حاكم إقليم دارفور يهنئ القوات المسلحة والقوات المشتركة عقب معارك مدينتي الخوي وأم صميمة    غياب 3 أندية عن مجموعات التأهيلي    تجهيزات الدفاع المدني في السودان تحتاج إلي مراجعة شاملة    السعودية: تدريبات جوية لمحاكاة ظروف الحرب الحديثة – صور    رونالدو يضع "شروطه" للبقاء مع النصر    مستشار قائد قوات الدعم السريع ينفي استهداف قواتهم بمسيرات لسجن مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان    الأمطار تؤجل مباراتي مجموعة المناقل وفوز عريض لهلال كريمة ببورتسودان    بعد أن تصدرت "الترند" وأنهالت عليها الإشادات.. تعرف على الأسباب التي دفعت الفنانة فهيمة عبد الله لتقديم التهنئة والمباركة لزوجها بعد خطوبته ورغبته في الزواج مرة أخرى    هدى عربي وعلي الشيخ    شاهد بالفيديو.. بعد أن قدمت له الدعوة لحضور حفلها الجماهيري.. الفنانة هدى عربي تتفاعل مع أغنيات الفنان علي الشيخ بالرقص أعلى المسرح    بعد أن تصدرت "الترند" وأنهالت عليها الإشادات.. تعرف على الأسباب التي دفعت الفنانة فهيمة عبد الله لتقديم التهنئة والمباركة لزوجها بعد خطوبته ورغبته في الزواج مرة أخرى    "نسرين" عجاج تهاجم شقيقتها الفنانة "نانسي": (الوالد تبرأ منك عام 2000 وأنتي بالتحديد بنت الكيزان وكانوا بفتحوا ليك التلفزيون تغني فيه من غير "طرحة" دوناً عن غيرك وتتذكري حفلة راس السنة 2018 في بورتسودان؟)    طاقم تحكيم سوداني يدير نهائي أبطال أفريقيا بين صن داونز الجنوب أفريقي وبيراميدز المصري    المريخ يستأنف تدريباته صباح الغد    الطاقة تبلِّغ جوبا بإغلاق وشيك لخط أنابيب النفط لهجمات الدعم السريع    ترامب: الهند وباكستان وافقتا على وقف النار بعد وساطة أميركية    الرياضيون يبدأون إعمار نادي المريخ بنقل الأنقاض والنفايات وإزالة الحشائش    الاعيسر .. ما جرى في سجن مدينة الأبيض جريمة حرب مكتملة الأركان تضاف إلى سجل الميليشيا وداعميها    محمد وداعة يكتب: التشويش الالكترونى .. فرضية العدوان البحرى    محمد صلاح يواصل صناعة التاريخ بجائزة جديدة مع ليفربول    على خلفية التصريحات المثيرة لإبنته الفنانة نانسي.. أسرة الراحل بدر الدين عجاج تصدر بيان عاجل وقوي: (مابيهمنا ميولك السياسي والوالد ضفره بيك وبالعقالات المعاك ونطالب بحق والدنا من كل من تطاول عليه)    في عملية نوعية للجيش السوداني.. مقتل 76 ضابطاً من مليشيا الدعم السريع داخل فندق بمدينة نيالا وحملة اعتقالات واسعة طالت أفراداً بالمليشيا بتهمة الخيانة والتخابر    شاهد بالفيديو.. من عجائب "الدعامة".. قاموا باستجلاب سلم طائرة ووضعوه بأحد الشوارع بحي الأزهري بالخرطوم    بمشاركة زعماء العالم… عرض عسكري مهيب بمناسبة الذكرى ال80 للنصر على النازية    أصلا نانسي ما فنانة بقدر ماهي مجرد موديل ضل طريقه لمسارح الغناء    عادل الباز يكتب: النفط والكهرباء.. مقابل الاستسلام (1)    خدعة واتساب الجديدة لسرقة أموال المستخدمين    عبر تطبيق البلاغ الالكتروني مباحث شرطة ولاية الخرطوم تسترد سيارتين مدون بشانهما بلاغات وتوقيف 5 متهمين    شاهد بالفيديو.. بعد غياب دام أكثر من عامين.. الميناء البري بالخرطوم يستقبل عدد من الرحلات السفرية و"البصات" تتوالى    بيان توضيحي من مجلس إدارة بنك الخرطوم    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواقف الإمام الصديق المهدي: مواجهة الدكتاتورية ما بين الأب والابن والحفيد .. بقلم: صديق الزيلعى
نشر في سودانيل يوم 17 - 11 - 2013

احد مساوئ الحياة السياسية السودانية هو حق الأبناء فى تبوأ او بالاصح وراثة مناصب الاباء السياسية. يبدأ ذلك الحق من وراثة الدائرة الانتخابية للدخول للبرلمانات والمجالس النيابية ويمر بقيادة القبيلة والتحدث والتفاوض باسمها وينتهى بقيادة الحزب السياسى القومى. واذا راجعنا نتائج الانتخابات التى تمت تحت ظل انظمة ديمقراطية ( ليست الدكتاتورية حيث يعين النواب اوتخج الصناديق) نجد ان التاريخ النيابى لبعض الدوائر ( ومنذ انتخابات الحكم الذاتى فى 1953 وحتى انتخابات 1986 فى ظل الديمقراطية الثالثة ) يكشف احتكار اسر معلومة لها ( الاباء ثم الابناء واخيرا الاحفاد ). وكذلك قيادة بعض الاحزاب التى من غير المتوقع او المنظور ( فى المستقبل القريب) ان تخرج قيادتها من احتكار تلك البيوت وامامنا امثلة حية حيث يتم اعداد الابناء لتولى المسئولية . هذا الوضع يجعل حالنا كلعبة الروليت الشهيرة تصدق مرة وتكذب مرات.
لعب الامام الصديق المهدى دورا بارزا فى فى تجميع جبهة الاحزاب المعارضة للحكم العسكرى الاول ودعمها بشتى السبل ودافع عن مطالبها علنا ووقع مذكراتها الداعية لارجاع العسكر للثكنات ولم يتنازل عن مطالب المعارضة عندما فاوضه المجلس العسكرى الحاكم كما رفض فى اباء ان يهاجم قياداتها. وكان رحيله عن دنيانا فقدا حقيقيا للمعارضة فحزنت عليه بصدق. ونجتهد فى مقارنه مواقفه بمواقف ابنه الامام الصادق وهو رقم اساسى فى الحياة السياسية السودانية ( اتفقت او اختلفت معه) مارس العمل السياسى لفترة ست عقود من الزمن ويؤمن بنظرية التراضى بين الانقاذ والمعارضة لتحقيق ما يسمى بال: Soft Landing .
ونبدأ عرضنا اليوم ببعض مواقف الامام الصديق من الحكم العسكرى الاول ( ياتى ذلك فى اطار عكسنا لمقاومة الشعب السودانى لذلك الحكم). ونهدف ايضا من هذا العرض للتاكيد ان النقابات لم تكن وحدها فى ميدان المقاومة فقد شارك الطلاب والضباط الاحرار والانصار والاحزاب السياسية والنساء والجنوبيون والنوبيون فى المقاومة الباسلة لشعبنا.
أدى اضراب عمال السكة الحديد فى نوفمبر 1959 ومظاهرات واضرابات طلاب جامعة الخرطوم والمعهد الفنى ومظاهرات ابناء النوبة التى عمت كل القطر لتحرك القيادات الحزبية و الوطنية وتم انشاء جبهة احزاب المعارضة. قامت الجبهة برفع مذكرات تطالب بعودة الحياة الديمقراطية وعودة الجيش لثكناته. اصاب الدكتاتورية الهلع من ذلك الحراك المتعاظم. وخططت لشق المعارضة لاضعاف تأثيرها. و بذلت دكتاتورية نوفمبر العسكرية جهودا مضنية لابعاد الامام الراحل الصديق المهدى عن تجمع المعارضة خاصة و انه كان بمثابة الاب الروحى لتلك الجبهة. واوفد المجلس الاعلى للقوات المسلحة اثنين من قياداته لمحاورة واقناع الامام الصديق ببرنامج النظام.
فى الجلسة الاولى اوضح مندوبا المجلس العسكرى الحاكم اسباب الاستيلاء على السلطة وركزا ( بلهجة تحذير وتهديد ) على ان الجيش استلم السلطة بالقوة ولن يرجع لثكناته الا بالقوة وانهم لن يسلموا السلطة للقدامى. و قدموا تصورهم لمستقبل النظام والمشاريع التى ينوى النظام تنفيذها.
وفى الجلسة الثانية حاول الاميرالاى المقبول الامين ( مندوب الحكومة العسكرية) تسويق قانون المديريات والمجالس المحلية الذى اصدره المجلس العسكرى الاعلى كمثال للديمقراطية . ولكن الامام افحمه قائلا انه لا يوافق على هذا القانون لانه لن يقود البلاد الى الديمقراطية المنشودة ولم يستشار فيه الناس.
وفى الجلسة الثالثة ( الاخيرة) سأل الاميرالاى المقبول الامام الصديق حول عدم رده على تصريح الحكومة بان الجيش تسلم السلطة بالقوة ولن يرجع الى ثكناته الا بالقوة. فرد عليه الامام بالاتى:
" اولا: ليس صحيحا ان الجيش قد جاء للحكم بالقوة وهذه حقيقة تاريخية سافرة لا تقبل الجدل". واضاف الامام الصديق " اذا كان هذا رأى الحكومة فان اى محادثات من هذا النوع مع الحكومة لا يمكن ان تنتهى الى النتيجة التى نهدف اليها من ورائها".
" ثانيا: ان المواطنين من حقهم والحالة هذه ان يتسألوا عن مصير هذا الحق ومن حفهم ايضا ان يكون لهم رأى فى الوقت والطريقة والعودة بالحكم للوضع الطبيعى الذى يتمشى مع رغباتهم ويساير امانيهم فى الحكم الديمقراطى الصالح. ومن حقهم ايضا ان يعبروا عن رأيهم فى التغيير الى وضع سليم وان يشيروا بما يقترحون طريقا لوضع دستور البلاد ولا دستور بها الان.
لكل ذلك طالبنا وسنطالب بان يتقرر مصير الحكم فى البلاد بالتشاور بين كل ممثلى الفئات المختلفة للشعب السودانى فيكون الوضع الجديد عادلا وديمقراطيا ومنبعثا من ارادة الشعب السودانى وحده".
بعد هذه النقطة الثانية تقدم الامام الصديق بمقترحات هى نفس مطالب المذكرة السياسية التى قدمتها جبهة الاحزاب المعارضة فى 29 نوفمبر 1960 الى الحكومة ( ننشر نصها فى فقرات تالية) وهى : اعادة دستور 1956 المؤقت بعد تعديله حتى يوضع دستور دائم للبلاد وتكوين مجلس سيادة من بعض رجال الحكم الحالى وعناصر مدنية ليكون رأس الدولة وتشكيل هيئة مدنية لفترة انتقال لتتولى اعباء الحكومة وتكون السلطة التنفيذية وتضع قانونا جديدا للانتخابات ثم تجرى الانتخابات بعد ان يلغى قانون الطوارئ لتكوين جمعية تأسيسية تقرر وتصوغ الدستور الدائم ويتم ذلك فى فترة بتفق عليها.
وقام النظام عندما شعر بان الامام الصديق لا يمكن استمالته لجانبهم بمضايقات عنيفة للانصار وتحرش واضح بهم لارهابهم. فقرر الامام رفع المذكرة التالية بتاريخ 28/05/1961 الى الفريق ابراهيم عبود:
صاحب المعالى السيد الرئيس الفريق ابراهيم عبود
اركويت
باسم الله وباسم هذا الوطن احييكم.
وبوصفكم رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة وبالتالى رئيسا لهذه الحكومة ، ويوسفنى تتابع الحوادث والتصرفات التى تدل على انحراف الحكم عن الاتجاه القومى وعن العدالة والانصاف بل تؤيد تحيزه لفئات معينة من المواطنين وحقده وخصومته لاخرين منهم على اساس غير سليم الامر الذى لا يتمشى مع مسئولية الحكومة ازاء المواطنين اجمعين وعلى قدم المساواة.
اكرر يؤسفنى ان اضطر لاحتج لديكم على الضغط والعنت الذى تلقاه مجموعة الانصار وحدها. فانهم منعوا مثلا من رفع اعلامهم التقليدية فى دارفور وحددت اقامة السادة ابناء المهدى احمد والصادق بغير حق وقد اوفدا منى لمديرتى كردفان ودارفور فى زيارات تقليدية ومهام دينية اجتماعية تختص بالانصار وحدهم فى الغرب. وان فى هذا ما فيه من التعدى على الحريات الشخصية والمقدسات والعقائد الدينية والعلاقات والمساواة الاجتماعية حتى وصل الامر ان تعتبر التعزية فى الفقيدين الناظر عبد القادر هبانى والسيد على ابوسن خروجا على القانون.
اننى انتهزهذه الفرصة لاذكركم برأيى الذى صارحتكم فيه بشتى الطرق وفى شتى المناسبات وايدنى فيه كثير من المواطنين ، وهو ان نظام الحكم الحالى المنطوى على عدم احترام اراء ورغبات المواطنين ، والذى يفقد عنصر الشورى والتعاون مع من يعنيهم امر هذا البلد ، نظام لا يتفق مع واقعنا وتقاليدنا واخلاقنا ونظمنا الموروثة.
وفى اعتقادى ان هذه التصرفات المؤسفى نتيجة حتمية لهذا الوضع غير الطبيعى الذى لا يمكن ان يتحقق معه الاستقرار المنشود والوحدة القومية اللازمة لحفظ كيان هذا البلد وتطويره.
لذلك اننى اذكركم بالامانى والمطالب القومية العامة التى اشتملت عليها مذكراتى المتكررة لسيادتكم وان اهيب بكم ان تستجيبوا لها لصيانة وحدة البلاد وحريتها وسلامة بنيها ومقدراتها.
كما اننى لا اجد بد من تحميلكم مسئولية ما قد يترتب على تصرفات الحكومة الاستفزازية المتحدية ضد الانصار وغير الانصار من فئات الشعب.
وبالله التوفيق
سراى المهدى – الخرطوم فى يوم 28/5/1961 الصديق المهدى
مكرر – وزير الداخلية
ولمعرفة تفاصيل المذكرات التى اشار اليها الامام ننشر نصها لمعرفة الوضوح فى المطالب والشجاعة فى طرحها.
المذكرة التى رفعتها جميع الاحزاب السياسية وعدد من الشخصيات البارزة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة فى 29/11/1960:
" السيد رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة
السادة اعضاء المجلس
تحية طيبة :
لقد بذل السودانيون جمعيا على اختلاف منظماتهم وعلى تباين اتجاهاتهم ومشاعرهم جهودا صادقة أدت الى استخلاص حرية السودان واعلان استقلاله وضمان مكانه بين امم العالم الحرة المستقلة – هذه حقيقة
تاريخية ثابتة – وحفاظا على هذا التراث المجيد واستشعارا لواجب المواطنين نحو بلادهم وحرصهم على العمل لرفعتها وحفظ سمعتها والمشاركة فى تقدمها وازدهارها رأينا ان نتوجه براينا اليكم.
ان السودان الذى حصل على حريته من المستعمر من غير ان يعرض البلاد للخطر والهزات هو اليوم اكثر وثوقا فى انكم ستقدرون الروح والدوافع الوطنية التى املت تقديم هذه المذكرة والتى لم نقصد منها غير مصلحة البلاد خاصة. والجيش فى كل بلاد العالم هو املها وعدتها ورمز عزتها وكرامتها وحامى حدودها والمدافع عنها فى الداخل والخارج.
ولهذا عندما استولى الجيش على مقاليد الحكم وتحدث رئيسه فى بيانه الاول عن مهمته وأكد انها لفترة مؤقتة تريث الناس ترقبا لما ستأتى به تلك الفترة المؤقتة، والكل يعلم ان ليس من مهام الجيش تسلم ادارة الحكم نهائيا. وكل المحاولات التى قامت بها الجيوش فى البلدان الاخرى كان عاقبتها سلسلة انقلابات ذهبت فيها الانفاس والاموال ورجعت البلاد الى الوراء وفقدت ثقة غيرها من الامم التى يسود فيها حكم القانون. ولنا فى محاولات الانقلاب الماضية فى جيشنا خير شاهد. كما ادى ابعاد كثير من عناصره المدربة نتيجة لهذه الهزات وما أدت اليه من محاكمات واعتقالات وابعاد من صفوف الجيش.
لقد مضى على تسلم الجيش مقاليد الحكم عامان انحصرت فيها السلطة فى يد الافراد من غير ان يشترك الشعب معهم فى فترة اتسمت بفقدان الحريات العامة وأصبحت الصحافة مقيدة لا تعبر عن الرأى العام. وقد قطعت فى هذه الفترة عدة وعود بان دستورا يتجنب اخطاء الماضى سوف يعرض على البلاد قريبا ولكن بكل اسف وبعد مضى عاميين كان ما اعلن فى 17 نوفمبر 1960 منحصرا فى امور تتعلق بنظام الحكومة المحلية التى لم تسبق الشكوى من اسسها الديمقراطية. ولكن المؤسف حقا ان النظام الجديد المعروض حرم الشعب من حق التمثيل والرقابة على شئونه المحلية مما كفلته النظم السابقة وبذا حرم الشعب من الحق الطبيعى فى انتخاب ممثليه. زيادة على ان وضع الحاكم العسكرى رئيسا لمجلس المديرية اكد استمرار حالة الطوارئ وحرمان البلاد من العودة الى دستوريكفل حق المواطنين ويشركهم فى الاشراف على شئونهم وينظم اداة الحكم فى مراتبها العليا.
ان الحكم سلسلة من المشاكل وليس من المصلحة ان يكون الجيش ضمن تلك المشاكل بل الاصوب ان يكون بعيدا عن التيارات السياسية لضمان حياده وسهره على حماية البلاد وصيانة سلامتها.
ان البلاد التى خرجت بالجيش عن مهمته الاساسية الداخلية او الدولية فقدت جيشها اولا بتعريضه للانقسامات. وعرضت بلادها ثانيا الى الانقلابات وهزات قد لا تقف عند حد.
لهذا وبروح الوطنية والحرص على المصلحة العامة مدفوعين بالرغبة الصادقة فى التفاهم والتعاون – نتقدم بالاسس التالية:
1. ان يتفرغ الجيش لمهمته الاساسية وهى حماية البلاد.
2. تتولى الحكم هيئة قومية انتقالية لتحقق الاتى:
أ. تمارس سلطات الحكومة فى فترة الانتقال.
ب. تضع التخطيط السليم والاسس الواضحة الديمقراطية فى السودان وعلى ضوء تجارب الماضى.
ج. تضع قانون انتخابات عادل يجرى الانتخابات لاختيار ممثلى الشعب الذين سيتولون الحكم على صورته النهائية ويضعون الدستور.
3. رفع حالة الطوارئ فورا وكفالة حريات المواطنين وضمان حرية الصحافة ليستطيع الشعب ان يعبر عن ارائه فى حرية ولتستطيع الحكومة القومية تحسس رغباته والتجاوب مع اتجاهاته.
اننا نرى مخلصين ان هذه الحلول تحقق الجكم الصالح والاستقرار وتصون سمعة البلاد واننا لنامل بصدق ان تصفو النفوس وتتحد الصفوف لتخرج بلادنا بسمعتها مصونة سليمة لتحقق للمواطن خيره ومصلحته.
وفقنا واياكم الى سواء السبيل
جبهة احزاب المعارضة 29 نوفمبر 1960
الامام الصديق لم يطرح اى مقترحات فردية تخرج عن اراء جبهة احزاب المعارضة التى دعمها وحاقظ على وحدتها وكان يصر فى كل اللقاءات مع الحكومة العسكرية على ان المخرج هو ما اقترحته مذكرات احزاب المعارضة. وها هى المذكرة الثانية لاحزاب المعارضة التى تمسك بها الامام الصديق:
السيد رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة السودانية
السادة اعضاء المجلس - المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لقد سبق ان كتبنا لكم عدة مذكرات فردية وجماعية فى اوقات متفرقة داعين لفتح باب التفاهم على ما اعتقدنا ان فيه مصلحة للبلاد.
لقد مضى الان على اخر مذكرة اكثر من شهرين لم نستلم فيها مايفيد وصولها. او انها كانت موضع نظر او الاستجابة لما جاء فيها من دعوة التفاهم والتشاور حول مستقبل البلاد.
ولم يقف الامر عند هذا الحد من رفض هذه الدعوة المخلصة بل تعداه لاشارات وأعمال لا توحى بغير الرفض ولا نجد لها تفسيرا الا بانكم مصممون على عدم الاستماع لراى المواطنين محتكرين لانفسكم وحدكم تقرير ما ترونه كأن الاخرين لا وجود لهم او لا تربطهم بهذا الوطن رابطة او ليس لهم اهلية ابداء الراى فينا يجرى او يدور.
وقد لاحظنا مع اشد الاسف انكم منذ تقديم المذكرة الاخيرة قد عمدتم للخطوات الاتية:
اولا: درجتم الى محاربة بعض المواطنين فى ارزاقهم وحرياتهم وظروفهم الخاصة الامر الذى لا يتفق مع ما اخذتموه على عاتقكم من مسئولية تجاه البلاد ككل وما قطعتموهو على انفسكم من عهود ومواثيق بالا تفرقوا بين الناس او تميزوا جانبا على جانب.
ثانيا: شجعتم فريقا اخر على التقدم بعريضة مضادة هاجمتنا فى اشخاصنا ووطنيتنا وانكرت علينا ماضينا ونشرتموها فى اذاعاتكم وصحف الحكومة الرسمية التى افسحت صدرها لوجهة نظر واحدة باستمرار.
ثالثا: شجعت اذاعتكم وصحفكم فريقا من الناس على المهاترة والسباب موجها للفئات التى لا تتفق معها فى الراى فى الوقت الذى انكرت فيه هذا الحق على غيرهم الامر الذى قد يثير فتنة عمياء بين ابناء الوطن الواحد – وحملة التشهير هذه ضد مواطنين شرفاء لا يمكن انكار ماضيهم ولا نسيان مكانتهم الاجتماعية انما يزيد انقسام البلاد وقد يؤدى – وقد ادى فعلا فى بعض الحالات – الى تصرفات تخل بالامن وتعكر صفوه وتبعث الانشقاق فليس اكثر شرا من رمى مواطنين شرفاء بالخيانة والسير وراء الوحى الاجنبى فى الوقت الذى لا يملكون فيه وسيلة الدفاع عن انفسهم وسمعتهم وكرامتهم حتى وصل الامر الى اقفال كل صحيفة تتعرض للامور العامة ولو خفيفا.
رابعا: لجأت الحكومة الى اسلوب التشفى والانتقام من مواطنين بسطاء كل ذنبهم انهم حاولوا التعبير عن وجهة نظرهم بالطرق المشروعة فأعتقلت من اعتقلت وحاكمت من حاكمت ونكلت بمن ارادت التنكيل بهم.
ان حق المواطنين فى الشكوى من كل ما يلم بهم من امورهم سواء الخاصة او العامة والتعبير عن وجهة نظرهم امر كفلنه العدالة الطبيعية وحقوق الانسان الذى اعلن السودان اكثر من مرة فى هذا العهد وما سبقه من عهود التقيد والالتزام به واحترامه ى جميع الاوقات والمناسبات وهو حق كفلته كل الدساتير التى تسير عليها الامم المتمدنة مهما كانت صورة الحكم فيها ومهما كانت المبادئ والمثل والفلسفات التى تنتهجها وفى الامم الكبرى والصغرى والشرقية والغربية والديمقراطية وغير الديمقراطية على السواء. لذلك فاننا نرى ان – محاكمة مواطنين اخيرا لانهما قد وقعا على مذكرتنا الاخيرة اما هو تجنى على هذا الحق الازلى الثابت وهو بطريقة غير مباشرة ضربة لمواطنين يرون رأينا ويقفون فى وطنيتنا ويستحثون اعمالنا. ولا يجوز لنا السكوت عليه والتغاضى عنه، وهو يشكل سابقة خطيرة فى اهدار هذا الحق الذى وافقتم عليه اكثر من مرة، بل تجاوزتموه الى الدعوة الصريحة للمواطنين كى يطلعوكم على وجهة نظرهم.
اننا لا يسعنا الا ان نستنكر هذا الاجراء اشد الاستنكار ونحتج عليه ابلغ احتجاج لان هذا الاسلوب فى اعتقادنا انما يدفع المواطنين دفعا للتخلى عن الطرق المشروعة لابداء الراى خاصة فى بلد خنقت فيه وسائل التعبير ومنعت عنه نظم التمثيل واحتكر الحاكمون فيه لانفسهم الرأى السديد والوطنية دون سائر الناس. واما كنا من جانبنا قد حرصنا أشد الحرص على ان تتفادى البلاد مزالق العنف ونقيها شر القتنة نجد ان الحكومة نفسها تسلك سبيل الاثارة والاستفزاز لمواطنين كل دنبهم انهم لا يتفقون معها فى الرأى حتى قر فى اذهان عامة الناس ان هذه الحكومة تعبر عن مصالح معينة وتصطبغ بصبغة خاصة بدلا من ان تكون للجميع ولا تفرق بين المواطنين.
ولا يسعنا والحالة هذه الا ان نعدكم مسئولين عن نتائج هذا المسلك الضار ونحملكم مغبته ونتائجه. ويكفى دليلا على ما وصل اليه الحال ان يقف موظف صغير امام المجلس العسكرى الذى عقد بالخرطوم بحرى فى الاسبوع الماضى ليتطاول على اقدار رجال لهم وزنهم فى هذا البلد كما لهم تاريخهم الناصع فيطعنهم فى اخلاقهم وينتقص من كرامتهم ويرميهم بالخيانة ويدمنهم بالارتماء فى احضان النفوذ الاجنبى ، ثم تجئ صحيفة الحكومة الرسمية لتنشر هذا من غير ان يردعها رادع او يلفت نظرها احد ، والحكومة تقف ساكنة على احد موظفيها أو المجلس لا يوقف هذا السباب الذى صدر على لسان رجل يمثل الدولة وجهاز الحكم – اذا لم تكن هذه الفتنة بعينها فكيف اذن تكون ؟
ان من واجبنا ان ننبهكم ان كنتم قد نسيتم ان الحكم ايا كان نظامه لا يصلح مالم يستقيم ميزانه ومالم يسو بين المواطنين وان الاهواء والاحقاد لا تقود لغير الهاوية والانحدار، وان هذه الاجهزة الحكومية التى تسيرونها ضد الاغلبية الكبرى من المواطنين انما يحركها الشعب السودانى بماله لا لتكون اداة تفرقة وانقسام.
وختاما فاننا لمحنا من قبل لمثل هذه التصرفات ويبدو ان التلميح وحده لا يكفى ولذا فاننا نكرر احتجاجنا البالغ على هذه التصرفات التى صدرت منكم وبموافقتكم ونحملكم نتائجها وعواقبها منتظرين لفترة مناسبة لنرى ما انتم فاعلون حتى نحدد موقفنا من هذا التجاهل.
توقيع – قادة جبهة الاحزاب المعارضة للحكم الراهن
حزب الامة: الصديق المهدى، عبدالله الفاضل ، عبدالله خليل، ابراهيم احمد، محمد صالح الشنقيطى
الحزب الوطنى الاتحادى: اسماعيل الازهرى، محمد احمد المرضى، مبارك زروق. الحزب الشيوعى: احمد سليمان. ومعهم ثلاث شخصيات قومية: ميرغنى حمزة، سيداحمد عبد الهادى، بشير محمد سعيد
كانت ولا تزال اراء ومواقف الامام الصادق مثار خلاف حتى بين الانصار. وقد عبرت حياته عبر محطات كثيرة ومرت مياه كثيرة تحت وفوق جسره السياسى. فمنذ اخلاء دائرة مضمونة له ( عنوة وقوة عين) عندما بلغ السن القانونية لدخول البرلمان، ثم تقلده رئاسة الوزارة كاصغر رئيس وزراء سودانى ( كان عمره حينها 31 عاما) ، ومرورا بمواقف سياسية كثيرة منها خلافه الشهير مع عمه الامام الهادى حول قيادة حزب الامة وانشقاقه عن عمه وتأسيس ما عرف بحزب الامة جناح الصادق ومهاجمته القوية لمبدأ الجمع بين الامامة وقيادة الحزب السياسى. وبعد ذلك تبنيه للسندكالية ( وهى نظرية سياسية نبعت من الفكر اليسارى)، ثم تاسيسه وقيادته لمؤتمر القوى الجديدة ( الذى ضم تيارات اسلامية وجنوبية واقليمية ). وعندما اسقطه مرشح عمه فى الانتخابات البرلمانية فدم السيد دريج ليكون زعيما للمعارضة. وبعدها شارك الصادق فى حل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من الجمعية التاسيسية ودخوله فى مواجهة حادة مع القضاء عندما قررت المحكمة العليا بطلان حل الحزب الشيوعى وعدم دستوريته.
وياتى انقلاب مايو بضجيج شعاراته الطنانة فبقرر السيد الصادق مواجهتها ويعمل بجد واخلاص لاسقاطها خاصة بعد مجزرة الجزيرة ابا. ويقود انقلابات و مواجهات مسلحة بدعم مباشر من القذافى. ثم ( وفى خلاف مباشر مع شريكه الشريف الهندى قائد الحزب الاتحادى) يقرر فى لقاء بورتسودان الشهير ان يصالح مايو ويدخل مؤسساتها السياسية. ثم يقرر الخروج من مؤسسات مايو ويعارض ما سمى بالشريعة ( قوانين سبتمبر الشهيرة) ويقول فيها مالم يقله مالك فى الخمر واشهر تعابيره انها لا تسوى الحبر الذى كتبت به.
ويسقط شعبنا دكتاتورية مايو وتحس قطاعات من الشعب السودانى ان السيد الصادق هو املها فى نظام ديمقراطى مستقر فتعطيه تفويضا غاليا مما ادى لفوزه باغلبية النواب المنتخبين للجمعية التاسيسية. ويشكل الحكومة الجديدة وتعود حليمة لقديمها لتبقى قوانين سبتمبر التى لا تساوى الحبر الذى كتبت به بل دعمت بقانون العقوبات لسنة 1988 الشهير بقانون الترابى. وتعبث القوات الليبية وحلفاء ليبيا بدارفور والامام لا يحرك ساكنا. ثم يلتف الامام حول اتفاق السلام ( اتفاقية الميرغنى/ قرنق) ليجمده عمليا ثم يتحالف مع الجبهة الاسلامية ويدخلها الحكومة. واخيرا وليس اخرا يهمل ( مع سبق الاصرار والترصد) كل المعلومات التى سلمت له عن تحضير الجبهة الاسلامية لانقلاب ضد الحكومة الديمقراطية التى يقودها.
ويقع الفأس على الرأس فى 30 يونيو 1989 ويعتقل السيد الصادق ويساق للسجن وشاع انه عومل بقسوة بالغة ولم تحترم مكانته السياسية و الدينية. ويمتد ويتسع القمع ليشمل كل الشعب السودانى بقسوة مفرطة وغلظة لم تشهدها بلادنا حتى ايام الترك الذين ثار ضدهم الامام المهدى. وتتدحرج بلادنا بسرعة مجنونة نحو هاوية سحيقة بواسطة التدمير المخطط للاقتصاد الوطنى والتعليم والصحة والخدمة المدنية والعسكرية والاخلاق والسماحة ولبس النساء وحلاقة الشباب وضحكات الرجال والعاب الصغار وفق منظور ايديولوجى ضيق الافق ويجافى روح العصر تماما.
وفى ظل هذا الدمار التسنامى الشامل يخرج السيد الصادق من السودان فى عملية ( تهتدون) ، فنفرح بقرب الفرج وان مقدرات الامام ستوظف فى معركة اسقاط النظام. ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن حيث ينشغل الامام ويكرس كل طاقاته لموضوع اعادة هيكلة التجمع ( وهى بصريح العبارة تغيير رئيس التجمع). ثم يعود سعادته للداخل فى عملية (تفلحون) وتنعقد الحوارات والاتفاقات والانكارات والوعود التى لم تنفذ. ومن داخل العاصمة الصابرة يوجه الامام معظم سهامه ضد قوى الاجماع فرادى او كجماعة ويفتح ملف الهيكلة مرة اخرى ويعطيه اولوية على العمل المعارض واسقاط النظام.
ويتصدى الطلاب ، ومن ضمنهم الطلاب الانصار ، بشجاعة منقطعة النظير للنظام فى يونيو 2012. ويتحول جامع السيد عبد الرحمن لبؤرة ثورية متوهجة ولكن سيادته يحبط الشباب باصرار عجيب. وتمر الايام ويتكاثر النقد ، من داخل حزب الامة ومن خارجه، ويتم الاعلان بزخم اعلامى واضح عن لقاء حاشد وحاسم بميدان الخليفة ، فيدب الحماس فى اوصال جماهير العاصمة التى تحتشد فى الميدان فى تشوق واضح لما سيقوله الامام وتعلن عن موقفها فى هتافاتها التى شقت عنان السماء. ولكن الامام ينتهرها باسلوب اشبه بتعامل الملوك والقياصرة والاباطرة مع رعاياهم الذين لا يملكون صوتا و ما عليهم الا اظهار السمع والطاعة. ويعلن السيد الصادق عن تذكرة التحرير والملايين التى ستعتصم بالمياديين العامة فى كل المدن السودانية . وتمضى الشهور ولا نسمع عن التذكرة ولا اعتصاماتها شيئا. ثم يطرح الامام البرنامج الوطنى كبرنامج احد اصم لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وله مقياس حاد صارم كسرير اقديليس الشهير فى الاساطير اليونانية. وفى نفس الوقت لا يزال سيف الامام البتار مشهرا ضد كل ما يطرح من قوى الاجماع : البديل الديمقراطى والفجر الجديد وبرنامج ال100 يوم وايقاف الحوار مع النظام ورفض اى دستور لا يعبر عن واقع السودان وهلمجرا.
وتأتى انتفاضة سبتمبر المجيدة وتقتل السلطة المئات برصاصات توجه للقلب ( حيث يعشش عشق الوطن) والى الراس ( حيث يتبلور الوعى الديمقراطى) ونحلم بموقف حازم للامام بعد تلك المجزرة ، فتاتينا المواعظ باننا لم نجهز البديل حتى نسقط النظام وانه من الافضل حوار النظام حتى نصل الى كلمة سواء او ما يتعارف علية ب soft landing وامامنا الذى عرك السياسة وعركته لست عقود من الزمان وادار جهاز دولتنا مرتين وكتب عشرات الكتب وقدم مئات المحاضرات فى اركان الدنيا الاربعة وحصد الجوائز العالمية لم ينير عقولنا بعد بتوضيح سمات ذلك البديل ، فكيف يستهجن فشل امثالنا من عوام الناس فى عدم تجهيزهم واعدادهم للبديل ، قبل ان يدفعهم الحماس الزائد لاسقاط النظام البرئ براءة الذئب من دم يعقوب.
وللامام اعجاب معلن بتجربة جنوب افريقيا ولكن ماتم هنالك هو تتويج لنضال عنيف استمر لعقود من الزمن صمدت الجماهير امام مجازر كمجزرة شارفيل وقادت مظاهرات قوية ونضال مسلح واضرابات وقضى قادتها عقود من الزمن وراء القضبان حتى ارغم النظام على التراجع. وللمقارنة البرئية مع جنوب افريقيا ( التى لم يتوقف النضال فيها ابدا) فان احدى مبادرات الامام الشهيرة هى ما اسماه بتذكرة التحرير والاعتصامات حتى يقرر الزمان طائعا ان يجلس مع الامام لاقامة النظام الجديد. وتمضى الايام والشهور ونتلفت يمنة ويسارا فيترد البصر حسيرا على اختفاء تذكرة التحرير وحرمان جماهير حزب الامة المناضلة من تشوقها لمنازلة النظام وهى نفس الجماهير التى تواصلنا معها فى مقاعد الدراسة وشهدنا صمودها فى المعتقلات وتحت التعذيب وسمعنا صوتها هادرا جبارا فى جامع السيد عبد الرحمن وميدان الخليفة " الشعب يريد اسقاط النظام".
لقد اطلت عليكم من كثرة حزنى على وطنى وللخاتمة الخص:
* الامام الصديق قائد الحزب الذى سلم السلطة للعساكر يقرر بعد سنتين يتمتين ان يذهب العساكر للثكنات ويعود النظام الديمقراطى بينما السيد الصادق ( رئيس الوزراء المنتخب) الذى انتزعت منه السلطة عنوة واقتدارا ويهان علنا وبعد مرور اكثر من عقدين طويلين من الزمان لا يزال يقف فى منزلة بين المنزلتين.
* رفض الامام الصديق فى اباء وشمم هجوم الاميرالاى المقبول الامين على من سماهم " السياسيين القدامى" والسيد الصادق لا يمل من نقد المعارضة ويصر على قسم صفوفها.
* الامام الصديق قاد جبهة احزاب المعارضة وفتح بيته وقلبه لها ووقع مذكرات المعارضة الواضحة الصريحة اما السيد الصادق فلم يتحرك قيد انملة نحو موقف جماعى للمعارضة.
*حوار الامام الصديق استمر لثلاث جلسات اقتنع النظام بعدها بفشله فى تسويق مشاريعه للامام اما السيد الصادق فلا يريد قطع شعرة معاوية مع النظام ويحاور ويحاور بقدرة عجيبة على طول البال واصرار اعجب على عدم اسقاط النظام.
ويسألونك عن الحفيد العقيد عبد الرحمن الصادق المهدى ( قائد جيش الامة سابقا ومستشار الرئيس حاليا) فحدث ولا حرج.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.