[email protected] واضح أن تكفير الدكتور محمد عبد الكريم للشيوعيين لم يجد في الوسائط أو في المجتمع المدني عشر معشار الحظ الذي وجده تكفيرهم قبل 45 عاماً في حادثة معهد المعلمين المشهورة. وسيكرهني محمد بالطبع متى قلت له إن محاولته لتكرار التاريخ انطبق عليها قول ماركس رأس الكفر في نظره. قال ماركس إن التاريخ يتكرر. فيأتي في المرة الأولى كمأساة. أما في المرة الثانية فيأتي كمسخرة. وبدا لي أن نسخة محمد الثانية من مأساة معهد المعلمين داخلة في عداد المسخرة. فقد تبرأ من تكفيره إسلاميون أقدم كعباً. وكان على رأسهم رفيق العمر على الضفة الأخرى، الدكتور الطيب زين العابدين. فقد طلب في كلمة شجاعة بما يمكن وصفه (بتساهل كبير من جانبي) ب "تكفير المكفر". فقد دعا الدولة أن تحظر إطلاق تهم التكفير وتجريمها. ومع ذلك فأنا آخذ غيرة محمد وصحبه على الإسلام بقوة. وأبدأ بنفي الطالبانية عنهم طالما نفوها هم أنفسهم. وأرجو أن نكف عن التنابذ بمصطلح الغرب. من الجهة الأخرى لم اقتنع بطالبانية محمد وصحبه في زعم الأستاذ سليمان حامد الشيوعي البارز. فقد ألصق بهم الصفة لأن محمد عبد الكريم خطب في الناس قائلاً إنهم سيعيدون في السودان مأثرة مجاهدي أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي. فلم يكن نضال الأفغان ضد الاستعمار الروسي طالبانبة. كان حركة تحرر وطني عادية. وقول محمد إنه سينهض ضد الشيوعيين بما نهض به المجاهدون الأفغان ضد الروس مقارنة فاسدة فحسب. فالشيوعيون السودانيون قوة وطنية ربما كانت أطول كسباً من الكثيرين. من جهة ثانية فمحمد وصحبه، ممن كفروا الحزب الشيوعي، ضحايا. فهم أبناء وبنات خيبة الحركة الإسلامية الحديثة. ولا أعرف من شرح هذا المعنى مؤخراً مثل الدكتور عبد الوهاب الأفندي (الصحافة 18 أغسطس 2009). فمن رأيه أن المتشددين الإسلاميين الذين احتلوا واجهات الوسائط أخيراً (الحوثيون وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالي وجند أنصار الله في غزة) هم تعبير عن الفشل المتزايد من قبل الحركات الإسلامية الحديثة "في استيعاب والهام هذه الطاقات الشبابية الطامحة إلى التمسك بمباديء الإسلام وقيمه". وعليه ضلت هذه الجماعات طريقها إلى الكهوف (حقيقة ومجازاً) في غياب فكر وعمل إسلامي يمتلك الوضوح والفاعلية. ومتى اتفقنا أن محمد عبد الكريم وصحبه ضحايا بالمعني المذكور أعلاه وجب أن نأخذ دعوتهم إلى نقاش خصومهم مأخذ الجد. فقد قالوا إنهم لم يقصدوا أن يعنفوا ضد الشيوعيين. وسآخذهم على النية. فالروايات عن واقعة الجريف متناقضة. ولم تعجبني في رواية الشيوعيين أنهم وقفوا دون فتح بلاغ في المعتدين إكراماً لخاطر الحضور. فكان بإمكانهم دائماً سحب مثل هذا البلاغ بعد إثباته منعاً للقيل والقال. وأنا مصدق لقول محمد إن "بيننا وبين الجميع الساحة الفكرية". ولا أتفق مع ذلك مع أسلوبهم المقترح للجدل وهو المناظرة. فهي سرعان ما تتحول إلى نوع أركان نقاش الجامعات المعروفة. وبدلاً عن ذلك أتمنى على مراكز البحث العديدة المخصصة لدراسة الإسلام والمستقبل والسودان وغيرها أن تتواضع على خطة تربوبة طويل المدى تتجادل أطراف الخصومة فيها بوسائط تترقى بنا من "الدفاس" إلى نهضة للفكر وزمالة في الخلاف الرحمة. فلا داع لليالي السياسية في دار الحزب بالجريف تضامناً مع الحزب الشيوعي. ولنتهم أنفسنا حين يكون كل ما بوسعنا هو إصدار بيان يؤيد أو يشجب. تلك حيل خلت. ولعل أبلغ ما سمعت في خصوص واقعة الجريف هو من مدير الشرطة. فقد طمأن الشيوعيين على أن الشرطة ساهرة لمنع الفوضى. ولكنه طلب منهم "عدم المبالغة في الاحتفالات خاصة في رمضان". هذا رجل "سحار" أو ماكر.