Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]] في 1970 شددت الرحال إلى الاتحاد السوفيتي عضواً في وفد جمعية الصداقة السودانية السوفيتية. وكنت في صحبة ماجدة ضمت المربي الفذ أحمد محمد سعد والقاضي المحترم صلاح حسن. وكان اختيار الوفد وسفره بعد "انقلاب" شرعي دبره "فراكشن" الشيوعيون في الجمعية أقصوا فيه الأديب المرحوم عبد الله حامد الأمين. وأعجب الآن كيف انسقت مع هذا الفراكشن الطماع وأفسدت علاقة بالرجل امتدت منذ آخر الخمسينات. وكان فيها المحسن. بل كيف فعلت ذلك وهو الذي اختارني لسفرة سابقة لروسيا ممثلاً لاتحاد الكتاب السودانيين أتاحت لي التعرف عن كثب على واحد من أعشقنا للسودان بل أهوسنا به رفيق الرحلة الشاعر محمد المهدي المجذوب. وما زلت اتجرع حموضة لقائي به في عقر داره في 1973 معتذراً بعد خروجي من المعتقل. أكاد أرى أنه لم يغفر. فأشاح عني. بل انطبع في ذهني، ولم ينمح، مشهد مغادرته الغضوبة للاجتماع العام الذي عزله. أدار كرسيه للمقعدين خلف دور وقال: "بخيتة وسعيدة عليكم". وهي نفس العبارة التي قالها الاستاذ محمد ابراهيم نقد حين صوت برلمان 1965 لطرد النواب الشيوعيين من حظيرته. أمطرت قبر عبد الله الشآبيب. والحمد لله. مما أذكر من تلك الرحلة أمرين. أولهما زيارتي لدار النشر باللغات الأجنبية أعرض لهم نشر ترجمات أستاذنا عبد الخالق محجوب الكثيرة لكتاب روس. كنت وقتها مديراً لدار الفكر الاشتراكي. ووضع أستاذنا هذه التراجم تحت تصرفي لنشرها. وأشهد أني لم أر مخطوطات في وسامتها. كانت مكتوبة على كراسات حساب بالحبر وبخط جميل خلا من الكشط. ولم تكن موارد داري لتسمح بنشرها محلياً فقدرت أن الرفاق بموسكو العظيمة سينشرونها توقيراً لكتابهم فلاسفة علم الجمال بلخانوف وتشيرشنسكي إن لم يوقروا المعرب الزعيم الماركسي. ووحاتك ما فعلوا. ولقيت رجلاً إمعة جباناً خال من نخوة الناشر لم يخف انزعاجه من مجرد الاقتراح. وقلت في نفسي بعد أبيخ المقابلات في حياتي لك الله يا الاشتراكية إذا كان هذا الرجل هو أذنها التي تسمع ويدها التي تنشر. ومن فضل الله علينا أن هذه الترجمات ما تزال في حرز حريز. فقد صمدت لعاديات ردة 22 يوليو 1969 ما عدا واحداً منها أحرقه من طلبت منه طباعته لإعداده للنشر. وبقيت ذاكرتي توجعني كلما جاء ذكر المخطوطة الحريق. وآمل أن تكون طباعة مخطوطات الرجل من أوجب واجبات المركز الذي أنشأه بعض محبي أستاذنا صدقة جارية له كما جاء في جريدة الميدان. أما الواقعة الثانية فهي زيارتي لدولة أذربيجان السوفياتية. فقد أيقظ إسلامها فيّ شاعرية خاملة. زرنا عاصمتها باكو. وأخذونا ذات مساء سماؤة غبشاء مملة إلى بحر قزوين الذي أفزعنا استذكار مكانه في خريطة العالم في دروس الجغرافيا. ورأيت على ممشاه زوجين عجوزين متساندين خطوهما الوئيد إكراهاً من همس العجز والحب. فكتبت شعراً (منثوراً) نشرته جريدة الرأي العام (8-1-1971): في منحنى العمر إلى الموت أو الذكريات سارا معاً عجوزان من باكو يعرفهما بحر قزوين بالاسم مذ كان مجرد ترعة ماء (مستودع محار وجنيات خرافية) حتى شب أذرعاً من نفط ولهب **************** بحر قزوين مقبض داخلي لباب سيارة بلا كورنيش ولا مماشي ولا أرائك فإن تنظر فيه قدر ما تنظر فلن تبصر عجوزين متساندين بالذكريات والندى والملح على العيون المعشوشبة ************ الممشى إلى المقهى في البحر (مغلق عند زيارتنا) يكفي ليسترجع، على طوله، عجوزان من باكو ذكرى أول قبلة مستلة من الحذر والآذان الشرهة ************ "تغير الزمن!" "أذكر" "أتذكر؟" "حتى شفاه بحر قزوين ابتلت بلمعة النفط"