[email protected] منذ العقد الأخير من الألفية الثانية بت أتردد على ارض بلادي بصفة راتبة، حتى حُسِبْتُ من كثرة تواجدي فيها أنني عدتُ لاستقر بصفة نهائية. هذا حلم يراود مخيلة كل مغترب طال غيابه، ولكن هيهات هيهات، فما لذلك من سبيل. لأن المغترب العائد لزيارة الأهل والوطن في الإجازات يجد ما يغم قلبه أكثر مما يسره. فواقعنا السياسي ليس هو المصيبة الكبرى عندنا، فالفرقة والشتات هو ديدننا منذ الاستقلال. أم المصائب عندنا ذاك التحول المتصاعد نحو الأسفل الذي لحق بطبائع إنسان السودان ويظهر متبرجاً في المدن الكبر، والخرطوم هي رأس كل بلاء. هذا لعمر أبيك أمر جلل، وخَطْبٌ ذلل، ذل رقاب ما كانت لغير الله ساجدة. فإنسان وطني أصبح غير عابئ بل قل مكترث لما يجري حتى لما في عقر داره، وكأني بهذا الإنسان زاهد في تغيير حاله لما هو أمثل، فهو يحسب أن كل أمر لأولي الأمر، متغافل عن نجاحات يمكن تحقيقها دون العبور من بوابات السياسة وأهلها. وأتيك بالخبر الحزين دام فضلك. حُبس عزيز لي وهو في سن النبوة وإن شئت الدقة فزد قليلا. كان حبسه ناجم عن ارتداد صك مصرفي، فأصابني الأرق، لأنه حَُبس في أمر لا ناقة له فيه ولا جمل. وسيطير عقلك إذا علمتَ دام فضلك، أنه وقع على صك نيابة عن مزارعي مشروع زراعي بولاية النيل الابيض بغرض ضمان التمويل لصالح مصرف رسالته الأساسية هي التمويل الزراعي. لسوء طالع رحمي وطالع المزارعين والمصرف كل على سواء، أن الأرض أعطت عدارً بدل أن تعطي ثماراً، فعجز المزارعون عن الوفاء بديونهم، فَحُمِلَ رحمي إلى الحبس مكبلاً بديون تقارب المائة مليون جنية بالقديم. حَمَلتُ همي وذهبتُ لقاض رفيع في ولاية النيل الأبيض أطلب رفده، إلا أنه أعانني بالنصح، وأوضح لي بأن الأمر مازال بطرف النيابة، ويوم أن يحول للقضاء فليس للقاضي من سبيل غير تطبيق القانون وفق ما هو مطروح أمامه من بينات. واردفني قائلاً: من أراد أن يوقف مصيبة الصكوك المرتدة فعلية أن يعمل على تغيير القانون، والقانون يصدره أو يعدله مجلس الشعب. ارتداد الصكوك لعدم وجود الرصيد، بلاءٌ عم في السنوات الأخيرة حتى كاد أن لا يسلم من زفيره وهديره بيت ولا ناحية. المدهش حقاً، أن في إجازتي هذا الصيف، طلبت مني أمٌ أن أقوم بضمان أبنها الطالب بإحدى كليات طب بلادي وضع بالحراسة من قبل مصرف تجاري عريق، رهينة غرض لا ينقص من المليون دولار أمريكي إلا ثلاثون ألفاً. ربما تعمد البنك هذا النقصان حتى لا يقال أنه اغرض المليون دولار لطالب جامعي. إذا وصفناه هذا بالفوضى الخلاقة للدمار الشامل لحسب تأدباً وحياء، فهذه قمة الاستهتار والفوضى بحقوق المساهمين والمودعين وهذا الشاب ضحية (الجوكية) والمطوح الغير مشروع. لو كنتُ أملك القرار لأودعت مدير عام المصرف بالحراسة وطالبته بوفاء المبلغ بدلاً عن هذا الطالب الذي مازال في سنينه الأولى من العقد الثالث من العمر، والسنة الثالثة من دراسته. تلك هي قصة الملايين الثانية قصصتها عليك بإيجاز قارئ العزيز، لينفلق دماغك وينفقر فاك وأحذر أن تشل يداك. أما الثالثة فحدثت لعزيز أخر أول هذا العام ولم يجد من مخرج يجنبه الحبس حتى السداد، إلا بيع الدار التي يقطنها وأسرته. هذا حصاد ما كسبت أيدينا ويعفو عن كثير. مآسي تذل لها الرقاب، نسمع الكثير منها فصولها في مجالسنا كل يوم وساعة، حتى صارت لا تحرك فينا ساكناً. وبما أنه من المتعذر في القريب العاجل إصدار قانون آخر أكثر رحمة ورأفة فيما يتعلق بالصكوك المرتدة، فإني أقترح على الأستاذ صابر محمد حسن محافظ بنك السودان بعد التشاور مع المصارف التجارية، أن يصدر لائحة تنظيمية ملزمة لجميع المصارف تضع شروطاً وضوابطاً تحد من المعاملات بالصكوك، لأن هناك مسئولية أخلاقية للبنك المركزي تلزمه بإيجاد مخرج يخفف وطأة ما لحق بالأسرة السودانية من أضرار يعجز هذا المقال عن حصرها. أكثر المتضررين من فوضى الدمار الشامل، هم الأطفال والنساء (الزوجة والأم والأخت) اللاتي حبس أبناءهن أو أزواجهن أو آباءهن أو أخوانهن في السجن حتى السداد. وبما أنني قد عايشت أكثر من الحالات التي رويت، وجدت من الواجب علي أن أتقدم بمقترح عله يكون فيه مخرج من هذا الدائرة الفارغة المغلقة، الداخل فيها مفقود مفقود، والخارج منها مكسور في خاطره، مهدود في بدنه وماله. ولعل العمل على إصدار لائحة بشروط وقيود تحدد فئات عملاء المصارف التجارية وسقف للكل فئة لا يتعارض والقانون الذي يحث على مراعاة الشروط والقيود التي تفرضها القوانين الخاصة في التصرفات القانونية على أن تكون الشروط والقيود على نحو ما سيرد ذكره: • أولاً: يقسم عملاء البنوك التجارية لعدة فئات. • الفئة الأولى، الشركات: يمكن تقسيم الشركات إلى ثلاث فئات أخرى. كبرى، ومتوسطة، وصغرى، وتعطى كل منها سقف خاص بها. • يكون السقف الأعلى للصك أو الصكوك الصادرة من الفئة الأولى لمصلحة المستفيد لا يتجاوز أجماليها في كل شهر ميلادي (مائتي ألف جنية مثلاً) وما زاد عن ذلك السقف يجب الرجوع إلى المصرف الذي أصدر الصك المصرفي والحصول على موافقته. • الفئة الثانية، رجال الأعمال: ويكون السقف الأعلى للصك أو الصكوك الصادرة من الفئة الثانية لمصلحة المستفيد لا يتجاوز أجماليها في كل شهر ميلادي (مئة ألف جنية مثلاً) وما زاد عن ذلك السقف يجب الرجوع إلى المصرف الذي أصدر الصك المصرفي والحصول على موافقته. • الفئة الثالثة، أصحاب الرخص التجارية الذين يعملون تحت أسمائهم: ويكون السقف الأعلى للصك أو الصكوك الصادرة من الفئة الثالثة لمصلحة المستفيد أن لا يتجاوز أجماليها في كل شهر ميلادي (خمسون ألف جنية مثلاً) وما زاد عن ذلك السقف يجب الرجوع إلى المصرف الذي أصدر الصك المصرفي والحصول على موافقته. • الفئة الرابعة، الموظفون والمهنيون والأطباء: ويكون السقف الأعلى للصك أو الصكوك الصادرة من الفئة الرابعة لمصلحة المستفيد لا يتجاوز أجماليها في كل شهر ميلادي (ثلاثون ألف جنية مثلاً) وما زاد عن ذلك السقف يجب الرجوع إلى المصرف الذي أصدر الصك المصرفي والحصول على موافقته. • الفئة الخامسة، الحرفيون والعمال والمزارعون: ويكون السقف الأعلى للصك أو الصكوك الصادرة من الفئة الخامسة لمصلحة المستفيد لا يتجاوز أجماليها في كل شهر ميلادي (عشرون ألف جنية مثلاً) وما زاد عن ذلك السقف يجب الرجوع إلى المصرف الذي أصدر الصك المصرفي والحصول على موافقته. • الفئة السادسة، الأفراد: ويكون السقف الأعلى للصك أو الصكوك الصادرة من الفئة السادسة لمصلحة المستفيد لا يتجاوز أجماليها في كل شهر ميلادي (عشرة ألف جنية مثلاً) وما زاد عن ذلك السقف يجب الرجوع إلى المصرف الذي أصدر الصك المصرفي والحصول على موافقته. • للعميل الحق في أن يصدر أكثر من صك في الشهر الواحد على أن لا يتجاوز أجمالي قيمة الصكوك الصادرة منه السقف المحدد للفئة التي ينتمي إليها. • على العميل الراغب في اصدرا أكثر من صك واحد في الشهر الميلادي الواحد يتجاوز فيه السقف المحدد لفئته أن يحصل على موافقة المصرف الصادر منه الصك المصرفي. • على المستفيد من الصك المصرفي أن يتحرى من السقف الأعلى للصك، وأن يطمئن قبل قبول الصك، بأن الصك المحرر لمصلحته لا يتجاوز السقف المخصص للفئة المحددة. • في حالة قبول المستفيد بصك يتجاوز السقف المحدد للفئة عليه أن يتحمل تبعات ارتداد الصك. في هذه الحالة لا يحق له فتح بلاغ جنائي، ولكن يحق له الملاحقة المدنية. • يحق للمستفيد فتح بلاغ جنائي إذا كان الصك الذي يحمله لا يتجاوز سقف الفئة المتفق عليها والظاهرة في أعلى الصك. • على المصرف أن يُملِكْ هذه اللائحة لعميله الذي يستفيد من خدمات الصكوك، كما على المصرف أن يرفق خطاباً معنونا للعميل يحدد سقف الصك الصادر منه لمصلحة طرف ثالث. • على المصرف أن يبين في الصكوك الصادرة منه الفئة التي ينتمي إليها دفتر الصكوك. • على المصرف أن لا يصدر دفتر صكوك يتجاوز عددها خمسين صكاً للفئة الأولي وعشرة صكوك للفئات من الثانية حتى السادسة. • العميل ملزم بإبراز خطاب المصرف للمستفيد في حالة صدور صك منه لطرف ثالث. • لا يحق للعميل الحصول على دفتر صكوك جديدة ما لم يتقدم بطلب مكتوب مشفوع بصور طبق الأصل للصكوك الصادرة، خاصة تلك التي تستحق الوفاء والتي لم يتقدم المستفيدون منها للمصرف للمطالبة بسدادها، أي لم تحصل من حساب العميل بعد. • لا يحق للمصرف أن يصدر دفتر صكوك للفئة الثانية حتى السادسة إذا ما كان هناك صكين أو أكثر لم تحصل من حساب العميل بعد. • يجب على العميل الأحتفاظ بصورة طبق الأصل لكل صك أصدره لطرف ثالث إلى حين الوفاء به. • للمصرف الذي اصدر دفتر الصكوك الحق في أي وقت يشاء، أن يطالب العميل بمده بصورة من الصكوك الصادرة منه لمصلحة طرف ثالث. • لتوفيق الأوضاع، تصبح هذا اللائحة سارية المفعول بعد ستة أشهر من صدورها. • أي صك صدر قبل صدور هذه اللائحة ويستحق التحصيل في أي تاريخ بعد مهلة الستة أشهر، على المستفيد مراجعة من قام بتوقيع ذلك الصك أو الصكوك لتعديلها بما يتماشى وضوابط هذه اللائحة متى ما لزم الأمر. أطمع أن يكون في مقترحي هذا مسودة أولية تعين إدارة البنك المركزي والمصارف التجارية في الخروج بحل يفي بالغرض المطلوب، وهو الحد من التعامل بالصكوك المصرفية لحد يسمح بوفائها، فقد بات واضحاً أن عدم الوفاء بالصك هو الأعم في معاملاتنا المالية، أما الوفاء بها فهو خروج عن النص.