لم أكن أتوقع أن يُثير مقالي عن "الصادق المهدي بين الجهاد المدني والرافع العسكري" الذي نشرتُه في صحيفة "التغيير" أمس، ردود أفعال متباينة، خاصَّة عبر المواقع الإسفيريَّة والبريد الإلكتروني، تأييداً واختلافاً، لما قدمتُ من حيثيات حول مفاجأة السيد الصادق الصديق المهدي، التي جاءت في ثنايا خطابه الذي وجهه إلى جماهير حزبه خاصة، وجماهير الشعب السوداني عامة، بمناسبة الاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لثورة أكتوبر 2013، حيث دعا صراحة إلى أن التحرك لإزالة النظم الديكتاتورية، مهما كان واسعاً، ما لم يصحبه رافع عسكري سيُنذر بحمامات الدماء بلا نهاية، كما دلَّت على ذلك تجربة السودان في ثورتي أكتوبر 1964، وأبريل 1985، وتجارب دول الربيع العربي قاطبة، حسب تعبيره. ولكن الذي استوقفني في هذه الردود المتباينة أنَّ بعضهم حاول جاهداً أن يجد مسوغاً مقبولاً، ودفوعات قوية، لدعوة السيد الصادق المهدي إلى ضرورة أن يستصحب العمل الثوري السلمي من مظاهرات واحتجاجات واعتصامات ما سماه ب :"الرافع العسكري"، من أجل إسقاط نظام الإنقاذ، وكأني به يسترشد في ذلك بما حدث في مصر، إذ إن بعض قوى اليسار والعلمانية حرَّكت الشارع المصري ضد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وجماعته من الإخوان المسلمين، فاصطفَّ معها الجيش والشرطة بحجيَّة الوقوف مع شرعيَّة الشارع، وليس شرعيَّة الانتخابات، ومن ثم شهدت وتشهد مصر من أحداث وأزمات لم تخرج منها حتى الآن. وقد ذهب من خالفني الرأي في هذه القضيَّة، بحجة أنني أشرتُ إلى أنَّ السيد الصادق غيَّر وجهته وبدَّل قبلته من الجهاد المدني إلى الرافع العسكري، وهذا يعني بصريح العبارة دعوة علنيَّة إلى ضرورة تدخل قوى عسكرية لحماية احتجاجات ومظاهرات سلميَّة. ولكن من الضروري أن نعلم أن الجيش، على الرغم من أنه يعلن دائماً عن قومية تكوينه التي تفرض عليه عدم التدخل في حلبة الصراع السياسي، إلا أنه إذا استشعر أن هناك قوى عسكريَّة خارجيَّة أو مليشيات عسكريَّة تابعة للجبهة الثوريَّة أو غيرها، فلن يسلم مقاليد أمور سلطة البلاد بالسهل الميسور، بل سيدافع عن كرامته وتراب وطنه دفاعاً مستميتاً، فلذلك من الخطورة أن يحسب السيد الصادق المهدي أو غيره أنَّ الرافع العسكري سيسرِّع بعملية إزالة نظام الإنقاذ، وعليه من الضروري أن يحسب لذلك حساباً دقيقاً، ليبعد شبح حمامات الدماء. فالجهاد المدني طريق طويل، لكنه أكثر أمناً، وأحقن للدماء. أخلص إلى أنَّ مجاهدات السيد الصادق المهدي ومساعيه لإقناع الجبهة الثورية بقبول خيار العمل السياسي والتوافق مع القوى السياسية الوطنية على برنامج وطني ديمقراطي، وفقاً لأجندات وطنية متفق عليها. وكان من المقرر أن يغادر السيد الصادق المهدي الخرطوم إلى كمبالا أول من أمس، ولكنه أرجأ السفر بعد أن تلقى معلومات بأن قيادات الجبهة الثورية غير مستعدة للقائه، ولكن بعد تدخل أحد قياديي الجبهة الثورية وافقت القيادات على أن يكون اللقاء مع السيد الصادق المهدي بقيادات الصف الثاني، لذلك أرجأ رئيس حزب الأمة القومي سفره إلى كمبالا. وكان قد التقى قبل سفره بالسيد علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية لأكثر من ثلاث ساعات، ولكن تم التكتم على هذا الاجتماع ومخرجاته. وبالفعل عندما علمت قيادات الجبهة الثورية بإصرار السيد الصادق المهدي على لقاء قيادات الصف الأول، عقدت قيادات الجبهة الثورية اجتماعاً لمناقشة اللقاء المرتقب مع السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، حيث أكدت الجبهة الثورية في بيان حصلت عليه "التغيير" أنها مع وحدة قوى المعارضة كافة لإسقاط النظام وإحلال بديل ديمقراطي دون إقصاء لأحد من القوى الوطنية، وأن لقاءها بالسيد الصادق المهدي يجب أن يصب في تعزيز وتحقيق رغبة شعبنا في التغيير. وأن الجبهة الثورية ستعقد لقاءات لاحقة مع القوى السياسية كافة ومنظمات النساء والشباب والمجتمع المدني لإكمال وحدة المعارضة وإسقاط النظام. ومن الضروري أن يعمل الجميع على إنجاح مهمة السيد الصادق المهدي في إقناع الجبهة الثورية لإلقاء السلاح والتوجه إلى العمل السياسي السلمي من أجل سلام واستقرار السودان. eman alfadul [[email protected]]