منذ نعومة أظافره ، كان محتار لا يحب الدخول إلى محلات الحلاقة بأي حال من الأحوال ، وما زال محتار يذكر كيف كان والده يجبره على الذهاب إلى الحلاق وتسليم رأسه له ومن ثم يصبح رأس محتار تحت رحمة مقص الحلاق ويصبح هو نفسه تحت رحمة استجوابات الحلاق التي تعكر مزاجه إلى أقصى درجة من قبيل: ما إسمك يا شاطر؟ في أي فصل تدرس؟ وهكذا تتوالى الاستفسارات غير المنتجة في قضية الحلاقة وتتوالى صلصلات المقص بصورة خطرة بجوار هذه الأذن أو تلك بينما يعاني محتار من تيبس الرقبة من جراء إرغامه على لوي رقبته لمدة طويلة في هذا الاتجاه أو ذاك! ما أن بلغ محتار سن الرشد حتى أعلن استقلاله التام عن سطوة والده وأعلن رفضه المطلق للحلاقة العامة وكان يفلسف هذا الموقف بقوله : إذا كان رأس البني آدم هو أعظم رأس في الدنيا بحكم ممارسته لمهام التفكير البشري الخلاق فكيف يتم وضعه تحت رحمة الصلصلات المقصية والاستجوابات الحلاقية التي تشكل إزعاجاً عاماً للدماغ البشري بكل المقاييس؟! فجأة انفجر محتار ضاحكاً ، فقد تذكر محاولاته المجنونة للتخلص من شعر رأسه السريع النمو دون الاستعانة بخدمات الحلاقين العموميين، تذكر محاولاته لحلاقة رأسه بنفسه في المنزل أو في داخلية الجامعة تحت شعار (احلق رأسك بنفسك وتخلص من وجع الدماغ) ، تذكر محاولاته للاستعانة بحلاقة صديق حيث يتبادل هو وصديقه مهمة الحلاقة تحت شعار (إنت أحلق لي وأنا أحلق ليك) ولكن كل تلك المحاولات كانت تنتهي بفواصل من ضحكات الآخرين الساخرة! وحينما تزوج محتار وأنجب ولداً اكتشف أن ولده يمقت الحلاقة بالفطرة وعندها تعقدت أمامه مشكلة الحلاقة فلم يجد بداً من إقناع زوجته بأن تحلق له ولولده مرة كل شهر ولكن سخريات الآخرين من زملاء العمل كانت تتجدد إثر كل حلاقة منزلية وكانت تتجسد طوراً في شكل نظرات مستهجنة وتارةً في شكل سؤال استنكاري من قبيل: ياخي راسك ده مالو عامل كده؟! تعب محتار من محاولات الحلاقة الشخصية والحلاقة المنزلية وتوكل على الحي القيوم وقرر حلق رأسه بمناسبة هذا العيد السعيد لدى حلاق عمومي منهياً بذلك قطيعة تاريخية للحلاقة العامة تطاولت لسنين عدداً ، ولدهشته المركبة ، فقد أخذ رئيس الحلاقين يمارس هوايته المفضلة فوق رأسه بهدوء مريب إلى درجة أن صوت المقص كان يصلصل في شعره وكأن هناك مبارزة تجري على قدم وساق بالسيوف في إحدى الغابات الكثيفة، حتى الحلاقين الآخرين كانوا يمارسون صمتاً مزعجاً غير مفهوم على الإطلاق ، تساءل محتار في سره بارتياح شديد: ما الذي جرى في صالونات الحلاقين وحول صخبهم المعتاد إلى صمت مطبق؟! فجأة رن جوال رئيس الحلاقين ومن ثم انهمك الحلاق في فاصل طويل من الصياح والصراخ فوق رأسه وعندها انزعج محتار انزعاجاً بالغاً ولم يجد بداً من إنهاء حلاقة العيد في منتصفها ومغادرة صالون الحلاقة على جناح السرعة وسط دهشة جميع الحلاقين وجميع المارة الذين فوجئوا بمشاهدة رأس بشري غير طبيعي بأي حال من الأحوال! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر