منع قناة تلفزيونية شهيرة في السودان    شاهد بالصورة.. ناشطة سودانية تسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد ظهورها الأخير: (كدي خلي الفاشر اجري حصلي نفسك بحقنة "بوتكس" ولا أعملي "فيلر" لانه وشك من التجاعيد ح يقع منك)    ماذا قال ياسر العطا لجنود المدرعات ومتحركات العمليات؟! شاهد الفيديو    تم مراجعة حسابات (398) وحدة حكومية، و (18) بنكاً.. رئيس مجلس السيادة يلتقي المراجع العام    انطلاق مناورات التمرين البحري المختلط «الموج الأحمر 8» في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي    النائب العام للسودان في سجن الدامر    تقارير صادمة عن أوضاع المدنيين المحتجزين داخل الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين التفسير السياسي للدين والتفسير الديني للسياسة .. بقلم: د.صبري محمد خليل
نشر في سودانيل يوم 25 - 08 - 2012

د.صبري محمد خليل/ أستاذ بجامعه الخرطوم/ تخصص فلسفه القيم الاسلاميه
[email protected]
أولا: التفسير السياسي للدين:
تعريف : التفسير السياسى للدين هو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، ويقوم على تأكيد واثبات العلاقة بين الدين والسياسة ، ولكنه يتطرف في هذا التأكيد والإثبات إلى درجه تجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط لا علاقة ارتباط ووحده، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة اعلي درجه من الدين حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة، والوسيلة هي الدين، ومرجع هذا التطرف في التأكيد والإثبات ان هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة، كرد فعل على الليبرالية ،والتي باستنادها إلى العلمانية نفت والغت اى علاقة للدين بالسياسة.
مصطلح الإسلام السياسى: وقد استخدم البعض مصطلح الإسلام السياسى للتعبير عن هذا المذهب، لكن - وكما أشار الكثير من الباحثين - هناك الكثير من الإشكاليات المتعلقة بالمصطلح ، فالمصطلح يوحى بأنه ليس ثمة إسلام واحد ، وان هناك إسلام سياسي وأخر غير سياسي، فضلا عن نسبه الاصل(الإسلام) إلى الفرع(السياسى). لذا نفضل استخدام مصطلح التفسير السياسى للدين وليس مصطلح الإسلام السياسى، مع ملاحظه ان المصطلح الأخير يصدق في وصف احد الأخطاء التي وقع فيها التفسير السياسى للدين، وهو نسبه الاصل (الإسلام) إلى الفرع (السياسة) وليس العكس اى نسبه الفرع الى الاصل.
التناقض: غير أن مذهب التفسير السياسي يستند إلى ويلزم منه ، جمله من المفاهيم ، التي تتناقض مع مقاصد الشرع وضوابطه ( وهى ذات المفاهيم التي تستند إليها او تلزم من بعض دلالات بعض المصطلحات ذات الصلة كمصطلحات : اسلامى،إسلاميين، حزب ديني،أحزاب دينيه...):
الثيوقراطيه و الكهنوتية: فكما سبق ذكره فان هذا المذهب يتطرف في تأكيد واثبات العلاقة بين الدين والدولة، إلى درجه تجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط لا علاقة ارتباط ووحده ،وهو بذلك يقارب الكهنوتية والثيوقراطيه اى الدولة الدينية بالمفهوم الغربي،ومن أشكالها نظريتي الحكم بالحق الالهى والعناية الالهيه،غير أن هذا التصور للعلاقة بين الدين والدولة مرفوض إسلاميا، لأنه يودى إلى تحويل المطلق عن قيود الزمان والمكان(الدين)، إلى محدود بالزمان والمكان نسبى فيهما(الدولة أو السلطة)أو العكس،وبالتالي يؤدى إلى إضفاء قدسيه الدين و اطلاقيته على البشر واجتهاداتهم المحدودة بالزمان والمكان،وهو ما رفضه الإسلام حين ميز بين التشريع الذي جعله حقا لله، والاجتهاد الذي جعله حقا للناس، فضلا عن ان مضمون الكهنوتية والثيوقراطيه هو إسناد السلطة الدينية و السياسية إلى فرد أو فئة ، ينفرد او تنفرد بها دون الجماعة( رجال الدين)،وهو مذهب مرفوض في الإسلام، قال تعالى(واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )، الأكثرون من المفسرين قالوا ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم ،بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم.
الامامه من الفروع إلى الأصول: كما يستند هذا المذهب الى مقوله ان الامامه- السلطة- هي أصل من أصول الدين، وهذا المذهب قال به الشيعة، ولكنه يخالف ما ذهب إليه أهل السنة من أن الامامه من فروع الدين وليس من اصوله ، يقول الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ، بحيث لا يسع المكلَّف الإعراض عنها والجهل بها ،بل لَعَمري إنّ المعرض عنها لأَرجى من الواغل فيها ؛ فإنّها قَلّما تنفك عن التعصّب والأهواء ، وإثارة الفتن والشحناء ، والرجم بالغيب في حق الأئمة
والسَّلَف بالإزراء ، وهذا مع كون الخائض فيها سالكاً سبيل التحقيق ، فكيف إذا كان خارجاً عن سواء الطريق لكن لمَّا جرت العادة بذكرها في أواخر كتب المتكلمين ، والإبانة عن تحقيقها في عامة مصنفات الأُصوليين ، لم نَرَ من الصواب خَرْق العادة بِتَرْك ذكرِها في هذا الكتاب ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363، لسيف الدين الآمدي)،ويقول الإيجي : « وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا » (المواقف : ص 395) ، ويقول الإمام الغزالي ( اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ، ثمّ إنّها مثار للتعصبات ، والمُعْرِض عن الخوض فيها ، أسلم من الخائض فيها ، وإن أصاب ، فكيف اذا أخطأ؟ ، ولكن إذ جرى الرسم باختتام المعتقدات بها ، أردنا أن نسلك المنهج المعتاد ؛ فإنّ فطام القلوب عن المنهج ، المخالف للمألوف ، شديد النِّفار ) (الإقتصاد في الإعتقاد : ص 234) ، ويقول التفتازاني ( لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة ، بعلم الفروع أَليق ، لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ، ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة ، من فروض الكفايات ، وهي أُمور كليّة تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية ، لا ينتظم الأمر إلاّ بحصولها ، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كلّ أحد . ولا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الإعتقادية ) (شرح المقاصد : ج 2، ص 271) .
التفرق فى الدين: ويلزم من هذا المذهب اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين،وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة : يقول تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104).يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام: 159].ويقول تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ )[آل عمران : 103]ويقول تعالى(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 103 105]، ويقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]...
احتكار الدين: كما يلزم من هذا المذهب احتكار فئة التحدث باسم الدين، وهو ما يخالف إقرار الإسلام للتعدد والاختلاف على مستوى الفروع ، يقول ابن مفلح( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)[الآداب الشرعية 1/186].
تكفير المخالف: كما يلزم من هذا المذهب تكفير المخالف في المذهب ،وهو ما يتعارض مع ورود الكثير من النصوص التي تفيد النهى عن تكفير المسلمين: قال تعالى ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبغون عرض الحياة الدنيا). و قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) ( ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ) (ترجم له البخاري) .
الاستغلال السياسي للدين: كما يلزم من هذا المذهب الاستغلال السياسي للدين، والذي يتمثل في جعل الغاية من النشاط السياسي هي الدولة – السلطة، والوسيلة هي الدين،" بدلا من جعل الدين هو الأصل والسياسة هي الفرع"، وهو شكل من أشكال الاتجار بالدين الذي ورد النهى عنه فى الكثير من النصوص كقوله تعالى:(ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(المائدة:44.(و(إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الاخره ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم) (آل عمران) .
ادعاء العصمة: كما يلزم من هذا المذهب اعتبار ان هناك أشخاص معصومين عن الخطأ،ولا عصمه لأحد بعد الأنبياء،والقول بذلك يعنى المساواة بينهم وبين الأنبياء والرسل في الدرجة.
التعصب المذهبي: كما يلزم من هذا المذهب التعصب المذهبي الذي ذمه علماء أهل السنة،يقول ابن تيميَّة( ومن تعصَّب لواحدٍ بعينه من الأئمَّة دون الباقين، فهو بِمَنْزلة مَن تعصَّب لواحدٍ بعينه من الصحابة دون الباقين، كالرافضيِّ الذي يتعصَّب لعليٍّ دون الخلفاء الثلاثة، وجمهور الصحابة، وكالخارجيِّ الذي يَقْدح في عثمانَ وعليٍّ - رضي الله عنهما - فهذه طرق أهل البدع والأهواء الذين ثبت بالكتاب والسُّنة والإجماعِ أنَّهم مذمومون خارجون عن الشَّريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسولَه، فمن تعصَّب لواحدٍ من الأئمة بعينه ففيه شَبهٌ من هؤلاء، سواءٌ تعصَّب لمالكٍ أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد، أو غيرهم. )(مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" 22/ 252 – 254)..ويقول ابن القيِّم( وأما المتعصِّب الذي جعل قولَ متبوعه عيارًا على الكتاب والسُّنة وأقوالِ الصحابة، يزِنُها به، فما وافق قول متبوعه منها قبِلَه، وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمِّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والصَّواب؛ وإن قال - وهو الواقع -: اتَّبعته وقلَّدته، ولا أدري أعلى صوابٍ هو أم لا؟ فالعُهْدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السُّؤال لك عمَّا حكمت به بين عباد الله، وأفتيتهم به؟ فوالله إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلاَّ مَن عرف الحق، وحكم به، وأفتى به، وأما من عداهما فسيَعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء )(إعلام الموقِّعين" 2/ 232).
البدعة: البدعة اصطلاحا الاضافه إلى أصوله الدين لا فروعه، دون الاستناد إلى نص يقيني الورود قطعي الدلالة: قال تعالى (... ورَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيهِمْ إلاّ ابتغاء رِضوَانِ اللهِ ....). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)( رواه مسلم ومعناه عند البخاري من حديث ابن مسعود)..يقول ابن رجب الحنبلي: عن البدعة(ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدّل عليه ، أما ما كان له أصل من الشرع يدّل عليه فليس ببدعة شرعاً وإنْ كان بدعة لغةً)( جامع العلوم والحكم ، لابن رجب الحنبلي : 160 طبع الهند).ويقول ابن حجر العسقلاني عن البدعة(أصلها ما أُحدِثَ على غير مثال سابق ، وتطلق في الشرع في مقابل السُنّة فتكون مذمومة...) ( فتح الباري ، لابن حجر العسقلاني 5 : 156). وكما ذكرنا سابقا فان مذهب التفسير السياسي للدين يستند الى ويلزم منه جمله من المفاهيم التي تتناقض مع مقاصد الشرع وضوابطه، فضلا عن تناقضها مع مذهب أهل السنة فى الامامه " السلطه"، وبالتالي يعتبر بدعه.
ثانيا: التفسير الدينى للسياسة: السياسة الاسلاميه" الشرعية": اما التفسير الديني " الاسلامى – الشرعي- للسياسة فيجعل الدين هو الاصل - والسياسة هى الفرع، اى أن يكون الدين " ممثلا في مقاصده وضوابطه " للسياسة بمثابة الكل للجزء، يحده فيكمله ولكن لا يلغيه . وطبقا لهذا التفسير فان النشاط السياسى يجب ان يلتزم بجمله من الضوابط التي تهدف إلى تحقيق اكبر قدر ممكن من الاتساق بينه وبين مقاصد الشرع وضوابطه(وهى ذات الضوابط التى تلتزم بها بعض دلالات بعض المصطلحات ذات الصلة كمصطلحات : اسلامى،إسلاميين، حزب دينى،احزاب دينيه...):
الامامه من فروع الدين: حيث يقوم هذا التفسير على اعتبار أن الامامه فرع من فروع الدين وليس أصل من أصوله كما سبق ذكره ، وبالتالي فان النشاط السياسي هو شكل من أشكال الاجتهاد .
السياسة الشرعية ما يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص : كما يتسق هذا التفسير مع تقرير علماء أهل السنة أن السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص ، يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ.)، ويعرف ابن نجيم الحنفي في تعريف السياسة الشرعية بأنها:( فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي )(الأحكام السلطانية والسلوك في سياسة الملوك للإمام الماوردي)،ويقول ابن القيم(إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ فَإِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْعَدْلِ وَأَسْفَرَ وَجْهُهُ بِأَيْ طَرِيقٍ كَانَ، فَثَمَّ شَرْعُ اللهِ وَدِينُهُ، وَاَللهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَأَعْدَلُ أَنْ يَخُصَّ طُرُقَ الْعَدْلِ وَأَمَارَاتِهِ وَأَعْلَامَهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يَنْفِي مَا هُوَ أَظْهَرُ مِنْهَا وَأَقْوَى دَلَالَةً، وَأَبْيَنُ أَمَارَةً. فَلَا يَجْعَلُهُ مِنْهَا، وَلَا يَحْكُمُ عِنْدَ وُجُودِهَا وَقِيَامِهَا بِمُوجِبِهَا، بَلْ قَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الطُّرُقِ، أَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ الْعَدْلِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَقِيَامُ النَّاسِ بِالْقِسْطِ، فَأَيُّ طَرِيقٍ اُسْتُخْرِجَ بِهَا الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ فَهِيَ مِنْ الدِّينِ، وَلَيْسَتْ مُخَالِفَةً لَهُ.فَلَا يُقَالُ: إنَّ السِّيَاسَةَ الْعَادِلَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ، بَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا جَاءَ بِهِ، بَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهَا سِيَاسَةً تَبَعًا لِمُصْطَلَحِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ عَدْلُ اللهِ وَرَسُولِهِ، ظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ) (الأحكام السلطانية،أبي يعلى الفراء).
مدنيه السلطة ودينيه التشريع: كما يستند هذا التفسير الى تصور معين لطبيعة العلاقة بين السلطتين الدينية والسياسية ،يجعل العلاقة بينهما علاقة وحدة وارتباط (لا خلط او تطابق) ،وتمييز (لا فصل) ،فهي علاقة وحده( لا خلط او تطابق) -بالتالي يقول بدينيه التشريع وليس السلطة كما في الثيوقراطيه- لان السلطة في الإسلام مقيده بالقواعد القانونية التي لا تخضع للتغير والتطور مكانا وزمانا ،وبالتالي لا يباح تجاوزها، والتي تسمي في علم القانون بقواعد النظام العام، والتي تسمى باصطلاح القران الحدود ،إذا هي القواعد الآمرة أو الناهية التي لا يباح مخالفتها ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ( البقرة: 229) ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا ﴾ .(البقرة187).كما أنها علاقة تمييز( لا فصل) -وبالتالي يقول بمدنيه السلطة وليس التشريع كما في العلمانية-لان الإسلام ميز بين النوع السابق من القواعد القانونية والتي اسماها تشريعا، وجعل حق وضعها لله تعالى وحده استنادا إلي مفهوم التوحيد، والقواعد القانونية التي تخضع للتطور والتغير زمانا ومكانا،والتي محلها الفقه في الإسلام ،والتي جعل سلطة وضعها للجماعة استنادا إلي مفهوم الاستخلاف قال تعالى ﴿ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله﴾.ومضمون هذا التصور هو إسناد كل من السلطتين الدينية والسياسية للشعب – الجماعة بموجب مفهوم الاستخلاف. فالسلطة الدينية (الروحية) (التي عبر عنها القران بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) مخوله بموجب الاستخلاف العام للجماعة﴿ كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ﴾،لذا فان في الإسلام علماء بالدين وليس به رجال دين،والفارق بين المصطلحين ان المصطلح الأول يفيد التخصص، بينما الثاني يفيد الانفراد، ،وهو ما يعنى ان هناك وسيط بين الإنسان وخالفه (وإذا ساْلك عبادي عنى فاني قريب أجيب دعوه الداعي إذا دعاني).والسلطة السياسية التي عبر عنها القران بمفهوم الأمر مخوله بموجب الاستخلاف العام أيضا للجماعة(وأمرهم شورى بينهم) ، أما الحاكم فنائب ووكيل عنها لها حق تعيينه ومراقبته وعزله ، يعرف الماوردي البيعة بأنها ( عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار)(الأحكام السلطانية، ص 7 ).ويقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين.
اباحه التعددية في الفروع : كما يقوم هذا التفسير على موقف فقهى قائم على اباحه التعددية السياسية الحزبية بشرط عدم مخالفه أو عدم الاتفاق على مخالفه القواعد الأصول ، باعتبار أنها شكل من أشكال التعددية التي اقرها الإسلام ويؤكدها التاريخ الإسلامي، حيث نجد التعددية الفكرية الدينية حتى في إطار أهل السنة( الاشعريه، الحنابلة، الطحاويه،أهل الظاهر،الماتريديه)، كما نجد التعددية القانونية ( الفقهية) حتى في إطار أهل السنة(المالكي، الشافعي،الحنبلي الحنفي...)،وكذلك إقرار علماء الإسلام للتعددية، سئل الإمام ابن تيمية: عن جماعة يتخذون لهم رأساً، ويسمون حزباً، ويدعون إلى بعض الأشياء فقال: [الأحزاب التي أهلها مجمعون على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان، فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم، وإن كانوا في ذلك ونقصوا: مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق أو الباطل من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله] (جامع الرسائل والمسائل: /153 1/152) ، وأيضا إقرار علماء الإسلام لحرية المعارضة السياسية يقول الماوردى(وإذا بغت طائفة على المسلمين وخالفوا رأى الجماعة وانفردوا بمذهب ابتدعوه و لم يخرجوا عن المظاهرة بطاعة الإمام ولا تحيزوا بدار اعتزلوا فيها ... تركوا ولم يحاربوا وأجريت عليهم أحكام العدل)( الأحكام السلطانية) ،ويعلق السرخسى في المبسوط على موقف الإمام على بن أبى طالب من الخوارج بقوله( فيه دليل على أنهم ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم بالحبس والقتل وفيه دليل على أن التعرض بالشتم للإمام لا يوجب التعذير)(ج10، ص125-126).
تعدد أساليب التغيير: إن منهج التغير الاسلامى يقوم على تعدد أساليب التغيير (كأساليب التغيير الفكري و السياسي و الاجتماعي و التربوي...)،وبالتالي فان التزام جماعه معينه بأسلوب تغيير معين يجب أن يكون من باب التخصص لا الانفراد، ،اى دون إنكارها لأساليب التغيير الأخرى التي قد تلتزم بها جماعات أخرى . وهو ما أقرته العديد من النصوص، كقوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة:122).
مفهوم الجماعة: لا يجوز وصف جماعه معينه بأنها جماعه المسلمين بل هي جماعه من المسلمين،ولا يجوز تكفير المخالف.
المنهج التقويمي: وجوب التزام المسلمين( أفرادا و جماعات) بالمنهج التقويمي الذي مضمونه تجاوز موقفي الرفض المطلق والقبول المطلق إلى موقف نقدي قائم على قبول الصواب، ورفض الخطأ قال تعالى: ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).وقال صلى الله عليه وسلم (لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسئت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا،وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)،هذا التقويم له قسمان : الأول هو التقويم الموضوعي ومضمونه تقويم الآخرين لفرد أو جماعه، وقد عبر عنه أبو ابكر الصديق (رضي الله عنه) بقوله (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني). والقسم الثاني: التقويم الذاتي ومضمونه تقويم الفرد أو الجماعة لذاتها كما في قوله تعالى( وما أبرّئ نفسي أنّ النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربّي )(يوسف: 53) وقوله صلى الله عليه وسلم( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا).
لا كهنوت فى الإسلام: والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو المصطلح الاسلامى المقابل لمصطلح السلطة الروحية أو السلطة الدينية فى الفكر السياسي الغربي الحديث والمعاصر، وطبقا للتصور الاسلامى فان هذه السلطة الدينية (الروحية) (التي عبر عنها القران بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) مخوله بموجب الاستخلاف العام لجماعة المسلمين﴿ كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ﴾، أما اى جماعه من المسلمين فهي مكلفه بالأمر بالمعروف او النهى عن المنكر من باب التخصص، وليس الانفراد كما فى قوله تعالى(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )(آل عمران: 104)، فليس في الإسلام رجال دين ولكن به علماء دين . وهذا يعنى رفض التصور الاسلامى للكهنوتية التي تعنى إسناد السلطة الدينية (و السياسية) إلى فرد أو فئة ، ينفرد او تنفرد بها دون الجماعة( رجال الدين). يقول تعالى(واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )، الأكثرون من المفسرين قالوا ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم ،بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم .بمعنى آخر فانه لا يجوز انفراد جماعة معينه بالسلطة الروحية ( أو السياسية ) دون جماعة المسلمين، لأنه شكل من أشكال الكهنوتية الذي يرفضها الإسلام.
الطبيعة السياسية للصراع الحزبى: كما أنه لا يجوز اعتبار أن النشاط السياسي للأحزاب السياسية (الاسلاميه) صراع ديني بين مسلمين وكفار ، فهو في واقع الأمر صراع سياسي يدور في إطار الاجتهاد في وضع حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع.هذا التقرير مبنى على تقرير أهل السنة أن الامامه( السلطة) من فروع الدين لا أصوله( بخلاف الشيعة الذين قرروا أن الامامه من أصول الدين وبخلاف الخوارج الذين كفروا مخالفيهم)،.. كما سبق ذكره
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان نوان http://drsabrikhalil.wordpress.com)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.