Facebook.com/tharwat.gasim [email protected] 1- مقدمة . بدأت جولة قادة الجبهة الثورية لدول أوروبا يوم السبت 9 نوفمبر 2013 ولا تزال متواصلة بعد أسبوعين على بدئها . زار وفد الجبهة فرنسا ، المانيا ، إيطاليا ، فنلندة ، بلجيكا وهولندة ، بالإضافة إلى مقر الاتحاد الاوروبي في بروكسل والبرلمان الاوروبي في فرنسا . نلخص بعض ملاحظاتنا الأولية على هذه الجولة التي طالت وإستطالت ( دون طحن من دعم تسليحي أو مالي ) في النقاط التالية : اولاً : يدافع قادة الجبهة عن قضية نبيلة هي قضية السودان المنكوب ، خصوصاً في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق . تقف كل مكونات الشعب السوداني وراء قادة الجبهة في كفاحهم النبيل في داخل السودان ، وكذلك في الخارج للتعريف بالمشكلة وحث المجتمع الدولي للدعم والوقوف مع الحق وضد الباطل ، إنه كان زهوقاً . قادة الجبهة ، بدون إستثناء ، مواطنون غيورون على وطنهم وعلى قضيتهم النبيلة ويضحون بالنفس والنفيس في سبيل القضية ، ونشر السلام العادل والشامل والتحول الديمقراطي الكامل . هذه الملاحظات الواردة أدناه لا تمس القضية النبيلة ، ولا القادة النبلاء ؛ وإنما تحاول مراجعة بعض الإجراءات الإدارية التي صاحبت جولة الوفد ، والتعليق على بعض تداعيات ونتائج الجولة . وهي ملاحظات تقبل الخطأ والصواب ، ولا تدعي الإحاطة والصحة والشمولية ؛ وقد يكون نصيبها أجر المحاولة فقط لا غير ، رغم إنها ركزت على الصدقية والموضوعية . تشيد هذه الملاحظات بالبطل عبدالواحد النور ، الذي فجر هذا الأمر في البداية ؛ فقد أثبتت الحوادث صحة مواقفه في رفضه المتعنت لإتفاقية أبوجا ( 2006 ) ، ورفضه الممانع لإتفاقية الدوحة ( 2011 ) ، وثباته علي مبادئه رغم الضغوط الدولية والإقليمية الهائلة عليه ، مما جعل النازحين واللاجئين في معسكراتهم يعتبرونه رمز خلاصهم وأملهم المرتجى ويصرخون ليل نهار : الله واحد ... عبدالواحد . كما تشيد هذه الملاحظات بالدكتور جبريل ابراهيم ، فهو العقل المفكر والدينمو المحرك لمعظم اطروحات الجبهة السياسية ، لما يملكه من موسوعية فكرية ، ومرجعيات أخلاقية قرانية ، وبيان مبين . ثانياًُ : عاب بعض المعلقين على الوفد كثرة أعضائه ( أكثر من 10 ) ، وذكوريته ، وكون إعضائه كلهم من المسلمين في بئية أوروبية مسيحية بإمتياز . كان يمكن للوفد أن يتكون من ثلاثة أعضاء لا أكثر : رئيس الجبهة الفريق مالك عقار ، والقس مكرم ماكس قسيس وهو قس كاثوليكي من هيبان في جبال النوبة ، والقائدة الميدانية أم جيش وربما البطلة زينب كباشي رئيسة مؤتمر البجا . + كان القس مكرم قسيس ، بلباسه الرسولي ، وحتى بدون أن ينطق ، سوف يترك إنطباعاً حميداً لدي الشعب الأوربي وأغلبه من المسيحيين ، مما يجعل الرأي العام ينصت لما يقوله الوفد ، ويتفاعل مع أطروحاته ؛ ومما يُرغم قادة الدول المعنية ، في أعلى المستويات ، مقابلة الوفد ، والظهور الإعلامي في معيته . الأمر الذي حدث عكسه ، لسؤ الحظ . كان القس مكرم سوف يشرح للأوربيين ( بالفيديو والصور ) : كيف رمت طائرات الأنتونوف الحكومية القنابل العويرة على كنيسته في هيبان وحرقتها بمن فيها من المصلين ، وهم يحملون الأناجيل ويرددون تراتيل العهد الجديد . وكيف حرقت الطائرات العسكرية الحكومية القرى في منطقة برام في جبال النوبة منتصف نوفمبر الجاري . كيف تستخدم الحكومة التجويع والمجاعة كنوع من السلاح لمعاقبة المواطنين العزل ، خصوصاً المسيحيين وأصحاب الديانات الأفريقية . كيف تطرد الحكومة منظمات الاغاثة وتمنع وصول الاغاثات والأمصال والأدوية للنازحين فى مناطق الحرب في جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور . كان الأوربيون من عامة الشعب سوف يصدقون القس مكرم ، وهو يتكلم بلباسه الرسولي ، والصليب يتدلى من على صدره ، بصدق وموضوعية . كان المجتمع الأوروبي المسيحي والراي العام سوف يتفاعل مع كلامات القس مكرم ، مما يضطر الساسة ومتخذي القرار في الدول المعنية الإحتفاء بالوفد ودعمه في قضيته النبيلة . للأسف حدث العكس تماماً ، فقد تجاهل الساسة ومتخذو القرار الوفد وأطروحاته ، لأن الراي العام لم يتجاوب مع القضية ، ببساطة لان الإثارة الإعلامية كانت معدومة ، ولم تلق الوسائط الإعلامية بالاً للوفد ، بل تجاهلته تماماً . + كانت أم جيش القائدة الميدانية سوف تحدث الرأي العام الأوروبي عن الإغتصابات الجماعية الممنهجة واليومية التي ترتكبها مليشيات النظام ضد الفتيات البواكر والطفلات . ينفر الرأي العام الأوروبي من جريمة الإغتصاب أكثر من نفوره من جريمة القتل ، خصوصاً المنظمات النسوية عالية الصوت في أوروبا . كان الرأي العام الأوروبي سوف يتفاعل مع أطروحات أم جيش وهي تندد بجرائم الإغتصابات الجماعية ، وسوف يصدقها لأنها أم تعرف كيف تعبر عن معاناة طفلاتها . للأسف لم يركز الوفد على الرأي العام ( المبتدأ والخبر ) ، وعلى الوسائط الإعلامية ( قطب الرحى ) ، وإنما حصر مقابلاته في الغرف المغلقة مع موظفي الخدمة المدنية في وزارات الخارجية في الدول المعنية ، والذين لا يملكون من أمرهم شيئاً . كانت أم جيش بحديثها ، وهي أنثى ، عن الإغتصابات الجماعية سوف تعبي الرأي العام الأوروبي ، وتحشد الدعم للقضية . وهذا للأسف ما لم يحدث ، بل على العكس تجاهل الرأي العام الوفد تجاهلاً كاملاً وشاملاً ، وبالتالي تجاهلته الوسائط الإعلامية ، والساسة ومتخذو القرار . ثالثا ً : حسب دستور الإتحاد الاوروبي ، فان السياسة الخارجية لدول الإتحاد لا تختلف من دولة إلى أخري ، فالمرجعيات واحدة ، والإستراتيجيات واحدة ، وحتى التكتيكات واحدة ، والفرق إن كان فرق ففي الكم وليس النوع ... في مدي تدخل دولة تدخلاً سافراً في قضية خارجية معينة بفعالية أكثر من الدول الأوروبية الأخرى ، كما حدث في نموذج التدخل الفرنسي في شمال مالي . والأمر هكذا ، وهو كذلك ، فلم يكن من داع لزيارة 6 دول اوروبية تتبع كل واحدة منها نفس الأستراتيجيات في السياسة الخارجية التي تتبعها الدول الأخرى . كان يكفي زيارة الأتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي وربما دولة فرنسا والمملكة المتحدة . رابعاً : للأسباب المذكورة أعلاه وغيرها، كانت مقابلات الوفد مع موظفين خدمة مدنية في وزارات الخارجية في الدول المعنية والأتحاد الأوروبي ممن سمعوا لكلامات الوفد، وشجعوهم على تبني الخيار السلمي ... وبس . مثلا : في الأتحاد الأوروبي لم يقابل الوفد رئيس المفوضية ( بدرجة رئيس وزراء ) الذي يقابل الوفود السورية والليبية وغيرها من الوفود الزائرة لمبنى الإتحاد . لم يقابل الوفد أي مفوض ( بدرجة وزير ) ، ولا نائب مفوض في مفوضيات الأتحاد المتعددة ، ولا حتى نائب مفوض مفوضية حقوق الأنسان . وثالثة الأثافي ، إن السفير الكسندر روندوس مبعوث الاتحاد الأوربي الخاص بالقرن الأفريقي ودولتي السودان الذي تم تعيينه هذا الشهر في محل السفيرة المتقاعدة روزاليند مارسند والذي كان في مبني الأتحاد وقت زيارة الوفد ، لم يجد الوقت لمقابلة الوفد . قابل الوفد بعض موظفي الخدمة المدنية في دائرة ( القرن الأفريقي ودولتي السودان ) ، أحدي دوائر مفوضية الشئون الخارجية في الإتحاد ، الذين أستمعوا لأطروحات الوفد ؛ وحسب البيان الصادر من الجبهة لم يزيدوا على أن طلبوا من الجبهة ( المزيد من الافكار الخاصة بعملية السلام ) . خامساً: ركز الوفد في تنويره للدول الأوربية والأتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على أن الجبهة الثورية : + تسعي للحل السلمي الشامل للمشكلة السودانية ، ليس فقط في دارفور والمنطقتين ، وإنما لكل السودان ، بعيداُ عن التجزئة والثنائية . + تدعو الجبهة للاحتجاجات السلمیة والتظاهر السلمي ( بعیًدا عن كل أشكال العنف ) . + لا تستبعد الجبهة الحوار مع نظام الخرطوم بصدد الوصول إلى تسوية سياسية عادلة ومقبولة لكل الأطراف . + تركز الجبهة على كیف يُحكم السودان، و لیس ( من ) يحكم السودان. + تركز الجبهة على خلق آلیة جديدة لاقتسام السلطة والثروة ( بین جمیع أبناء البلد ) . سمع الموظفون المدنيون في وزارات الخارجية في الدول الاوروبية المُزارة وفي الإتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي بطرب بالغ لأطروحات الجبهة الثورية السلمية ، والتي تصب في نهر السياسة العامة لدول الإتحاد الأوروبي . تسآلت السفيرة الأوروبية المتقاعدة روزاليند مارسند مستغربة : صار طرح الجبهة الثورية مطابقاً لطرح حزب الأمة في ميثاق النظام الجديد حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة . إذن لماذ أمر الفريق مالك عقار السيد الإمام بتقديم طلب ممهور بإمضائه حتى ينظر في أمر لقائه ؟ ثم وفجأة في يوم الأحد 17 نوفمبر 2013 ، والوفد في تجواله الأوروبي وكلاماته عن السلام والحل السلمي لا تزال رطبة وندية ، شنت قوات الجبهة هجوماً على مدينة ابوزبد في شمال كردفان ، مات فيه العشرات وجُرح المئات ، ودُمرت البنية التحتية وهي بعد هشة . لم يدم الهجوم أكثر من 8 ساعات ، وصلت بعدها إلى أبوزبد مليشيات جنجودية عاثت فساداً ونهباً وترويعاً للمواطنين . إختلط الحابل بالنابل ، ولم يعرف الناس من دمر ماذا ؟ ومن قتل من ؟ ومن حرق ماذا ، ومن نهب ماذا ؟ ... قوات الجبهة أم قوات الجنجويد ؟ بعد هجوم أبوزبد ، ردد لسان حال الأوربيين لوفد الجبهة : أسمع كلامك أصدقك ! أشوف عمايلك ، أتعجب ؟ نسفت ابو زبد مصداقية الوفد من جذورها . في الشكل ، وفي المضمون أيضاً ، فهم الجانب الأوروبي من كلامات قادة وفد الجبهة بأن مكان صرف كلاماتهم لا يتجاوز الغرف المغلقة التي تُعقد فيها الإجتماعات المشتركة . وتصرف الأوربيون بناءً على هذا الفهم ، وكل ابوزبد وأنتم بخير . زبدت ابوزبد ، وملأ زبدها القضية النبيلة التي ينافح عنها قادة الوفد . ذهبت القضية مع زبد ابو زبد جفاءً ، ولم يمكث في الأرض غير قبض الريح ونهر من السراب ؟ بعض الأسئلة المشروعة : + هل كانت ابوزبد نتيجة لعدم التنسيق بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية ؟ + أم لعدم سماع القيادة العسكرية لتوجيهات القيادة السياسية ، فصارت عائرة ، وكل من هب ودب في الميدان يمكن أن يديها سوط ؟ + هل حدثت ابوزبد لأن قوات الجبهة ارادت أن تستبق هجوماً للقوات الحكومية ضد مواقعها ، فتغدت بها قبل أن تترك لها فرصة للعشاء بها ، كما يتذاكى البعض قي غير ذكاء ؟ + أم إن قوات الجبهة إحتاجت لمؤن من طعام وبترول ومال ، فلم تتورع من دخول ابو زبد للتزود القهري والرجوع إلى قواعدها ؟ لا تزال هذه الأسئلة وغيرها معلقة في الهواء ، ولكن وما دمنا بصدد الحديث عن جولة اوروبا ، فقد نجحت ابو زبد نجاحاً باهراً في تصفير نتائج الجولة على تواضعها ... وصراع الرجال متنى ؟ أي يلزم قادة الجبهة القيام بجولة أوروبية ثانية لتأهيل ما دمرته ابو زبد ؟ وحتى الجولة الأوربية القادمة ردد البعض ممن وصلهم زبد أبو زبد : عادي في الزبادي ! أما عنقالية جرجيرة ، فقد رددت الآية 92 في سورة النحل ، في حسرة وإحباط : وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ، تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ، أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ ، إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ ، وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ . سادساً : كان من المفروض أن تبدأ الجولة بلندن وتنتهي بها ، كون لندن الحاكم الفعلي للسودان لمدة أكثر من نصف قرن ( 1899 – 1956 ) . وبالتالي تعرف آلام وآمال السودانيين أكثر من غيرها من المحطات الأوروبية كما إن حتى عنقالية جرجيرة تعرف ، وتمام المعرفة ، إن مفتاح الصندوق الأوروبي في جيب اوباما . وعليه تحسن الجبهة صُنعاً بأن تزور واشنطون ، حيث المفتاح للصندوق الأوروبي ، والدولي ، والإقليمي والصندوق السوداني ، وقبل أن يسرقه الدودو ؟ ونتمني أن نرى القس مكرم بلباسه الرسولي وأم جيش وزينب كباشي في الوفد الزائر لواشنطون . سابعاً : جولة أوروبا خلقت جو مصالحات وتوافقات وطنية ، لتقوية الجبهة الوطنية . تعرف الجبهة أنه لا إسقاط لنظام الإنقاذ بدون المشاركة الفاعلة لجماهير الأنصار وحزب الأمة ( 44 % من مقاعد أخر برلمان ديمقراطي في عام 1986 كانت من نصيب حزب الأمة ) . ثم إن تصريحات الوفد في أوروبا بخصوص الحل السلمي للمسألة السودانية ، والحوار مع نظام الإنقاذ كمكمل للإنتفاضة الشعبية السلمية هي نفس شربوت حزب الأمة ( ميثاق النظام الجديد ) تم صبه في كنتوش الجبهة الثورية . وعليه تحسن الجبهة الثورية صُنعاً بإحياء لقاء كمبالا ( ربما في لندن هذه المرة ) مع حزب الأمة للإتفاق على ميثاق ( النظام الجديد ) ، وحتى يكون حزب الأمة ضمن وفد الجبهة لواشنطون . عندما يتفق حزب الأمة والجبهة الثورية على ميثاق النظام الجديد فسوف يبدأ نظام الخرطوم في بل رأسه ، ويعرف أن الساعة قد بدأت في التتكان ، وإن الموضوع صار ( جد جد ) وليس ( هظار ) كما في مزحة ال ( 100 يوم ) ؟ فحزب الأمة لا يعرف الهظار ؟ عندها يؤذن مؤذن مردداً الآية 2 في سورة الحج : يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد . نواصل في الحلقة الثالثة ...