السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المذاهب السياسية الإسلامية المعاصرة وأصول الفقه السياسي السني .. بقلم: د.صبري محمد خليل
نشر في سودانيل يوم 15 - 09 - 2013

د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الإسلامية بجامعه الخرطوم
[email protected]
تمهيد: تهدف هذه الدراسة إلى بيان مدى اتفاق المذاهب السياسية الاسلاميه المعاصرة ، مع أصول الفقه السياسي السني ، وتخلص الدراسة إلى أن بعض هذه المذاهب تتفق مع هذه الأصول، وبالتالي تتسق مع البنية الحضارية للأمم والشعوب المسلمة،التي أصبح المذهب السني بتفريعاته المتعددة جزء منها، وبالتالي يمكن أن تقبلها هذه الأمم والشعوب المسلمة ،هذه المذاهب تتمثل في مذاهب التفسير الديني للسياسة ، اى مذاهب السياسة الشرعية ، التي نجعل الدين هو الأصل والسياسة هي الفرع، وذلك بأن يكون الدين بالنسبة للسياسة بمثابة الكل للجزء، يحده فيكمله ويغنيه لكن لا يلغيه، وتهدف إلى تحقيق اكبر قدر ممكن من الاتساق بين النشاط السياسي ومقاصد الشرع وضوابطه . كما أن بعض هذه المذاهب تتعارض مع أصول الفقه السياسي السني، وتتفق - جزئيا أو كليا - مع الأصول السياسية للمذاهب المخالفة للمذهب السني ( كالشيعة والخوارج والمرجئة...) ، وبالتالي فان هذه المذاهب تتناقض مع البنية الحضارية للأمم والشعوب المسلمة،التي أصبح المذهب السني بتفريعاته المتعددة جزء منها، وبالتالي سترفضها هذه الأمم و الشعوب المسلمة ، ما توافرت شروط الرفض الذاتية (المعرفة) والموضوعية (الامكانيه)، واهم مثال لهذه المذاهب مذهب التفسير السياسي للدين ، الذي هو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، يقوم على إثبات العلاقة بين الدين والسياسة ، ولكنه يتطرف في هذا الإثبات إلى درجه تجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق وخلط ، وليست علاقة ارتباط ووحده، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة اعلي درجه من الدين حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة، والوسيلة هي الدين، ومرجع هذا التطرف في الإثبات ان هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة، كرد فعل على الليبرالية ،والتي باستنادها إلى العلمانية ألغت اى علاقة للدين بالسياسة.
أصول الفقه السياسي السني :
الامامه (السلطة) من فروع الدين وليست من أصوله: من أصول الفقه السياسي السني أن الامامه - بمعنى السلطة - هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله ، يقول الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ، بحيث لا يسع المكلَّف الإعراض عنها والجهل بها ، بل لَعَمري إنّ المعرض عنها لأَرجى من الواغل فيها ؛ فإنّها قَلّما تنفك عن التعصّب والأهواء ، وإثارة الفتن والشحناء ، والرجم بالغيب في حق الأئمة والسَّلَف بالإزراء ، وهذا مع كون الخائض فيها سالكاً سبيل التحقيق ، فكيف إذا كان خارجاً عن سواء الطريق ، لكن لمَّا جرت العادة بذكرها في أواخر كتب المتكلمين ، والإبانة عن تحقيقها في عامة مصنفات الأُصوليين ، لم نَرَ من الصواب خَرْق العادة بِتَرْك ذكرِها في هذا الكتاب ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363) . ويقول الإيجي ( وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا ) (المواقف : ص 395) . ويقول الإمام الغزالي ( اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ، ثمّ إنّها مثار للتعصبات ، والمُعْرِض عن الخوض فيها ، أسلم من الخائض فيها ، وإن أصاب ، فكيف اذا أخطأ؟ ، ولكن إذ جرى الرسم باختتام المعتقدات بها ، أردنا أن نسلك المنهج المعتاد ؛ فإنّ فطام القلوب عن المنهج ، المخالف للمألوف ، شديد النِّفار ) (الإقتصاد في الإعتقاد : ص
234) . ويقول التفتازاني ( لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة ، بعلم الفروع أَليق ، لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ، ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة ، من فروض الكفايات ، وهي أُمور كليّة تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية ، لا ينتظم الأمر إلاّ بحصولها ، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كلّ أحد . ولا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الإعتقادية ) (شرح المقاصد : ج 2، ص 271). بناءا على ذلك فان المذهب السياسي، الاسلامى المعاصر الذي يرى أن السياسة هي فرع من فروع الدين، وليست أصل من أصوله يتسق مع هذا الأصل من أصول الفقه السياسي السني، أما المذهب الذي يرى أن السياسة هي أصل من أصول الدين ، فهو يتناقض مع هذا الأصل من أصول الفقه السياسي السني ، ويتفق مع احد الأصول السياسية للمذهب الشيعي، الذي أشارت إليه الكثير من مصادره ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ينقل الشيعة عن أبي جعفر انه قال( بني الإسلام على خمسة
أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال:" الولاية أفضل " ... " أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان )( الكافي ، 2/16، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام).
التمييز بين الدولة والسلطة : أما الأقوال الواردة عن علماء أهل السنة عن وجوب نصب إمام فتتعلق بالدولة وليست بالسلطة ، فمفهوم الدولة اشمل من مفهوم السلطة ، ذلك أن أركان الدولة هي الشعب والأرض والسلطة، فهذه الأقوال تتعلق بالدولة كضرورة اجتماعيه، وهذا المبدأ اتفقت عليه جميع الفرق الاسلاميه ماعدا الخوارج النجدات ، بل اتفقت عليه جميع المذاهب السياسية في الفكر السياسي الحديث والمعاصر ماعدا المذهب الفوضوي ( مذهب اللا دوله)، ويمكن التحقق من صحة ذلك ، من خلال استقراء هذه الأقوال ، ودراسة السياق الذي ورد فيه القول بوجوب نصب الإمام ، فعلى سبيل المثال يقول الإيجي ( نَصْبُ الإمام عندنا واجبٌ علينا سمعاً...وقال : انه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي ? على امتناع خلو الوقت عن إمام، حتى قال أبو بكر " رضى اله عنه " في خطبته" ألا إن محمداً قد مات، ولا بدَّ لهذا الدين ممن يقوم به " ، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله ? ، ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا مِنْ نَصْب إمام متَّبَع في كل عصر...)(المواقف ، ص 395 ).
فهذا النص يتحدث عن نصب الأمام في كل زمان ، وليس نصب الإمام في زمان معين، كما تفيد العبارات( تواتر إجماع المسلمين ... على امتناع خلو الوقت عن إمام) ، و (لم يزل الناس على ذلك ... مِنْ نَصْب إمام متَّبَع في كل عصر...).
نصب الامام فرض كفاية لا فرض عين: اتساقا مع ما سبق ، من تقرير علماء أهل السنة أن الامامه - بمعنى السلطة - هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله ، وأن قولهم بوجوب نصب إمام يتصل بالدولة وضرورتها الاجتماعية، ولا يتعلق بالسلطة، فقد قرر علماء أهل السنة أن الوجوب هنا هو وجوب كفائي لا عيني، اى أن نصب الإمام فرض كفاية لا فرض عين ، يقول الماوردي ( فإذا ثبت وجوبها ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط ففرضها على الكفاية، وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان:
أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إمامًا للأمة، والثاني: أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهما للإمامة، وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم، وإذا تميز هذان الفريقان من الأمة في فرض الإمامة وجب أن يعتبر كل فريق منهما بالشروط المعتبرة فيه) ( الأحكام السلطانية:
ص 5) ، ويقول القاضي أبو يعلى: (وهي فرض على الكفاية ، مخاطب بها طائفتان من الناس، إحداهما: أهل الاجتهاد حتى يختاروا، والثانية: من يوجد فيه شرائط الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة) (الأحكام السلطانية: ص)19)، ويقول الإمام النووي: (تولي الإمامة فرض كفاية ، فإن لم يكن من يصلح إلا واحد تعين عليه ، ولزمه طلبها إن لم يبتدؤه، هذا إذا كان الدافع له الحرص على مصلحة المسلمين ، وإلا فإن من شروط الإمام ألا يطلبها لنفسه كما سيأتي في الشروط) (روضة الطالبين :10/43) عدم تكفير المخالف في المذهب : ومن أصول الفقه السياسي السني اباحه الخلاف في فروع الدين دون أصوله، وبالتالي عدم جواز تكفير المخالف في المذهب، يقول ابن مفلح ( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)(الآداب الشرعية 1/186)، وبناء على هذا فان المذهب السياسي الاسلامى المعاصر، الذي يبيح الخلاف السياسي ، باعتبار أن السياسة
(الامامه) من فروع الدين وليست من أصوله، يتسق مع هذا الأصل من أصول الفقه السياسي السني ، أما مذهب التكفير على أساس الخلاف السياسي ، فيتناقض مع هذا الأصل ، ويتفق مع احد الأصول السياسية لمذهب الخوارج ، وهو تكفير المخالف في الاجتهاد والمذهب ، وهو ما يتعارض مع ورود الكثير من النصوص ، التي تفيد النهى عن تكفير المسلمين، كقوله تعالى ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبغون عرض الحياة الدنيا).
التمييز بين أنواع عدم الالتزام بالشرع: ، ومن أصول الفقه السياسي السني وجوب التمييز بين نوعين من أنواع عدم الالتزام بالشرع :الأول هو عدم الالتزام بالشرع مع الإقرار به، وحكمه انه ظلم او فسق، والثاني: عدم الالتزام بالشرع مع إنكاره ،وحكمه انه كفر بدليل قوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) [5 /المائدة /45]، وقوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) [5 المائدة /47]، وَقوله تعالى (مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )، وقد روى علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى" وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" قال ( من جحد ما أنزل الله، فقد كفر، ومن أقرّبه، لم يحكم به فهو ظالم فاسق) (أخرجه الطبري في جامع البيان بإسناد حسن/ سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني /ذكره أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الحكم بغير ما أنزل الله)، ولذا ينسب لابن عباس في رده على الخوارج " إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفراًً ينقل عن الملة: كفر دون كفر" ، ويقول الشيخ الألباني (وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير
الآية: «كفر دون كفر»، صحّ ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم )، بناءا على ما سبق فان المذهب السياسي الاسلامى المعاصر ، الذي يقوم على عدم تكفير من لم يلتزم بالشرع (سواء كان فرد أو جماعه أو حاكم أو نظام سياسي..)، إلا بعد التحقق من إنكاره للشرع ، يتسق مع هذا الأصل من أصول الفقه السياسي السني ، أما المذهب الذي يكفر من لم يلتزم بالشرع، دون التمييز بين من اقر به ومن أنكره، فيتناقض مع هذا الأصل ويتفق مع احد الأصول السياسية لمذهب الخوارج ، وهو تكفير الحكام الذين لم يلتزموا بالشرع والخروج عليهم دون تمييز ، استنادا الى قوله تعالى( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )(المائدة:44).
الإصلاح والجمع بين أنماط التغيير: ومن الأصول السياسية للفقه السياسي السني التزام بالإصلاح كنمط تغيير تدريجي جزئي،يقوم على آليات متعددة كالتقويم والنصح ، باعتباره نمط التغيير الاصلى ، يقول الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه وعدم جواز خلعه بالسيف(... بل يجب وعظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله)(التمهيد 186).، ولكن علماء أهل السنة ، اختلفوا في حكم الثورة كنمط تغيير فجائي كلى( والتي عبروا عنها بمصطلح خلع السلطان الجائر) ، إلى مذهبين :المذهب الأول:
المنع: يقول الإمام ابن تيمية ( والصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى ، 28)، المذهب الثاني: الاباحه: ومن علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الجائر ، ابن رزين ، وابن عقيل ، وابن الجوزي (الإنصاف للمرداوي 10 \ 311)، ومن الواضح أن كل مذهب من هذين المذهبين، قد أسسه أصحابه ، بناءا على تقديرهم بتوافر امكانيه الإصلاح في النظام القانوني المعين أو عدم توافرها، وبناءا على ذلك فان المذهب الأول يصح الاستدلال به في حاله توافر امكانيه الإصلاح في النظام المعين، أما المذهب الثاني فيصح الاستدلال به في حاله عدم توافر امكانيه الإصلاح في النظام المعين . بناءا على ما سبق ان المذاهب السياسية الاسلاميه، التي تحاول الجمع بين أنماط التغيير ، تتسق مع هذا الأصل من أصول الفقه السياسي السني، أما المذاهب التي تتطرف في التأكيد على نمط تغيير معين لدرجه إلغاء نمط التغيير الأخر، فهي تتعارض مع هذا الأصل من أصول الفقه السياسي السني، وتتفق مع مذاهب الإفراد ، ومن أمثلتها مذهب الخوارج ، والذي استنادا إلى مفهومه فى الخروج ، تطرف فى التأكيد على الثورة" الخروج على السلطان الجائر" كنمط تغيير ، لدرجه إلغاء نمط التغيير الأخر اى الإصلاح، وإيه هذا أنهم لم يميزوا فى خروجهم بين نظم قانونيه شرعيه وأخرى غير شرعيه (مثال للأولى خلافه على ابن أبى طالب"رضي الله عنه"ومثال للثانية كثير من خلفاء الدولة الامويه)، فهم لم يميزوا بين التمرد والثورة . ومن أمثلتها أيضا مذهب المرجئه، والذي يفصل بين الإيمان والعمل، فيرجي (يؤخر) عقاب العصاة إلى يوم القيامة، ويقول ( لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة)،أي أن المؤمن يظل مؤمناً مهما ارتكب من المعاصي كما يظل الكافر كافراً مهما قام بأعمال صالحة، ويقول (إن الإيمان اعتقاد، وان من أعلن الكفر بلسانه وعبد الأوثان أو لزم اليهودية والنصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ومن أهل الجنة)، ويترتب على مفهوم هذا المذهب في الإرجاء رفض التغيير بأنماطه المتعددة.
الحاكمية تتصل بالسيادة وليس بالسلطة: ومن أصول الفقه السياسي السني،
تفسير مفهوم الحاكمبه بما يقارب مصطلح السيادة في الفكرالسياسى الحديث والمعاصر، اى السلطة المطلقة، ، يقول الإمام الغزالي ( الحاكم هو الشارع ، و لا حكم إلا لله تعالى لا حكم غيرة، وأما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك علي مملوكه ، ولا مالك إلا الخالق، فلا حكم ولا أمر إلا له، أما النبي " صلى الله عليه وسلم"
والسلطان والسيد و الأب والزوج ، فان أمروا أو أوجبوا لم يجب شئ بإيجابهم ، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم ، فالواجب طاعة الله تعالى وطاعة من أوجب الله تعالى طاعته ).فالحاكم عند الغزالي هو الذي له حق وضع القانون ابتداء (الحاكم هو الشارع)، كما انه مصدر السلطة ، أما النبي "صلى الله عليه وسلم " والسلطان والسيد والأب والزوج ، فان أمروا أو أوجبوا لم يجب شئ بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى. وبناءا على ما سبق فان المذهب السياسي الاسلامى المعاصر ،الذي يرى أن الحاكميه الالهيه لا تتعارض مع إسناد السلطة للجماعة، بل هي نتيجة لها ، يتفق مع هذا الأصل من أصول الفقه السياسي السنى، أما المذهب الذي يفهم مفهوم الحاكميه على انه يقابل مصطلح السلطة في الفكر السياسي الحديث، فهو يخالف هذا الأصل ، ويتفق مع احد الأصول السياسية لمذهب الخوارج القائم على شعار " لا حكم إلا لله " ، وقد كان علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) هو أول من تعرض لهذا المذهب بالنقد ،فقال في معرض حديثه عن شعار الخوارج " لا حكم إلا لله " (.. كلمة حق أريد بها باطل ، نعم انه لا حكم إلا لله ، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله، وانه لابد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء ، ويقاتل به العدو، وتؤمن به السبل ، ويؤخذ به للضعيف حتى يستريح بر و يسترح من فاجر) ، فعلي بن أبى طالب (رضي الله عنه) يقر إسناد الحاكميه لله ( نعم انه لا حكم إلا لله )، ولكنة ينكر فهم هذه الحاكميه بمعني السلطة، التي أشار لها بلفظ الإمرة ( ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله )، ثم يبين ضرورة الدولة لأي مجتمع ( وانه لابد للناس من أمير بر أو فاجر)، ثم يبين أن السلطة ممارسه للسيادة خلال الزمان والمكان، ومن أشكال هذه الممارسة : جمع الفيء ومقاتلة العدو وتأمين السبل ...الخ، والله تعالى منزه عن ذلك.
-للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان http://drsabrikhalil.wordpress.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.