ستسمو أم الدنيا فوق جراحها وسينمو فيها البرتقال * التسريبات المنبعثة من اجتماعات الوسطاء الامريكيين والاوروبيين بطرفى الازمة المصرية اخذت تعطى اشارات ايجابية للمرة الاولى منذ انفجار ازمة ازاحة الرئيس مرسى من الرئاسة المصرية بترتيبات هندسها العسكر المصريون مجتمعين وليس فقط الفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع المصرى. قالت تلك التسريبات ان وفد "العدوية" الى اجتماعات الوسطاء باحترام وجهة نظر ومطالب ميدان "التحرير ". بل ان الوفد لم يشترط عودة الرئيس مرسى الى منصبه قبل الدخول فى اى حوار مع الطرف الآخر . وفد " التحرير" اكد على عدم جواز استعمال القوة ضد المعتصمين فى العدوية . كما اكد على انه ليس هناك نية فى اقصاء قيادات الاخوان التى لم تتورط فى اعمال جنائية مثل ممارسة العنف او التحريض عليه . وأنه سيتاح لقيادات الاخوان الاشتراك فى وضع وصياغة الدستور المصرى القادم . تمديد المبعوث الامريكى لمهمته فى القاهرة يقول ان المبعوث الامريكى قد رأى نورا فى نهاية نفق الازمة المصرية الازمة المستحكمة بين فرقاء ميدانى التحرير والعدوية. ويبدو الآن ان الطرفين ادركا ان الازمة لن تحل بذلك التبسيط المخل للامور كأن يصر كل طرف انه يملك ناصية الامر والقوة التى تنهى الصراع لصالحه . مثل ان تستهون الرئاسة الطرف الآخر من الشارع المصرى ، وتغمض عيونها عن لوحة كئيبة قاتمة اخذت تتبدى للناس فى افق المشهد السياسى المصرى واضحة جلية . او مثل ان تعتقد الجموع المحتشدة فى رابعة العدوية انها تستطيع تحقيق هدفها بالصراخ العالى والتهديد بتحريك ديل الديناصور الاسلامى مثلما كان يصرخ ذلك المعتوه السياسى المجوف . الحكومة ادركت ان استعمال القوة المفرطة لفض هذا الاحتشاد الكبير يحمل فى طياته مجازفة خطيرة وقد يقود الى نهاية مأساوية يندم عليها الجميع . لأن عملا من ذلك القبيل سوف يؤدى الى انفراط عقد النظام و الامن المصرى بصورة يصعب بعدها لملمة اطراف المجتمع السياسى المصرى او رتق نسيجه الاجتماعى مجددا. نعم ، يتحسس كثيرون وسط الشعوب العربية مواضع سيوفهم متى ذكرت افاعيل العسكر فى الشعوب العربية التى سقاها عسكريوها كؤوسا مترعة من المرارات فى ازمان طالت واستطالت كانت بندقية النخب العسكرية هى الفيصل و ليس الحكمة وفصل الخطاب ، الامر الذى مكن للباطل و القمع والترهيب على اماد استمرت عقودا اصبح فيها الرأى الآخر ا فريضة غائبة المطالب بها مقتول او مفقود فى احسن الاحوال . المصريون الذين ثاروا مجددا فى الثلاثين من يونيو 2013 ادركوا انهم يعايشون معارضة مدنية ضعيفة وعاجزة ، وحكومة منتخبة عديمة الحيلة لقلة خبرتها وبؤس دربتها . وهذا الادراك شجعهم على ركوب اشرعة المخاطرات والمجازفات السياسية غير المامونة . الجيش المصرى المقدس وجد من يرفع له اصبع الرفض والتحدى للمرة الاولى . ونتيجة لذلك اصبح هذا الجيش ، و للمرة الاولى ، ملزما بالقيام بمهام بوليسية : لكى يساهم فى الحفاظ على الامن الداخلى بجانب الحفاظ على امن الحدود المصرية . هذه المهمة البوليسية هى مهمة قاسية على وجدان الجيش المصرى الذى كان يفتخر بانه جيش قومى يسمو عاليا فوق الانتماءات الحزبية الضيقة الشئ الذى اكسبه احتراما يجل عن الوصف . نعم ، هذا الجيش ما يزال يستبطن هذه المعانى المتفردة حتى وهو يقبل على ممارسة دوره الجديد الذى يتمنى ان ينجزه سريعا و يعود الى وظيفته الاساسية. الذين يواجهون هذا الجيش فى الطرف الآخر يبدو معنيون بشئ واحد هو اعادة الشخص الذى انتفض ضده هذا الجيش مدفوعا بتفويض شعبى مصرى غالب . هذه امانى لا تعنى اكثر من محاولة اعادة عقارب الساعة الى الوراء . وهذا فى حد ذاته بيع بائر دونه خرط القتاد بالنسبة للجيش وللشعب المصرى . اطراف دولية فاعلة و مدركة لمخاطر الوضع المتفجر بين التحرير وعدوية سعت وتسعى الى نزع فتيل الازمة التى سيتعدى اوارها المحيط المصرى الى الحيط الاقليمى المجاور و قد يستعصى الحريق على كل محاولات الاطفاء. عودة الجيوش العربية مجددا الى لعب نفس الادوار السياسية التى غادرتها للتو هو امر اكثر ايلاما من كل آلام المخاض الديمقراطى الحادة التى عاشتها هذه الشعوب وظلت تعيشها منذ دخلت عليها نسائم الربيع الهفيفة الباردة المنعشة مثلما يدخل الثلج من النافذة فى ازمان السموم الحارقة . لله الحمد والمنة ان الذين راهنوا ويراهنون على ضعف ذاكرة الشعوب العربية سيبؤون بخسران عظيم . ما يأتى من رابعة العدوية والتحرير من تسريبات ايجابية خيرة يمكن البناء عليها بتمهل وحرص. مايأتى من قبل الجيش فهو من نوع ما قلّ ودلّ : كلمات قليلة مشبعة بالجزم والعزم وقوة الارادة . الحزم وقوة الارادة و التصميم هى مؤشرات متعددة الاغراض والاهداف ولا تعنى بالضرورة كسر الرقاب . دعونا ندعو لمصر الكنانة الممراح شعبها بالخروج المتماسك من وهدتها الحالية . العنوان مقتبس من بيت شعر للشاعر السودانى الياس فتح الرحمن Ali Ibrahim [[email protected]]