في الاستراحة التي تتخلل صلاة التراويح يلقي امام مسجدنا (المعمورة الشاطئ في مدينة الاسكندرية) موعظة يتناول فيها بعض القضايا المطروحة على الساحة في بلادنا العربية، وما أكثرها، ويركز فيها على هدي المصطفي (صلى الله عليه وسلم)، الذي يمدحه السودانيون بآلات الطرب والمزامير والموسيقى الصاخبة (الجاز)، بل ويملأون الساحة بالعرضة (اعجابا) بالمادح والمديح، والمشاهد الجالس في بيته ويتلقى تلك الصورة من قناة (مخصصة) لاعلاء شأن المصطفي (بعيدا عن هديه وتعاليمه)، وهو (حائر) واصابته الدهشة من (عمل) هؤلاء القوم، هل هم في (بيت) عرس أم في (حضرة) رسول الله (تبجيلا) ورفعا لشأنه وشأن سيرته وتعاليمه؟؟؟؟؟؟؟ وقد كان تعليق أحد المشاهدين من كبار السن الذي كان يتابع فقرات تلك (اللقطة) معبرا يغني عن (كذا) مقال قائلا {والله بالغتوا ياناس، دحين دا غناء ولا مديح ياولدي!!!!!}.... كان حديث الامام تلك الليلة ممتعا تناول فيه الأزمات الثلاث التي يعيشها العالم العربي الإقتصادية والسياسية والأخلاقية وقال فيما يتعلق بالاقتصادية والسياسية فهناك لجان من المختصين والضالعين في حل تلك المشاكل يدرسون ويخططون للخروج من هاتين الأزمتين وتأثيراتهما على تطور الحياة في جميع البلدان العربية. ولكن الأزمة االثالثة وهي أزمة الأخلاق تركت بدون أي دراسة أو تخطيط وهي في حقيقة الأمر هي المحك الحقيقي والقاعدة الأساسية التي تؤثر على الأزمة الاقتصادية والسياسية وفي حلها ومعالجتها يكمن الحل في علاج كافة الأزمات بما فيها الأزمتين السالفتين. إذ أن بناء الفرد (من جميع النواحي) يعد من اصعب المسائل وأخطرها، لأنه هو الذي يدير الأمور الأخري فان صلح وصلحت أخلاقه صلح سائر عمله وان فسد وفسدت أخلاقه انعكس ذلك سلبا على الأداء المالي والسياسي وتفشى الفساد في المجتمع بأسره. وأورد حادثة وقعت إبان حكم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، تجسد المستوى الأخلاقي الرفيع الناجم عن تربية المصطفى وتأثير هديه على المسلمين المؤمنين بحق، الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وكان خلقه القرآن ومن تآسي واقتدى به فقد فاز. تقول الحادثة: بينما كان الخليفة عمر وأصحابه جلوسا في المسجد دخل عليهما شابان يتوسطهما رجل فسأل عمر عن الأمر وقيل له أن الرجل قتل ابا الشابين، فسأل الرجل عن حقيقة الأمر. فقال الرجل نعم قتلت أباهم فقد دخل أرضي وهو على جمل فلما طلبت منه الخروج رفض فرميته بحجر فمات. أمر عمر بالقصاص من الرجل وطلب من الشابين العفو ولكنهما اصرا على القصاص. طلب الرجل مهلة ثلاثة أيام حتي يذهب الى بلدته ويؤمن معيشة زوجته وصغاره، وطلب عمر من الحاضرين من يكفله وتقدم صحابي فضمنه الا أن عمر أوضح له أن الأمر فيه قصاص وليس بالسهل فأصر الصحابي على كفالة الرجل. في اليوم المفروض أن يصل فيه الرجل تجمع القوم انتظارا لعودته، وطال انتظارهم له، الا أنه قد حضر عند المغيب وكانت دهشة الحاضرين جميعا اذ ظن معظمهم أن الرجل كان يراوغ وأنه لن يحضر ابدا، بمن في ذلك عمر الذي قال له: لماذا رجعت؟؟؟ والله لو لم تعد لكنا لانعرف كيف نأتي بك لأننا لا نعلم أين تسكن وفي أي بلد. وهنا أكبر الجميع تلك الأخلاق والأمانة التي تحلى بها ذلك الرجل، والتفت عمر الى الشابين وطلب منهما أن يعيدا النظر في قرارهما القصاص، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد ولا الرجل نفسه اذ ظن أنه لا محالة هالك وقد تهيأ لذلك، الا أن الوفاء بالوعد وأمانة الرجل كانت سببا في أن يعيد الشابان النظر في قرارهما المطالبة بالقصاص ووافقا بالعفو عن الرجل، والتفت عمر الى الصحابي الذي ضمن الرجل دون أن يكون لا يعرف عنه شيئا سوى انه توسم فيه خيرا، وشكره وأثنى على عمله. بالفعل الأخلاق هي عماد كل شئ في تكوين الفرد وصياغة شخصيته وهي قيمة كبيرة لا تقدر بثمن، هي أس كل شئ فالمرء الذي يتمتع بالاخلاق العالية لايرجى منه سوى حسن العمل في أي حقل عمل ولن تراوده نفسه أو تسول له أن يغش أو أن يفسد. فاذا تمكنا من معالجة أزمة الأخلاق فانه، باذن الله، سنتمكن من حل جميع مشاكلنا وازماتنا المزمنة. [email protected]