بسم الله الرحمن الرحيم [email protected] شهدت مدينة جوبا حاضرة الإقليم الجنوبى فى الأيام القليلة الماضية ، حراكاً سياسياً سودانياً شمل جل إن لم يكن كل الأحزاب و التنظيمات و القوى السياسية فيما عُرف بالتحضير لإنعقاد مؤتمرجوبا للقوى السياسية السودانية والذى يهدف إلى ترتيب الأوراق و الإستعداد للإنتخابات القادمة فى أبريل من عام2010م لتُصبح بذلك قبلةً لزيارات رؤساء وقيادات الأحزاب وذلك بهدف التأثير على مخرجات المؤتمر المزمع عقده ... من ضمن من توافدوا على جوبا الشيخ الدكتور حسن عبدالله التربى والإمام الصادق المهدى ، ولمّا للرجليين من تواجدٍ على الساحة السياسية السودانية لمدةٍ تزيد عن نصف قرن من الزمان ، فسنُولى زيارتيهما شيئاً من الإهتمام . إن زيارة كل من السيد الدكتور الترابى الأمين العام للمؤتمر الشعبى والسيد الصادق رئيس حزب الأمة القومى إلى مدينة جوبا وألتقائهما بأعضاء حكومة الجنوب برئاسة الفريق سلفاكير ميارديت تُعد فى حد ذاتها حدثاً يستحق التأمل ، بغض النظر عن النبأ الذى جاءانا به من جوبا و الذى يفيد بأن إنفصال جنوب السودان من الدولة الوطنية الأم، ذات المليون ميل مربع، بات أمراً وشيكاً وأن الشريكان، المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية، قد باتا على شفا الحرب مرةً أخرى بسبب الخلافات حول ملفات التعداد والإستفتاء وترسيم حدود أبيى وحساب عائدات البترول، وعلى حسب زعم السيد الصادق فإن كارثة على وشك الوقوع بسبب خلافات الشريكين .. طبعاً لم يفوت السيد الصادق الفرصة لتوجيه إنتقادات لاذعة لإتفاق السلام الشامل على غرار ما كان يفعل أيام المباحثات والمفاوضات قبل توقيعه فى دولة كينيا ، ذاكرة الشعب لاتحفظ زياراتٍ سياسية من هذا النوع للرجليين الذيّن نجزم بأنهما جزءٌ أصيلٌ من الأزمة السودانية التى تعيشها البلاد اليوم ،وذلك بحكم تأثيرهما على صنع القرار السياسى فى السودان منذ خروج المستعمر وحتى اليوم ، سواءٌ ، أ كانوا فى سدة السلطة أم خارجها . مما لا مراء فيه أن السيدين الجليلين ما كانا ينويان الحديث عن شأن يعلمه سائر أهل السودان وهو حال الشراكة بين الشريكين، فالقاصى والدانى منهم يدرى بحالهما المايل، ولكن الهدف الذى سافر الرجلان إلى جوبا من أجل تحقيقه هو الكيد للمؤتمر الوطنى والبحث عن مواطن الألم التى يشكو منها ليضغطاها بغير لطفٍ إمعاناً فى تنكيد عيشته وخلق حالة من العكننة له بعد أن فشلت كل الجهود فى الإطاحة به، أو العودة بصورة أو بأخرى إلى معشوقة السياسين "السلطة"، وهو لعمرى هدفٌ لايخدم القضية بأى حالٍ من الأحوال وهو تصرف يؤكد أن قيادات بلادنا لم تتعلم من الدروس والعبر التى نجمت عن التجارب المؤلمة التى عاشها السودان ، وأنهم – أى القيادات – لازالوا يرهنون قضايا البلاد المصيرية لأهوائهم وطموحاتهم السياسية ، أما كان يجدر بهما الحديث عن الكيفية التى يجب على الشريكيين التعامل بها حتى يتم تطبيق الإتفاق على النحو المأمول والمساعدة على تجاوز الخلافات بينهما حتى يصلا بالإتفاق إلى بر الأمان والخروج من النفق المظلم الذى تعيشه البلاد ، بدلاً من صب الزيت على النار ؟ نسأل السيدين، الإمام والشيخ، لماذا توحى تصريحاتهما بتحميل المؤتمر الوطنى أوضار حرب الجنوب والحالة الإنفصالية التى يعيشها أهله اليوم؟ ألم يكن السيد الصادق فى سدة السلطة وحرب الجنوب تستعر وهى تأكل الأخضر واليابس؟ ماذا فعل ليوقفها وكان يحكم بإرادة الشعب السودانى الذى خوّله المسئولية عبر صناديق الإقتراع ليتصدى لمشاكله المستعصية التى من ضمنها كانت مشكلة الجنوب ولو أن مشكلة الجنوب حُلت فى عهد الديمقراطية الثالثة ثم جاءت الإنقاذ هل كانت ستجد أصلاً فى الجنوب أزمة لتخوض فى مستنقعها الآسن؟ ومن هى الحكومة التى هى أقمن بحل معضلة مثل مشكلة الجنوب إن لم تكن الحكومة المنتخبة ديمقراطياً فى بلدٍ من البلاد ؟ أما الشيخ الترابى فأمره عجيب ! فقد تابعت زيارته لجوبا عبر شاشات الفضائيات ، فرأيت علامات الإندهاش وعدم الإلمام تبدو على سيمائه كأنه يسمع بمشكلة الجنوب لأول مرة وهو يُبدى شيئاً من الحيرة والتعاطف مع أهل الجنوب جرّاء حربهم التى خاضها المؤتمر الوطنى ضدهم ! وفى حديثه لهم وما أدراك ما حديثه ، نسى أن يذكر أمامهم ، أنه و عندما جاءت الإنقاذ إلى السلطة بتدبير منه وجد أن الحرب كانت حرب مطلبية ينادى أصحابها بالعدالة والتوزيع العادل للثروة والسلطة ليُحيلها، بقدرة قادر، إلى حربٍ عقائدية موتورة ، لا تُبق ولا تذر لوَّاحةٌ للبشر، وبعد أن غادر موقعه فى مطبخ صنع القرار فى حكومة الإنقاذ شرع يعيب على أبنائه طريقة إدارتهم لملف الجنوب كأنما ليس هو من تشرب هؤلاء الأبناء طرائقه وعزائمه فى إدارة ملف الأزمات فى السودان، بل وحتى اليوم هناك ملامح من نظرياته يديرون بها هذه الأزمات وشئون البلاد .. وإن كانوا أقل غلواءٍ وصلف من شيخهم بدليل أنهم خفّتوا نغمة الأهازيج الدينية التى يستصدرون بها الحرب فى الجنوب وهم يديرون الأزمة، طبعاً هذا بعد رحيل الشيخ، الأمر الذى أعانهم فى الوصول إلى إتفاقٍ للسلام شامل وقفت بموجبه الحرب بين الشمال والجنوب . على كل حالٍ شهدت جوبا حراكاً سياسياً كنا نتمنى أن يمور قبل سنين عدداً و أن تتم مثل هذه الزيارات قبل آجالٍ طويلة ليستطيع الذين اُتيحت لهم الفرصة للتحكم فى مصير السودان وأهله الوقوف على الأزمات فى أرض الواقع ومعرفة رغبات وطموحات أهل الهامش دون خلط للأوراق والإبتعاد عن الأهواء الشخصية والمصالح الحزبية الضيقة..ورغم محاولات البعض للكسب من حراك جوبا السياسى فإننا سننظر إلى الجزء المملوء من الكوب ونقول أن الذى حدث ويحدث فى جوبا يؤكد أن السودان، شماله وجنوبه، وطنٌ واحد والذى يجمع أهله ويرغبِّهم للعيش فى ترابه أكبر وأعظم بكثير مما يفرقهم ..وسنواصل فى شأن جوبا إنشاء الله .