لم تكن دولة ماليزيا شيئاً ذا بال حتى العام 1981م، مجتمع متعدد الأعراق والثقافات والديانات، واقتصاد بدائي يعتمد على المناجم والزراعة. لكن ماليزيا خلال مدة لم تتجاوز عشرين عاماً غيرت وجهها الذي أدهش العالم، فأصبحت واحدة من أكثر بلدان العالم نمواً معتمدة على التخطيط المركزي والاستراتيجي. لقد حددت ماليزيا رؤيتها التي عكفت على تحقيقها، فكان لها ما أرادت من خلال اتباع التخطيط السليم المبني على العلم، وكان التخطيط شاملاً، للسياسة والاقتصاد، والتعايش السلمي بين الأعراق والثقافات المختلفة، ثم التعليم بل حتى تثقيف الناس كيف يحافظون على اموالهم وتوظيفها بالشكل المناسب. التخطيط كذلك لم يستثن الأخلاق وتدريب الناس على القيم الفاضلة في أعمالهم، باختصار تخطيط لكل شي. نجحت ماليزيا لأنها آمنت بأهمية التخطيط، فكانت النتيجة أنها أصبحت من بين أكثر 10 دول من حيث النمو الاقتصادي وصل في العام السابق 5.4%. كل نجاح هو نتاج للتخطيط، كما أن كل أزمة تنشأ بسبب عدم التخطيط. فالمشاكل التي واجهت بلادنا، أو التي ستواجهها –ربما- مستقبلاً هي بسبب أزمة التخطيط. دعونا نعترف أننا أمة لا تخطط ولا تعرف ما هو التخطيط أصلاً على الرغم من تكدس البلاد بمئات المنظراتية والمخططين الذين يجيدون الحديث على شاشات التلفزيون وأجهزة الاعلام حتى تظن أن حل مشكلاتنا ستكون على أيديهم. لكن يبدو أن النظريات شي والتطبيق شي آخر. سمعنا عن مجلس للتخطيط الاستراتيجي، وإستراتيجية قومية شاملة، وخطط خمسية وخطط عشرية واستراتيجية ربع قرنية ألخ إلخ.... لكن ذلك لم يشفع أن يحل مشكلة واحدة من مشكلاتنا السابقة أو الحالية. في واقعنا المعاش على كافة أصعدته يكون القاسم المشترك للفشل هو غياب التخطيط. ونماذج من هذا الفشل تبرز في الممارسات المختلفة الدائرة في بلادنا والتي لا تحتاج لذكاء أو فطنة، فهي تسير بيننا كل يوم، في الفكر والسياسة والاقتصاد والتجارة والزراعة والتعليم والثقافة. فشلنا كذلك في التخطيط الاجتماعي الذي كان مأمؤلاً أن يسهم في هدم الكثير من المفاهيم البالية وإرساء القيم الحضارية التي تعزز السلم الاجتماعي وتقوي نسيجه، لكن حدث العكس، فقد زادت النعرات، وتباعدت القيم وتجافت عن حياة الناس. حتى الرياضة لم تكن استثناءً، وها هي الفرق السودانية تسجل الاخفاقات المستمرة بسبب غياب التخطيط السليم. نعم عدم التخطيط هو السبب في كل بلاءاتنا، فقد انتهى زمن البركة والصدف، وأصبح كل شي في حياتنا مرهون بالتخطيط المسبق، وإلا فإن الفشل هو الحليف الأكيد . سؤال بري جداً: ماذا تفعل أجهزة الدولة المناط بها عمليات التخطيط الاستراتيجي، والتخطيط بعيد المدى أو القصير. وأين موقع المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي والأجهزة المشابهة في كل ما يدور حالياً؟. Ayman Abo El Hassen [[email protected]]