بعد توقيع إتفاقية "نيفاشا"، تفاءل السودانيون بسلام ينسيهم سنين مآسيهم والفقر والعوز، وفقد الأحباب والإعزاء الذين راحوا وقود إقتتال عبثي توالى منذ فجر الإستقلال، عدا الفترات الرمادية الضئيلة، بين شمال وجنوب الوطن، وفقدوا حتى الأمل في بقاء السودان كدولة على خريطة المعمورة. لماذا بعد نيفاشا نرى قادة الحركة الشعبية بتصريحاتهم وأحاديثهم يبثوا فينا الإحباط والرجوع للقوة وشرر المربع الأول. أقرأوا معي ما قاله النائب الأول للرئيس السوداني رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت – نقلته عنه الصحف - إنه «قد فات الأوان لجعل الوحدة بين شمال وجنوب السودان جاذبة». الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم في زيارة لأمريكا - مهما كان الخلاف حول درجة تنفيذ ما اتفق عليه - لكنه يحث: لا ترفعوا الحظر عن السودان. وفي تصريح له: تسعين في المائة من مواطني جنوب السودان يؤيدون الإنفصال. ولنتساءل طيب ليه بنشطوا في اجتماعات ومؤتمرات للخاصة من الاحزاب والسياسيين دون حتى أحزاب وجبهات الجنوب مادام أصلا هناك إنفصال في الطريق؟ من جانب آخر وحسب ما نقلته الصحف: (هددت الحركة الشعبية – المشاركة في الحكومة - بتنفيذ توصيات مؤتمر جوبا للقوى السياسية بالقوة إذا لم تلتزم الحكومة أو المؤتمر الوطني بإنزالها على الأرض)، أين اتفاقية نيفاشا من هذا هل أستبدلتها الحركة بتوصيات مؤتمر جوبا القادمة؟، وهذا المنطق ماذا نسميه غير أنه يشير إلى المربع الأول. من جانبهم، المؤتمر الوطني وأحزاب الحكومة يدفعوا بأنهم أعتذروا عن الدعوة للمشاركة في مؤتمر جوبا، لأنهم لم يدعوا للمشاركة في لجنته التحضيرية، التي يفترض أن تناقش القضايا المصيرية التي يجب أن يتفق عليها أهل السودان. وهذا نائب رئيس حزب المؤتمر الحاكم الدكتور إبراهيم أحمد عمر، في حوار صحفي يقول: إن المؤتمر الوطني يسعى بكل ما أوتي من جهد لوحدة السودان، مضيفا، وأؤكد شخصيا أن هذا هو الموقف الحقيقي للمؤتمر الوطني. إلى ذلك يضيف لقد أبرمنا اتفاقية السلام واتفاقية السلام بشهادة أهل السودان حتى المعارضة؛ أعطت الحركة الشعبية أكثر من استحقاقاتها الحقيقية. والمؤتمر الوطني ما زال يحتفظ باعضائه في الجنوب بمكانتهم السياسية والتنفيذية. وفي المجال الإقتصادي كان طرحه، أي المؤتمر الوطني، أن تكون ميزانية الجنوب بنسبة من الميزانية الكلية للسودان، لكنه خضع لرأي الحركة أن تكون ميزانية الجنوب محسوبة من النفط، وهكذا يستمر الالتزام بتنفيذ بنود اتفاقية السلام بندا بندا. من جانبه وفي تصريح صحفي، قلل نائب رئيس تحالف انقاذ جنوب السودان، القيادي بالجبهة القومية الجنوبية، فيليب استيفن، قلل من مؤتمر جوبا لأحزاب المعارضة ووصفه بأنه مؤتمر للمؤامرات والمزايدات السياسية وليس لحل قضايا السودان وجنوبه. نعم تم وقف التقاتل بين السودانيين، بعد طيبة الذكر نيفاشا، لكن ماذا نرى منذ يناير 2005م، بين شريكي نيفاشا، غير التدافع بالمناكب والأكتاف والتدابر في كل أمر حتى لو كان تفاؤلا يطمح لبناء أمة واحدة يحفها العدل بكفتي ميزانه، لتغتصب لها مكانا تحت الشمس كباقي أمم الأرض. كان من الطبيعي بعد مشاكوس ونيفاشا، أن يكون الحاجز النفسي قد زال بين الجانبين والثقة قد توفرت بينهم، لكن ما نراه غير ذلك تماما، كل يشكك ويظن ظن السؤ في الآخر. ومنهم من يلجأ للآخر داخل الوطن وخارج الوطن لينصره على شريكه، الذي أصبح خصما وعدوا له. الأجنبي الذي يستعان به، وما يعرفه كل عاقل، أن له مصالح خاصة، لا حبا في عيون السودانيين، فلا يعقل أن يستنفد أمواله وجهود رجاله سياسيين وعسكريين دون أن يحقق أغراضه التي يتيحها له للأسف قادتنا بكرم باذخ، ونصبح نرزح في استحقاقات هذا الأجنبي وننتقص من استقلالنا وحرياتنا وكأننا لا رحنا ولا جينا. هل هذا أمر يستقيم بين شريكين تفاوضا سنين تطاولت توصلوا بعدها لاتفاق بينهم يفترض أن يكون قد أرضى الطرفين وأنهى كل مسببات الغبن وأبعد شبح أن يعودا للمربع الأول. أنهم يدفعوننا تحت وابل من التصريحات والأحاديث السالبة، ويسوقوننا كما الأنعام بعد آمال طوال، لنحمل مشاكوس ونيفاشا إلى سلة التاريخ، مأسوفا، محزونا، مغبونا عليها. [email protected]