أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    إلى متى يرقص البرهان على رؤوس هذه الأفاعي كلها؟!    "الدعم السريع" تبسط سيطرتها الكاملة على قاعدة الشفرليت العسكرية    الجيش الشعبي يحرر (الدشول) الاستراتيجية بجنوب كردفان    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    البروفيسور الهادي آدم يتفقد مباني جامعة النيلين    عودة الحياة لاستاد عطبرة    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل (4): ملحمة سبتمبر 2013 وما بعد ذلك .. بقلم: د. عبدالله جلاب
نشر في سودانيل يوم 02 - 12 - 2013

تزداد يوما بعد يوم المساهمات الفكرية والسياسية والصحفية الساعية لتقويم الموقف السياسي وما يتفاعل فيه من تطور في إطار العمل المشترك لجموع السودانيين من اجل اسقاط النظام. تجهد وتجتهد او تذهب بعض هذه المساهمات الى النظر للأمر في تكامله دون خوف او وجل من ان تتطرق لتقويم الى اين تقف حركة التغيير من الوصول الى مبتغاها. في ذات الوقت لاتزال الهزات الارتجاجية اللاحقة لزلزال سبتمبر تتواتر لتفعل ما تفعل في بنيان الاسلاموية المثلث الأضلاع الذي يعتقد ان النظام والدولة والدين وحدة واحدة لا تنفصم. وعلى الرغم من الفصل البين بين الدين والدولة في ظل النظام القائم والذي جعل من جهازالدولة قائما بالعنف ضد المواطنين وفاعلا بالتمكين وتسهيل وحماية الفساد لأهل النظام الا ان ذلك الدمج لم يق لاالنظام ولا الحزب ولا الدولة التي يقوم عليها هذا البنيان لا من التصدع وانما من الانهيار الكامل. لذا لم يبق من النظام الا حشاشة من فاعلية جهاز الدولة في البطش. في ذات الوقت ظلت الجماعة الاسلاموية على ما قامت علية كجماعة مغلقة مستقلة بذاتها عن كل ما سواها وماحولها من وجود سياسي واجتماعي وديني وتاريخي. لذلك نرى أمامنا تجربة غاية في الأهمية في كيف تتصدع الاسلاموية وتتشظى دون ان نرى تغييرا يذكر في المرتكزات التي قامت عليها ودون كبير تأمل في ما لحق بالبلاد ومواطنيها من هول تلك التجربة في الحكم. فالانفصال هنا شبه بانفصال الأميبيا كل يظل محتفظا بذات مكونه الأساسي. ونرى في ذاته الوقت كيف تتحول الأورام الخبيثة للجماعة المغلقة تلك الى استثمار الولاءات الأكثر انغلاقا كالقبيلة والأسرة او اتفق معظم السودانيين بنعته بالعصابة. ولعل من المسائل الجديرة بالدراسة كيف برزت في إطار هذه الأورام الخبيثة أسرة حاكمة وكيف أخذت تتحلق حول مجراتها كواكب أسرية اخرى متنافسة ومتطاحنة سراً وجهرا. كما نرى تصاعد دور النساء في تماسك وتصدع تلك المجرة وافول بعض كواكبها السيارة.
هذا وان مما لا شك فيه ان القناعة المشتركة بين القطاعات الواسعة من أبناء وبنات الشعب السوداني هي ان التغيير الاجتماعي في السودان ومن اجل مستقبل جديد لسودان جديد يبدأ بإسقاط النظام القائم ولا ينتهي بذلك. اذ ان اسقاط النظام شئ وتغيير النظام شيئ اخر. الا ان لا سبيل لتحقيق الثاني الا بتمام ونجاح الاول. غير ان كل خطوة في هذا الاتجاه هامة جداً لذاتها ولما نتج منها من نتائج. ولذلك اصبح من الضروري ان يقف بعض او كل العاملين في حركة التغيير الاجتماعي من وقت لآخر للتأمل والتفكر والتفاكر بشان ما تم. وان ويسألوا انفسهم عن وكيف تم ما تم ؟ وهل حقق اي من أهدافه في مجال ذلك التغيير المنشود: بمعنى واحد الا وهو اين نحن من اسقاط النظام وكيف لهذه القوى ان تعيد الكرة وان تعدالعدة من اجل اسقاط وتغيير النظام. هذا فان مبتقى حركة التغيير وهدفها الأسمى من اجل اسقاط النظام قد ياتي وقد لا ياتي بضربة لازب وقد ياتي على درجات. ولنا كشعب سوداني تجاربنا التي يعتد بها في اي من تلك الحالات. وحتى النظام الحالي والذي قام أمره على العنف منذ يومه الاول قد ظل يتراجع ويتأكل من الداخل والخارج من جراء عوامل متعددة على رأسها حصار قوى وحراك حركة التغيير الاجتماعي في أشكالها المتعددة من النكتة والسخرية الى الكتابة والخطابة والتظاهر وحمل السلاح. وبالطبع لا يكفي اعتراف اهل النظام انفسهم بان ايديلوجيتهم قد ذهبت ادراج الرياح وان برنامجهم ونهجهم في الحكم قد عاد بالوبال عليهم فتفرقوا أيدي سبا بأسهم بينهم لشديد. اذ ان الكل يعرف ان النظام لا تقوم حياته ومنذ وقت طويل الا على قوة مؤسسات القمع في الدولة التي مكن لها النظام من أدوات وأساليب ووحدات تدربت على البطش في أشكاله المتعددة. ومن ذلك وبذلك ايضا تطور ما مكن به النظام لأفراده من اجل التمكين والكسب الحرام. لذلك ومن واقع تدهور أصبحت الدولة هي الحارس الاول لكل أشكال وأنواع الفساد. لم تسلم من ذلك حتى مواد الإغاثة التي تبرع بها البعض من اجل المتضررين بالميول والأمطار. في ذات الوقت تتواتر وتتنوع أشكال وأساليب مقاومة النظام من اجل إسقاطه. ولذا ومن ثم ولابد من مثل هذه الوقفات والمساهمات التي تتواتر الان من اجل تبادل مفتوح على الهواء السوداني الطلق من اجل التواصل والتعاضد والتفكير والتفاكر حول ما سيأتي وكيف له ان ياتي.
بادئ ذي بدء لابد من الوقوف والتمعن في وجوه الظاهرة التي أمامنا والتي تجلت بعضها ابان ملحمة سبتمبر المجيدة. قد يكون من اهم وجوه تلك الظاهرة انه ليس عن طريق الصدفة ان تجمع حركة التغيير والعمل على اسقاط النظام فيما جمعت من قدمتهم ثورة اكتوبر 1964من جماعات الثورة والثورة المضادة مع من ألهمتهم ثورة اكتوبر كجيل أكتوبري اعتباري وجد في روح اكتوبر ما يلهم من اجل سودان جديد. ولعل اهم ما يجمع ما بين هؤلاء وأولئك واهم ما يفصل بين هؤلاء وآخرين هو اين يقف اي من هؤلاء وأولئك من قضية التغيير الاجتماعي والتي تمر بداية بمحطة اسقاط النظام ولا تنتهي عندها. وأن كانت الحركة السياسية السودانية والجهات الدارسة لحركة التغيير في السودان قد وصلت الى نتائج هامة حول مجالات التواصل بين قوى الثورة المضادة منذ اكتوبر 1964 وممارساتهم المتناغمة مع بعضها البعض حين المنعرجات الكبرى في مجال حركة التغيير الا ان تطور حركة منازلة النظام القائم قد أتت بنتائج هامة جداً. اول هذه النتائج هو ذلك الانفصام الواضح بين قطاعات كبيرة وهامة من قطاعات الهامش الجغرافي تحديدا من الأحزاب القائمة وخاصة الحزبين الكبيرين والحركة الاسلاموية. لقد وجدت تلك القطاعات لأنفسها تكوينات سياسية جديدة بعيدة ومناوئة للنظام القائم وبعيدة في ذات الوقت من أحزابهم القديمة. في ذات الوقت نرى كيف يتطور التململ والضيق الشديدين الذين عما قواعد تلك الأحزاب بل الأحزاب جميعا وظهرت أشكاله المناهضة لتوجهات القيادات التي يمكن ان يطلق عليها لفظ القيادات الازلية. وقد يذهب البعض بان مالات تلك التطورات خاصة فيما يمكن ان يرد في إطار اسقاط النظام ومن ثم وتغيير النظام هو المقروء لكل من يحسن القراءة. لعل ذلك هو الذي يدفع ببعض تلك القيادات في التقارب مع النظام باعتبار التقارب ببن كل تيارات الثورة المضادة ضد حركة التحرر بين الحين والآخر. يضاف الى ذلك فقد يكون في الاعتبار ان يمكن ان ياتي به اسقاط النظام اقل نفعاً من الحاضر بذلك يصبح المتعشي افضل حالا من الحاري. ومن كل هذا ولذا وفي هذا المجال لابد ان ننظر بعين الاعتبار الى الحقائق الآتية:
(1) نظام القتل والقمع والحبس الممنهج الذي تم في ايام ملحمة سبتمبر المجيدة والذي كان ضحيته الآلاف من المواطنين المواطنات العزل ما بين قتيل وجريح لم يكن حالة خاصة وإنما هو امتداد لذات النظام الذي انتهجه الاسلامويون من اليوم الاول في بيوت الأشباح والذي كان اول ضحاياه مواطنين لا ذنب لهم غير انتمائهم لتنظيمات مشروعة تنشد التغيير الاجتماعي او عدم انتمائهم ايضا. هنا ترد اعداد كثيرة على مدى تاريخ حكم الاسلامويين من أمثال د. علي فضل ود. مأمون حسين ومن ضباط وطلاب لا يسع المجال لذكرهم ومن غير هؤلاء وأولئك من أمثال مجدي محجوب محمد احمد وجرجس قسيس واركانجلو. ومن ثم أخذت شهوة القتل تتمدد لتشمل مواطنين في جنوب البلاد وشباب يساق بالقوة لتزهق أرواحه في ميادين قتال لم يعد له ولم يوافق على أهدافه ومراقيه أصلا في جنوب البلاد. ولعل اكبر ما يعبر عن هذه الشهوة الطاغية في قتل الانسان هو ما ابتدعه الاسلامويون من احتفال نجومهم واعلى قياداتهم بموت الانسان والمواطن السوداني. فقد ابتدع وظل نجوم الاسلاموين يحتفلون بموت الذين دمغوهم في ما بعد "بانهم ماتوا فطائس" في ما أسموه بعرس الشهيد. وهكذا تتمدد دائرة القتل الشريرة وشهوة القتل التي لا تشبع على مدي ربع قرن من الزمان لتنتج أساليب جديدة ومتنوعة لإبادة المواطنين مثل انواع وأشكال حنجويد الحضر والريف وإذكاء نار الفتن والحروبات بين الجماعات التي ظلت متألفة على مدي زمان طويل. ومن كل ذلك وبذلك تحول النظام وفق منهج الحكم ذلك وعن طريق العنف الى اداة قتل جماعي وتشريد كبير المواطنين في دارفور وجبال النوبة وشرق وكل السودان.
وان كان دم المواطن السوداني لا يتجزأ وان حرية هذا المواطن لا تتجزأ هي الاخرى الا ان احد الدروس المستفادة مما حدث في المرحلة الاخيرة هو ان أسلوب النضال السلمي ضد هذا النظام لا يقل تكلفة من أسلوب الكفاح المسلح او حتى عدم المبادرة او المجاهرة برأي ضد النظام. فالذين قتلوا بآلاف والذين شردوا والذين ولدوا في الملاجئ والشتات لم يرفعوا كلمة او عصى ضد النظام. لذلك فان جريمة القتل الجماعية التي يقوم بها النظام لم ولن تقف في حدود دارفور بل انها انتظمت دار فور وكل السودان. وان تم ذلك بوتائر وأساليب مختلفة وخسائر غير متساوية الا ان النتيجة النهائية واحدة وهى ان هذا النظام لا ولن يتم له البقاء الا بقتل السودانيين جميعا. ولعل اكبر دليل على ذلك هو ان هذا النظام وعلى مدى ربع قرن لم يتأسف او يترحم ولو عن عن طريق الخطأ على روح مواطن واحد أزهقت عن طريق منهجه في القتل. بل ظل يهدد بالمزيد من القتل مناسبة ودون مناسبة. بل ظل وفي مرات عديدة يعبر عن ندمه لعدم قتل هذا او ذاك من المواطنين. لذلك لا يمكن ان يكون هناك مجال لإصلاح هذا النظام من الداخل او من الخارج فقد صمم هذا النظام على ان لا يصلح او يصلح او يصلح.
وبقدر ما أن نيفاشا لم تنظر الى القضية الوطنية في تكاملها، فان مجلس الأمن ومن بعد محكمة العدل الدولية لم ينظر اي منهما الى قضية الإبادة التي هندس لها النظام ونفذها بأحكام من يومه الاول في تكاملها. لذلك ولابد من شحذ الذهن السوداني واستلهام التجربة والمعارف السودانية من اجل وضع الأسس الفكرية التي يقوم عليها برنامج تغيير النظام وبناء سودان جديد يقوم حقوق وواجبات المواطنة وكرامة الانسان. في ذات الوقت لقد حان الأوان لقانوني وسياسي ومثقفي السودان للتوافق حول مشروع موحد يسعى الى توسيع اختصاص محكمة العدل الدولية من اجل النظر في امر القتل الجماعي المنظم وعلى سبق الإصرار الذي ظل يقوم به نظام الانقاذ ضد المواطنين السودانيين في جميع أنحاء البلاد لا دارفور وحدها. اضافة الى ان ما قام به النظام في سبتمبر لا يختلف ان لم يكن اكثر بشاعة عن التهم التي يواجهها قادة كينيا امام المحكمة الجنائية عن القتل الجماعي الذي حدث في الانتخابات الكينية عام 2008.
(2) ان كانت اكتوبر الاولى هي المدخل لجيل جديد من السودانيين في دخول مجال الحياة العامة على اتساعها وهو جيل نرى بعض شيوخه يساهمون الان لا كرموز لروح اكتوبر فقط وانما كمنازلين لهذا النظام على مدى عمره. ولا شك انهم بذلك ينقلون اهم ما أتت به تجربة اكتوبر من اجل الحريات الى الفضاء السوداني الفسيح ولأجيالنا المتعاقبة بشكل قل ان نجده في تجارب الآخرين. وبذا نجد الان في اكتوبر المعنوية القادمة المدخل لجيل اجد من شباب السودان. وان ملامح هذا الجيل تتضح في الأشكال المختلفة الي اختارها ويختارها هذا الجيل في التعبير عن وجوده المقاوم للنظام. في إطار هذه الأشكال في التعبير نرى جليا الان الائتلاف والاختلاف في الفضاء النضالي ضد النظام. فكما نرى الاندفاع المناهض للنظام في الارض وفي العمل المسلح وفي المهجر نرى الاختلاف بين شباب هذا الجيل وقيادات العمل السياسي لمعظم الأحزاب. وقد يكون في تفسير تلك الظاهرة اضافة لما سلف قوله هنا بان تغيير النظام الذي لابد ان ياتي نتيجة لإسقاط النظام له ما بعده في تقويم تلك المنابر السياسية في عمومها ان لم يكن ميلاد منابر جديدة تعبر هي الاخرى عن انواع واشكال وآفاق التغيير القادم عن سودان جديد.
(3) ان توازن القوى الان لا يميل لصالح النظام على الرغم من اعتماد النظام كليا على استخدام القوة المفرطة في جميع الوجوه والمجالات. اذ ان الغضب السوداني العارم قد وحد قطاعات السودانيين بشكل لم يسبق له مثيل. وان هذا الغضب يعني ان لا تراجع عن العمل نحو اسقاط النظام. رغما عن ذلك لابد لنا ان ننتبه الى ان اهل النظام لا يقاتلون من اجل بقاء النظام فقط وانما من اجل حياتهم التي تهددها المخاطر أينما وكيفما حل مصير النظام. وحقيقة يجب علينا جميعا وخاصة الحركة المناهضة للنظام الانتقال دائرة الاستهانة بالإسلامويين التي ظلت تداوم على دمغهم بلقب الكيزان ومثل ذلك الحديث الذي ظل يراوح مكانه على مدى ربع قرن: من اين أتى هؤلاء الرجال؟. اذ ان الله لم يخلق جماعة او شعبا غير مختار. وان الرجال أولئك فقد حوت جماعاتهم على مدى عمر الانقاذ نساء وقبليات وأسر وفلوس. غير ان كل ذلك ما كان له ان يكون ذا اثر وخطر لولا تمرسه في خندق الدولة التي صممت على النهوض بالعنف منذ عهد ونجت والتي ظلت تتمادى في العنف على أيدي جماعة لم تعرف من وسيلة لبقائها غير العنف. الان علينا ان ندرك ونرى جليا كيف يمكن ان يتصرف العقل والجماعة المحاصرة. نعم ان الاسلاموية كفكرة او أيديولوجية قد ماتت وشبعت موتا. وأن النظام هو الاخر قد قضى. ولكن دولة العنف في مجال كرها وفرها لا تزال تنتج استراتيجيات وأساليب من اجل البقاء عن طريق فك الحصار المطبق ذلك. وان علينا ان نجد ونطور من استراتيجياتنا المناهضة في إطار الحملة القومية من اجل اسقاط النظام مناهضة ومنازلة لاستراتيجيات النظام المصممة أصلا من اجل إطالة عمره.
(4) ان حركة وخريطة ومناخ الحركة الساعية نحو التغيير عن طريق اسقاط النظام لا تزال تنتج. وفي إطار إنتاجها نرى تنامي صوت الهامش في تجلياته المسلحة وغير مسلحة. ونرى تمدد الهامش ذاته ليعم دوائر الفقر حول وفي داخل المدن ونرى هومش سودانية جديدة تنمو لا في ريف العالم وانما في قلب حضره. هنا ولعل ومن بعض ما أنتج ذلك الوجود المتميز لسودانيي الشتات في دوائر هوامشهم الجديدة وكفصيل أراد له عنف الانقاذ الممنهج وان يتكون ويتشكل في الخارج ذلك الانتشار النسبي الواسع على مدى العالم. وكعامل مشارك مع وحدات وجماعات وأفراد حركة التغيير الاجتماعي في تكاملها يتضح عمق وأهمية هذا الوجود. ونرى الان كيف يتفاعل هذا الفصيل المكون من الرجال والنساء والشباب ويرى ان اول الواجبات هي ان يستمع الجميع ويتفاعل مع صوت السودان الجديد المتمثل في العاملين عليه في الحركة الداعية للتغيير في الداخل وعلى الارض وفي الحركات الثورية لا كمجرد مستمعين وانما كشركاء في حركة النضال ضد النظام. وان يتفاعل الجميع وبقوة مبشرة بما توده الجماعة السودانية مجتمعة من بعضها البعض من اجل تغيير النظام. ومن ثم على الجميع ان يرسم برنامج مشاركة كل وأي وفق ما يراه كل شريك وجميع الشركاء في النضال المشترك في ما يمكن ان تقدمة الطاقة السودانية وإمكانيات الجماعة وما يراه جمع السودانيين في ما يمكن ان يتأتى به من أمال وآفاق هذا الوجود السوداني الجماعي.
نعم نحن اهل السودان لم نتحرر بعد. غير ان تحررنا ياتي عن طريق اسقاط النظام القائم ومن ثم تغيير النظام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.