د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم [email protected] أصل الشعار: يرجع أصل شعار " الإسلام دين ودوله" إلى جماعه الإخوان المسلمين التي تأسست بمصر عام 1928، حيث ورد في وثائقها أن (الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف)،إذا الشعار لغة محدث ، ولم يرد بلفظه في القران الكريم أو السنة النبوية أو أقوال السلف أو علماء أهل السنة. أما اصطلاحا فان لشعار "الإسلام دين ودوله" دلالتين: الدلالة الأولى: المساواة بين الدين والدولة(التفسير السياسي للدين): الدلالة الأولى لشعار "الإسلام دين ودوله" تتجاوز تقرير ارتباط الدين بالدولة ، إلى تقرير المساواة بين الدين والدولة في الدرجة. التفسير السياسي للدين : وهذه الدلالة هي من لوازم مذهب التفسير السياسي للدين، كمذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة ، ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة ، كرد فعل على العلمانية التي نفت اى علاقة بين الدين والدولة، ويقوم هذا المذهب على إثبات العلاقة بين الدين والسياسة ، ولكنه يتطرف في هذا الإثبات،إلى درجه تجعل العلاقة بينهما علاقة خلط، وليست علاقة ارتباط ، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة اعلي درجه من الدين حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة، والوسيلة هي الدين . الثيوقراطيه و الكهنوتية: وهذا المذهب بجعله العلاقة بين الدين والدولة علاقة خلط وليست علاقة ارتباط ، يقارب مذهب الكهنوتية والثيوقراطيه اى الدولة الدينية بالمفهوم الغربي، غير أن هذا المذهب مرفوض إسلاميا، لأنه يودى إلى إضفاء قدسيه الدين على البشر، وهو ما رفضه الإسلام حين ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت، والاجتهاد ككسب بشرى متغير، فضلا عن أن مضمون الكهنوتية والثيوقراطيه هو إسناد السلطة الدينية إلى فرد أو فئة، تنفرد بها دون الجماعة، وهو ما رفضه الإسلام، قال تعالى(واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )، الأكثرون من المفسرين قالوا ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم ، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم. الامامه من الفروع إلى الأصول: كما يستند هذا المذهب إلى مقوله أن الامامه - بمعنى السلطة- هي أصل من أصول الدين، وهذا المذهب قال به الشيعة، ولكنه يخالف ما ذهب إليه أهل السنة من أن الامامه – بمعنى السلطة- هي فرع من فروع الدين وليس أصل من أصوله ، يقول الإيجي ( وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا )(المواقف : ص 395) ، ويقول الإمام الغزالي ( اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ) (الاقتصاد في الاعتقاد : ص 234) . أما الامامه بمعنى الدولة فقد قرر علماء أهل السنة وجوب نصب الإمام ، لكن المقصود بهذا القول أن الدولة هي ضرورة اجتماعيه- وهو مبدأ اتفقت عليه اغلب المذاهب السياسية في كل زمان ومكان – لكنهم قرروا في ذات الوقت أن الوجوب هنا هو وجوب كفائي وليس عيني، يقول الماوردي ( فإذا ثبت وجوبها ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم...) ( الأحكام السلطانية: ص 5) ، ويقول الإمام النووي: (تولي الإمامة فرض كفاية ، ...) (روضة الطالبين :10/43). وظيفة الدولة من حراسه الدين إلى إقامته. : هذا المذهب يجعل وظيفة الدولة هي اقامه الدين (ومضمونه الالتزام بمفاهيم وقيم وقواعد الإسلام)،وليست حراسته ( ومضمونه حفظ النظام القانوني الاسلامى وقوه الإلزام فيه )، وهو هنا يخالف مذهب أهل السنة في وظيفة الامامه ، والقائم على أن المسئول عن اقامه الدين أصلا هو المجتمع المسلم ، أما وظيفة الدولة الاسلاميه فهي حراسته- ودون أن تنفرد بذلك- كما سنوضح أدناه. اولويه التغيير السياسي على التغيير الاجتماعي: بناءا على ما سبق فان هذا المذهب يقول باولويه التغيير السياسي على التغيير الاجتماعي. الدلالة الثانية (اولويه الدين على الدولة) : أما الدلالة الثانية لشعار "الإسلام دين ودوله" فتقرر ارتباط الدين بالدولة، دون أن تساوى بينهما في الدرجة، بل تجعل الاولويه للدين على الدولة، والمقصود بالاولويه هنا: أولا: أن يكون الدين بالنسبة للدولة – وكذا السلطة- بمثابة الكل للجزء يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه، وهو ما يتحقق من خلال السعي لتحقيق اكبر قدر ممكن من الاتساق بين الدولة –وكذا السلطة- وضوابط ومقاصد الشرع الكلية . ثانيا : أن السعي لاقامه المجتمع المسلم يجب أن يكون سابقا على السعي لاقامه الدولة الاسلاميه ، فالإسلام هو دين أولا ثم دوله ثانيا. التفسير الديني للسياسة(السياسة الشرعية): هذه الدلالة تتسق مع التفسير الديني للسياسة- والذي عبر عنه الفقهاء بمصطلح السياسة الشرعية- والذي يجعل الدين هو الأصل والسلطة هي الفرع، اى يصبح الدين بالنسبة للسلطة، بمثابة الكل للجزء ،يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه . الامامه من فروع الدين: ويقوم هذا التفسير على اعتبار أن الامامه- بمعنى السلطة- هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله ، وهو هنا يتسق مع مذهب أهل السنة كما سبق بيانه. وظيفة الدولة حراسه الدين وليست إقامته: كما يتسق هذا التفسير مع مذهب أهل السنة في وظيفه الامامه ، حيث يجعل وظيفة الدولة الاسلاميه هي حراسه الدين ، اى هي حفظ قواعد النظام القانوني الإسلامي، يقول الماوردي (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا) (الأحكام السلطانية)،أما اقامه الدين اى الالتزام بمفاهيم وقيم وقواعد الإسلام فهو - أصلا - مسئوليه المجتمع المسلم، ويسدل على هذا بعموم الآيات الداعية إلى اقامه الدين ، قال تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)( الشورى: 14) ، ورد في تفسير القرطبي (.. وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " أَنْ أَقِيمُوا الدِّين وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " أَيْ اِجْعَلُوهُ قَائِمًا ; يُرِيد دَائِمًا مُسْتَمِرًّا مَحْفُوظًا مُسْتَقَرًّا مِنْ غَيْر خِلَاف فِيهِ وَلَا اِضْطِرَاب ) . اولويه التغيير الاجتماعي على التغيير السياسي : ويترتب على التفسير الديني للسياسة القول باولويه التغيير الاجتماعي ( المتضمن للتغيير الفكري/ العقدي ) على التغيير السياسي، وان السعي لأقامه المجتمع المسلم ينبغي أن يكون سابقا على السعي لاقامه الدولة الاسلاميه، وهنا يمكن الاستدلال بالسيرة النبوية (المرحلة المكية والمرحل المدنية). الصيغة الأصح : بناءا على ما سبق فان لشعار "الإسلام دين ودوله"، دلالة مقبولة - تتسق مع التفسير الديني للسياسة،الذي عبر عنه الفقهاء بمصطلح السياسة الشرعية - ومضمونها إثبات الارتباط بين الدين والدولة، مع التأكيد على اولويه التغير الاجتماعي على التغيير السياسي, كما أن لهذا الشعار دلالة مرفوضة - وهى من لوازم مذهب التفسير السياسي للدين – ومضمونها المساواة بين الدين والدولة في الدرجة، مع القول باولويه التغيير السياسي على التغيير الاجتماعي. غير أن الصيغة الأصح للشعار - والتي تعبر بشكل قاطع عن الدلالة المقبولة للشعار- هي : أن الإسلام هو دين أولا، ثم ( أمه / جماعه / مجتمع ) ثانيا ، ثم دوله أخيرا. - للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان http://drsabrikhalil.wordpress.com