محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    عقار يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم "امتحان الشهادة السودانية"    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    إنجاز قياسي.. مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي للمرة الرابعة توالياً    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    ضباط ينعون الشهيد محمد صديق إثر تصفيته في الأسر من قِبل مليشيا الدعم السريع    سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو حركة للبديل المتاح: البديل هو الثورة الثقافية الاجتماعية .. بقلم: عبد المؤمن إبراهيم أحمد
نشر في سودانيل يوم 05 - 01 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
تعود الكثير من المواطنين العاديين من أهل السودان الا يبذلوا أي جهد إجتماعي او ثقافي في إتجاه التغيير باعتبار أن كل تغيير لابد ان تقوم به الحكومة. وهذا الوضع جعل المجتمع ضعيفا ومنظمات المجتمع المدني ضعيفة، فالمواطنون غالباً لا يحتجون ولا يتذمرون لدى المسؤولين او يعبرون عن ذلك في الصحف لأنهم تربوا على الخوف من الحكومات وحتى الخوف من الدولة فبدلاً من أن تكون الدولة خادمة المواطن يوجد مفهوم سائد بأن المواطن هو خادم الدولة وهذا مفهوم معشعش في عقول المواطنين وفي عقول الكثير من المسؤولين. وتعود من بيدهم السلطة الا يقرؤا تذمر المواطنين. وحتى ولو قرؤه فهم غير مهمومين وغير مبالين بما يقوله المواطن العادي البسيط بسبب غياب واعز الضبط الذاتي ناهيك عن واعز الضبط القانوني. وعموماً تعتقد الحكومة ان كل احتجاج هو احتجاج سياسي واي نقد هو معارضة هدامة. كل هذا يعود لغياب الثقة بين الحكومة والمواطن وغياب التمييز بين الحكومة والدولة. حتى الحكومة غائب عنها هذا التمييز. إن الحكومة هي التي تدير الدولة والدولة هي المواطن أو بعضه. ولكن تغير هذا الوضع الآن بعد ثورات العرب وصارت الحكومة تحترم شعبها بعض الشيء وتخشى غضبته. ولكن للأسف يقول البعض ان هذا التغيير ليس نزولاً على الحق بقدر ما هو نزولاً عند حكم الضرورة وحفظ المقاعد. مهما كانت الأسباب نرجو أن يتواصل هذا الإحترام لعقول الشعب والإستماع لنصائح المعارضة.
الدعوة لمشروع إجتماعي سياسي جديد
ندعو الدولة والمواطن وجميع الأحزاب السياسية إلى تبني مشروع تجمع قوى الحداثة والتغيير الذي يبني الثقة بين الدولة والمواطن ويميز بين الحكومة والدولة. ندعو لحركة تقوى وحب للصالح العام وخدمة الناس والغيرية وحرب على الأنانية السياسية او العرقية او الثقافية او القبلية او الجهوية. إنها حركة سلمية داخلية وخارجية من اجل تجديد البناء الإجتماعي.
إن عقيدة الحب فوق عقيدة القانون وحب الوطن يعلوا على كل حب ولاهوت الحب او اللاهوت البديل او هو تحرير اللاهوت من قبضة الدولة والمتشددين فيما يعادل لاهوت التحرير هو الذي ينبغي أن يسود بين الناس ومن لا يحب الناس والآخر لا يحب الله. إن عقيدة التقوى القلبية القائمة على حب الله وحب الوطن هي السيدة على القانون لأن كل باطن سيد على الظاهر وسلطان الظاهر ظاهر وقاهر في اللحظة ولكن سلطان الباطن خفي وقاهر على المدى الطويل. حركة تقوى هي حركة للتغيير الداخلي في نفوس ووعي المواطن السوداني.
بهذا ندعو إلى حركة إجتماعية خدمية، حركة للبديل الجمعي الموحد الذي يلتقي حوله كل الأطراف على مبدأ المواطنة والغيرية وخدمة العام لكي نخلق قيادة اجتماعية وثقافية وسياسية جديدة تكون ملتزمة في التشديد والتعويد على الغيرية والضبط والتجويد والتدقيق وعلو الهمة والتسامي.
وكل السياسات محلية لا توجد سياسة عالمية تصلح لجميع المحليات. فالمحلية هي مركز العمل السياسي ومحل التغيير وتبدأ من افراد عاديين في بيوتهم وأماكن عملهم ومدارسهم او جامعاتهم واماكن عبادتهم. تبدأ بالفرد والأسرة والمجتمع المحلي (المحلية) والشارع والحي والمدرسة او الكلية والقرية أو المدينة إلى ان يصل إلى قمة الدولة وينداح على كل العالم.
التغيير يبدأ من أصغر وحدة مثل حل مشاكل الكهرباء، المياه، الصحة، التعليم، صحة البيئة، البعوض، الأوساخ، ورصف الطرق ولفت إنتباه الدولة والمسؤولين لمشاكل المواطن الحقيقية. التغيير يبدأ بترسيخ مفهوم الجد في العمل والرغبة، مثلاً في التوفير لدى الفرد والأسرة ومساعدة الجار والآخر او دفع العوائد والضرائب والرسوم مع محاربة الفساد فيها ومقاومته بما في ذلك الرسوم التعسفية مثلاً – النظافة وحماية البيئة وتنظيف الشوراع وقاعات الدرس وتنسيق ورعاية الحدائق بما في ذلك التعاون مع اللجنة الشعبية والمحلية. ويمكن لهذا العمل والتنظيم أن يرتفع ليصير برلماناً يكون بديلاً للبرلمانات الحكومية (برلمانات تابعة للحكومة) التي يئس الناس من أن تتخذ أي قرار شجاع لا يسر الحكومة وخير مثال لها في الزائلين حالة مصر وتونس.
كل مواطن مسؤول عن واقعه ثم بعد ذلك تأتي مسؤولية الدولة ثم الحكومة. هذه المسؤولية والقيام بها يحرك دائرة العلاقة بين الحكومة والمعارضة والمواطن لتدور في مصلحة المواطن وحسب حاجته بدلاً من أن تدور في دائرة ملأ الكراسي وإستبدال الحكام. نحن بحاجة لتبديل أساليب الحكم وإدارة الدولة أكثر من حاجتنا لتبديل الحكام. نحن بحاجة للتغيير الداخلي الفردي أكثر من تغيير الحكومات نحن نحتاج لكي نتعلم المسؤولية عما حولك وعن كل ما يليك في البيت او في الشارع او في المدرسة والجامعة او في مكان العمل. وبالمسؤولية ينسحب البساط من الحكومة والمعارضة من المتاجرة بمصلحة المواطن ويتحول الوضع إلى مسؤولية تقع على كاهل الحكومة والمعارضة على حد سواء . عندها يكون صاحب السلعة مسؤول ومشرف على سلعته. الدولة ليست شيئاً آخر بعيد عنك كمواطن وانما الدولة هي أنا وأنت. وحكامنا وان فسدوا وإن ظلموا فهم نتاج لمجتمعنا. عليه نحن قلقون جداً حول مسألة البديل ليس يأساً في التغيير وإنما حرصاً على نجاحه وديمومته، وعليه يكون بالضرورة الإهتمام بالتغيير الإجتماعي مهم بقدر الإهتمام بتغيير الحكومات. وفي حقيقة الأمر لو حدث التغيير الإجتماعي ستتغير الدولة وتتغير الحكومات بصورة طبيعية لأننا نكون قد جففنا المنابع والمناهج التي يأتي منها وعبرها الحكام أو الاداريون أو المسؤولون الفاسدون او الظالمون – ظالمو انفسهم وظالمو الناس.
تكوين حكومة الحي البديلة او حكومة الشارع وحتى حكومة المربع او حكومة الكلية في ما يشبه عمل الروابط. تلك حكومات ظل تكون مسؤولة قبل حكومة الشمس العامة. الحكومة التي ندعو لها هي حكومة غير حكومية (NGG). حكومة شعبية أهلية تقوم مقام الناصح ومقام البرلمان المحلي المهموم بمصالح المواطن العادي البسيط.
حكومة الشارع، حكومة الحي، حكومة المحلية، حكومة المدرسة او الكلية حكومة الولاية حكومات ظل تدعم وتصحح حكومة الشمس. هي حكومة تهتم بحاجات المواطن المباشرة مثل التعليم المحلي – رياض الأطفال والإبتدائي. حتى تعليم الكلام والآداب والتربية الوطنية وفن المخاطبة واللباقة حتى تعليمهم كيفية عبور الشارع.
انها حركة سلمية مدنية اجتماعية ثقافية سياسية لا تسعى للسلطة والحكم وإنما تسعى لترشيد السلطة وترشيد الحكم بتقديم بدائل منهجية وعملية في السياسة والإقتصاد والإجتماع والثقافة. إنها حركة تقدم البديل الأصيل الذي يؤسس لإحداث نهضة على مستوى القاعدة الشعبية إلى القمة، حركة تمد الجذور والجسور. تمد جذورها لأصلها الثقافي السوداني الأصيل وتمد جسورها لتتواصل مع الآخر محلياً وعالمياً لتقدم:
مناهج الحكم البديلة
مناهج الإقتصاد البديلة
الحكومات البديلة
السياسات البديلة
مشاكل متعلقة بالدولة والمعارضة والمواطن
من مشاكل الدولة ترهل جهاز الدولة بسبب سياسات الحكومة الإرضائية. إنشغال جهاز الدولة بالسياسة والتي طغت على كل إستراتيجية وعلى كل خطة إقتصادية او إجتماعية أو تنموية وعلى كل برنامج. فالحكومة للأسف لا تحرك حجراً إلا لأهداف سياسية او لمصلحة أفراد بعينهم، فقد مضى عهد الإستراتيجيات المحكمة والحاكمة ونعيش حالة من الإرتجال. لقد موهت وزيفت السياسة كل تلك الخطط بسبب السعي للكسب السياسي السريع. كل ذلك سببه إنشغال جهاز الدولة ووقوعه فريسة للمشاريع السياسية الإرتجالية وبسبب وقوع الحكومة تحت ضغط القوى المعارضة التي تنافسها في ولاء المواطن.
المؤسف هو انه لو لم تكن هناك معارضة لما انشغلت الحكومة بولاء المواطن وهنا تكمن المفارقة. فالمواطن والدولة والمعارضة واقعون في حلقة دفع دائرية غير سليمة قابلة للكسر وأضعف حلقة هذه الدائرة هي المواطن. وهذا الدفع الإلهي سنة في هذا العالم الذي تختل فيه الموازين. علينا ان نعمل لإعادة التوازن لهذه المعادلة بجعل المواطن ومصلحته جزء حقيقي فاعل في هذه الحلقة عبر المبادرات الأهليه والدعوة لها ومتابعتها ومواصلتها والصبر عليها حتى تصل إلى غاياتها وذلك عبر التوعية والمعرفة وممارسة التغيير لذاتك اولاً ثم بتحسين البيئة من حولك وتقديم النموذج الصالح والصبر عليه وان خالفك الناس وإن استخفوا بك وبقولك وبعملك وإن ظنوه مثالية مفرطة فكل فكرة غيرت العالم بدأت كفكرة مثالية سرعان ما ولدت لها حواس وأيد وأرجل. فلنبدأ بأنفسنا ومشوار الميل يبدأ بخطوة واحدة. لنبدأ ببناء دولة السلام والحق في نفوسنا لكي نبني دولة الله في الخارج. وخير مثال للعمل المفيد جمعية حماية البيئة وجمعية حماية المستهلك ويمكن أن تنشأ جمعيات على هذا النمط حتى نصير لخلق شبكة من برلمان ظل يكون بالغ الفعالية في ضبط عمل الدولة وعمل الحكومة. برلمان يعلم الحكومة والدولة بفائدة التواضع الصعب للحقيقة والنقد الذاتي المر الذي هو الدواء المر للفساد والإنحراف.
التأصيل للمشروع روحياً وفكرياً
دولة الله هي دولة بلا حدود" دولة يكون افرادها مثل الماء والهواء يحملون الحياة لكل الناس بلا تمييز ويخدمون الناس بلا تمييز. ما ينقص العالم عبر التاريخ هو ذلك النوع من البشر، البشر المائيين والبشر الهوائيين الذين بهم تلتئم الجروح وتندمل وبهم تزول الآلام وبهم تردم كل فجوة وكل هوة وتنظف الأوساخ وتزال الحواجز وتعبد الطرق بين الأفراد والأمم، ومثل هؤلاء لا نجدهم في عالم الإسلام إلا عند الكثير من المتصوفة والقليل من أتقياء السلفية، وهؤلاء الطيبون مهمشون كلياً بواسطة حفنة من الإنتهازيين والوصوليين. مثل هؤلاء الأفراد (الطيبون) يكونون أمة. هم الذين يألفون ويؤلفون و يتلونون بأي لون ويتشكلون بأي شكل ليفوا بحاجات البشر. اولئك كل فرد منهم أمة. أولئك هم شعب الله المختار الجدد، الباذلين نفوسهم من اجل الناس المحاكين للسماء حالة كونهم ربانيين متخطين لكل ملة ولكل امة ولكل ثقافة وحدود. اولئك هم من يرثون الأرض بأنهم خلفاء الله في الأرض. بهم تقوم دولة تبدأ بأفراد من امة ومن كل حدب وصوب يتداعون، يتواصون على الحق ويتواصون على الصبر. يعكسون اتجاه الوعي البشري من الأنانية إلى الغيرية وبذلك يحدث الإنقلاب الكبير في وعي البشر وتقوم قيامتهم لله رب العالمين وتبعث ارواحهم واجسادهم. اولئك هم وجه الله الباقي لأنهم هم الحق المستخلف في الأرض. اولئك هم ثمرة أمة تدعو للخير وتأمر بالمعروف، وبالتي هي أحسن وبالتربية والتعليم والإرشاد والقدوة الحسنة وليس بالعنف. هم قوم يضحون بمصالحهم الخاصة من اجل مصلحة الكل ما استطاعوا لذلك سبيلا. ذلك هو المعيار، وعلى كل إنسان ان يقيس نفسه عليه ليعرف اين يقف. وهذا الأمر لا يمكن ان يقوم به كل الناس ولكن هنالك من انتدبهم الله لهذا الأمر وهم موجودون في كل جيل وفي كل أمة. كل المطلوب هو ان يلتقوا وان يتنظموا ويعملوا كجماعة من اجل خير امتهم وشعوبهم ومحلياتهم حيثما كانوا وحيثما حلوا.
دولة الحق ليست دولة سياسية وإنما لها سياسة من نوع آخر عكس اتجاه السياسة الحالية. انها دولة تقوى وفكر وعمل.
هذا مشروع لإنسان المستقبل نقدمه كمقترح مفتوح يبني عليه البشر جيلاً بعد جيل. نبدأ من حيث إنتهى القرءان الكريم في آخر ثلاث سور، حيث أجمل مشكلة الوجود كله وسيرورته من الصمدية للفلقية ثم التعددية، أي بالأحدية والثنائية والكثرة التي اجملت في اواخر القرءان. هذه السيرورة من الأحدية للتعددية تفلتت بدخول الشر وتعدد الرؤى التصادمي بعصيان ما يعرف بالشيطان في المشروع الإلهي ولإستيلائه على البشر في تمرده الشهير وتخلله لوعيهم وبه صاروا لا يتواضعون لحق ولا يتحملون نقداً. ونتج عن كل ذلك توجه وعي البشر في الإتجاه المعاكس من الآخر للذات مما تسبب في التفاف وعي البشر حول النفس مثل التفاف الثوب حول مركزه مما ادى الى شد نفسي اليم وتمزق الوعي وتمزق وجود البشر فيما يشبه الجحيم والعذاب. وأدى ذلك لألا يكون أكثر من في الأرض ولو حرصت بمؤمنين، بل أكثرهم يضل عن سبيل الحق "بنص القرءان". ونتج عن ذلك الوضع ضرورة الديمقراطية والشورى بسبب عدم يقينية أن يكون الحق مع الغالبية السائدة ولحماية حق الأقلية والتي ربما يكون الحق معها وإن لم تكن هي السائدة. ولكي تستقيم هذه المسائل وتقوم وتستعدل لا بد من اعادة توجيه وعي البشر التعددي من الآخر للذات ليكون من الذات للآخر أي من الذاتية للغيرية وبذلك ينفرد الحبل وتنفك عقدته وشده وينفرد ويصحح التواءه ويصير مستقيماً ممتداً للأبد في الإتجاه الذي رسمته السماء. دولتنا المرجوة افرادها يساهمون في هذا العمل العظيم المقدس وهو عمل مستمر مندوب له كل الناس من كل شعب وملة، كل في موقعه ومجاله وحاله من جيل إلى جيل حتى تعود الأمور إلى نصابها. نحن في حالة حرب مع قوى خفية تخريبية تسخر بشراً وهم لا يشعرون. ولا نقول هذا ترويجاً لمبدأ المؤامرة ولا دعوة للإتكالية وإنما ننظر روحياً لحالة غريبة يعيشها البشر كلهم. ومشروعنا هو التحالف لهزيمتها، هزيمة قوى الظلام بالفكر ونكران الذات والإيمان والعمل الصالح. ولا يتم ذلك بالعبادة فقط وإنما بالفكر والممارسة والتغيير نحو الأحسن نحو الوضع الأول الأصيل في المجتمع. وهل يوجد عمل صالح أكثر من خدمة الناس ورعاية مصالحهم؟ كل الأديان تعمل من أجل ذلك المشروع وإن اختلفت المناهج والوسائل. فنحن هنا نطرح مشروع مفتوح افقياً لكل الملل والثقافات، مفتوح على الماض بفهمه ومفتوح على الحاضر والمستقبل بتغييره بصورة مستمرة نحو هدف واحد هو العيش من اجل الآخرين. هي معركة داخل كل واحد منا لن ننتصر فيها إلا بالخروج من نفوسنا لنعيش من أجل الناس، وتشرح ذلك الآية "قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها". مشروعنا تقوم دعائمه الإقتصادية والقانونية على قيم الأخلاق والحداثة والتجربة الإنسانية وحاجات المجتمع وضروراته وحاجات الدولة وضروراتها العملية.
الدين والدولة
يظل موضوع علاقة الدين بالدولة من المواضيع الشائكة التي لا تزال ماثلة أمام أي طرح لمشروع حداثي للدولة السودانية بسبب الخلط المعيب بين أطروحات الدولة وسياساتها، والطموحات الدينية لدى بعض جماعات تيار الإسلام السياسي. الإتصال الوحيد الذي ينبغي ألا ينفك بين الدين والدولة هو أخلاقه وليس أحكامه. فإذا قامت الأخلاق لم تحوجنا للأحكام. وإذا قامت دولة الأخلاق والقيم الفاضلة قامت دولة الإسلام. يحتاج الطرح الديني السائد اليوم إلى تجديد وتحديد وتحرير للمسائل بما في ذلك فك الإشتباك المربك بين الدين والدولة.
التمييز بين الدولة والدين وليس بين السياسة والدين. فالدولة هي دولة كل الناس بينما يمكن تنظيم الكيفية التي يمكن بها لأي جماعة لها فكر ديني ان تتوسل بفكرها ومناهجها الدينية ووضع الشروط الكفيلة لمنع التضارب بين المناهج الدينية وحفظ حقوق المواطنة والحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والعدل وقيم الدولة الحديثة بما في ذلك التمييز بين الدولة والدين. أي عدم التعبير عن اي طموحات دينية عبر البرامج السياسية وعدم إستغلال الدين من أجل الكسب السياسي.
الخطوط العريضة للمشروع السياسي (يقدم للحكومة والمعارضة)
الحقوق
حق المواطنة الكاملة.
المساواة في الحقوق والواجبات.
المساواة امام القانون.
لا تفريق بين المواطنين بسبب الجهة اوالعرق او القبيلة او الدين.
الحريات
التزام واحترام حرية الرأي – حرية العقيدة – حرية التنظيم والتعبير والحركة.
التزام واحترام حقوق الإنسان.
احترام حق الإنسان في الحياة الكريمة – حقه في تلقي الخدمات الضرورية من تعليم وصحة وغيرها من الخدمات.
حقوق الإنسان و حقوق المرأة والطفل
التزام واحترام حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة وعدم التمييز بينها والرجل في الحقوق والواجبات عبر فهم جديد لأحكام الأحوال الشخصية في الدين.
إحترام حقوق الطفل التي اقرتها الأعراف الدولية ويقرها بالطبع الدين.
السياسة والحكم
إلتزام واحترام مبدأ الديمقراطية وتطوير آلية الشورى لإكمال مبدأ الديمقراطية (عبر تطوير آلية الشورى وتعريف من له حق الشورى، والشورى في ماذا و توضيح حدود الشورى) فالشورى ديمقراطية من فوق والديمقراطية شورى من تحت. يجب التوفيق بين المبدأين.
السياسة المحلية لها الأولوية القصوى حيث تكمن مصلحة المواطن العادي البسيط في مكان عمله ومكان سكنه عن طريق دعم وتطوير الحكم المحلي وعن طريق مخاطبة المواطن البسيط في الحي وفي القرية.
إنتهاج سياسة عالمية معتدلة من حسن الجوار والمصلحة المتبادلة.
التخلي عن سياسة مناطحة العالم لأسباب تتعلق برؤى أيدلوجية غامضة وأحلام القرن العشرين.
إعادة التوازن لعلاقة السودان بالدول الإفريقية ودعم البعد الإفريقي.
الحكم الديمقراطي الفيدرالي على أساس نظام مستحدث من الرئاسي والبرلماني.
تطوير آلية فيدرالية جديدة تستوعب رغبة الأقاليم في شكل من أشكال الحكم الذاتي ويمكن تحقيق ذلك عبر خلق آلية حقيقية يعبر بها أهل كل إقليم عن رغباتهم ومطالبهم ومنحهم درجة عالية من حق التصرف في إدارة شؤونهم. بإختصار تجنب الأسباب التي أدت لإنفصال الجنوب.
الفصل التام بين السلطات.
التمييز بين الحكومة والدولة.
محاربة الفساد السياسي والإقتصادي عن طريق إنتهاج السياسات السليمة وتقصي دروبه ومعالجة اسبابه.
الإقتصاد
ينبغي أن يقوم الإقتصاد في الدولة الحديثة على الدمج بين النظامين الرأسمالي والإشتراكي. إنهيار الشيوعية لا يعني أن كل قيم الإشتراكية فقدت معناها. كما وأن إنتصار الرأسمالية لا يعني صحة كل مقولاتها. لا بد للدولة من السيطرة على بعض القطاعات الإستراتيجية وتوجيهها عبر الإهتمام بالقطاع العام وتطويره وتحريره من البيروقراطية والروتين مع ابتعادها كلياً عن المشاركة في أي عمل إقتصادي إلا في حالات خاصة جداً للمصلحة العامة وليس لمصلحة جماعة أو حزب أو افراد. ثم بعد ذلك على المؤسسات الأكاديمية الإقتصادية إستنباط أساليب داعمة تنعم من الرأسمالية وتقلم من أظافرها وكذلك تجود من الإشتراكية وتزكي من ناتجها.
التنمية الإجتماعية والريفية
الإهتمام بالريف وتنميته كأساس لتنمية المواطن البسيط صاحب المصلحة الحقيقية في التغيير.
رتق النسيج الإجتماعي الذي مزقته القبلية والعرقية والجهوية ومزقته الحروب الأهلية والفوارق الطبقية.
تشجيع التداخل والإنصهار بين مختلف فئات الشعب السوداني بأعراقه المختلفة وثقافاته المختلفة.
تقليل الفوارق الطبقية ودعم المهمشين والمستضعفين اقتصادياً او اجتماعياً او سياسياً او ثقافياً او جهوياً أو فكرياً.
التنمية الإجتماعية هي غاية كل تنمية وهي التي تبنى على اهدافها السياسات والإستراتيجيات ولذلك يجب أن تضعها الدولة نصب عينيها لأنه بحسب إهتمامها بها يكون بإمكانها أن تخلق في المستقبل دولة رفاهية وإستقرار.
لكي تحقق الأهداف عاليه لابد من تسخير وسائل التعليم ومناهجه ووسائل الإعلام كلها ثم منابر دور العبادة في إتجاه خلق بوتقة واحدة تعيش فيها كل مكونات الأمة في سلام.
الخدمات:
الإستعانة الكاملة بتجربة الدول المتقدمة عبر إرسال البعثات إلى اوروبا وامريكا والدول الأخرى المتقدمة واستقبال الخبراء منها لكي يكونوا استشاريين في قطاعات الخدمات في التعليم والصحة وانشاء المدن والطرق وكل العمليات الفنية والتقنية التي هي من صميم واجب الدولة الحديثة عبر الإنفتاح على العالم.
التربية والتعليم
تعديل وتطوير العملية التعليمية – تحسين نوعية التعليم وإبعاده من الآيدلوجية الصارخة وإخضاعه للعلمية المهنية عبر الإستعانة ببيوت خبرة عالمية لتقويم مؤسسات التعليم العام والجامعي والتي اصابها ضرر فادح بسبب الأدلجة العوجاء وضيق نظر القائمين على أمره وتهوسهم الفكري.
دعم مجانية التعليم الأساسي ومؤسساته.
دعم عملية التربية لكي تكون في مرتبة واحدة مع عملية التعليم.
اعادة العافية للتعليم المهني الفني عبر سياسات واضحة الأهداف تدعم التعليم الفني وتساوي في الراتب بين خريجي التعليم الفني والتعليم الأكاديمي. بل في بعض الحالات ترجيح كفة التعليم الفني على الأكاديمي.
تحسين المناهج وإدراج مادة التربية الوطنية والثقافة الوطنية وتطوير مادة الثقافة الإسلامية إلى مادة داعمة للوحدة والسلام ورفعة الأخلاق والقيم.
إدراج كافة ثقافات السودان ومكوناته التاريخية في مادة التاريخ بصورة متوازنة لتشبع المواد طموحات كل مكونات الشعب بحيث يجد جميع المواطنون انفسهم فيها.
الإعلام
حيادية أجهزة الإعلام لتعبر عن كل الشعب السوداني بمختلف أديانه وثقافاته وقبائله وجهاته وإعطاء كل فئات الشعب السوداني الحق في التعبير عن نفسها بالتساوي في كل الأجهزة التي تمتلكها الدولة. فالدولة هي دولة كل الشعب والمال هو مال كل الشعب والأجهزة هي اجهزة كل الشعب والتقوى تمنعنا من التحيز اوالظلم لفئة دون فئة اخرى.
تطوير العملية الإعلامية وتجويدها ورفع يد الدولة عنها.
دعم الفنون والآداب والمسرح لتوليد ثقافة جامعة جديدة.
توفير مواد الثقافة من كتاب وورق وطباعة وتخفيف قبضة الدولة على المصنفات الأدبية لكي تعبر بصدق عن هوية الشعب وواقعه وتاريخه ولكي يمنح العقل السوداني الفرصة للخلق والإبداع، لأنه فقط عبر مواجهة ذلك الماضي ومواجهة هذا الواقع يمكننا أن نتصالح مع انفسنا ومع بعضنا ويمكننا صنع مستقبل أفضل ومجتمع أفضل ودولة أفضل وحكومة أفضل.
وما التوفيق إلا من عند الله وهو المستعان.
ملحوظة
معظم الأفكار المطروحة في هذا التقديم نشرت في الصحف اليومية ومبثوثة في كتبنا المنشورة لمن اراد المزيد من التفاصيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.