نصف متيقظة على عنقريب (سرير يدوي الصنع) أمضيت ليلتي الثالثة في فناء (حوش) منزل بإحدى قرى الولاية الشمالية بالسودان، كانت سيدة المنزل النوبية قد حذرتني غير مرة من النزول للأرض ليلا خوفا من أن تلدغني إحدى العقارب "الهاربة"، أصدق تحذيرها فقد أحكمت هي رباط الحذاء على أقدام طفليها الراقدين على عنقريب مجاور، ونصحتني أن ارتدي جوربا أيضا في هذا الحر. على ضؤ السماء أنظر من وقت لآخر للطفلين حتى إذ ما ملأ ضوء الشمس المكان إطمأن قلبي. بخلاف ما جئت لأجله من رصد لنزع الأراضي قسرا من قبل الحكومة السودانية في مناطق مختلفة وبحجج متفوتة، فإن ما فهمته من هذه الزيارة تحديدا، في الحقيقة ما لمسته، أن الكهرباء والمياه والمدارس والطرق المرصوفة وتقوية شبكة الهاتف المحمول وخدمة الانترنت وأمصال التطعيم من العقارب بل والأدوية ككل، رفاهيات يمكن الاستغناء عنها؛ فهذه القرية مثلا قرب "فريق" لا تصلها الكهرباء منذ 1997. 24 ساعة كاملة من العتمة. تخيل! قصوا لي عن أحد الجيران المريض بالسكر، حاولوا ايجاد الانسولين له دون جدوى، حتى إذا ما وصلوا به إلى عاصمة الولاية، دنقلا، 530 كيلومتر (329 ميل) شمال الخرطوم العاصمة كان قد أسلم الروح إلى بارئها. وعن الطفلة التي قتلها عقرب، لماذا لم ينقلوها للمستشفى؟ زرت المستشفى الوحيد هنا، لم أجدا أحدا، في المساء عاودت زيارته، وجدت ضيوفا: كلاب تسير في جنباته. كارفان من الصفيح 0هدية من هيئة خليجية) و3 سرائر متهالكة ودولايب فارغة. للأمانة كان هذا هو المستشفى. إهمال الدولة لأبسط الخدمات هو جزء من عقاب المواطنين، لكن على ماذا؟ اليوم هو الذكرى السادسة لمقتل 4 من المتظاهرين النوبة في "كجبار" شمال السودان، كانوا يحتجون وغيرهم على خطة الحكومة (العسكرية المتأسلمة) لبناء سد مياه "كجبار" يهدد مناطق سكناهم بالغرق دون بديل أو جدوى توازي تدمير حضارة ضاربة في العمق كحضارة النوبة. يعتقد كثير من المواطنين هنا ان الإعلام خذلهم، رغم أن الأحزاب السياسية المعارضة تضامنت معهم لكن ليس بالقدر الكافي، ويواصلون التذكير بقضيتهم، فيما النظام لم يحقق في اعتداءات رجاله، الشرطة والأمن، على المتظاهرين السلميين، لم تجري تشريح جثث اي منهم، بمن فيهم الصبي الذي قفز في النهر هاربا من الغازات المسيلة للدموع فاقتنصته رصاصة، أو ذاك الذي كان وسط النساء فصوب الشرطي الرصاص على رأسه بعناية. ويعاود التذكير بين فترة والأخرى أن العمل في السد قائم رغم المعارضة الشعبية الجارفة له. يواصل المعارضون للسد العمل وفق المستطاع (أحيانا تضطر للخروج للزلط - الطريق المرصوف- حتى تستطيع التقاط ارسال شبكة الهاتف المحمول، ومن هنا يصبح الحديث عن الانترنت وما هو أكثر نوعا من الترف ) يساندهم البعض في الخارج، ويستغل قضيتهم البعض في الداخل والخارج، منذ بدأ الحديث عن السد في النصف الثاني من التسعينات، يكتب الأهالي الشعارات المعبرة عن رفضهم للسد (وهناك حديث عن مساهمة أو تمويل الصين له جزئيا، كذا مستثمرين من الخليج ومصر) وبعضها موجه للمجتمع الدولي، أين هذا الشخص؟ في بيان أخير، يقول الناشطون النوبيون أن حكومة البشير تواصل حربها السرية ضد النوبيين بغية تفريغ المنطقة باسرها لصالح سماسرة الارض وخدمة لاجندة لاعلاقة لها بمصالح البلاد، ويدللون بحوادث حرائق النخيل في منطقتى السكوت والمحس والمتزامن مع الرفض الشعبى القاطع لبناء سدى دال وكجبار.، وهى الحرائق التى قضت على أكثر من مائة الف نخلة مثمرة بحسب البيان. تعاند الحكومات بوسائل تضاف لرصيدها القمعي، لكن الشعوب ستجد طريقها للرفض أو توصيل غضبها عاليا ، وهذا أضعف الإيمان. Amira al-Tahawi [[email protected]]