[email protected] أنطوى البُستان وشرب النهر العظيم ماءه وأجدب . سيدي .. تعجلت الرحيل ،.. فهو أكثر الردود اقتضاباً في وجه ما يجري . عندما كتبنا وأنتَ على سرير الاستشفاء : { قُم يا بهي المراتب ، يا عصياً على النسيان . بطول فراقك جسداً حملتَ وطنك بين جنبيك . كنت قد شققت بطن المسألة ، وزرعت وردك في كل الحواشي وزينتَ المزارع بالرؤى . كنت في المُبتدأ مثقفاً مال على أوجاع الوطن وأوجاعه وهموم الوطن وهموم الجسد (الخلاسي) الذي جمّله الكثيرون من أهل البلاد منذ عهود هجرات قديمة ، جرّ معه اللغة و حقنته العشيرة بجُرعات من الدمٍ وانطلق بعنفوانه وتسلق أسوار جنة الإبداع مُبكراً . سيدي نعرف أنك تنسى نفسك في الزحام . العمر يمرّ علينا جميعاً ولا نعرف كيف نفر من قدر الجسد الواهن إلى من بيده السحر الإنساني الكبير ، ليحيل الوهن قامة صحة فارعة الطول . سيكون معك ملائكة الرحمة لنُصرة إن ترجع إلينا كما عهدناك سندساً تفرُش بنايات الذاكرة و تمد أراوحنا بالوهج . أ أنت من زرع فسيلة الغابة والصحراء ؟ أ أنت الذي تدثرتَ مُحرراً من وراء تخوم الكتابة في الدوحة القطرية أيام نهضتها الأولى ؟. أ أنت المُترجم ، والمثّال والناقد ، والشاعر ، والكاتب والطباخ الماهر ؟ كيف حالك سيدي ، وكيف مقام الذهن المُتوقد بالفعل المُبدع وبالنار التي سقيتنا أنتَ و لم تعلم أنها أضرمت الفيافي و غابات الفرح عندما ينهض الوعي يرتقي سلمه.} لم نكُن نعلم حينها أن طريق الرحيل أقصر . إلى روحك الراحلة من فوق السحاب : إلى الدوحة التي تحت فيء ظلالها علينا جلسنا نتسامر ونزهو فتُسَاقِطْ عَلَيْنا رُطَباً جَنِيّاً فنستطعِم. إلى شِعرك ( الوريف ) ونعمة مولانا الكُبرى حين تنزّلت علينا، وامتطت فراشة ذهنك الوثاب شِعراً ولؤلؤاً وبشائر . هذا يوم ميعادك . رفرفت الروح ومدّت أجنحة تضرب الآفاق وهبت علينا ريح سوداء من حُزن فراقك . ليت الأقدار بقدر التمني ، ولكن كتاب الفراق سيفٌ قاطع فصلنا عنك ، و حجب جسدك الذي كانت مطمورة في دنّه الكثير من أحزمة الكلام المُتفجِر . لحِقتَ أنتَ بالجيل الذي رحل . السهم مكان السهم . والحافر مكان الحافر وإن تنوعت السوابح :( محمد عبد الحي ومحمد المهدي المجذوب وجمال محمد أحمد وعبد الله الطيب المجذوب ومحمد عُمر بشير ومحي الدين فارس و مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم ... ) جميعكُم كتبتُم لنا وثَقُلت موازينكُم وفاء لشعب يقرأ ، أو لشعب سوف يقرأ ، أو لشعبٍ سوف يُفسح له الكون من بعد الخيبة أن يتمكن من القراءة الوثابة فينهض ، ليعيد قاطرة وطن تهُمُ أن تخرج عجلاتها من القضبان إلى هاويات المجهول . لم تكُن الدنيا رحيمة بنا أبدا ، ولست أنتَ سيدي أول الراحلين لتترُكنا . إنا لفراقك لمحزونون . بسم الله مولاك وحافظ روحك الهائمة فوقنا ، و حافظ أرواحنا الراكضة في لهث الدُنيا ، نستسمح فضله أن يتخير من يشاء من ملائكة الرحمة ليغسلوا بأنوار البهاء جسدك المجدول شِعراً و وعياً وتقدُم .فنحن نودع جرّةً مملوءة بذهبِ الشِعر وهي تغطس في بحر الغياب . [email protected] عبد الله الشقليني 04/02/2009 م