البرهان يتفقد مقر متحف السودان القومي    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    بدء برنامج العودة الطوعية للسودانيين من جدة في الخامس عشر من اغسطس القادم    المصباح في زجاجة.. تفاصيل جديدة حول اعتقال مسؤول "البراء" الإرهابية بالقاهرة    إعراض!!    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب مُصممة للاحتيال    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    بيان من الجالية السودانية بأيرلندا    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية الإسلام السياسي ... وخيارات التفكير أم التكفير .. بقلم: محمد موسى
نشر في سودانيل يوم 26 - 08 - 2013

شهدت الخرطوم خلال السنوات الخمس الماضية أزمة فكرية عقائدية أحدثت شرخا فى جسم الشارع السودانى الذى وصل إلى منعطف حاد, وما أفاضت به أنهار الصحف اليومية فى قضية (الجريف) ليس بالقليل, لذلك آثرنا أن نتناول موضوع الغلو والتطرف الدينى من الجانب التاريخاني, لقد ظهرت الكثير من الجماعات الإسلامية المتطرفة فى مختلف دول العالم تنادي (بدولة المدينة) وذلك بدون وضع أسس علمية وبذل جهود واضحة لتحقيق هذا المطلب بل الأساس الوحيد الذى تم الإعتماد عليه أسلوب (مع/ضد) مرتكزين على ماضي مبني على ظروف بيئية وإجتماعية وسياسية إستثنائية, لا ننكر بأن هذا الماضي وأحداثه كان له الدورالحاسم في تشكيل وتثبيت النظام الإجتماعي والسياسي في تاريخ المجتمعات الإسلامية المتعاقبة على مر الزمان وهي التي حددت ملامح شخصية المجتمعات الحالية. إلا أن هذا الماضي تم تناوله وفهمه بغير ما كان عليه فالإسقاطات المفاهيمية (القاصرة) الناتجة عن إشكاليات فى قراءة النصوص الدينية وآليات التأويل التى تعتمدها كل(فئة)على حدة, راجع لإنعدام مرجعية دينية (جامعة) يتم عبرها فهم ومناقشة القضايا الجوهرية. فالتأثير الكبير لذلك الجزء الخاص من الماضي هو أن هذه المجتمعات غير قادرة على بلورة الفكر الإسلامي وطرحه كحل لمعالجة ما إستعصى من قضايا العصر الراهن. فالإستشهاد بنموذج الخلافة الراشدة الذي إستمر حوالي ثلاثة عقود بعد وفاة الرسول (ص) أو الإستشهاد بالنظام الإجتماعي الذي ساد إثناء العصور الوسطى في مجتمعات كان المسلمون فيها يشكلون أغلبية والتي تم فيها إقامة أنظمة سياسية بإسم الإسلام, وفي كلا النسختين تبقى قوة هذا الماضي في تقرير الحاضر غامضة وهو مسلّم به دون أن يكون هناك تفسير حول سبب التأثير البعيد الشامل للماضي في تلك المجتمعات وفهم كيفية نشوء الإعتقاد بهذه الأفكار الخاطئة وتأثيره على المواقف المعاصرة.
لقد إتخذت اللقاءات الفكرية الأولى بين المسلمين والأوروبيين في العصور الحديثة شكل المواجهات, فعرف جمال الدين الافغاني وهو من أوائل المفكرين المسلمين البارزين في الكفاح ضد الإستبداد، وقد حملت إحدى مقالاته التي كتبها رداً على ارنيست رينان، بعنوان "الرد على الدهريين" إستخدم مصطلح "الدهريين" للإشارة الى العلمانيين, فهاجم الافغاني الأيديولوجيات الوضعية التي كانت على قناعة بأن الدين هو المسؤول عن التخلف والركود الإجتماعي وأن التقدم العلمي سيؤدي قريباً الى إنتفائه وساوى ضمنياً الوضعيين في القرن التاسع عشر بأعداء الرسول (ص) ومنذ ذلك الوقت أصبح ينظر إلى العلمانية على أنها مرتبطة بالإلحاد وزاد الأمر تعقيداً عندما إختار بعض الكتاب المسلمين إبتكار مصطلح خاص شعروا بأن مصطلح الدهريين كان غير مناسب فاختار هؤلاء مصطلح اللادينيين.
ولّدت الإنتقادات الأولى للمصطلحات إلى مقابلة بين عقلية المسلمين من جهة النظام العقائدي والنظام الإجتماعي الذي ورثوه وعاشوا فيه, وبين ما تبناه الأوروبيون من جهة النظام العقائدي والنظام الإجتماعي الذي ورثوه وعاشوا فيه, وبين ما تبناه الأوروبيون من جهة أخرى على الرغم من إستبدال مصطلح اللادينيين فيما بعد بآخر هو"علمانية" مما جعل المقابلة الثنائية بين الرؤيتين تترسخ بعمق وكان الشعور الذي ظل سائداً منذ ذلك الوقت بين المسلمين بأن هنالك مقابلة دقيقة غير قابلة للتضييق بين منظومتين هما "إسلامي" و"لا إسلامي" . فإن يكن المرء علمانياً يعني التخلي عن الإسلام, والرفض ليس للايمان الديني، بل حتى النظام الأخلاقي الملازم له والتقاليد والقواعد العاملة ضمن المجتمعات الإسلامية وقد فهم هذا على انه إبعاد أو"إنسلاخ" كامل تام عن العناصر المكونة للشخصية الإسلامية واستسلام شامل "للكفر" مؤدياً إلى إنكار الهوية والحضارة الموروثة من الأجداد, ومن الجدير بالذكر أن الأغلبية العظمى من المسلمين في القرن التاسع عشر وحتى النخبة المثقفة عاشت في جهل مطبق فيما يتعلق بالنقاش الدائر في اوروبا حول الدين ودوره في النظام الاجتماعي والتغييرات التاريخية التي كانت تعيد تشكيل المجتمعات الاوروبية، فلم يكونوا على علم بالتمييز بين الإلحاد "الكفر" والعلمانية وما زالت نتائج سوء التفاهم هذا تسم وبعمق موقف المسلمين اليوم. وعليه فقد عرف المسلمون العلمانية لأول مرة من خلال الجدال الموجه نحو أولئك الذين كان يفترض بهم أن يكونوا أعداءهم الموروثين، لذا كان إختيار مصطلح خاص بمفهوم العلمانية عاملاً حاسماً في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين
إن الإسلام هو"نظام" ويجب التعامل معه على أنه بنية من القواعد, إن كلمة "نظام" تعد مفردة مألوفة في القرن العشرين فيما يتعلق بالإسلام مع هذا فإن هذه المفردة لا تظهر في القرآن ولا أي كلمة أخرى من هذا الجذر وهناك ما يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان أي مسلم قد سبق وإستخدم هذا المفهوم بمعناه الديني ويبدو أن المفهوم القائل بأن الحياة ينبغي ترتيبها على وفق نظام وأن الإسلام هو الذي يوفر مثل هذا النظام يبدو مفهوماً حديثاً وربما مفهوماً يدعو للشك وما إن يُعرف الإسلام على وفق هذا المنهج يصبح بالإمكان إستخدامه لتقييم إمكانية أوعدم إمكانية إستجابته مع مفاهيم جديدة أوغريبة وتقريردرجة تطابقها مع محتواه المفترض والمعرّف مسبقاً ويعكس هذا الموقف وجهة نظر معينة تجاه الدين وليس تجاه خاصية معينة من خصائص الإسلام.
أما الحكم الثاني الذي هو أكثر إغراء مبني على المخرج بين الإسلام كدين والإسلام كحضارة، يرجع هذا المخرج المتجذر عميقاً إلى الإستخدامات اللغوية السائدة في اللغة العربية أو اللغات الأوروبية, فبالنسبة للإسلام لا يوجد تمييز بين النصرانية كدين، والعالم المسيحي أو الأمة المسيحية, فما زالت الكلمة نفسها تستخدم للاشارة للشعائر والعقائد وحياة مجتمع المؤمنين - زماناً ومكاناً - يعود الفضل الى المؤرخ مارشال هودغسون في إدراك ضرورة وضع خط فاصل بين "الإسلام " كدين و"العالم الإسلامي" لأهميته في توضيح المفاهيم الرئيسة في تاريخ المسلمين. كان العالم الإسلامي في عصره الذهبي نظاماً إجتماعياً سياسياً مبنيا على معايير ماخوذة من مصادر إسلامية تم تكييفها خصيصاً للظروف القائمة, مكن ذلك المسلمين في العصور الوسطى من خلق وإدامة حضارة دنيوية متناغمة مع ظروف العصر فعاش المسلمون في ذلك الوقت تحت حكومات مقيدة "بالشريعة" إلا أنهم لم يعتبروا النظم السياسية التي كانوا خاضعين لها تطبيقاً للمبادئ الإسلامية. وبالنسبة للمجتمعات الإسلامية ما قبل الحديثة ظلت الخلافة الأولى النموذج السياسي الذي لم يكن قائماً على الشريعة التي لم تكن قد وضعت بعد وكان المثل الأعلى يشبه النظام الجمهوري يختار فيه أعضاء المجتمع الخلفاء بدلاً من فرضهم بالقوة وحيث يتكرس سلوك الحكام بإتجاه خدمة المجتمع بدلاً من إرضاء طموحاتهم الشخصية ولكن أصبح المسلمون مدركين بأنه لم يعد بالإستطاعة تحقيق النظام الكامل والشرعي للخلافة الراشدة وأن المثال الجمهوري لم يعد بالمتناول وأنهم مضطرون لقبول حكم المتسلطين غير أنهم كانوا قادرين على تحديد مدى السلطة الممنوحة للحكام المستبدين بوضع الشريعة موضع التنفيذ إذ منحت صيغة مقدسة. من هنا أمكن تحقيق شيء من الإستقلالية من السلطات السياسية وحماية محدودة ضد الإستبدادية وهو ما يمكن تسميته الحل الوسط الذى أدى إلى علمنة الشريعة التي تحققت عبر هذه العملية إلى أنه منذ ذلك الوقت أصبح الإسلام يرى على أنه مجموعة القواعد الخالدة "الباقية" رقيباً على المجتمع والتاريخ ومقياساً لتقييم الواقع والسلوك. وما حدث في القرن التاسع عشرهو تحويل الحل الوسط إلى نظام بالمعنى الحديث للكلمة وعكست ثنائية الحقيقة والمعيار مفهومي المجتمعات القائمة على الشريعة والمجتمعات الشرعية الإسلامية واعتبر قابلاً للتحقيق عبر العمل "النموذج" والنظام التاريخي ممكن بين المسلمين في وقت واجهتهم الأفكار الحديثة. لقد بينت المواقف النموذجية المسلمين ما قبل الحداثة على التمييز بين معيار الخلفاء الراشدين والظروف الفعلية بضمنها تنفيذ الشريعة التي عاشوا فيها, وفي وجه هذه الثنائية تبنى الناس موقفاً إتسم بالاستسلام وقبول حقيقة أن المعيار على الأقل مؤقتاً كان بعيد المنال فقام بعض المسلمين في العصر الحديث برفع الظروف الفعلية والقواعد التي عاش بها اباؤهم في العصور الوسطى إلى مستوى المعيار وقرروا العيش بهذه القواعد حتى يكونوا مسلمين.
كان هذا وراء التناقضات الحاصلة في يومنا هذا حيث تتخذ العلمنة لعقود مكاناً في المجتمعات الإسلامية على الرغم من معارضة الرأي السائد للعلمانية وكل ما يأتي معها كالحداثة والديمقراطية كعملية تاريخية، لقد كان التحويل الذي حققته العلمنة في حياة المجتمعات الإسلامية من القوة بحيث أن الدين أو التقاليد القائمة على الدين لم تعد تقدم المعايير والقواعد التي تحكم النظام الإجتماعي السياسي فحل القانون الوضعي محل الشريعة في معظم البلدان التي توجد فيها مجتمعات مسلمة بإستثناء ما يخص الحالة الشخصية وبالأخص وضع المرأة حيث ما زالت القواعد التقليدية قائمة بصورة عامة. إن التطور من الموقف القديم ومن الإستسلام للإستبداد إلى الدمج المعاصر بين التعميم السياسي والرغبة للقديم الدنيوي هو نتيجة واضحة لتلك التغييرات إلى العلمنة المستمرة في المجتمعات المسلمة. مع هذا ما زالت العلمانية تواجه بالرفض كونها عقيدة غريبة فرضها الأعداء التقليديون للمسلمين والمتواطئون من أبناء الإسلام معهم حيث يعتبر الإسلام نظاماً خالداً غير قابل للتغيير محيطاً بكل جوانب التنظيم الإجتماعي والفضيلة الشخصية ومعارضاً راسخاً لكل المفاهيم والنظم المتعلقة بالحداثة, وهذا ما يخلق جدالاً زائفاً ووضعاً فوق واقعي ويتم رفض التغييرات الواضحة في الحياة الواقعية للأفراد والجماعات بينما يحافظ على المواقف الايديولوجية بتصميم عال فيضطر العلمانيون وعلماء الاجتماع إلى تبني مواقف دفاعية أو الإنسحاب من النقاشات العلنية وعلى نحو متكرر يشعر هؤلاء بأنهم مجبورون على إثبات براءتهم من العداء للعقائد الدينية والفضيلة ومنجزات الحضارة الإسلامية.
لقد أصبح تنفيذ الشريعة إشعاراً لأولئك الذين ينشدون العودة إلى الإسلام بصيغته (الأصلية) والنقية والتي يعتقد أنها تجسد الحقيقة الخالدة والنموذج النهائي للمسلمين. إذن ستكون حالة الديمقراطية في المجتمعات التي تطورت على هذا النحو: أولاً ينبغي فهم التباين بين سؤال كهذا يحاول تفسير النمو والتطور الفعلي لمجتمعات معينة مفاهيمها السائدة والأسئلة التي يطرحها المتشددون بإستمرار تلك التي يطرحها بعض العلماء مثل, ما وضع الديمقراطية بالنسبة للإسلام؟ تضع هذه الصياغة الأخيرة الإسلام بصفته نظاماً يمكن إستخدامه لتقييم كل شيء قد يرى المرء إجابتين محتملتين للسؤال المتعلق بالديمقراطية فالإجابة الأولى تقبل الإندماج بين الإسلام والأنظمة المحكومة بالشريعة وبهذا يستبعد أي مستقبل محتمل للديمقراطية في هذه البيئة. أما الإجابة الثانية فهي تماثل الديمقراطية مع نوع من العقيدة الدينية أو المثل الأعلى الصوفي, يعكس هذا الفهم للديمقراطية في بعض الحالات إعترافا حقيقياً بأنها تلبي حاجات المجتمعات المعاصرة وإنها فعلاً الخيار الوحيد الناجح في سبيل تحقيق الإدارة السلمية العقلانية للشؤون العامة في الكثير من الحالات, وقد يشجع هذا أيضاً المواقف المضرة بمستقبل العملية الديمقراطية على المدى البعيد فقد تؤدي إلى أن تصبح الديمقراطية مثالاً متعالياً غريباً أو لايمكن تحقيقه وهذا يقوي فكرة أن الخيار الإسلامي هو أكثر عملية وتكيّفاً مع ظروف المجتمعات الإسلامية بمعنى آخر قد تعامل الديمقراطية كما تعامل الأيديولوجيات الحديثة الأخرى كالقومية الإشتراكية التي تمتعت بهيمنة قصيرة الأمد في البلدان الإسلامية. وقد يعمق هذا التوجه سوء فهم المسلمين لكل من العلمنة والديمقراطية والنتيجة تقوية وجهة النظر القائلة بأن الإسلام والديمقراطية تمثلان مستقبلين منفصلين ومتضادين وحتى وإن تم التنفيذ الجزئي لمزيج من الإسلام والديمقراطية.
إن الخطاب الدينى الإسلامي أتى واضحاً ومثالياً ونجح فى وقته (كمشروع دولة) لأن الأرضية كانت ممهدة له من جميع النواحي وقد لعب الأسلوب الذى طُرح به دوراً فاعلاً, قال تعالى{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (159) سورة آل عمران. لذلك أصبح لزاماً إستحداث آليات ومناهج جديدة ومتطورة لفهم لغة القرآن (دستور الأمة) بدلاً من التمسك بالظاهر وترك الباطن. ولذلك سنعرض نقطتين مهمتين:
1- تحديث أوعصرنة المفاهيم الدينية 2- حكم القانون
فلتحديث المفاهيم الدينية ينبغي أولاً أن لا يفهم على أنه الإصلاح الذي حدث في القرن السادس عشر في أوروبا المسيحية, ولكن على أنه التطور العام للمواقف الدينية الذي أثر على المسيحيين واليهود منذ القرنين السابع والثامن عشر وتحقق كاملاً فقط في العقود الأخيرة لهذا القرن لذا فإن إتفاق عدد من المفكرين المسلمين المعاصرين حول حاجة التفسير الشكوكي للمصادر المقدسة والظروف الحديثة إلى مواقف جديدة نحو الدين يعد مهماً, وتشير أقلامهم ضمنياً إلى الفصل بين الرسالة المقدسة للإسلام ومحاولات المسلمين لتحقيقها عبر التاريخ, كما أن اعتبار الخلافة الأولى التي أوجدها النبي (ص) مؤسسة سياسية وليس دينية يجعلها عرضة للنقد كما هو الحال لأي مؤسسة إنسانية أخرى.
أما حكم القانون, فهو مفهوم يعبر عن شيء طالما رغب به المسلمون في المراحل المبكرة لتاريخهم واعتبروه جزءاً من رسالة الإسلام, فقد إنبهر الرحالة المسلمون إلى أوروبا في القرن التاسع عشر بتمسك الأوروبيين بالقواعد والسلوك المحكوم بالقوانين مما دعا بعضهم إلى الإعتقاد بأن تلك المجتمعات كانت مسلمة دون أن تعي ذلك, فالإسلام معروف بمواقفه الملتزمة بالقانون, من جانب آخر يدّعي المتشددون بأن السبيل الوحيدة لتحقيق هذا الطموح نحو سيادة القانون هو وضع الشريعة موضع التنفيذ كعلاج وحيد للتعسف وسوء إستخدام السلطة الشائعة في الدول الإسلامية ويمكن الرد على هذه الحجة من خلال بيان أن المفهوم الحديث لحكم القانون أوضح وأكثر جاهزية للعمل وسهل المراقبة وعليه فإن ثنائية الإسلام والحكم المطلق المستبد التي يعلنها المتشددون لا تمثل القصة كاملة فقد كشفت التجربة بأن الإلتزام بالقانون هي صفة من صفات المجتمعات الحديثة حقا حيث يشعرالأفراد بأن لهم صوتا في صنع القرارات العامة.
إن القيم المعنوية السائدة في تلك المجتمعات لن تسود في علاقتها مع المجتمعات الأخرى وستعمل حالة اللا إتساق هذه على تعميق العداء بين الشعوب، لقد حان الوقت للدعوة الى سيادة القانون, وليس الدعوة إلى العنف وتبني الأحكام المسبقة (بتكفيرالآخر) قال تعالى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (99) سورة يونس, كما قال عز من قائل {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(125) سورة النحل صدق الله العظيم.
mohamed mosa IMAM [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.