لست علمانيا كما اني لست اسلاميا. وازعم ان مثلي كثيرون. اولئك الذين يسمون بالاغلبية الصامتة. وهي في الحقيقة ليست صامتة، ولكنها غير منظمة، وغير منتمية، ولا رغبة لها في كلاهما. انهم التواقون الى الحرية، المؤمنون والحالمون بها،. هم من يدعون الله صباح مساء، ان تهب نسائمها يوما على سماء بلادهم. وان يهدي الله زعماءها، وناشطيها من كل صوب وفج، الى جادة الطريق، ويلهمهم الى سرها، وضرورتها واهميتها لشعوب المنطقة وبلادها. لقد فك الربيع العربي اسر هذه الشعوب من دكتاتوريات غاشمة، ولكنه لم يأت بالحرية، بل بالفوضى والصراعات والتفتت، بل القتل والتمثيل بالجثث. لقد اثبتت الاحداث ان الصراع الحقيقي ليس بين الاسلاميين والعلمانيين، وانما بين من يؤمنون بالحرية وقواعدها، واسسها، وثقافتها وبين من لا يؤمن بها ولا يعرفها، ولا يريد ان يعرفها. ولذلك سيكون الصراع سجالا ولاجل غير مسمى بين انصار الحرية واعداء الحرية. ومن المؤسف ان الاحداث تثبت يوميا ان كلاهما (علمانيين واسلاميين) لا يحترمون الحرية، ولا يؤمنون بها اصلا، فهي لم تكن يوما جزءا من ثقافتهم، وتربيتهم. الاوائل تربوا على منطق الانقلابات، والحزب الواحد القائد، والقضاء على كل من يختلف معهم. تجربة العلمانيين لعقود انتهت الى دكتاتورية عاتية، هزمت الانسان العربي، ومرقت انفه في التراب، ومكنت الاستعمار الجديد من اراضينا وشعوبنا وثرواتنا. نشروا العنف، والسحق والقتل في حياتنا اليومية عشرات السنين. والاخرون اختاروا شعارا لهم كلمة "وأعدّوا" وهي جزء من الاية الكريمة "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"، (60) سورة الانفال. فاحالوا الاسلام كله عنفا وحربا وقتالا وجهادا على المسلمين انفسهم بالدرجة الاولى، الى ان افضى في خاتمة المطاف الى ما يسمى اليوم ب "الارهاب الاسلامي". تربوا هم ايضا على ثقافة القوة، والقضاء على الاخر المختلف معهم مهما كان، وسحقه تماما. لا حوار، ولا تسامح، ولا رحمة، تلك المبادىء التي لخصها الاسلام نفسه في التحية الخالدة "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". لم يعبأوا ابدا الى ان الاسلام اولا واخيرا هو "السلام والرحمة والبركة"، التي نلهج بها شيبا وشبابا، نساء ورجالا، عشرات المرات في اليوم الواحد. وتدل تجربة الاسلاميين على الارض، على انهم لا يختلفون عن رصفائهم العلمانيين القدامى في شىء. فتجربتهم في السودان، مزقت الوطن اربا اربا، وقضت على كرامة السوداني، وباتت "سلة غذاء الوطن العربي" تعتمد على صدقات الامريكان والاتحاد الاوربي. اصبح همهم الاول مطاردة فساتين النساء، بدلا من وحدة الوطن، ونسيجه الاجتماعي الذي مزقوه بالجهاد الكاذب. وبعد عام واحد من الحكم في مصر العزيزة ام الدنيا، وقائدة الامة العربية، حولوا المحروسة "مسخرة" يهزأ بها كل من هب ودب، يتطاول عليها من"يسوى ومن لا يسوى"، السفيه والسخيف. وما زال الحادبون عليها في حالة صدمة من فقدان مكانتها بهذه السرعة المذهلة. ولا يريدون ان يصدقوا ان مصر العظيمة قد تدهورت الى هذا الدرك من الفشل والفوضى. قسّموا المجتمع المصري الذي ظل مترابطا لقرون، دون ان تفتّ، فيه او تخترقه كبرى القوى العالمية، بدهائها ومالها وجحافلها التي غزت اصقاع الارض، ودمروا مؤسساتها، واحالوها الى هشيم. مضوا في التقسيم والتمزيق باسم الشرعية. وكأن الشرعية وحدها هي الجواز الخالد للتمسك والبقاء في السلطة. تجاهلوا ان الشرعية مربوطة ربطا محكما بوحدة البلاد، وتماسك شعبها، وامنها القومي ومصالحها العليا، وبدونها تذهب الشرعية هباء، ولا يبقى الا اسمها. وهذا ما كان في الماضي مبرر الانقلابات. لم يكن جورج باباندريو رئيس وزراء اليونان السابق، ونظيره الايطالي وغيره قد اتوا الى السلطة عبر ظهر دبابات. بل جاءوا بانتخابات حرة نزيهة ليس فيها "طق او شق"، وبنسبة تفويض اعلى بكثير جدا مما حظي به السيد محمد مرسي رئيس مصر الحالي. ولكنهم مع ذلك تنازلوا عن الحكم طواعية، ونزلوا عند ارادة شعوبهم، عندما شعروا ان وحدة البلاد والشعب مهددة، ولم يمر على انتخابهم اقل من نصف المدة المسموح لهم بها دستوريا، ووافقوا على تكوين حكومات قومية وطنية لادارة الازمة الاقتصادية الطاحنة التي عصفت ببلدانهم مع الفارق بين فقرنا وفقرهم فما بالك والازمات التي تمسك بخناق مصر وغيرها، اكبر بكثير من مجرد ازمة اقتصاد. هذا درس صغير على مرمى حجر منهم كان عليهم ان يتعلموا منه اذا كانوا يريدون فعلا خدمة شعوبهم، وامتهم العريضة. مصر ليست ككل الدول العربية. مصر هي عماد المنطقة كلها، وركيزتها الاولى، بتاريخها وموقعها ووزنها الشعبي والسياسي والاقتصادي والثقافي. انها حاضر ومستقبل البلاد العربية كلها من المحيط الى الخليج. امس واليوم وغدا. بقوتها يقوى الجميع، وبضعفها يتهاوى الجميع. ان ما يحدث في مصر لا يمكن معالجته، ولملمته بعد الانقسام الخطير الذي وصلت اليه، سوى التوافق والاتفاق على نظام حكم قومي، يشارك فيه الجميع، على برنامج متفق عليه، وخارطة طريق تدير المرحلة الانتقالية العصيبة، وتضمن لمصر وشعبها، نظاما ديمقراطيا حرا حقيقيا، على اسس راسخة، وثقافة مشتركة ملزمة للجميع، يحرسها الشارع وجيشه الوطني. Moawia M. Ahmed Kefallinias 2A 113 61 Athens Greece Tel: +30 210 8831620 Fax: +30 210 8235944 Cell: +30 69 38 56 90 68 Skype: moadin2 Moawia M. Ahmed [[email protected]]