إسرائيل تناقش إعادة توطين فلسطينيين من غزة في جنوب السودان    معاناة محمد صلاح قبل انطلاق الموسم    مفاوضات سويسرا المستأصلة للمليشيا وللخونة اللئام لقيت قبولاً    الاعيسر .. السودان يقف اليوم أمام مفترق طرق مصيري    مدرب السودان: لم أتوقع فوزًا كبيرًا.. مدرب نيجيريا: 4 أخطاء، 4 أهداف*    ((سيد الاتيام في أختبار اللتوال))    صقر جديان افريقي محنك    كرتي يتوعد السيسي والبرهان: الإفراج عن المصباح أو مواجهة تداعيات خطيرة    «المحقق» تكشف تفاصيل اجتماع البرهان بمستشار ترمب في سويسرا    لقاء سويسرا .. البرهان أكد لمستشار ترمب رفض وجود الدعم السريع في السلطة    البرهان يؤكد أهمية تطوير وتعزيز علاقات السودان الخارجية    "نعم، لقد قبلت!" جورجينا رودريغيز توافق على الزواج من كريستيانو رونالدو    بسبب ريال مدريد.. الاتحاد الإسباني يعلن سياسة جديدة مع الحكام    أكشن في شارع فيصل.. لص يدهس 3 أشخاص وينهي حياة سودانية أثناء الهروب    إرتفاع التمويل الزراعى إلى (59.3) ترليون بالقضارف بزيادة (80%) عن العام الماضي    وفد الادارة العامة للرقابة على شركات صادر الذهب يختتم زيارته للولاية الشمالية    جامعة كسلا تكرم رواد البحث العلمي    الأرصاد في السودان تصدر إنذارا برتقاليا    الفاشر تمنحنا شارة إشارقة الغد المأمول    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا رودريغيز    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    شاهد بالصور.. روماني الهلال يفاجئ جماهير فريقه بعد توقيع العقد ويظهر بالزي القومي السوداني    النصر السعودي يحسم صفقة كومان    شاهد بالفيديو.. بعد أن عثرت على صورة فاضحة لخطيبها مع عشيقته المتزوجة.. فتاة سودانية تفتح بلاغات في "نسابتها" وتقوم بسجن والده وشقيقته    شاهد بالفيديو.. أخذت تتفاعل في الرقص.. سيدة سودانية تفاجئ المعازيم وتقتحم "صيوان" فرح بأحد الأحياء وهي راكبة على ظهر "حمار"    بادي يستقبل وفد الامانة العامة لاتحاد المصدرين والمستوردين العرب    10 أشياء توقف عن فعلها على موبايلك لتحسين البطارية    حُبّنا لك سوفَ يكُون زَادَك    مصرع وإصابة عشرات المهاجرين بينهم مصريون وسودانيون    وزير المالية يوجه بسداد مستحقات الحكومة على قطاع الاتصالات في وقتها    السجن 20 عاما لرئيس وزراء تشاد السابق    شاهد بالفيديو.. أيقونة الثورة السودانية "دسيس مان" يظهر حزيناً بعد إصابته بكسور في يديه ويلمح لإنفصاله عن الدعم السريع والجمهور يكشف بالأدلة: (سبب الكسور التعذيب الذي تعرض له من المليشيا)    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.    وزير الداخلية ومدير عام الشرطة يتفقدان مركزي ترخيص أبو آدم وشرق النيل    النيابة المصرية تصدر قرارات جديدة بشأن 8 من مشاهير «تيك توك»    تقرير أممي: «داعش» يُدرب «مسلحين» في السودان لنشرهم بأفريقيا    رافق عادل إمام في التجربة الدنماركية .. وفاة الفنان سيد صادق عن عمر يناهز 80 عامًا    كارثة تحت الرماد    والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    لجنة أمن ولاية الخرطوم تشيد باستجابة قادة التشكيلات العسكرية لإخلائها من المظاهر العسكرية    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات، وربما شطحات، علي هامش ندوة (مالات اليسار) ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي
نشر في سودانيل يوم 14 - 09 - 2009

الصحفي خالد سعد بجريدة الصحافه والناشطة الثقافية المرموقة رشا عوض بجريدة أجراس الحريه قدما اواخر شهر اغسطس الماضي عرضا للمداخلات في الندوة المشار اليها في عنوان هذا المقال والتي كان قد نظمها منبر الشباب الديموقراطي بمركز الدراسات السودانيه . وفقا لهذا العرض واستجابة لمخطط الندوه قدم كل من المتحدثين الثلاثه تعريفا لمصطلح اليسار ( الاشتراكي ) ليس بينها اختلافات جوهريه. هاله عبد الحليم ( حركة حق ) : اليسار مواقف التقدم ضد القوى المحافظة. محمد علي جادين ( البعث السوداني ) : المقصود باليسار عموما هو الحركة الاشتراكية. الشفيع خضر ( الحزب الشيوعي ) : اليسار هو النضال من أجل المساواة بين البشر. يجادل هذا المقال بأن صحة او عدم صحة أي من هذه التعريفات او غيرها اضحي غير ذي موضوع بما ينطبق ايضا علي مصطلح اليمين ( الرأسمالي ). فاليسار الذي فشل كأنظمه بناء داخلي فشلا ذريعاً نجح بنفس الدرجه كحركة نقد نظري وعملي للرأسماليه بحيث ادخل تبدلا جوهريا في طبيعتها الاصليه، فلم يعد اليسار يساراً ولا اليمين يميناً. التزاوج بين الرأسمالية والاشتراكيه، بين العدل الاجتماعي التوزيعي للثروة القوميه وانتاجها المهول كما ونوعا، يجعل مايسمي رأسمالية الان، في الواقع، مخلوقا هجيناً يحمل قدرا متساويا من الخصائص الوارثية للطرفين. هذه حقيقه لايقدح في سلامتها ان تاريخ الفكر السياسي لم يتوصل حتي الان الي صياغة مصطلح ثالث يعكس وجودها.
في بعض تفاصيل هذا التصور يرد الاتي : ظفر الرأسماليه الذي تسير بذكره الركبان نهايةً للتاريخ هو ظفر الاشتراكية ايضا. فخطة المخرج من انهيار النظام المالي الذي بدأ خلال العام الماضي ، ونذر نجاحها الاوروبية بدت في الافق الان، تقوم علي تحفيز الاستهلاك بتعزيز القوة الشرائية للمجتمع من خلال دعم القدرة التسليفية للبنوك، مع وضع ضوابط علي انفلاتاتها التي فجرت أزمة الانهيار. هذا بمثابة إعادة تأكيد لقانون قديم مؤداه ان صانع الثروه ومستهلكها، هما بنفس الدرجه الاهميه في نمائها وترجمة ذلك، بعبارة اخري، ان انتاج السلع والخدمات لايتطور كما ونوعا الا بوجود أعدل وأوسع توزيع ممكن للثروه، وفي لغتنا المألوفة يسارياً بوجود الاشتراكيه والرأسماليه معا، والاولي في قلب الثانيه . كذلك فأن هذا الوجود تحقق تاريخيا بالدور الذي لعبته الاشتراكيه كنظريات وحركات في دفع القوي العامله الشعبيه مصانعا وحقولا الي صميم المجتمع والتاريخ بأعلاء مصالحها في الفكر السياسي وحركته التطبيقية اليوميه خائضة صراعا نبيلا وشاقا مع رأسمالية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي كانت ديناميكيتها الذاتية عاجزة ومضادة لذلك. ومعني ذلك ان عاهة اللاديموقراطية المستديمة للاشتراكيه كأنظمة شيوعيه وبعثيه وناصريه، وافريقيه واسيويه وامريكيه لاتينيه ايضا، قتلت المجتمع المدني في عقر دارها وفشلت في انتاج الثروه والتكنولوجيا موزعة ، بالتالي، الفقر بدلا من الغني النسبي، ولكنها مع ذلك شكلت القوة الدافعة الكبري لتأسيس المجتمع المدني ،النقابي خاصة، في امريكا وبريطانيا كما في عطبره واسطنبول بالضبط لانها في الخارج لم تكن تعاني من هذه العاهه. هذا الي جانب مساهمتها الكبري في هزيمة النازيه ودعم حركات التحرر السياسي والاقتصادي في العالم الثالث ضد الاستعمار والامبرياليه.
إذا صحت هذه المجادله فأن المهمة المطروحة علي اليساريين ( سابقا ) مواصة لدورهم الايجابي الهام في تحقيق اقصي قدر ممكن من السعادة للانسان بتحريره من أكبر قدر ممكن من العوز المادي والمعنوي، هو تعميق نقدهم الذاتي لتجاربهم الماضيه إنطلاقا من الاعتراف بأن جذر ضعفها الحقيقي هو انطواء صلبها الفكري والتطبيقي علي عنصر تقييد لحرية الفرد والجماعه. هذا هو ماجعل الماركسيه، أرقي وأشمل نقد لرأسمالية مابعد الثورة الصناعيه، تقع عند التطبيق في نفس مطب الطوباويه الذي زعمت ان الرد الاشتراكي المثالي لدي سان سيمون الفرنسي وأون البريطاني وقعت فيه لان التقييد يعادل حتما تجميد طاقة الخلق والابتكار والابداع. ومن هنا يمكن القول بأن ستالين كان موجودا في لينين وعلي صعيد العالم الثالث فأن صدام كان موجودا في ناصر الخ.. الخ.. نظرا لوحدة القاسم المشترك بين الجميع، وان كافة هذه الخصائص السلبيه تترسب الان تدريجيا لدي شافيز فنزويلا إذا لم يكف بعض اليساريين عن احتضان كل من يعلن عداءه لامريكا حتي لوكانت تحالفاته النجادية والاسدية والقذافيه تدل علي مدي جدية مثل هذا الادعاء. افكار هذه المجادله ناقشها كاتب هذه المحاوله اكثر من مره لذلك فهو يحيل أمر التعبير عنها هذه المره الي واحد من اميز المفكرين والكتاب المتحولين ديموقراطيا من الأسلام السياسي، وليس من اليمين لليسار، هو الفلسطيني- الاردني خالد الحروب : " بمقدار ما يتم إحترام هذه القيمة ( الحريه ) يتم الحكم على تقدم ونجاح المنظومات الفكرية والمجتمعات والأيديولوجيات والأديان. كل تقدم أكان مادياً أم معنوياً لا تحتل الحرية مكان القلب فيه سيظل تقدماً منقوصاً ومؤقتاً ومحكوماً بنهايات مأساوية.( .. ) الحرية هي منطلق الإبداع، إن توفرت أبدعت المجتمعات وإن غابت تخلفت " (مقال بعنوان اسلام غُل وأردوغان واسلاميونا العرب ، جريدة الحياه 6 سبتمبر 2009 ) .
حسب خلفية قارئ هذا المقال ورؤيته قد يبدو هذا التناول الجدالي غريبا بصورة نسبية او مطلقه ولكن الشاهد انه ليس بعيدا كلية عن بعض ماورد علي لسان المشتركين الثلاثة الرئيسيين في الندوه. فالشفيع خضر يتحدث عن " التشكيك في جدوى التمايز التقليدي بين اليسار واليمين " وعن ضرورة امتلاك اليسار الماركسي لشجاعه "كافية تمكنه من إعادة النظر في المنطلقات المفهومية ". وبينما يشارك جادين في هذا التوجه النقد الذاتي اليساري منطلقا من تجربته البعثيه بتركيز علي التردد ازاء الموضوع الديموقراطي، تقودنا مداخلة هاله عبد الحليم الي منطقة قريبة من مسألة العلاقه بين الحريه والتقدم الابداعي عندما تشير للمفارقه بين : " امتلاك الحركة الاسلامية لوسائل المعرفة والتكنولوجيا واستخدام العلوم الحديثة واحدث فنون واساليب الادارة والتنظيم. بينما تخلف اليسار عموماً تخلفا واضحا ومؤثراً في هذا المضمار ". هي بذلك تلفت نظر الفكر السياسي السوداني الي المعضلة الكبري والمنسية التي تواجهها حركة التقدم في السودان . ففي ظل الاختلال المريع لتوزيع الثروه القوميه لمصلحة الحركة الاسلاميه بملحقاته في الاستفادة من العالم الاول، كان طبيعيا ان تقع مفاتيح هذه الاستفادة في ايديها وبعيدا عن أيدي قوي اليقظة الديموقراطيه القادرة وحدها علي النفاذ الي خلفية الاستناره والعقلانيه المولدة لهذه المفاتيح ومن ثم توظيفها لاحداث تنمية حقيقية شامله لقيامها علي ساقي الانتاج والتوزيع العادل معا.
ما تضمنته اوراق المتحدثين الثلاثة مباشرة ومايمكن استنتاجه منها تصلح كمادة لتداول أكثر عمقا وتاليا أكثر إثراء للفضاء الفكري والسياسي، اذا اتيح لها مجال مايسمي العصف الذهني : التفاعل المركز للافكار بين مجموعة محدودة العدد في لقاء مغلق يُتفق علي صيغة إخراجه للعموم بين المشتركين فيها واجلا او عاجلا، لان المنابر المفتوحه تفرض علي المشاركين فيها قيودا ذاتية واخري غير ذاتيه تمنعهم من التبادلِ الكاملِ الحرية للافكار. اقتراح من هذا القبيل كان قد طرحه سابقا احد المشاركين في التعليق بالندوه، يس حسن بشير صاحب الصرامة الاسلوبية والمنهجيه في كتاباته التي يندر وجودها الضروري عندنا، وقد يري مركز الدراسات السودانيه استكمال عمله المثمر بتنظيمه للندوة المفتوحه بتنظيم ممارسة من هذا النوع ستكون الاولي من نوعها سودانيا حسب علمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.