلم ياتي ذلك الحديث نتيجة انفعال او "هاشمية" من النوع الذي يتحكم في مصير وحياة الناس في محيطنا واقليمنا الذي نعيش فيه ومن بينه وطننا السودان علي العكس من ذلك ذهب السيد الصادق المهدي في الاتجاه المعاكس للموجة العالمية ووقع اتفاق يعزز مبادئ اتفاقية نيفاتشا الامريكية ويعطي الاولوية للاستفتاء الغير قانوني لتقرير مصير جزء من بلد مستقل في الاصل ونحن ننصح الناس بعدم الوقوع في هذا الشرك الخداعي وبالجهر بعدم شرعية كل الاجراءات المتبعة لتقرير مصير جنوب السودان وبالكف عن الملق السياسي وترضية الانفصاليين وتطييب خواطرهم وتسمية الاشياء بغير مسمياتها وعلينا ان نقتدي بتجارب الدول التي تحترم سيادتها ولاتكف عن المطالبة باستعادة اراضيها ولو بعد حين وزمن طويل مثلما فعلت الحكومة اليمينية التي بادرت في الوقت المناسب باستعادة الاقليمالجنوبي الي سيادتها مستفيدة من تهاوي الشيوعية الدولية التي كانت ترعي الدولة الانفصالية في جنوب اليمن الشقيق ولاتزال تذود عن وحدة ترابها الوطني بالغالي والنفيس ومن ناحية اخري اصبحت حكومة الانقاذ في اعتراف ضمني بالقصور الذي حدث في اتفاق السلام الناقص الذي ينتقص من سيادة بلد علي اراضيها تحاول محاصرة وتطويق نتائج اتفاقية نيفاتشا الكارثية فيما يتعلق بقضية تقرير المصير كما جاء في حديث للاستاذ علي عثمان نائب الرئيس السوداني الذي نشرته عدد من الصحف السودانية وعليهم اكمال جميلهم بالاستعداد الفعلي لكل الاحتمالات بمافيها الانفصال دون تقديم اي دعم او مهادنة لاي فريق انفصالي في الشمال اوالجنوب والاهم من كل ذلك عدم التورط بالاعتراف بنتيجة الاستفتاء المؤامرة في حالة حدوث الانفصال وترك الفرصة قانونيا للاجيال القادمة من السودانيين باتخاذ الاجراء السليم باستعادة اراضيهم الجنوبية متي ماسنحت الفرصة, ومن المفارقات والسوابق التاريخية المعاصرة في هذا الصدد ان "الدولة المصرية" لم تعترف صراحة وحتي هذه اللحظة باستقلال السودان علي الصعيد السياسي او القانوني واكتفوا بمباركة ومجاملات لفظية لا اقل ولا اكثر, وقد سمعنا اثناء وجودنا في مصر اثناء الازمات وتبادل الاتهامات بين البلدين في ذلك الوقت من المصريين من يدعو حكومته لاستخراج الخرائط العسكرية القديمة لمصر والسودان ولولا الحرج لذهبوا اكثر من ذلك . الحكومة المصرية ليست وحدها التي تعتقد بان لها حقا تاريخيا في السودان بل ان "الوفديين" شبابا وشيوخ يتهمون ثورة يوليو, بالتفريط في السودان وقد سمعنا بطريقة مباشره في هذا الصدد قصصا من هولاء الوفديين كنا نتندر بها انا والاخ الصديق محمد المعتصم حاكم الذي التحق بالحركة الشعبية مؤخرا اثناء اليوم المخصص لتحرير صفحة "الاشقاء" ايام المعارضة بمباني الوفد في ذلك الوقت كانوا محترمين وتعاملوا معنا بكرم وحاتمية وصدق ولكنهم كانوا يعتقدون جازمين ان "السودان" جزء لايتجزاء من مصر بعد مرور خمسة عقود علي استقلاله واذا كان بعض الناس يعتقدون ذلك دون سند قانوني او تاريخي فمن الذي يمنع اهل السودان من استخدام كل السبل والوسائل لايقاف وعرقلة هذا المخطط الخبيث الذي لن ينتهي بعد التقسيم وانفصال جنوب السودان.