خبير نظم معلومات: 35% من الحسابات الإلكترونية بالشرق الأوسط «وهمية ومزيفة»    شاهد بالفيديو .. قائد منطقة الشجرة العسكرية اللواء د. ركن نصر الدين عبد الفتاح يتفقد قوات حماية وتأمين الأعيان المدنية المتقدمة    مواطنو جنوب امدرمان يعانون من توقف خدمات الاتصال    "مطارات دبي" تدعو المسافرين التحقق من حالة رحلاتهم "الحالة الجوية السيئة"    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    اجتماع للتربية فى كسلا يناقش بدء الدراسة بالولاية    من الزيرو إلى الهيرو    تفاصيل إصابة زيزو وفتوح في ليلة فوز الزمالك على الأهلي    شركة تتهم 3 موظفين سابقين بسرقة عملائها    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    البنى التحتية بسنار توفر اطارات بتكلفة 22مليون لمجابهة طوارئ الخريف!    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    استمرار حبس البلوجر هدير عاطف بتهمة النصب على المواطنين    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    إعلام عبري: طائرات أميركية وبريطانية تسقط مسيرات إيرانية فوق الحدود العراقية السورية    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فريضة التفكير فى ماكينة التكفير ... بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
نشر في سودانيل يوم 09 - 09 - 2009


[email protected]
(1)
ضمن الثروة العلمية والفكرية الهائلة التى خلفها الكاتب والسياسى والمفكر المصرى عباس محمود العقاد، كتاب حمل اسم (التفكير فريضة اسلامية)، يتطرق فيه باسهاب الى مدارس التفكير ورموزه فى التراث الاسلامى من فقهاء ومناطقة وفلاسفة وأهل حديث. ويشيّد العقاد اطروحته على معطى أساسى وهو ان ممارسة التفكير واحد من أهم الواجبات التى خُلق من اجلها الانسان. وقد انصرف جل هم العقاد فى كتابه هذا الى تبيان اهمية العقل وتوضيح ان القرآن الكريم يخاطب العقل الانسانى بكل وظائفه ليستحثه على الفهم والادراك لبلوغ وسعه من الحكمة والرشاد. ولا اعرف فى يومنا هذا الكثير ممن يجادل حول رأى العقاد. ليس هناك كبير خلاف اذن عند جماعة المسلمين فى عالمنا المعاصرعلى حقيقة ان ممارسة التفكير واجب على كل مسلم ومسلمة. لكن المعضلة تكمن فى ما بعد الممارسة، وما عسى أن تنتهى اليه من محصلات وخلاصات. ذلك ان شجرة التفكير لا تطرح بالضرورة وفى كل الاحوال غراساً تقر به الاعين وتطيب له النفوس. من مثل ذلك ما تطرحه الشجرة التفكيرية بين الفينة والاخرى من ثمارٍ ( تكفيرية) مُرّة كالعلقم والصبّار، تبلغ من مرارتها انها تخرج العباد من الملة، وتفسخ زيجاتهم، وتحيل عيالهم الى ابناء زنا، بل وتضع رؤوسهم احيانا فوق نطع السياف، وترسلهم بعد ذلك الى جهنم وساءت مصيرا.
واحد من الذين آنسوا الى مقولة العقاد ومارسوا فريضة التفكير هو فضيلة الشيخ محمد عبد الكريم، إمام مسجد المجمع الاسلامى بالجريف غرب وعضو الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة، الذى ( فكر) دهراً ثم نطق فى منتصف الشهر الماضى فأذاع على الناس بياناً ( كفّر) بمقتضى حيثياته الشيوعيين السودانيين، ودعا المسلمين الى الامتناع عن تزويجهم تحت طائلة الحرمة ومعصية الله. ولم يكتف "العالم الجليل" بتكفير الشيوعيين كأفراد، بل مضى قدما فدمغ الكيان السياسى الذى يضم هؤلاء، وهو الحزب الشيوعى السودانى، قولا واحدا بالكفر البواح. والكفر البواح، بحسب الامام ابن حجر، هو الكفر الظاهر (من قولهم باح الشئ اذ أذاعه وأظهره).
(2)
لفت انتباهى ملخص السيرة الذاتية للشيخ محمد عبد الكريم ، كما ورد فى الحوار الصحفى الذى أجراه مع فضيلته المحرر بصحيفة "الاحداث" الاستاذ محمد كشان (الاربعاء 26 اغسطس)، والذى كشف لنا ان الشيخ، صاحب بيان التكفير، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الخرطوم وانه عضو فى سلك التدريس بهيئتها العلمية. لفتت انتباهى ايضا العبارة المنسوبة للدكتور الشيخ والتى اختارها المحرر عنوانا رئيسيا للحلقة الثانية من الحوار وتُقرأ:(لا يجوز تكفير الناس الا بواسطة اهل العلم). بين السيرة الذاتية والعنوان تستبين معالم كثيرة أولها أن فضيلة الشيخ من "أهل العلم"، وهل هناك علم اكثر من درجة دكتوراه تمنحها أكبر واعرق جامعة فى البلاد؟ وبما أن أهل العلم يجوز لهم، بحسب فضيلة الشيخ، تكفير الناس فإن بيانه بتكفير الحزب الشيوعى، والحال كذلك، يجئ متسقاً مع الأصول والقواعد والشروط الواجبة المراعاة.
من آيات انتماء الشيخ الدكتور الى طائفة (أهل العلم) صاحبة الترخيص المشار اليه، انه لا يكفر على الهوية، ولا يؤسس فتاواه على بيانات سماعية يتخطفها تخطفا من شاكلة "ماركس قال" و"لينين قال" و"طالب ب (معهد المعلمين العالى) قال". الشيخ الدكتور تابع التطورات السياسية والفكرية فى الحزب الشيوعى السودانى متابعة لصيقة ودقيقة وبنى موقفه وبيانه على تفكير عميق وتحليل متكامل لمواقف الحزب. اقرأ كلام الشيخ الدكتور فى حواره مع الاستاذ محمد كشان: (أنا لا انطلق من شعارت الحزب وعمومياته، وانما من منطلق دراسة الفكر الشيوعى، وهذا من صميم تخصصاتنا فى الجامعة وهو تدريس المذاهب الفكرية المعاصرة. وواحد من هذه المذاهب هو الشيوعية وفلسفتها الديالكتيكية. وبما ان الحزب الشيوعى أقر النهج الماركسى كمبدأ له وحسم هذه القضية فى مؤتمره الخامس، رغم الاختلافات التى ظهرت بين التيارات المختلفة، داخل لجنته المركزية حول موضوع الماركسية، فان الشيوعيين ارتضوا ان يرجعوا مرة اخرى لهذا المنهج الذى نرفضه كمسلمين). شوف بالله! ما كان ضر الشيوعيين السودانيين لو انهم أجازوا فى مؤتمرهم الخامس الذى عقد فى يناير من هذا العام الرؤى التى طرحتها بعض كادراته بالتخلى عن الماركسية وتغيير اسم الحزب، كما فعلت احزاب اخرى فى اطراف اخرى من المعمورة؟ ولو فعل لكان قد وجد لنفسه فرجاً قريباً، ولكان الشيخ الدكتور قد وجد للحزب بدوره مخرجاً كريماً، بل لانزله المقام المحمود الذى يليق به وسط الاحزاب المؤمنة، ويا دار ما دخلك شر. ولكن ماذا نقول عن " قوة رأس" الشيوعيين السودانيين؟!
(3)
هناك ملاحظة هامة بشأن بيانات الشيخ الدكتور التكفيرية، وهى ان الرجل لا يتخذ من الحزب الشيوعى "حائطاً قصيراً" يقفز عليه كدأب بعض رصفائه من الشيوخ. حاشاه. والدليل هو ان بياناته التى لا تخشى فى التكفير لومة لائم كفرت الخارجين على الاسلام يمينا ويسارا بدون فرز. من بين الذين وقعوا تحت طائلة بيانات الشيخ الدكتور التكفيرية الزعيم الاسلامى حسن الترابى شخصياً. فقد كان الشيخ الدكتور قد اصدر سلسلة بيانات مشابهة فى التنديد بالترابى وفضح مزاعمه الكفرية ابتداء من عام 1994، فى وقت كان فيه الترابى لا يزال مرابطا فى مواقع السلطة. كان ذلك عندما جاهر الترابى بآرائه الجريئة حول أصل الانسان، وجواز تبديل المسلم لدينه والا يسمى مرتدا فى حالة اختياره تغيير الدين، وجواز زواج المسلمة من الكتابى، وجواز امامه المرأة للصلاة، وغير ذلك من آراء الترابى التجديدية او التجديفية (حسب موقفك من الفتاوى). الشيخ الدكتور محمد عبدالكريم اذن مكفر شمولى، يكفر يمينا ويسارا ولوجه الله، ولكن بعد دراسة متأنية، ولا يقتصر على منطقة واحدة من الملعب كما يفعل غيره من المكفرين الذين يكفرون دون تبصر ولوجه الهوس والشهرة والدعاية.
لا جناح على الشيخ الدكتور اذن. بارك الله فيه وابقاه ذخرا للاسلام، فهو انما يقوم بواجبه التكفيرى على احسن وجه. الذى لا يعلمه الكثيرون من عامة المسلمين هو انه منذ افول نجم الخلافة الاسلامية بسقوط الدولة العثمانية على يد مصطفى كمال اتاتورك عام 1924، أصبح النصح للمسلمين وبيان الحق والتصدى لاعداء الاسلام واجبا وفرضا على جميع العلماء من أبناء الملة فى مشارق الارض الاسلامية ومغاربها. والشيخ الدكتور واحد من هؤلاء العلماء. غير ان هناك شئ واحد لم يعجبنى ولم يقع عندى موقعا حسنا فى سيرة الشيخ الدكتور واجتهاداته لخدمة الاسلام والمسلمين. هذا الشئ هو ان الرجل، وهو العالم الحاصل على درجة الدكتوراه، والذى يقوم بمهمة التدريس فى واحدة من اعرق المؤسسات الاكاديمية فى البلاد، والمطلع لزوما والملم حتما بالقواعد والاخلاقيات الراسخة فى مجال عمله الاساسى، يفتقر افتقاراً مثيراً للدهشة، الى تلك الصفة التى يطلق عليها فى الدوائر الاكاديمية، حيث دائرة اختصاصه الاولى ( الأمانة العلمية ). لم اكن انا من اكتشف هذه البلية فى مسلك الدكتور، بل ولم يخطر على بالى ان ابحث عن مثل هذه النقيصة فى عمل عالم كبير ناهض لمهام قيادة المجتمع وتوجيهه كشيخنا الجليل. الذى اكتشف البلية قاص وصحافى سودانى يرأس القسم الثقافى بصحيفة سودانية. وقع البيان الذى كتبه الشيخ الجليل ووزعه باسم رابطة العلماء فى يد هذا الشخص فأخذ يطالع سطوره ، ثم خطر له انه قرأ هذه السطور من قبل فى مادة اخرى وسياق آخر، فأخذ يراجع مكتبته حتى وقع على كتاب لمؤلف اردنى، ثم اكتشف بعد ذلك – ويا لهول ما اكتشف – ان الدكتور الشيخ كاتب البيان قد نقل بعض فقراته كما هى " بذبابتها" فقرةً فقرة، دون تحريف او تصريف، ونسبها كاملة الى نفسه. انتزع شيخنا الفقرات المنقولة من مصدرها الاصلى انتزاعا، ثم بسطها بسطاً فى بطن بيانه وكأنها من إنشائه هو، دون ان يشير من قريب او بعيد الى ان هذه الفقرات منقولة نقلا حرفيا مسطريا من مصدر آخر!
(4)
تحت عنوان (الرابطة الشرعية للعلماء تسرق بيانها) كتب الاستاذ حمور زيادة مقالا فى الموقع الالكترونى سودانيزاونلاين ابتدره بالاشارة الى ان أمر البيان كان قد أهمه على مستوى شخصي يتجاوز الاهتمام العام، كون ان احد والديه من منسوبى الحزب الشيوعى، وان البيان دمغ أجيالا من الشباب بصفة "أبناء زنا". ثم اضاف: ( اتهامى بأنى ابن زنا بحسب البيان كان حافزا لى للنظر فى أمر من ظنوا بى الظنون). ثم بعد ان نظر صاحبنا فى البيان وراجع كلماته وفقراته اكتشف ( ان هذا البيان هو نفسه لقيط اذ لم ينسب الى ابيه الشرعى)! والاب الشرعى المنشئ لهذا البيان كما تبين ليس هو الدكتور الشيخ محمد عبد الكريم ومنظمته العلمية الشرعية. الاب الشرعى للبيان فى الواقع هو مؤلف اردنى اسمه عبدالله عزام. جاء فى مقال المنبر الالكترونى:( بادئ ذى بدء فان البيان مسروق بكلياته عن كتاب الشيخ عبدالله عزام رحمه الله " السرطان الاحمر " الذى يهاجم فيه الشيوعية). والشيخ عبدالله عزام، كما هو معروف للكثيرين، هو الاب الروحى لمؤسس تنظيم القاعدة اسامة بن لادن وواحد من اوائل الشيوخ الذين عرفوا فى المصطلح الصحافى بالعرب الافغان. ومضى الكاتب ليدعم اتهامه الغليظ للشيخ الدكتور فنشر نص البيان ثم ابرز فقرات كاملة منه، وعرج بعد ذلك على كتاب الشيخ الاردنى عبدالله عزام فعرض فقراته المطابقة بنصها وفصها مدعومة بمواقعها من فصول الكتاب، كما اورد الرابط الالكترونى للكتاب نفسه، الصادر عن مكتبة الاقصى بعمان، والمنشور بكامله على موقع فورشيرد (4shared) الشهير. ويتضح من مراجعة ومضاهاة النصين أن أجزاء اخرى، غير التى جرى نقلها بحذافيرها، تم انتحالها هى ايضا مع بعض التصرف الطفيف هنا وهناك.
لم يعجبنى أيضاً ولم يقع منى موقعا حسنا ما استبان لنا من نية الدكتور الشيخ المضمرة وسعيه الاكيد لاخفاء المصدر الذى نقل، حتى لا نقول سرق، منه نصوص بيانه. ففى الحوار الذى اجرته معه جريدة (الصحافة) الاسبوع الماضى سأله المحرر: ( ما هى المرجعية التى استندتم اليها لتكفير حزب قديم ومعروف فى الساحة السياسية). ولا اعرف سانحة أنسب ولا أطيب من هذه ليذكر الشيخ الدكتور حقيقة ان المرجع الاساسى لبيانه هو كتاب الشيخ عبدالله عزام ( السرطان الاحمر). ولكن ولدهشتى، ودهشة الاستاذ حمور زيادة قبلى، فان الشيخ (لم يجد فى نفسه الشجاعة ليعترف بهذا النقل حين سُئل عن مراجعه). بل بالعكس، فى محاولة ظاهرة لتشتيت النظر عن المصدر الاصل اغفل الشيخ الدكتور الكتاب كليا، فى معرض اجابته على السؤال، ولم يأت على سيرته لا من قريب ولا من بعيد. بل اشار الى مصادر ومراجع اخرى متعددة، منها حسب كلماته (الفتاوى الكثيرة من الازهر) و (فتاوى مجمع الفقه فى رابطة العالم الاسلامى) وكتب (الشيخ نجيب المطيعى) و كتب (الشيخ بن باز)..الخ. الكتاب الوحيد الذى لم يذكره هو كتاب الشيخ عبدالله عزام مع انه فى الواقع هو المرجع والمصدر الوحيد الذى نقل منه نقلا حرفيا ولا مرجع ولا مصدر للبيان غيره! ولا ريب فى ان مثل هذا السلوك من قبل الشيخ الدكتور ورابطة علمائه يقع تحت طائلة ما يعرف فى المصطلحين العلمى والصحفى بالانتحال (Plagiarism). والانتحال فى اللغة والمصطلح هو السطو الكلى او الجزئى على اعمال الغير وثمار جهودهم العلمية والثقافية والفنية ونسبتها الى ذات المنتحل وكأنها من انشائه هو مع تعمية الاصل وتجاهله. وفى دول العالم المحترمة، ونحسب ان بلادنا تدخل فى زمرتها، يعتبر الانتحال جريمة اخلاقية وقانونية تعاقب عليها التشريعات والاعراف. قبل عدة سنوات اهتزت الولايات المتحدة من اقصاها الى اقصاها عندما كشفت صحيفة ويكلى ستاندارد ان الاستاذة الجامعية الشهيرة والكاتبة الحاصلة على جائزة بوليتزر والمحللة السياسية اللامعة لدى عدد من كبرى الشبكات التلفازية، دوريس غودوين قامت بنقل بعض الجمل والعبارات فى كتاب اصدرته عام 2002 بعنوان (فيتزجيرالد وآل كينيدى)، من كتابين آخرين لمؤلفين مختلفين هما هانك سيرل ولين مكداغارت، دون الالتزام بالتقاليد العلمية التى تقتضى الاشارة الى الجمل والعبارات المنقولة ونسبتها الى اصحابها. وكان من مؤدى هذه الفضيحة المجلجلة ان فقدت دوريس غودوين وظيفتها كاستاذة جامعية، كما قامت شبكات التلفاز بانهاء عقوداتها معها، واصبحت الاستاذة اللامعة والكاتبة الذائعة بعد ذلك نسيا منسياً. كل هذا العواقب الكارثية المدمرة توالت على رأس الدكتورة دوريس غودوين بالرغم من ان الخطأ الاساسى كما اتضح لاحقا ارتكبه مساعد اكاديمى (Research Assistant) كان يعمل فى مكتبها بالجامعة ويعينها فى اعداد الكتاب!
(5)
صديقنا، وابن الانقاذ العاق، الدكتور عبدالوهاب الافندى لا يكل ولا يمل من تزويد نظام الانقاذ بنصائحه الغالية عسى ان يقيل من عثراته ويهيئ له من امره صلاحا. ولكنه عندما لا يرى بشارات الصلاح ومؤشرات الانتصاح يعود لينقلب على عقبيه فى كل مرة فيجلد النظام ورموزه بسياط من كلماته القاسيات اللواذع، حتى تكلس جلد النظام ورموزه فصار كجلد التمساح، وتهتك الكرباج نفسه فى يد الافندى فلم يعد فى طرفه مزعةٌ تصلح للايجاع او الاقناع. ما علينا. كتب الدكتور عبد الوهاب مؤخرا، ينصح اخوة أمسه الاسلاموى، مقالا مطولا مستفيضا بعنوان ( الحركات الجهادية المتجددة ومحنة الحركة الاسلامية الحديثة)، نبه فيه الى مخاطر انتشار الافكار والحركات السلفية فى السودان وفى المنطقة الاقليمية اجمالا، وهى الافكار والحركات ضيقة الافق التى ترفض الحداثة جملة وتفصيلا ( وتصر على العيش خارجها على مذهب أهل الكهف. ولكنها مع ذلك تتعامل مع تقنيات الحداثة خاصة فى مجالات التسلح والاتصالات والتخطيط العسكرى). نبه الافندى فى مقاله الى ان هذه الافكار والحركات اصبحت لها جاذبية خاصة لدى قطاعات الشباب، حتى المتعلم منها، وذلك لبساطة اطروحاتها فى مقابل الاطروحات المعقدة للحركات الاسلامية الحديثة. ودعا الى التأمل فى الظروف التى أدت الى تكاثر هذه الحركات والتيارات عدداً واتباعا.ً
ومن أهل النهى ممن ظلوا يبذلون النصيحة لقومهم خالصة مصفاة، من الذين نبهوا الى هذه الظاهرة وحذروا من وميض النار تحت رمادها، الدكتور الطيب زين العابدين. وذلك فى مقال نشرته (الصحافة) الاسبوع الماضى. وقد حمّل الدكتور الطيب النظام القائم، بغير مداورة وفى وضوح تام، المسئولية الكاملة عن انتشار ظاهرة التكفير التى بدأت فى الانتشار قبل اكثر من عقدين بين بعض المجموعات السلفية المتأثرة بالافكار التكفيرية المستوردة من خارج الحدود، والحوادث الدموية التى شهدتها البلاد نتاجا لهذه الظاهرة. كتب الدكتور: ( احسب ان الدولة مسئولة عن نتائج هذا الصدام الدموى لأنها لم تتدخل فى منع ظاهرة التكفير). و( ان الفتوى بالتكفير فى بلد كشمال السودان تعنى ضمنا التحريض على العنف، وهذا ما فعله شباب الجريف غرب حين اقتحموا دار الحزب الشيوعى وحاولوا نشر فتاواهم التكفيرية دون اذن من اصحاب الدار). ومثل ذلك فعل الامام السيد الصادق المهدى عندما حذر فى بيان منشور من تنامى تيارات التكفير المصحوبة باهدار الدماء، وحمّل الحكومة جانبا كبيرا من المسئولية عن انتشار مثل هذه الافكار الخطيرة الهدامة ونتائجها الكارثية.
ثم ماذا نقول بعد هذا؟
يا أهل الانقاذ، هذا كلام العقل ونداء الحادبين على الوطن وأمنه وسلامه واستقراره. فان وجدتم فى انفسكم الارادة والوعى والعزم على التصدى لهذ البلاء ومناهضته ورده قبل ان يستحيل الى اخطبوط يأخذ بخناق الكل، بلا استثناء، فافعلوا، يؤتكم الله اجركم مضاعفاً. و الا فعليكم – على الاقل – بايلاء شئٍ من الاهتمام للجامعات والمعاهد ومؤسسات التعليم العالى. نريد من هذه المؤسسات ان تقدم لنا علماء مقتدرين مؤهلين ذوى كفاءة علمية و أمانة خلقية، حتى اذا وجدوا لزاما عليهم ان يكفروا الناس التمسوا فى انفسهم القدرة على انتاج حيثيات التكفير وصياغتها صياغة علمية رصينة، دون حاجة الى الانتحال والسرقة من كراسات الاخرين، كما التلميذ الخائب!
عن صحيفة ( الأحداث )
مقالات سابقة:
http://sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=%E3%D5%D8%DD%EC%20%DA%C8%CF%C7%E1%DA%D2%ED%D2%20%C7%E1%C8%D8%E1&sacdoid=mustafa.batal


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.