لماذا يحار الوعي في غياهب الجهاله و النيل يسري من قديم يروي ظمأ المتشاطئه بلا ضنين و يقف شاهداً علي حضارات شيدها الانسان علي ضفتيه ردحاً من الزمان. كانت دوماً تجمع ولا تفرق توحد ولا تمزق و كان السودان ارضاً و شعباً مضيافاً من قديم. لم يقف عند الترحاب بمن ارتحل لارضه البكر بل ذهب أبعد من ذلك ليمتزج أهله دماً بدم و عظماً بعظم و يصبح الكل جزءاً من كل بإختلاف ألسنتهم و سحناتهم و ثقافاتهم و دياناتهم فلا ريب ان لا يشعر بعز الانتماء من تشرنق حول متوهمات العصبيه و القبليه و لم يسعفه علمه و ثقافته للنفاذ إلي فضاء رحيب بأوديته في العتمور و قيسان و فيافيه في بيوضه و ربوع حلفا و جباله في النوبه و مره و الرجاف و انهاره في السوباط و القاش و نيل عظيم يقف شاهداً علي وحدة الامه و تسري عروقه نابضه بالحياه مبشراً لمستقبل لقادم الاجيال لا يصنعه منافق او معتوه ولا يصنعه جاهل او متكسب ولا يصنعه من ضاق ذرعاً بالوحده و اثر الانفصال ليقطف ثمره يفقد دونها الشجره أو من اثر الانفصال هنا و هناك بعد ان تمرق في مراتع الفساد فقصر نظره و تكلس ادراكه و ضاق افقه و لم تسعفه حيلته لإستشراف المستقبل فالوحده هي الخيار الاستراتيجي للأمم و الشعوب ادركته امريكا بعد حربها الاهليه و دفعت المانيا مئات مليارات الدولارات لتوحيد شطريها شرقه بغربه و لم تكتفي بذلك بل تدفع الغالي و النفيس من اجل الوحده الاوربيه نعم كان هذا خياراً إستراتيجياً فالدوله التي كانت مهدداً لتمزيق اوروبا إلي اشلاء قبل سته عقود تصبح هي الامل لتوحيد هذا الكيان الكبير. فالوحده هي مهة الشعوب نفسها فهي التي تقرر ذلك فليست هنالك جهه اخري تملك هذا الحق و لو ادعينا ذلك. منذ ان سايرت الفيله الجيوش و امتطيت صهوات الجياد و شقت السفن عباب البحار كان التأريخ يسجل تنحي قوي و صعود أخري و كان دوماً تكمن كلمة السر في توحد الامه و مفردة الطاقه و التي تبلورت بصوره اكثر حسيه مع بروز الفحم الحجري كمصدر للطاقه في اوروبا ثم ينتقل ميزان القوي للولايات المتحدهالامريكيه و الاتحاد السوفيتي بعيد إكتشاف النفط. و مع وجود اكبر مخزون للنفط في الشرق الاوسط و إستخدامه كسلاح في حرب اكتوبر أصبحت هنالك إستراتيجيه امريكيه لتواجد عسكري في مناطق النفط لذا يمكن تفسير حرب الخليج الثانيه(غزو العراق للكويت) و حرب الخليج الثالثه (إحتلال الولاياتالمتحده للعراق) بعد احداث احد عشر سبتمبر في سياق استراتيجيه امريكيه سارع في تنفيذها أمر مهم للغايه و هو سعي المانيا الحثيث بمعية فرنسا لتوحيد اوروبا و هذا كان يعني لامريكا ان التوقيع علي وثيقة لشبونه هو بمثابة نهاية تواجدها العسكري في المانيا مما يعني نهاية القواعد الامريكيه في اوروبا لانه بالطبع للدوله الجديده سياسه دفاع جديده عمادها مظله نوويه اوروبيه أساسها فرنسا و بريطانيا هنا فقط تستطيع المانيا التحرر من الحمائيه الامريكيه و تداعيات الحرب العالميه الثانيه لتنطلق للتصنيع الاستراتيجي من داخل اوروبا الموحده لذا كان وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد ينظر بكثير من الحنق لاوروبا العجوز. عليه وجود امريكا في مناطق النفط يمكنها من التحكم بالاسعار عن طريق المضاربه للحد من معدلات النمو في كل من الصين و اوروبا و وجودها في العراق تحديداً يمكنها من نقل القواعد الامريكيه إلي المنطقه خاصه انها ستختفي من اوروبا في المنظور القريب أي ما حدث هو تحريك لرقعة الطابيه في لعبة الشطرنج في ظل إستراتيجيه دوليه. لقد شكلت ثمانينات و تسعينات القرن الماضي حقبه جديده في السياسه الدوليه. شهد العالم سقوط جدار برلين و تهاوي النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي حيث لم يقوي إقتصاد الدوله المركزيه تحمل الكلفه الباهظه لسباق التسلح بعد إطلاق الريجانيه مشروعها العملاق لحرب النجوم الذي يسعي لتغيير موازيين القوي القائمه علي الردع النووي. و بالطبع لم يكن الامر يسيراً للإقتصاد الحر إذ إستدعي تشريعات تزيل القيود للمزيد من تحرير الاقتصاد هذا الامر اقتضي في جانب من الجوانب ظهور الرأسماليه المتوحشه الاكثر إهتماماً بالمكاسب الانيه و المنصرفه عن الاقتصاد الحقيقي للمزيد من الاستثمار في القطاع العقاري و اسواق الاوراق الماليه هذا النمط أفضي لإستثمار تريليونات الدولارات في قطاع العقار بالولاياتالمتحدهالامريكيه و مع عدم وجود الضمانات الكافيه بدأ عجز السداد مما أدي لانهيار كبريات شركات الرهن العقاري لتؤثر سلباً علي النظام المصرفي و مع إحجام البنوك عن الاقراض تزداد معدلات البطاله و تقل القوه الشرائيه مما يؤدي للكساد. يصبح مفهوماً في ظل التحورات العالميه الاهميه الاستراتيجيه لإرتباط امريكا عضوياً بمنطقتين الاولي الشرق الاوسط الكبير و يشمل الشرق الاوسط التقليدي بالإضافه لتركيا و ايران و الثانيه افريقيا جنوب الصحراء(السودان+ منطقة البحيرات + جنوب افريقيا) و ذلك لتوافر الطاقه و الموارد عليه يكون الاستثمار في إحلال السلام و مكافحة الامراض (الايدز و الملاريا) ثم الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي لان نهوض هذه الاقتصاديات يمثل مصله امريكيه كبري. خاصه إن الدوله الكبري تفكر في عصر ما بعد النفط و ذلك بالمضي قدماً في مشروعات الطاقه البديله. السودان يقع في قلب هذا التصور خاصه بما يملك من موارد إذن وحدة السودان هي خيار إستراتيجي ليس علي المستوي المحلي فحسب بل علي المستوي الدولي.