قبل عدة سنوات ثار جدل عنيف إثر الإعلان عن نية الدولة رفع السن المعاشية من 60 سنة إلى 65 سنة، وتوالت ردود الأفعال ما بين مؤيد ومعارض لذلك القرار الذي لم يصدر أساساً. الذين أيدوا مقترح رفع سن المعاش من 60 إلى 65 سنة كانوا يعتقدون أن هنالك من يستطيع العطاء بعد سن ال60 ، وأن الخبرات التي تتراكم بعد هذه السن من شأنها أن تضيف قيمة إضافية للمجتمع. أما المعارضون يرون أن استمرار هؤلاء في العمل حتى سن 65 سوف يزيد من تعطيل الخريجين الذين تتضاعف أعدادهم سنة بعد أخرى، وأي تمديد للسن التقاعدية سوف يقلص من فرص تشغيل الشباب العاطل أساساً عن العمل. شخصياً لست مع الرأي الذي يتجه إلى تمديد السن المعاشية إلى 65، لأن المواطن عندما يصل إلى هذه السن في بلادنا يكون قد أكل عليه الدهر وشبع، فلا مجال بعد هذه السن لأي عطاء أو كلام نظري من هذا القبيل. كان أحد "البروفات" المشهورين يدرسنا إحدى المواد في الجامعة، كان نصف المحاضرة يضيع ما بين يقظة "البروف" و "أحلامه"، فكثيراً ما يغط البروف في سبات عميق ثم يصحو ناسياً ما كان يقوله لنا، فيعود يصارع محاولات التذكر للمادة والامساك بتلابيب الموضوع، فقد كانت المادة تتفلت بين يدي "البروف" الذي لم يعد يحسن التركيز لأكثر من دقيقتين. يجب أن نعترف أن التقدم في السن يجلب معه العديد من الآثار منها النسيان، وضعف القدرة على التركيز، وقلة النشاط والحيوية وهذه أمور تؤثر على الصحة الذهنية للفرد خاصة في بعض التخصصات التي تتطلب لياقة بدنية وذهنية عالية. إنها سنة الحياة فلا شي يبقى على حاله للأبد، فالصغير يكبر، والكبير يهرم... قبل ما يربو على ثمان سنوات مرض والدي يرحمه الله، كانت حالته تتطلب تدخلاً جراحياً عاجلاً. نصحني بعض الإخوة الاتصال بطبيب مشهور وناجح في مجاله الطبي الدقيق كنجاحه في مجال آخر بعيد عن تخصصه. كان رأى أولئك الإخوة عدم المغامرة بإجراء العملية إلا إن كان من خلال ذلك الطبيب فقد كانت العملية دقيقة وحساسة للغاية. اتصلت على الطبيب المحترم فقال لي: يا إبني أنا كبرت وتوقفت عن إجراء العمليات من زمان... احترمت للرجل اعترافه وتسليمه بالأمر الواقع بعكس بعض الناس الذين تجاوزوا مرحلة الكهولة وما يزالوا متمسكين بوظائفهم وأكثر اصراراً من أي وقت مضى لدرجة مطالبتهم تمديد سنوات الخدمة إلى أكثر من السن الطبيعي. المشكلة أن بعضهم بيده مصير لكثير من أمورنا ويتحكم بها رغم ضعف لياقته وتقلص حيويته.. لكن اصرارهم ومكابرتهم تحول دون اعترافهم ببذلك، بل أنهم يمعنوا في تعذيبنا بمواقف وقرارات لا يمكن أن نصفها سواء بالخرف. يا هؤلاء .. احترموا أنفسكم وتقاعدوا. Ayman Abo El Hassen [[email protected]]