بلينكن عن التدقيق في مزاعم انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان: سترون النتائج قريبا    عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    الخطوة التالية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الجمعة ... بقلم: جعفر المنصور
نشر في سودانيل يوم 27 - 09 - 2013

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الواحد القهار وصلى الله على سيدنا محمد الرسول الهادي الآمين وآله الأطهار أما بعد فالحمد لله حمداً كثيراً الذي رضي لنا أن لا نعبد إلا إياه وأن نتبع رسالة نبيه ورسوله محمد بن عبدالله (ص) وان نسترشد بسيرته ومن وآلاه، وقد ألمت ببلادنا النوازل من ذنوبنا وأخطاءنا وتراكم سيئات أعمالنا، نتوب إلى الله تعالى منها ونسأله الرحمة والمغفرة ونرجوه التوفيق والسداد في تركها: حب الأموال والتكاثر طمعاً وقناعة عن كل خير، وذا مفتاح للكبائر ومعول للشيطان، وقد ورد في كتاب سنن الترمزي عن رفاعة بن رافع الأنصاري (رض)عن النبي الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق)) ولا يستطيع أحد الفجور على الناس إلا بسكوت الناس نفسهم عن قول الحق، وتركهم مواجهة التاجر أو السلطان الجائر، تركنا الجور يرعي في مصالحنا، والظلم ينهش في مجتمعنا ومستقبلنا من نهشه في حاضرنا ويومنا، كل يمنى نفسه بالنجاة منفرداً، بعيداً عن أهله وجيرانه، حتى تبددت فوائد التجارة وكسدت وبارت عملية الإغتراب وأقفرت أموالها.
وإذ رضينا التطفيف بإبخاس قيمة العمل المثمر وتعظيم قيمة الأرباح يأكل ذممنا، فبنفس هذا التطفيف أفسحنا المجال لأن نتعامل بالربا والعياذ بالله أهل الغني وهم 1% من المجتمع يتحكمون طاغين في حياة الفقير عملاً ودخلاً وعيشة والفقراء 99% من الناس!! من هذا الظلم إضطربت الأمور في كل العهود السياسية سواء أكانت وسطاً أو كانت غالية يحكمها الغلاة والمتعصبين فآتى منا ومن تناقضاتنا حكامنا الذين تولوا أمرنا بقوة السلاح الناري والسجون والسلاح الإعلامي
قام هؤلاء الحكام بإلقاء أيدي العدل في التهلكة (ويدي العدل ماثلة في العلم بتاريخ تكون قيم الأشياء والنفع بها، والحساب الدقيق لفوائدها ومضارها عاجلة وآجلة، والرحمة في تقديرها لمصلحة الضعيف والمضطهد، والقسط في حساب خيرها وشرها وتوزعه بين أنواع الأشياء والأمور وتوزعها الإجتماعي في الأزمان الحاضر منها والقادم وفي الفئات الكثيرة المستضعفة التي تشكل سواد الناس والمجتمع) ألقى الحكام ومواليهم أيادي العدل في تهلكة السوق والخصخصة وفي دين الأنا.. ففرقوا جمعنا وأمر مجتمعنا، وخارت بهم قوانا، وتقطعت أرحامنا، وتمزقت بلادنا وطمع فينا من لايطمع. وأكل الفقر والجوع فينا ولم يشبع مستنا البأساء والضراء والمأساة والعلة الفاشية.
ولكن لا يتملكنا القنوط واليأس ففي تاريخ العقيدة نجد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إمكان أن نخرج أنفسنا من هذا الضيم، وأن نخلص نفوسنا من هذا الإثم: بإشهار الحق على من ظلمنا وقتلنا وشردنا وعذبنا ونهب أموالنا وأقعد أطفالنا وأذل شبابنا ولم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا وقطع علينا طريق تقدمنا وفتح للإحتكار والظلم والفساد في حياتنا ألف باب جاعلاً بملكه أعزة أهلنا -أباءاً وأمهات- أذلة، ناشراً الفظاظة والغلظة والضلال والزور والطغيان، ناكثاً إيماننا مزوراً إياه نقوداً لبطانته السوء يتفاتنون عن الله ببنوكهم التي في أصلها ومعناها الفجور والسحت والربا، حساباتها تغذي شريعة الشيطان وتسطر دستور العدوان، مزقوا بها أمور الدين وأمورالدنيا بآلات حادة من الزور والجور، ومن الفظاظة والفحش، ومن الكذب وغلظة القلب. أطبقوا بها كلها علينا ظلمات من فوقها ظلمات.
لرد هذا الظلم تسطع فينا دعوة النبي ذوالنون (ع) إذ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ: ((أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) 87 الانبياء، فالآن إذ أطبقت علينا الظلمات من شرورنا وسيئات أعمالنا آن لنا التوبة لله قولاً وعملاً بأن نستقيم في أمورنا إستقامة ظاهرة جاهرة عنوانها: بيان الحق الظاهر في الشارع العام، وتبيينه من الظلم العام الجاثم علينا.
بيان الحق العام لأهل السودان واضح ظاهر مجسد في نبض وهتاف الكالين من عمل يدهم، والمساكين المستضعفين الذين همشوا وأُخرجوا من ديارهم بحرائق دانات الحروب وحملات التهجير والإبادة أو بحرائق المظالم القومية في غلاء الضرائب والأسعار وإنخفاض الأجور. ومثل هذا البيان والتبيين يمثل إنصافاً لمسؤوليتنا كبشر في إعمار الأرض ويعلي حق مجتمعاتنا في أن يعيش أهلها متعاونين على البر والتقوى بمعاملات متراحمة لا إحتكار فيها لسلطان أو ثروة بل أمورهما إشتراكية بين الناس...هم جماعة... أولياء أمرها.
كانت رحلة النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغ وتثبيت دعوة الإسلام ولم تزل منارة تهدي المؤمنين في ظلمات التفكير والعمل المدلهمة على الناس وقد إستوعبت دعوته ما سلفها من مآثر دعوات الأنبياء والرسل وواشجت ما عاصرها من دعاوى الأفذاذ والحكماء، ففي دعوة الإسلام تفكر إبراهيم (ع) في منطق الكون وأطوار علاماته الكبرى أخذها مجزأة شمساً وقمراً ثم تفكيكه بعض الأفكار المؤسسة إعتقاد قومه، وبيان لحكمة قيامه بتحطيم إعتقادهم وهجرته من ظلماته ومن جاهليتهم سنن الكون ومن طريقة حياتهم المخلة موازين الحياة الحرة والفاضلة. ومع حنيفية إبراهيم جمعت دعوة الإسلام ملامح قوة داؤود (ع) وحكمة سليمان (ع) وأسرار الكتاب والحكم والنبوة، كما أظهر الإسلام المظالم التي حلت بيعقوب (ع) من بنيه وآله وتلك التي نالت إبنه يوسف (ع) كما تواشجت دعوة الإسلام مع حس موسى (ع) بالظلم الواقع على جماعته المهمشة ورافديها الكوشيين واليهود وحكمة القول والصراع الفلسفي ضد نظام فرعون وسحرته، كذلك تفرد المسيح عن المعاملات والأفكار السائدة بما فيها تصور الناس الحقيقة الإلهية، وحقيقة الأمور المالية والمصرفية، ومناداته بالرفاقية وبالمسرة للمعذبين في الأرض وبالعذاب للكانزين.
كل هذه الحكم والممهدات أثمرت شجرة الإسلام فكان النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته مسجداً جامعاً لكل هذه الدعوات، ومكة لما فيها من علوم وحكم وعظات، وقبلةً لما فيها من خيرات، فكان للأمة الرحمة المهداة والحكمة المزجاة والبلاغة الفصحاء والعدالة السمحاء، وقد ترك حكامنا جوهر دينه الرحمن الرحيم وإنفتاح تعاملاته وتعدد ألوان حكمتها وطيب مقاصدها مفسدين بموازينهم وبأحكامهم .
ومع توطد الإسلام في ثقافة العرب قلت البداوة بينهم بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة وبالإحتكام لكتاب وأولى الأمر وأهل حل وعقد، لا قوة ولا سيف إلا بإلا، كان هذا السلم تغيرا كبيراً بعد كثرة حروب الجاهلية وطول أمادها بين القبائل أو الشرذام.
ومن ويلات تشرذمات العرب بسيوفهم، قبوعهم في الصحراء بين ممالك وحدائق الفرس والروم والحبش، وزادت الإبالة طغثا أن أُستضعف الملأ الأعلى بإيلاف قريش والإيلاف شراكة الغزيرة أوشركة كبرى وبها إجتمع أثرياء قريش أهل الربا والزيادة في المال حاكمين مكة التي كانت تحكم القرى المتاخمة لها والطرق والمصالح العابرة لها، أبقوها في ظلم مكين .... و((إِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ)) 13 سورة البقرة. والسفيه هو شخص فرط لا رأي يؤخذ منه لأنه بلا أدب قدم له أو بلا عقل إجتماعي يلزمه حدودا،َ ولا أفق له في تنظيم المجتمع يبلغه رحولاً. وحكامنا اليوم كقريش الأمس يرون الناس سفهاء ويظنون نوع إيمانهم سفيه!
حكام اليوم بلا عقل ولا هدى ولا كتاب منير يضيعون القيم الكبرى في تاريخ الأديان وتاريخ الإسلام : إذ اهدروا بالقمع حق التفكر الإبراهيمي وبالخوار والضعف والنفاق مع الأعداء أهدروا بيت القوة في حكم داؤود (ع)، وولغوا بالعنف مع الشعب فضيعوا حكمة سليمان (ع) ، ولم يزلوا يكذبون بالإنقاذ والعدل والحرية والإسلام والسلام ويتحرون في أقوالهم الكذب حتى إجتمعت الأمة على كذبهم مناقضين بكذبهم العظة من سيرة سيدنا يعقوب (ع) وقد كانت كل آلامه من كذب أبناءه وقومه عليه، وبسحتهم وسفههم وفسادهم ورشاهم ضيع الحكام سيرة نبي الله يوسف القوي الأمين، و كل ما نهي عنه كليم الله موسى (ع) وقعوا فيه بل وألقوا فيه أيديهم: سكتوا عن الظلم، وسبوا أهل الحل والعقد، وأغلظوا على الشعب، وسكتوا عن فراعين دنياهم وبنوكهم، بل خرجوا بجيوشهم يتعقبون ضحاياهم الناجين منهم! كذلك تماهوا مع أعداء المسيح عيسى بن مريم (ع) ينشرون الكراهية والحروب بدلاً من المسرة والسلام ويؤججون الثارات وفتنها بدل الحلم والعفو والسلام!!؟
بهذا كله نقض الإسلاميون عرى الإسلام وحطموا علامات حكمته وتطورها من عهد أبراهيم عليه السلام وإلى عهد النبي الخاتم سيد المرسلين، كما نقضوا أيضاً دعوة الإسلام في ذاتها المحمدية فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يحمل سيفاً ليصير حاكماً ولم يقم للحكم المشانق أو بيوت التعذيب ولم يمنع الناس شؤون دنياهم بل القرءآن الكريم كتاب الله تعالى أورد حجج أبليس واضحة كاملة ضد ما إختاره الله، ولم يمنع نشر رأيه في قلب آياته. وأورد حجج الرافضين للأنبياء لم يمنعها أو يسنسرها. ومع كثرة أعداءه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع على الناس سوطاً للحكم والطغيان، بل شمخ النبي (ص) في الأمة بصفاته الحسنة الصدق والتواضع والحكمة، ولم يضع بينه وبين الناس جداراً أو حجاباً أو إستكبر عليهم بشيء أو علامة في مسكنه، أو ملبسه أو ركوبه، بل كان مقره مسجداً مفتوحاً وكان تجواله مبسوطاً للناس في الأسواق، أحياناً كان النبي يربط بطنه ليشبع قومه، ثم يبكي الليل طالباً العفو والمغفرة، وهو من هو، عاش بسيط الحال إلى أن مات ودرعه مرهون، وقد كان وهو ملء السمع والبصر والأفئدة وقد دنت له الدنيا مشرقاً مغرباً، كان إنسانا لم يتخذ لنفسه ملبساً شنفاً أو قصراً أو أثاثاً وثيراً، ولم يركب المطهمات والفارهات المظللات أو المعسجدات، ولم يتخذ عربة أو سفينة رئاسية، بل أكثر معاشه يقضيه بنفسه يمشي على رجليه أو يركب حمارا بلا ركاب ولا سرج فأين حكامنا من سنته هذه؟ إن طلبها الناس في حكامنا ردوا عليهم: شذاذ آفاق!؟
الأفق الكريم أفق العبودية والإيمان الحق إيمان السفهاء إذ قام جبريل بتخيير النبي الأمين (ص) أن يكون نبياً ملكاً على الناس أو يكون نبياً عبداً لله فإختار سيدنا محمد (ص) بسموه العبودية، وعايرته به قريش ورفضت إيمانه قالوا كما آمن السفهاء منا ؟
الآن بعيداً عن زمانه (ص) يذهب حكامنا إلى المُلك بقوة السلاح ويزكون أنفسهم فيه بالمظالم صغيرة وكبيرة: بداية من الكذب وليس نهاية بقتل النفوس، وقطع الأرزاق، وإسكات الإنتقادات، ودفع الرشى وشراء الذمم، والسكوت على الفساد، بل وتشجيعه، وعهر المواثيق والإتفاقات، وإطلاق "التوالي" بين السيف والمال والتحزب والجاه، وإشعال الفتن، وإزكاء النزاعات والحروب داخل البلاد وخارجها، وسفه الخبرات وتبذير الأموال، ((إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً )) (27 الإسراء) بينماكان صلى الله عليه وسلم بسيط الملبس والمعاش، مستمعاً قليل الكلام، ماشياً أكثر منه راكباً وقد فتحت للمصطفى المشارق والمغارب فكان له حينها أن يصرفها كيف شاء إلا أنه عُرف مبشراً وناصحاً وموجهاً لا ملكاً آمراً ذا تاج وصولجان ، أما حاكمنا فتجده منفرداً متغطرساً شتاماً الناس في بؤسهم وقلة زادهم!!
كان الرسول يمشي مع الناس في الأسواق أما حكامنا فترى الألوف تتبختر لهم ويتبخترون لها في قصور ممنوعة وفي أركان محروسة وفي منصات مرفوعة وفي ميادين مملؤة، ومساجد مزخرفة قصور خدمهم مزينة بينما كان رسول الله (ص) بعلو مقامه وسموء مكانته بين الناس كما جاء في الأثر: ((ينهي أقاربه وصحابته الأقربين والأبعدين عن القيام إليه صلى الله عليه وسلم، وكان في مهنة أهله يساعدهم حتى يحين وقت الصلاة فيقوم إليها، وكان يحلب الشاة، ويخيط النعال، ويُرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويشتري الشيء من السوق بنفسه، ويحمله بيديه، ويبدأ من يقابله بالسلام ويصافحه، ولا يفرق في ذلك بين صغير وكبير أو أسود وأحمر أو حر وعبد، وكان صلى الله عليه وسلم لا يتميز على أصحابه، بل يشاركهم العمل ما قل منه وما كثر)) فأنظروا الآن ما يفعله حكامنا الذين قالوا إنهم يقتدون به:
أأدب حيلهم في تحقيق أمور الرعية أربعة البغي والغي والكذب الصراح، ودأبهم النفاق في المواقف الحاسمة: بداية من وعودهم بإرجاع حقوق المفصولين عسفاً وعددهم مئأت آلاف ووعودهم بإنصاف وتعويض ضحايا بيوت التعذيب وإلى الغدر بثوار رمضان، وليس نهاية بالأكاذيب الكبرى عن: حرمة التعامل مع الحركات المسلحة، وضبط السوق والأسعار، ونأكل مما نزرع، بينما بلدنا بأكثر من ثلاثة أنهار يستورد مياه الشرب !! والبلاد صارت شذر مذر أولها محتل حلايب وشلاتين وأرقين إلى جبل العوينات، وأخرها مقطوع، وشمالها مُغرق، ووسطها مخنوق، وشرقها مهضوم مبيوع، وغربها مُتلف محروق، ميزان خيرات البلاد مطفف ف 80% من الخيرات الواردة للدولة تأتي من الريف بينما تصرف حكومتها المركز على ذات الريف المظلوم 20% فقط من جملة الصرف العام وهي تنفقه بالضبط على حكامها ربا المال من ربا العمل: لا تعليم ولا صحة لأهل الأقليم، صار الحكام وكبار التجار والمراببين سيان سجان يمسك سجان، فبأي آلا ربكما تكذبان؟
أما في شؤون الدولة السودانية في العالم فأنظر التلكوء عن حقوق البلاد في مناطق حلايب وأرقين وشلاتين والعوينات وأنظر النفاق مع كل الدول المجاورة للسودان ضد الصديق قبل العدو، ونفاقهم الصريح في حرب الكويت -العراق ، ثم محاولة إغتيال صديقهم ووليهم حسني مبارك وقد كان أول مثبت لهم في العالم كقيادة دولة، ومن حادثته سنة 1996 وتفرق كلمتهم بأثرها أتوا بنفاقهم نفسه إلى حادثة 11 سبتمبر فباعوا الطرفين للطرفين، ثم وقعوا معاهدة وإتفاق (الشراكة الإستراتيجية) مع قوى إحتلال العراق، وليس نهاية بإعزاز قوات الناتو في ليبيا، وتركيا وقطر وهم يدعون رفضها في العراق وأفغانستان!؟، وحتى تمويلهم جماعات التدين السياسي المصرية بينما هم يرفضون التمويل الأجنبي للأحزاب داخل السودان!! ولا نهاية بختالهم في شاد والنيجر ومالي والجزائر واليمن ومتاجراتهم بأمن دول الخليج الإيراني منها والعربي ثم إدعائهم الحياد! غير تأرجحهم بين القوى الإسلامية المتخاصمة الثلاثة الخليجعربية، والتركية العثمانية الإمبريالية، والفارسية !!
ولأنهم طغاة نظامهم الطاغوت فمن الطبيعي أن تكون تقواهم السحت والطفيلية، وأن تكون زكواتهم: إهدار أموال الدولة ونهب أموال الناس، وأن تكون صدقاتهم رشى، وصلتهم بمسؤولياتهم بغي وإفك وخيلاء وعمه في الغي، يأتيك عن رئيسهم من يقول عن مؤسسة أجنبية ((أهدوا مسجداً فخماً مزخرفاً لروح والدي الفقير)) – بني على أرض الدولة- ثم لا يسأل نفسه وإخوته العاملين في الدولة من أين لكم هذه الأرض وهذه القصور والعقود والبنوك وقد كان والدكم عفيفاً فقيراً؟ وهذا القول المرتجى لم يزل بعيداً أن يصدر عنه لأنه يقول علانيةً في تلفزيون الدولة ((هذا أهدي لي)) !!
وإذا قطعوا ألسنة الصحف والإذاعات ومترسوا أنفسهم بالقمع من إنتقاد الجمهور ومن رأي أهل الحل والعقد ومن حلول العلماء فقد أوقدوا بالإستبداد وفساد التوزيع نيران الحرب بشعارات السياسة الوطنية وبشعارات الجهاد الديني معاً يلبسونها ببعض ويبلسونها بمغنم السلطان منها ومغرم الناس بها، أثرياء حرب مقامهم المبني منها حرام، وسكنهم وأكلهم وشربهم وترحالهم من دخلها حرام. فما بني على باطل فهو باطل. لكن فجوراً في خصومتهم مع الله وسنة الكون التي ينص الإسلام على ألا مبدل لها يزودون عن سلطانهم تقدم التفكير المنطقي في الناس محاولين إعاقة فكرهم ووعيهم بتخاريف وتهاريق وتخاريس أو تخاريص تبدل سنة الكون فهذا قرد يقود المجاهدين! وهذا طير من الجنة حط على وزارة المالية! وأولئك جن يساعدون الإقتصاد! وهؤلاء (فقرا) يملأون المنازل الرئاسية وشقق العمارات الكويتية يروبون الماء، ويعالجون المرضى، ويرقون الموظفين، ويضمنون التجارة! ويأتون بأخبار الغيب وقصصه.!!
كان التخريف والتخرص -ولم يزل- ضرورة لحكمهم ومغانمهم منه فقد ألقوا بأيادي الإقتصاد وهي مؤسسات الإنتاج والخدمات العامة في تهاليك السوق الربوية الدولية وعولمتها التي طالما نافقوا العالمين أنهم لا شرقية ولا غربية بينما هموا بخصخصتها عين العولمة الغربية أسواقاً وشراكات إستراتيجية وبورصة عملات وأسهم مالية حتى صارت البلاد وهي ملأى بالثروات والخامات والأرض والمياه والعقول النيرة صارت هامشاً مقفراً فقيراً في العالم وخراباً:
المال في عهد حكامنا الحاضرين دولة بين الأغنياء منكم وهم 1% يمتلكون كل الأسس المادية لحياة الناس المياه والكهرباء ومؤسسات التعليم والعلاج والإنتقال والإتصال وأراضي الإسكان والزراعة والورش والمصانع ..إلخ ،وأغناهم يتملكون البنوك!! بينما (الرعية) في البلاد وهم90% من السكان يعيشون في تخوم خط الفقر تحته وفوقه ، بلا ماء وكهرباء ولاسكن أو تعليم أو علاج أو مواصلات برواتب للخبراء المحظوظين تساوي 5% من تكلفة ضرورات العيش وهذا الظلم المقصود في تقدير الحكام لأمور الحياة والمعيشة الواضح البين الظلامة بغي صريح يقول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبغ ولا تكن باغيا فإن الله يقول (إنما بغيكم على أنفسكم)).
من كل هذا سخط الناس ثم رجوا ثم ترجوا ثم طالبوا ثم قاضوا ثم نافحوا ثم تحزبوا ثم تظاهروا ثم أضربوا وعصوا بل وإستقل نصف البلاد الجنوبي بعداً من هذا الظلم والبغي والعدوان، وما تبقى من هوامش النظام المركزي فذاهبة، ولكن كقول الشاعر تسمع لو ناديت حياً ولكن لا حياة في من تنادي..
ولما لم يزل في الناس وأهل المدن الكبرى والحضر بقية من إيمان وتفكير في وحدة وطنهم وصون عيشهم وإقامة أمرهم وإطاعة الله بالعدل والإحسان وعيشهم متعاونين على البر والتقوى من الجوع والخوف والظلم والعدوان، لم يك من ثمة مخرج للبلاد والعباد من فتن الإسلاميين وأزماتهم سوى الرفض التام لأسبابها في نظام الحكم والعيش المذل الذي فرضه على الناس.
ولكن لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإن الحالة العامة المتردية بأهل البلاد وتلجغ إعلاميي الطغيان حالة توجب على جميع المستضعفين والمظلومين أن يرفضوا الضيم الواقع عليهم رفضاً واضحاً صريحاً منظوماً وآمناً لا ضرر فيه ولا ضرار على من لم يشارك في ظلمهم أو يعتدي على حقهم في الرفض. وعلى من هو ميسور أن يدعمهم ويشد أزرهم لإقتضاء حقوقهم،
وفقكم الله ونصركم على محتكري أمور الوطن وأمور الدين ..الطواغيت اللئام ...قطاع رحم الشعب، قطاع طريق الوطن وليسدد الله خطانا وخطاكم لما فيه الخير والسلام.
اللهم يا ناصر المظلومين والمستضعفين في كل زمانٍ وفي كل مكان نسألك نحن السودان ونبث شكوانا إليك :
اللهم لقد إستولوا علي بلادنا زوراً وبهتاناً، وشَيَّدوا للظلم والطغيان صروحاً وجعلوا له ألف سلطان !!
اللهم أجعل كيدهم في نحرهم
اللهم إجعل حياتهم نكداً وإقذف الرعب في قلوبهم وأسلبهم نعمة الإطمئنان ،
اللهم لقد قهروا النساء وأذلوا الرجال، خربواالوطن وسرقوا ونهبوا بلادنا فلا تترك لهم مالاً ينعمون به ولا سُلطان،
اللهم إنزع مُلكهم وأموالهم والصولجان ،
اللهم عجِّل لنا بزوال مُلكهم الظالم يا رحمن ،
اللهم أنزل عليهم بطشك وغضبك وأصرفهم عنَّا
اللهم بحق الدماء التي سالت دفاعاً عن حرية بلادنا وكرامة الإنسان نسألك يا كريم أن تأخذ المتاجرين بإسم الدين اخذ عزيزٍ مُقتدر وأرسل عليهم زلزالاً وبُركاناً وطوفانا عرمرم منحدر
اللهم دمِّرهم وفرِّق شملهم وأضعف قوَّتهم وأجعلهم صيداً سهلاً لشعب السودان .
اللهم ببركة هذه الجمعة الجامعة والصلاة الوسطى القائمة لا تترك فيهم احداً إلا وهو في يد من لا يعرفك ولا يرحمهم،
أللهم آخذ بحقنا وحق أمهاتنا وأباءنا ومعلمينا وأولادنا وأهلنا وجيراننا وإقتص منهم قصاصاً ضعف عذاباً في أموالهم وفي أعمالهم، وفي بيوتهم وفي مأكلهم ومشربهم، وفي معاونيهم، وفي أزواجهم وأولادهم،
اللهم أملأهم غماً وحزناً ونكداً وقلبهم وأولادهم بين المصائب والمهالك، اللهم أجعلهم يعيشون ماظلموا الناس به ، إنهم بإسمك قد إرتكبوا الكبائر والمعاصي والآثام في حق 40 مليون إنسان فلا تترك فيهم أحداً.
أيها المسلم خروجك للشارع ورفضك للحكم الظالم واجب فلا تتخلف عنه بل أحرص على زيادة دورك فيه،
أقيموا الصلاة ثم أعبدوا الله تظاهرة ضد الطغاة، برآءة من الطاغوت،
أيها المصلي لاقي الله وأنت مدافع عن العدل ضد طغيان الكيزان.
لا لا للطغيان.
Al-mansour Jaafar [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.