عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والدولة في الإسلام .. بقلم: عبد المؤمن إبراهيم أحمد
نشر في سودانيل يوم 21 - 01 - 2014

الإنسان غاية بينما الدين وسيلة لأجل الإنسان. "أول ما تجب الإشارة إليه هو أن الفرد في الإسلام هو الغاية وكل ما عداه وسيلة إليه، بما في ذلك وسيلة القرءان والإسلام" وهذا عين ما قاله السيد المسيح لفقهاء الشريعة عندما عاتبوه على الحصاد في يوم السبت "إبن الإنسان هو رب السبت أيضاً" .
يختلف الإسلام عن المسيحية بنزعته الحداثية التي أخرجت مفهوم الدين من أفكار العالم القديم، عالم بابل وروما وفارس والتي بها فض أختام الكتاب بسورة الفاتحة التي كشفت عن سر ما تبغيه العناية من الدين ومن البشر. وبناء على ذلك لم يعمل الإسلام على تأسيس مؤسسة دينية على النمط المسيحي مثلاً، ودعا لإعمال العقل والفكر وقارع الناس بالحجة ودعا للعلم والمعرفة وإلى تأمل الطبيعة والخلق في محاولة غير مسبوقة في العمل الديني ربطت بين العقل والدين وبين الطبيعي وما وراء الطبيعي. وفي نفس الإتجاه يقول شحرور في محاولة لتمكين الإنسان الفرد: "الدولة العلمانية كما أراها لا تأخذ شرعيتها من رجال الدين ... وإنما تأخذ شرعيتها من الناس فهي دولة مدنية غير مذهبية وغير طائفية... العبادات تتبع التقوى الفردية وهي مفصولة أصلاً عن الدولة... وبهذا أرى أن الدولة الإسلامية دولة علمانية" .
الكثير من السياسيين الإسلاميين يراهنون على الدولة كأساس للتغيير، ولكننا نختلف معهم برهاننا على المجتمع الإسلامي السلمي قبل الدولة. فالدولة لا تنتج مجتمع ولكن المجتمع ينتج دولة والتي بدورها يمكن أن تجود من نوعية المجتمع وتدعمه. والسبب في فشل كل المشاريع الإسلامية يعود لسببين، الأول هو الخطأ في تصور الإسلاميين للدولة الإسلامية والثاني في إستعجال تأسيس الدولة. إن الدولة الإسلامية التي نتطلع لها هي دولة اخلاقية قبل كل شيء. علينا ان نحول فهمنا للدين من مشروع سياسي ومشروع احكام وقوانين إلى مشروع أخلاقي متعلق بأحكام الضمير والتربية قبل احكام القانون.
فالدولة الإسلامية هي دولة تفي بحاجات الفرد والجماعة الدنيوية بقيام العقل بواجبه على أساس الإيمان. وهنا تكمن القيمة المركزية للحكم بما أنزل الله. فالحكم حكم معياري وليس حكم قانوني. والحكم المعياري ينضوي داخله الحكم القانوني. والحكم المعياري أكمل وأشمل وأقرب للحكمة.
الأسباب الأصولية والمعالجات الأصولية لمشاكل التجمعات تبدأ من مناهج تحكيم العقل وتفسير وتصور الكون والماضي والحاضر والمستقبل والمثل العليا ومعايير الأحكام . لذلك لن يتحقق التنوع المتصالح إلا بالتحرير الداخلي في الوعي والثورة السلمية على الكثير من الموروثات الإجتماعية الخاطئة. ولن نرفع من مستوى الأخلاق إلا بالإهتمام بلب الدين قبل شكله. ندعو إلى ثورة فكرية في قلوب الرجال والنساء، كما قال الأستاذ محمود، ثورة لتربية الناس على التفكير السليم والتصرف السليم. نحن في حاجة لثورة فكرية في مناهج أصول تفكيرنا. ولن يتحقق ذلك إلا بتخطي ضيق الوعاء الديني او الوعاء العرقي او الوعاء الجهوي إلى سعة القومية الشاملة الجامعة لجملة أديان الأمة وجملة أعراق الأمة وجملة جهات الأمة لنفي بحاجة الفرد وحاجة الجماعة. وهذا يقترب من رأي الأستاذ محمود وعمله لتنظيم علاقة الفرد بالدولة أو بالجماعة. "حاجة الفرد وحاجة الجماعة ظلت آفة التفكير الاجتماعي في جميع عصور الفكر البشري" . فالأستاذ يرى أن المجتمع البشري لا زال تطغى عليه الحيوانية ولم يصل لمرحلة الإنسان الفرد المسؤول "لا نزال في قبضة غريزة القطيع، لم يقو بنا الفكر حتى نبرز إلى منازل الفرديات" . ويقول الأستاذ محمود بأن "القانون الدستوري، في الفكر الإسلامي، هو الذي يملك التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة" .
بسبب تلبس السلوك الديني عبر التاريخ بعيوب النفس البشرية التي التزمته ظهرت أزمات خطيرة في ظل الأطروحات الدينية فظن الكثيرون انها وقعت بسبب الدين بينما هي في حقيقتها وقعت بسب النفوس التي حملت فكرة الدين. لذلك لجأ الكثير من المفكرين لإبعاد الدين عن شؤون الجماعة، باختيار العلمانية، بسبب المصاعب التي تواجه الدين وأحكامه على الجماعة وبسبب أخذ بعض الأفراد لأحكام الدين لتحقيق مآرب سياسية عبر فرض الهيمنة على الجماعة عبر الدين عبوراً به للدولة. وخلق هذا التوجه نوع من الشك العميق في العلمانية خصوصاً مما رأوه في تجربة تركيا بعد إلغاء الخلافية الإسلامية . ويظن الكثير من المسلمين ان العلمانية ضد الدين او هي دعوة لمجتمع بلا دين والأمر ليس كذلك. أقول ذلك وأنا ليس بعلماني. العلمانية هي دعوة لتحكيم العقل والواقع والعلم وتمكينهما من إدارة شؤون الدنيا بما في ذلك الدولة. على الأقل العلمانية التي أتصورها هي دولة مدنية يتساوى فيها الناس ويحتكمون فيها لقانون تراضوا عليه لا يفرق بينهم دين ولا لون ولا عرق. يروج المتشددون من المسلمين لتشويه كلي للعلمانية بغرض التشويش على عقول الناس وشدهم نحو الدولة الدينية. فحتى لو رفضنا معهم بعض جوانب العلمانية الغربية فإن الدولة الدينية ليست هي الحل الأمثل في عالم اليوم. الدولة لابد أن تكون دولة جمعية جامعة لكل الأعراق والأديان لا تفرق بينهم. والنظم العلمانية ليست كتاباً منزل ثم ان الإسلام هو علمانية وزيادة بخلاف المسيحية التي لا شأن لها بالدنيا أو العالم. فالدولة التي أدعو لها ليست على مفهوم علمانية غربية وإنما هي علمانية إسلامية. فيها يتطور فهم الناس للدين ويترقى لتقديم نموذج أخلاقي عالمي يقوم على ذرى الدين والفضيلة وليس على تفاصيل الأحكام.
العلمانية مأخوذة من العالم والدنيا. وهي لا تعني فصل مطلق دين عن الدولة وإنما تعني في سياقها التاريخي فصل التصورات التوراتية الإنجيلية عن شؤون الحكم في أوروبا ذلك الزمان. فهي فصل لسلطة الكنيسة من الدولة وفصل للمفاهيم الدينية المسيحية، والتعويل على العقل والمجهود البشري. فالمسيحية لا دنيا فيها. قال المسيح (ع) "مملكتي ليست من هذا العالم". وقال في موقع آخر "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله". فالسياق التاريخي والإجتماعي للمسيحية يختلف عن نظيره في الإسلام. والعلمانية هي بضاعة إسلامية ردت إلينا. لأن أول من أدخل فكرة الفصل بين معطيات الدين ومعطيات العقل هو ابن رشد في كتابه "فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من إتصال" وهو أول من قال بفكرة الحقيقتين. وكان ابن رشد فقيهاً مالكيا وكان قاضي قضاة قرطبة وكان فيلسوفاً. قال ابن رشد "يجوز ان تكون قضية ما صادقة في الفلسفة وكاذبة في الدين دون أن يترتب على ذلك تناقض بين الدين والفلسفة" . بانتقال ابن رشد لأوروبا إنتقلت فكرة الفصل بين الحقيقتين لأوروبا وحوربت بضراوة من الكنيسة، وعلى أساس هذه الفكرة تم التمييز بين أمور الدنيا والسياسة وأمور الدين. وعليه يكون في قول جمال البنا من أن "الإسلام يكاد يكون علمانياً لأنه ليس فيه كنيسة..." شيء من الحقيقة. وقد نوه العز بن عبد السلام لاختلاف بين شؤن الدنيا وشؤون الدين في قوله "ولا تعرف مصالح الآخرة ومفاسدها إلا بالشرع وتعرف مصالح الدنيا ومفاسدها بالتجارب والعادات" . وكلنا نذكر قول الرسول (ص) للصحابة في قصة تأبير النخل "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"
الدولة العلمانية في نظر شحرور تقوم على الآتي:
1. لا إكراه في الدين
2. الكفر بالطاغوت (رفض الطغيان)
3. وأمرهم شورى بينهم
4. فصل العبادات عن الدولة
5. القانون الأخلاقي العام المتمثل في الوصايا
6. حدود الله التي تتناسب مع فطرة الإنسان
7. منهج البحث العلمي وتقديم البينات المادية كأساس للتشريع
يقول الكثير من مفكري المسلمين المعاصرين بأن الإسلام دين ودولة وبقولهم هذا يدخلون كل التجاوزات الخطيرة والمظالم العظيمة والمذابح الشهيرة والفساد بأنواعه الذي وقعت فيه دولة الإسلام، عبر تاريخها منذ نهاية حكم الراشدين إلى سقوط أمبراطورية الترك الإسلامية، إلى الإسلام. فقد نسب جميع مقترفي الآثام في دولة الإسلام أعمالهم صالحها وطالحها للإسلام . يدخلون كل هذا في دين الإسلام والإسلام كدين بريئ من كل ذلك. وهذه المفاسد والمظالم مبسوطة في كتب التاريخ حتى ولو لم يصح منها إلا القليل لكفانا مخاطر الزج بالإسلام في مزالق السياسة والحكم ومفاسده. الإسلام دين له موجهات عامة للدولة وليس دين ودولة، بسبب أن الدولة قد تطورت وتحورت وتغيرت معالمها بحيث يصعب أن تفي أحكام الشريعة بضروراتها معتبرين أن في الأساس هذه الأحكام قليلة وحتى إن وجدت فهي من اجتهادات بشر وليست نصوصاً موحى بها. والسبب الأساسي في انحرافات حكام المسلمين هو غياب النصوص الضابطة لأفعالهم ففعلوا ما يحلوا لهم ثم سعوا للزج بالدين لكي يبرروا مفاسدهم. نلاحظ أن الفقه التاريخي لم يناقش مسائل الحكم خوفاً من أصحاب الحكم ثم هو كذلك لم يشركهم في تقعيد الأحكام خوفاً من تغولهم على الدين واستغلالهم له بسبب غياب الشورى في إختيار الحكام بعد الخلفاء الراشدين. "ذهب فقهاء السلطة في عصور التدوين وتأصيل الفقه إلى ما ذهبو إليه خوفاً من مروان وعبد الملك والمنصور" . وبصورة طبيعية تم نوع من الفصل بين المقدس والدنيوي عبر كل تاريخ الإسلام. ومن غرائب المسائل ألا يرى الناس ذلك. ثم وبصورة طبيعية تطورت الحياة وتعقدت ودخلت المدنية الحديثة في حياة الناس فاستدعى ذلك قيام مدنيات لها قوانينها الدنيوية ونظمها والتي بطبيعة الحال تقع خارج إطار دائرة الشريعة. كل هذا تم بصورة طبيعية ولكن شيء واحد لم يكن طبيعي في كل الذي تم، الا وهو أن هذا التطور وهذا التمدن الحديث دخل على عالم المسلمين من الخارج ولم يكن نتاج مخاض داخلي، فرفضه العقل المسلم باعتباره جسم غريب، وما دروا أن هذه بضاعتهم ردت إليهم وهم لا يشعرون. هذا هو عمل إبن رشد الذي فصل بين الحقيقتين.
هنالك احداث سياسية بعينها أثرت تأثيراً بالغاً في تكوين الوجدان المسلم ووعيه ومنعت التطور الطبيعي نحو الملكية والديمقراطية بسبب إجهاضها لمبدأ الشورى وحكم العقل والحريات:
أ‌. طلقاء مكة وسيادة قريش، وهي طائفة من القرشيين قبلت الإسلام على مضض.
ب‌. مطالب الثوار وحادثة التحكيم والفتنة الكبرى
ج. الخوارج وفكرة التكفير للدفاع الآيدلوجي
د. إنقلاب المتوكل على المعتزلة
نحن نكاد ألا نجد بحوثاُ مستفيضة في شؤون الحكم "فلا تجد في باب الإمارة مثلاً ما تجده في الصلاة والزكاة ولا تجد في الإقتصاد ما تجده في الطهارة والنكاح" وذلك بسبب ان الحكم إبتعد رويداً رويداً عن مباديء شورى الإسلام وتباعد الفقه عن الإجتهاد في أمور الحكم إلا قليلا بسبب ضرورات الظرف التي سقناها سابقاً.
يتحدث د. ترابي عن الإجتهاد في الأحكام الأميرية وفي السياسة والإقتصاد في منهج غامض المعالم يتحاشى فيه مأزق بعض المفاهيم السلفية في فهم الدين أو يتحاشى تكميل المنطق في كلامه المكتوب من ديمقراطية كاملة وعقل كامل وحريات كاملة وحقوق إنسان كاملة، وهو معذور في ذلك بسبب الوضع الصعب الذي يعيش فيه العقل المسلم البسيط. فلعله لو نطق بكل ما يظن بصحته لتعرض لصعاب كبيرة تعطل من مشروعه السياسي. وهنا لا ننسى أن د. الترابي يعول على السلطة السياسية في تحقيق مشروعه التجديدي الديني الذي لا يعرف تفاصيله إلا هو. يقول د. ترابي: "في ابواب الشعائر مثلاً يمكن أن نكتفي بالمادة الفقهية الموجودة بغير حرج كبير ما عدا طريقة التقديم. وإنما يتجه جهدنا الأكبر لجوانب الحياة العامة" . ونجد أن معظم المجددين بما فيهم الإمام الصادق المهدي يقفون على الحقوق التي منحتها صحيفة المدينة وقفة طويلة وهي بحق حقوق في زمانها تكاد أن تكون ثورة في العلاقات السياسية والحكم الراشد. وفي هذا يقول جمال البنا: "أساس المواطنة لم يعد الدين ولكن الأرض وهو أصلاً المبدأ الذي ارساه الرسول (ص) في صحيفة المدينة" إلى أن يقول: "الدولة في الإسلام دولة مدنية ومحور عملها العدل وتحقيق إرادة الشعب ودورها الحقيقي لا يكون في مجال الدين ولا حتى في مجال الفضيلة" . وقديماً توصل العلماء لفهم تلقائي وبسيط يميز بين أحكام الدين وأحكام الدنيا. "ولا تعرف مصالح الآخرة ومفاسدها إلا بالشرع وتعرف مصالح الدنيا ومفاسدها بالتجارب والعادات" . وفي هذا قارن جمال البنا بين مبدأ المنفعة او السعادة عند بنثام ومبدأ المصلحة الذي قال به الطوفي وهو يقرر هنا بأن العقل المسلم رافض لكل فكرة جديدة لاتتوافق مع ما ألفوه من فقه. "عندما أبدع البريطاني بنثام فكرة المنفعة وجعل الهدف ((أكبر منفعة لأكثر عدد من الناس)) وجد أنصاراً يدعمون مذهبه أما الطوفي فعندما نادى بالمصلحة فإن المهاجمين له لم يكونوا من أبناء عصره فحسب ولكن كل الفقهاء في العصر الحديث" . فالإسلام دين ودولة وهذا صحيح من جانب، وما هو غير صحيح هو عجزنا عن التمييز بين ما هو إسلام دولة وما هو إسلام دين وبطريقة مخلة بأسس التفكير السليم خلطنا كل هذا بكل هذا إذ أن الإسلام الدولة شأن دنيوي نطوره بالطريقة التي نراها مناسبة لظرفنا. "تأسيس دولة المدينة لم يكن جزءاً من الإسلام عقيدة وشريعة ولكن نتيجة لسياق الأحداث وتتابعها بصورة أوجبت قيامها، فهي بنت الأحداث وليست بنت العقيدة" وفي هذا إشارة خفية إلى أن أحكام المدينة هي كذلك لها بعد تاريخي لا تفهم إلا به ولا تستكمل إلا بحكمة مكة (العقيدة).
كذلك نلاحظ انه وبالرغم من هذا الفصل بين الدين والدولة في تاريخ الإسلام فقد ظل الدين وعبر التاريخ تحت رحمة الحكام هم يوجهونه من وراء حجاب ويستغلونه في تحقيق مآربهم السياسية. بل يقول الكثير من الباحثين بأن مباحث الفقه واتجاهات التفسير والتأويل وقعت فريسة لعهد الحكم الأموي الذي صبغ كل أعمال التأسيس الثالث. فالتأسيس الأول انجزه الرسول الكريم والتأسيس الثاني أنجزه الخلفاء الراشدون بينما التأسيس الثالث أنجزه العلماء في فترة الدولة الأموية وهذه هي الفترة التي أبعد فيها الحكام عن دائرة التشريع وحتى يومنا هذا (هذا إن كان حقاً ان أولي الأمر مقصود بها السلطة الزمنية أو الإمارة) بسبب جور حكام بني أمية ومظالمهم.
والغريب في الأمر أن الفقهاء والعلماء يتفقون في أن اصل امر الحاكم جردت منه كتب الأصول تماماً. بل يتفق الفقهاء على أن أمور السياسة والشورى واختيار الوالي وامور الحكم الأخرى قد خلت منها كتب الفقه ولا يوجد لها أي فقه كامل يعتمد عليه وفي هذا إشارة واضحة لحالة طبيعية من التمييز الواضح بين الدين والدولة. ولا أدري من أين جاءت فكرة الإسلام دين ودولة. لا أظن إلا انها فكرة قصد بها تحويل المشروع الديني الإسلامي إلى مشروع سياسي تتم به مواجهة الإستعمار الأوروبي والإحتلال الإسرائيلي. فالإسلام دين ومجتمع والمجتمع هو الذي يبني الدولة وبهذا الفهم يمكن ان تكون الدولة دولة مسلمين ويمكن أن تكون هنالك امة إسلامية. وهذا أساس إشكالية المسألة الإسلامية بسبب أن الأمة أساساً قامت بسبب فكرة دينية ولكن الإسلام ليس بدعاً في ذلك وليس حالة خاصة أو شاذة، فإسرائيل كأمة كانت صاحبة رسالة قامت أساساً على فكرة دينية خالصة.
أصول الفقه هي مناهج الأدلة الكلية للقواعد الفقهية، وهي فلسفة التشريع. وتقوم على الآية ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59))) النساء. فطاعة الله هي في القرءان وطاعة الرسول في السنة وطاعة أولي الأمر هي في الإجتهاد. واختلف في أولي الأمر. هل هم الفقهاء أم هم الحكام. د. الترابي يقول بأنهم الحكام. ويرى د. يوسف القرضاوي أن "أولو الأمر هم العلماء القادرون على الإستنباط" .
الوعي المسلم يسعى نحو فكرة لم يكن لها وجود في الأساس ولا يمكن الوفاء بها في واقع اليوم. فالرسول (ص) قد ميز بين الدين والدولة عندما جعل علياً ولياً للمؤمنين (السلطة الروحية) بينما جعل ابوبكر أميراً للمؤمنين. فولي الأمر الذي جاء ذكره في الآية لا يقصد بها ولي الأمر السياسي وإنما يقصد بها ولي الأمر الروحي والسلطة الدينية وبذا يكون الشيعة أقرب للصواب في هذا الأمر. وهذا عين ما فعله موسى إبن عمران (رض). فحسب الرواية التوراتية وأظنها صحيحة قد خلف اليعازر ابن هارون أخيه إماماً له السلطة الدينية والروحية بينما خلف يوشع بن نون أميراً على الأمة.
نلاحظ أن السياسيين يحاولون أن يقتسموا السلطة الروحية مع الفقهاء والعلماء في محاولة لإقتسام هذه السلطة الطبيعية مع رجال الدين بسبب أن الناس يخضعون بصورة طبيعية للسلطة الروحية الدينية ولكنهم لا يفعلون ذلك مع السلطة السياسية إلا لمن له الغلبة. وهذا يفسر لنا سر الحرب الشعواء التي يشنها كثير من الإسلاميين السياسيين الجدد على الطائفية التقليدية بسبب انها تتلقى مساندة ودعم عاطفي لا ينالونه هم. من أبرع ما قال به د. الترابي في هذه المحاولة (محاولة إقحام الحكام في سلطة الإجتهاد الفقهي) قوله بالقياس الواسع والذي يقع بغير شروط ولا قيود وهذا يعني أنه بغير منهج فكري يلزم به الحاكم وهو فكرة لا بأس بها لو وجدنا ولي الأمر الكامل.
لا مناص من أن نفتح الباب لدرجة معقولة لولوج مجددين جدد وضمان درجة من الحرية للعقول المسلمة ان تعمل في وضع مناهج لإصلاح الدين بدون أي ضرورة لإقحام الدين في مطبات السياسة ومستنقعاتها الآسنة. فالدين يجب أن يلعب دور الناصح والمرشد الأخلاقي. لأنه في اللحظة التي يقوم فيها الدين بدور اللاعب الأساسي في السياسة يقع فريسة لأهواء الساسة وأطماعهم ومؤامراتهم حتى على الدين نفسه وعلى رجال الدين. وأمامنا التجربة الغربية والتي لم تستوي تجربتها ويستوي عودها وتنفرد بحكم كل العالم إلا بعد أن فصلت بين الدين والدولة. ونحن لا ندعو لفصل مثل فصل اولئك، ونقول ان الفصل لا يعني أن الحاكم سيكون بلا دين او ان المجتمع لن يحتكم للدين ولكن نقول أن المؤسسة الدينية (والتي هي مؤسسة فكرية روحية اجتماعية في الإسلام) يجب أن يحفظ لها مكانها بعيداً عن الفعل السياسي المباشر حماية لها. فالظاهر من أجل الباطن ليكون الباطن من أجل الظاهر. فالسياسة من أجل الدين (الأخلاق) أي خلق مجال أخلاقي يعمل فيه وعي الإنسان والذي بدوره يخلق روح سياسية في مستوى أعلى وأفضل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.