شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    سقوط منتخبنا.. اليوم والايام التالية..!!    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور.. الطريق للديمقراطية وإنقاذ الوطن .. بقلم: لؤي عبد الغفور تاج الختم
نشر في سودانيل يوم 23 - 01 - 2014

مُنذ أن نال السُّودان استقلاله السياسي، في يناير من العام 1956م، وهو لَم يُوفق بعد في الوصول إلي توافق وطني، لبناء دستور دائم للبلاد، ليتلَمّس مِن خلاله طريقه نحو النهوض والتقدم. فرغم توافُر فُرص تاريخية، إلا أنها لَم تُغتَنّم. أُولي الفُرَص توفرت بعد أن نال السُّودان استقلاله، إلا أن العَجَلة قادتنا إلي تَبَنِي دستور الحُكم الذاتي، بعد إدخال تعديلات طفيفة عليه، ليخرُجَ دستوراً مؤقتاً للسُّودان لسنة 1956م. ولو تَبّنَي البرلمان وقتها، المُقترح الذي تقدم به الأستاذ حسن الطاهر زروق، مُمثل الجبهة المُعادية للاستعمار، الذي كان قد إرتأي، انتخاب جمعية تأسيسية، يُعهَد لها وضع دستور دائم للبلاد، لعله، ما كان للبلاد أن تصل إلي هذا المُنعطف الخطير. ولجَنّبْنا البلاد الصراعات الدموية وويلاتها. ولَما كانت السّاحة السياسيّة السُّودانية اليوم حُبلَي بقضايا الصراع الاجتماعي. الفرصة الثانية جاءت بعد ثورة أكتوبر المجيدة، إلا أنّ بعض القوي السياسيّة، سُرعان ما أهدّرَت تلك الفرصة، عندما عَمَدّت أولاً، إلي توجيه ضربات للحزب الشيوعي السُّوداني، إنتهت بإسقاط عضوية نُواب الحزب الشيوعي في البرلمان، في العام 1965م، دون أن تأبّه تلك القّوَي السياسية للإرادة الشعبية، التي بوأت نُواب الحزب الشيوعي السُّوداني تلك المكانة، فتلك الضربات، وإن وُجِّهَت للحزب الشيوعي السُّوداني، إلا أنها وُجِّهَت للديمقراطية في الأساس. مِن بعد ذلك، صاغت تلك القّوَي السياسية مشروع دستور 1968م، الذي بخلاف أنه كان سيّتِم إسقاطه مِن أعلي، كغيره من الدساتير، إلا أنّه أيضاً، كان مشروع دستور أحادي التوجه. وقطعاً، لَم يكُن ليُؤسِسَ لنظام ديمقراطي، بل كان سيُكرِّس لمَزيد مِن الاستبداد. ومن المؤسف، أن ذلك المشروع تم إعداده في ظل نظام حُكم، يزعمون أنه كان نظاماً ديمقراطياً. الفرصة الأخيرة، جاءت مع انتفاضة مارس أبريل المجيدة، إلاّ أنّ المجلس العسكري الانتقالي، ومستفيداً من الخلافات وسط قوي التجمع آنذاك، إلتفّ ومنذ البدء، علي ميثاق الانتفاضة. وشكّلَ لجنة لوضع الدستور، مُغيباً تمثيل الجنوب فيها. وجاء الدستور الانتقالي وقتها، مُنحاز لاتجاه سياسي مُحدد. بالتالي، وبلا شك، فإهدار كُل تلك الفُرص، غَذّ سّير البلاد للخلف.
الدستور بناء شعبي أم بناء فوقي!
رغم أن الشعب هو مصدر السُلطات، والدستور يستمد شرعيته مِن الشعب، إلا أن الناظر للدساتير السُّودانية، جميعها ابتداءً مِن دستور السودان المؤقت لسنة 1956م، وانتهاءً بالدستور الانتقالي لسنة 2005 الحالي، يجد أنها دساتير فوقية، أُسقِطَت من أعلي، ولَم تُبْنَي مِن أسفَل، حيثُ وضعتها النُخب والطبقات الحاكمة، ومنحتها للشعب. لذا، فهي لَم تُعَبِّر بأيّة حال مِن الأحوال عن الإرادة الشَعبِيّة لجموع الشعب السُّوداني، لأنها وُضِّعَت بمعزل عن مُشاركة الجماهير، التي منها يَستمِد الدستور نفسه شرعيّته. فالدساتير هي حق للشعوب، وليست منحة تُمنَح، مِن قِبَل الأنظمة الحاكمة. لذا، ففي البلدان ذات الأنظمة الديمقراطية، الدساتير تُبنَي بمُشاركة شعوبها، وتخرج حاملةً تطلعات تلك الشعوب، بمختلف فئاتها وطبقاتها. وهُنا، بدلاً مِن أن يخرج الدستور مِن رِحْم الشعب السوداني، بفئاته وطبقاته الاجتماعية المُختلفة، مُعبراً عن تطلعاتها، وواضعاً الخطوط العريضة، التي يجب علي مَن هُم في سُدة الحُكم التَقيُّد بها، يحدُث العكس، خاصة في ظل الأنظمة الشمولية، حيث تَضَّع النُخب والطبقات الحاكمة الدساتير، بما يتماشي ومصالحها. وليتَ الأمر إقتصر علي هذا، بل، مِن خلال قوانينها، تُقيّد الحقوق الأساسية والحريات الديمقراطية، التي إنتزعها الشعب عبر نضاله الطويل!. إلا أنه، ورغم ذلك، فلا أحدَ يستريب، بأن الشعب السُّوداني قادر دوماً، ومِن خلال ما راكمه مِن نضال، علي التصدي للقهر والاستبداد، وعلي تطوير قدراته، لمُواجهة عُنف الأنظمة الشمولية.
صياغة الدستور أم إعادة طلاء الدستور!
بما أنّ ما تَمّ سابقا، كان بناءً فوقياً للدستور، فبالتالي، فإن ما جري، ويجري الآن، هو في رأيي، لا يَعدو إلاّ أن يكونَ إعادة طلاء للدستور، ليّسَ إلاّ. وبالرغم مِن أن دستور السُّودان المؤقت لسنة 1956م والدستور المؤقت لسنة 1956 المُعدل لسنة 1964م، حققا آنذاك، إجماعاً سياسياً، إلا أنّ أياً منهما، لَم يرتكِز علي قاعدة شعبية، ليّكتَسِب الاستمرارية والديمومة. أما دستور السودان (الدائم) لسنة 1973م، والدستور الانتقالي لسنة 1985م الذي غُيِّبَ تمثيل الجنوب في لجنّتِه، بالإضافة إلي دستور الإنقاذ لسنة 1998م، فهذه الدساتير، لَم تُحَقق توافقاً سياسياً حتي، دعك من التوافق الشعبي. وبالرغم من أن الدستور الانتقالي لسنة 2005م الحالي، وجد قبولاً سياسياً، وإن لَم يكُن بذلك المعني الواسع، إلا أنه أيضاً، إفتَقَد للتوافق الشعبي. وعليه، فجميع هذه الدساتير، بما فيها تلك التي حققت إجماعاً سياسياً، لَم تُعَبّر عن إرادة جموع الشعب السُّوداني. ولذلك، نجدها تذهَب بذهاب واضِعيه.
الاستقرار الديمقراطي رهين باحترام أحكام الدستور:
احترام الدستور، يستوجب خضوع الدولة ومؤسساتها لحُكم القانون. فعلي نصوص الدستور تُقاس سلامة التصرفات مِن عدمها. وهذا ما يدعوني للقول، بأنه مِن الخطأ -في رأيي- اعتبار نظام الحُكم الذي ساد في الفترة من 1965م، وحتي انقلاب النميري في مايو 1969م، بأنه كان نظاماً ديمقراطياً. وهي الفترة التي تُعرَف في تاريخنا السياسي، بالديمقراطية الثانية. ففي رأيي، الديمقراطية وُئدّت، وهي لَم تُكمِل عامها الأول، لينقّلِبَ الحُكم إلي نظام حُكم مُستّبِد. والشاهد علي ذلك، ما قامت به الجمعية التأسيسية وقتها، بانقلابها علي الديمقراطية الوليدة، بانتهاكها لأحكام الدستور المؤقت المعدل لسنة 1964م، في تلك المُتعلقة بالحقوق والحريات الديمقراطية. وأُضيفَ إلي ذلك، انتهاكٌ أخر، عندما رفضت السُلطة التنفيذية، مُمثلة في حكومة الصادق وقتها، الانصياع لأحكام القضاء. وهو أيضاً انتهاك، يتعلق بمبدأ أساسي في الدستور، وهو استقلال القضاء وسيادة حُكم القانون - تخيَل سيادة حُكم القانون الأعلي بالدولة رهين بالتقدير الشخصي!- بالتالي فعدم خضوع السُلطة التنفيذية لحُكم القضاء، الذي كان قد قضي، ببطلان حل الحزب الشيوعي السُّوداني في العام 1965م، بعد أن أبطلت المحكمة العليا، التعديلات الدستورية، التي أدخلتها الجمعية التأسيسية علي الدستور، أهدرَ تماماً، استقلال القضاء وسيادة حُكم القانون. ولا شك، أن عدم تنفيذ قرارات وأحكام القضاء، يُوصم نظام الحُكم بالاستبداد.
رغم أن الانقلاب علي الديمقراطية الذي قامت به الجمعية التأسيسية -إسقاط عضوية نواب جاءوا عن طريق الآليّة الديمقراطية المُتمثلة في الانتخابات- بإلتفافها علي الفقرة الثانية من المادة الخامسة، من الدستور المؤقت المُعدل لسنة 1964م، والتي كفلت حُرية الرأي والتعبير وحق تأليف الجمعيات والاتحادات، أمرٌ تَمَّ مُعالَجّته، مِن قِبَل القضاء، وبالتالي، كان في الإمكان، تصحيح المسار الديمقراطي، من خلال خضوع السُلطة التنفيذية لأحكام القضاء، إلا أنّ السُلطة التنفيذية وقتها، ضربت عرض الحائط، بأحكام القضاء. ونقلَت البلاد بذلك، من هامش الأزمة إلي مركزها المُشتعل، بعد أن أهدرت مبدأً أساسياً من مباديء الديمقراطية، وهو استقلال القضاء، الذي يُعتبر الضمانة الأساسية لخُضوع الدولة ومؤسساتها للقانون، وضمانة أساسية للحقوق والحريات التي كفلها الدستور. وهذا ما دفع برئيس القضاء وقتها بابكر عوض الله لتقديم استقالته في العام 1967م، احتجاجاً علي قرار الحكومة، قائلاً قولته المشهورة بأنه لا يتشرف بالبقاء في منصبه في ظل حكومة لا تحترم أحكام القضاء. وليس غريباً والحالة هذه، أن يتداعي نظام الحُكم آنذاك. فبعد كلِ ذلك، عَن أيّ نظام ديمقراطي وديمقراطية ثانية نتحدث؟! فالقضية قضية نهج، ومُمارسة للسُلطة. فالديمقراطية قيّم ومباديء، وليست إجراءات شكلية، لتحقيق مكاسِب تكتيكية مؤقتة، تنتهي بالوصول إلي سُدة الحُكم.
لذا، يبقي مُهماً، استدعاء تلك الفترة، وذلك الدور الذي قامت به المحكمة العليا، في محاولة تصحيح المسار الديمقراطي، بحمايتها وحراستها لدستور 1956م المُعدل لسنة 1964م وانتصارها للمباديء الديمقراطية، بحكمها التاريخي ذلك، مؤكدة سهرها علي حماية الدستور، وحيّاد القضاء وموضوعيته، لنَستلهِم من ذلك الدروس والعِبّر. فالاستقرار الديمقراطي رهين باحترام الدستور والخضوع لأحكامه. وأظن أن لا أحد يملك سبباً، يجعله يرتاب، بأن عدم الخضوع لأحكام ذلك الدستور، عجّلَ بنهاية نظام الحُكم الديمقراطي المزعوم.
احترام الدستور يفترض احترام المباديء التي يتضمّنها الدستور :
لا خلاف في أنّ ثمة تناقض بين أحكام الدستور الانتقالي لسنة 2005م، وبين الكثير من القوانين التي بقيت سارية، بل، وللأسّف، صدرت قوانين لاحقة، تُناقض أحكامها أحكام الدستور، وتُؤثِر تأثيراً مُباشراً علي الحقوق والحريات التي كفلها الدستور. فما معني أن نضَعَ دستوراً ونُشَرّع في ذات الوقت، قوانين تُناقض أحكام الدستور!!. فاحترامنا الدستور يفترض احترامنا للمباديء التي يتضمّنها الدستور، والتي يأتي في طليعتها، الحقوق الأساسية والحريات الديمقراطية. فاحترام الدستور لا يتجزأ، ويكون بإعمال أحكامه، وبأن تستمد القوانين شرعيتها من الدستور. كما لا تقتصر علي القوانين، ضمان إعمال الحقوق والحريات، التي يكفلها الدستور فحسب، بل يجب أيضاً أن تحمي القوانين، تلك الحقوق والحريات. فعَلَي القوانين أن تشق الطريق للتقدم والوعي الاجتماعي، لا أن تُصبِح أداة مِن أدوات القهر والإضطهاد وتكريس الاستبداد.
الطريق للديمقراطية وإنقاذ الوطن :
غَنِيٌ عن القول، أن الدستور هو الوثيقة التي تُحَدَّد طبيعة الدولة، ونظام حُكمها، وشكل الحكومة والسُلطات واختصاصها، ويُنظم علاقتها. بالإضافة، لأهم المبادئ الدستورية. التي يتضمنّها أي دستور ديمقراطي. ومع الوضع في الاعتبار الظروف التي مرّت بها البلاد منذ الاستقلال وما لَحقَ بمواطنيها، خاصة بعد 1989م، فيجب أن يتضمن الدستور القادم جميع هذه المباديء، والتي تتمثل في: الفصل بين السُلطات، واستقلال القضاء وسيادة حُكم القانون، والحقوق الأساسية والحريات الديمقراطية، ومبدأ التداول السلمي للسُلطة، والتعددية الحزبية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان الحد الأدني لمقومات العيش الكريم، والعمل علي انتهاج سياسة اقتصادية، قائمة علي المنفعة المُتبادلة، تنهَض بالاقتصاد الوطني وتُحقِق الرفاه المادي للجماهير، وتلغي التطور غير المُتوازن بالبلاد وتبني السلام الاجتماعي. بالإضافة لذلك، مبدأ استقلال الجامعات، وأجهزة الإعلام العامة وقوميتها، ومبدأ العدالة الانتقالية لضمان إمكانية تحقيق السلام والمُصالحة الوطنية، ونشر وتعزيز الثقافة الديمقراطية. واعتباراً لخصوصية البلاد، لابد أن تتضمَّن المبادئ الدستورية، أن التنوع الديني والعرقي والإثني والثقافي، هو أساس وحدة البلاد. جميع هذه المباديء وغيرها يجب أن تُدرَج كمباديء دستورية في الدستور، ويجب اعتبارها جميعاً مباديء مُلزمة، وليست مُوَجَّهه.
إنّ البدء في عملية بناء دستور ديمقراطي، يستلزِم قبل كل شيء، إتخاذ خطوات، توفر الحد الأدني لبناء الثقة بين جميع الأطياف والمكونات السُّودانية المُختلفة، بما يقود لخلق المناخ المُلائم، لعملية بناء الدستور. وغَنيٌ عن القول، أن هذه الخطوات تتمثل في إعلان وقف الحرب، في كلٍ مِن دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وإطلاق سراح جميع المُعتقلين السياسيين، وإلغاء القوانين المُقيّدة للحريات، وبسط الحريات العامة في ربوع الوطن، ما يُشجع مُنظمات المجتمع المدني، علي القيام بالدور المنوط بها، ويكفل للأحزاب والقوي الوطنية حقها في مُمارسة أنشطتها بكل حرية. وبما يسمح ويُشجع في ذات الوقت، الحركات المُسلحة علي مُمارسة العمل السياسي. وفي رأيي، إن أُتخذت كُل هذه الخطوات، وبقيّ الحزب الحاكم في إصراره علي رفض مطلب قوي المُعارضة، والمُتمثل في تشكيل حكومة انتقالية، فإن توفر الضمانات، التي تقود إلي تنفيذ الالتزامات، دون التلكؤ فيها، هي التي ستُبَدِد غيوم عدم الثقة، لأن الاتفاقيات الموقعة علي قفا مَن يشيل. ومن المؤكد، سيّتِم التوصل إلي توافق وطني، إن أعمّلنا لغة الحوار وتوفرت الإرادة السياسية. لتُجري بعد ذلك، انتخابات حُرة ونزيهة، تأتي بمُمَثلِين حقيقيين عن الشعب السُّوداني، ليُعبِروا عن تطلعاته.
الوطن تَقَوَّسَ ظَهرُه، مِن فَرط ثقل أخطاء بَنِيهِ، وضرباتهم المُوجعة. والحزب الحاكم لَم يَعِ الدَرس، بإنفصال الجنوب، فلا زال الوطن يتلقي الضربة تلو الضربة، في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. كما أن تنامي الفقر والبطالة والفساد، وتدهور الاقتصاد، والسياسات الاقتصادية الفاشلة، التي أدت إلي استفحال الضائقة المعيشية، كُلها أُمور يجب مُعالجتها، ووضعِ حدٍ لها، لأن الجماهير الجائعة، قطعاً، لن يُشبعها أيّ قدر من الحُريّة السياسيّة. مع الأخذ في الاعتبار أنّ "التراكم النضالي ضد القهر والاستبداد والسياسات المُعادية للشعب والوطن يجعل في نهاية المطاف خيار الثورة والانتفاضة أمراً حتمياً لا مناص عنه ولا مرد له". الماركسية وقضايا الثورة السودانية ص124.
تبقي هذه مُساهمة، عَلّها تفتَح الطريق، لنِقاشٍ وحوارٍ جاد، لنَبنِي معاً، بقومياتنا وأدياننا وأعراقنا وثقافاتنا المُختلفة، دستوراً ديمقراطياً نَحتّكِم إليه، ونَمتّثِل لأحكامه. دستور مَبنِي علي مُشاركة الجماهير، قائم علي الشفافية، يَعكِس التنوع، يُعَبِّر عن التوافق الشعبي. دستور يُجَّسِد بِحق، ذلك المُفتَتَح "نحنُ شعب السُّودان". دستور نَستّحِث من خلاله الخُطي لتحقيق تطلعات شعبنا في الحرية والعدالة الاجتماعية. دستور يُحقق المُصالحة الوطنية. دستور يُعتبر أداة، نُدِيرُ مِن خلاله صراعاتنا، ونركِن إليه عند الأزمات، بدلاً مِن الاحتكام إلي السلاح، الذي فجّر أنهار مِن الدماء، وقاد إلي انفصال الجنوب، ليقِفَّ شاهداً علي فشلنا في إدارة حوار وطني. وحتي لا يأتي اليوم الذي ننظُر فيه إلي الماضي، بأسَّف، لِما قُمنا به عن جَهل، مِن فصلِ، جزءٍ عزيزٍ أخر، مِن أرض هذا الوطن. "هذا الوطن، الذي أصبح هو الأنا لدَي الكثيرين".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.