صدع إسلاميو السودان الناس خلال تاريخهم القريب والبعيد بأحاديثهم عن عفة اليد واللسان ، وأنهم وحدهم هم أصحاب الأيادي المتوضئة والطاهرة ،وأنهم أصلب العناصر لأصلب المواقف ،وأنهم حراس العقيدة والدين ، والأعين الساهرة على الفضيلة ، وأن هدفهم الاسمي هو اقامة دولة العدل والمساواة و الحكم الرشيد ، وترسيخ دعائم المشروع الحضاري في ارض السودان.هذا حديثهم عندما كانوا في المعارضة وفي ساحات الجامعات واركان النقاش و دور العبادة والمساجد. فماذا حقق اسلاميو السودان ( الاخوان المسلمين ) من تلك الشعارات الرنانة عندما سيطروا على مقاليد الامور في السودان ووصلوا للحكم الذي اقاموه بليل و على ظهور الدبابات وافواه البنادق. وشاركوا على هدم نظام ديمقراطي كانوا شركاء فيه ، نظام منتخب جاء بارادة شعبية كاسحة بعد نظام مايو المستبد والظالم.. في نظر اقرب المحللين و المراقبين والمفكرين حتى من الاخوان المسلمين انفسهم وشركاء الاسلاميين بالامس وخصوم اليوم ان الاسلاميين في السودان قد فشلوا فشلا ذريعا ،ولم يحققوا شيئا من شعاراتهم ،ومارسوا السلطة كغيرهم ممن وصل الى سدة الحكم في مختلف انحاء العالم. وكانوا ابعد بشكل كبير عما حققه وانجزه حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان في تركيا او مهاتير محمد في ماليزيا .. فشل شمل كل اوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السودان.. فقد اغلق اسلاميو السودان السياسي أعينهم وصموا اذانهم عن كل دعوات الاصلاح ، ودمغوا كل مخالف لهم بالخيانة والعمالة والارتزاق حينا وبالنفاق وبالعلمانية حينا اخر، وبالطائفية والرجعية احيانا اخرى . وفجروا في خصوماتهم مع كل من اختلف معهم او قدم لهم النصح والارشاد في ان السودان بلد متعدد ومتنوع الثقافات والاعراق والاثنيات ،وانه اكبر من ان يحكمه فرد او حزب او قبيلة او طائفة او مؤتمر وطني وان هذا البلد القارة بهذه الصفات والتعدد لا يمكن الا ان يكون لكل ابنائه تعايشا وتعاونا ومحبة واخاء. ودخل اسلاميو السودان في مماحكات ومكايدات سياسية ومكابرة وسياسات دمرت السودان وذهبت بمقدراته وزلزلت كيانه واضعفت قواه الحية خلال حكمهم الذي امتد لنحو ربع قرن وعصف بكيان الدولة ومزقها الى دويلات ضعيفة تعايش اليوم الحروب والنزاعات والصراعات الاهلية والقبلية. لقد فشل اسلاميو السودان . وسقطوا سقوطا داويا .وبمشاركة رجالات الصف الاول في الحكم منفردين وعلى راسهم زعيمهم د. حسن الترابي وعلي عثمان محمد طه ونافع على نافع ، وعوض الجاز ، واحمد ابراهيم الطاهر وصلاح قوش وغازي صلاح الدين العتباني ومهدي ابراهيم وبقية العقد الفريد. وتركوا السودان والسلطة والبلاد اليوم تعيش في اسوأ حالاتها الاقتصادية والسياسية بعد ان جربوا فيها كل الحيل والاراء والافكار والنظريات .. وهذا ليس بمقاييسنا نحن بل بالمقاييس العالمية في التطور ونمو الدول والشعوب من حيث دخل الفرد والصحة والتعليم . حتى ان جامعة الخرطوم التي كنا نفخر بها لا تدخل اليوم في قائمة افضل 500 جامعة على مستوى العالم .هذا فضلا عن انهيارالاقتصاد والعملة السودانية ( ثمانية الاف جنيه مقابل الدولار الواحد) ، وارتفعت ديون السودان الخارجية الى نحو 43 مليار دولار ، والدين الداخلي لنحو 8 تريليون جنيه .وتلك لغة الارقام الصادقة والتي تعكس الواقع والحال الذي وصل اليه السودان .هذا فضلا عن تدمير الزراعة والمشروعات الكبرى كمشروع الجزيرة ، وتدمير الخدمة المدنية بشكل هائل للدرجة التي دفعت رئيس الجمهورية للقول "تاني مافي سياسة تمكين واولاد المصارين البيض" تلك السياسة التي قدمت اصحاب الولاء من الاسلاميين على اصحاب الكفاءة والخبرة ، وشردت آلاف العمال والموظفين واحالتهم الى الشوارع باسم الصالح العام ! هذا فضلا عن الفساد الذي ضرب اجهزة الدولة واصبح السودان بسببه في قائمة اعلى الدول فسادا في العالم على مقاييس منظمة الشفافية الدولية . فساد اشار اليه واكده ديوان المراجع العام في تقاريره السنوية الى جانب هروب مليارات الدولارات الى الخارج ومن بينها اموال ضخمة لاسلاميين في ماليزيا..والخطيئة الكبرى التي ارتكبها اسلاميو السودان هو قيامهم بفصل الجنوب ، و ضربهم عرض الحائط بتضحيات الالاف الذين ماتوا دفاعا عن وحدة البلاد وكرامتها في احراش الجنوب ومن اجل اقامة مشروعهم الحضاري ! وفوق ذلك كله لم يطبق الترابي ولا على عثمان محمد طه حكم الشريعة التي زايدوا بها ابان حكم رئيس الوزراء السابق الامام الصادق المهدي ووصفوه بالعلماني والسندكالي وصنعية الاستعمار وخريج اكسفورد وانه قال ان قوانين سبتمبر لاتساوي الحبر الذي كتبت ونظموا مسيراتهم بشعارها الشهير " شريعة شريعة ولا نموت الاسلام قبل القوت" وكانوا رجال سلطة تمسكوا بها وتركوها على مدى 25 عاما من حكمهم منفردين ، وتمزقوا شذر مذر الى وطني وشعبي و اصلاحيين و سياح! وبات السودان اليوم في ظل حكم الاسلاميين صريعا ومريضا في العناية المركزة لايستجيب لوصفات امهر اطباء الاسلاميين ومحاولاتهم المتكررة لضخ الدم و الاوكسجين . وذلك لفساد وصفاتهم ودوائهم الذي فقد صلاحيته كما اشار الى ذلك القطب الاسلامي الكبير د. قطبي المهدي والذي كان مستشارا سياسيا للرئيس ورئيس جهاز امن الدولة ورئيس المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في احد تجليات الضمير الانساني بقوله ان "حكومة الانقاذ دواء فقد صلاحيته. واصبحت تعيش رزق اليوم باليوم"! نحن لا نورد تلك الحقائق على سبيل الشماتة ،ولكنه لتقرير امر واقع وحقائق مشاهدة للقريب والبعيد عن حال السودان وبؤس اهله .حقائق لا ينكرها الا المكابرين الذين يرفضون سماع الحقائق من الاسلاميين واصناف اخرى من الاسلاميين الذين اثروا ثراء فاحشا وامتلكوا الدور والقصور واصبحوا في ابراجهم لا يحسون بمشاكل الفقراء والمحرومين .. مثلما قالوا لنا ان السودان لن يتاثر بالازمة المالية العالمية ،وكرروا ذلك بان السودان ايضا لن يتاثر كذلك بفقد بترول الجنوب بعد انفصاله وكنا نضحك ونتساءل كيف تصدر مثل هذه الاقوال من شخصيات مسؤولة تعيش في عالم اليوم الذي تشابكت في المصالح الاقتصادية و انطوت فيه المسافات وزالت فيه الحجب بفضل ثورة الاتصالات وتكنلوجيا المعلومات. الا اذا كان هؤلاء الاشخاص بهم صمم ويعيشون في كهوف وجزر منعزلة . كنا خارج ارض الوطن نتابع احداث السودان بإشفاق ودعوات وعلى مدى 17 عاما . وما كان اسهل علينا ان نكتب ما كتبناه هنا اليوم على صفحات اشهر الصحف العربية ، فقد كنا نعمل في صحف ذات وزن ، او على الشبكة العنكبوتية او في الفيس بوك او يوتوب او تويتر او غيرها من شبكات التواصل الاجتماعي العالمية ،وما اكثر من كتبوا بصدق وبشفافية وشجاعة ورمتهم اجهزة النظام بالخيانة والعمالة والارتزاق وذهبت كتابات الكثيرين منهم ادراج الرياح و كانت صيحات في اودية الانقاذ العميقة وكهوفها التي لا تسمع فيها الا الحانها واشجانها "روسيا روسيا قد دنا عذابها على ان لاقيتها ضرابها و"ناكل ممانزرع ونلبس مما نصنع" . لم يرفق اسلاميو السودان باحد كبيرا كان او صغيرا .وكانوا كالمنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى .ولم يبقوا لنا في السودان ظهرا ولا ارض المليون ميل مربع ، ولم يستبيوا النصح الا في ضحى الغد . ونحن اليوم نعيش على اعتاب مرحلة جديدة ومفترق طرق والبلاد تمر بها الذكري الثامنة والخمسين لاستقلالها .. وكنت مندهشا امام تكريم الرئيس البشير للامام الصادق المهدي ومنحه ارفع وسام في الدولة لمواقفه الوطنية ..فقد ظل الرجل بحق يقود حركة المعارضة ببراعة في ظل الاعاصير والرياح والبحار الهائجة والازمات . يقدم المبادرات والمساعي ، ويطرح الافكار ، ويعقد الاتفاقيات ، ويشارك في اللقاءات والمناسبات والمؤتمرات في الداخل والخارج بافكاره وارائه الحكيمة ، وجهوده السلمية في ادارة الصراع السياسي ويقدم النصح من اجل ايجاد حلول مستدامة وتحول سلمي وديمقراطي يجنب البلاد الويلات والحروب والصراعات ، ولكن بكل اسف لم يستجب له احد في سلطة الانقاذ وصد عنه اسلاميو السودان بمكابرة ومكر ودعوات بلحسان الكوع ! واليوم يقدم مولانا محمد عثمان الميرغني مبادرة الحزب الاتحادي الديمقراطي كمبادرة وطنية ، صادرة عن واحد من اكبر الاحزاب في السودان تحاول ان تطرح الحلول لمشاكل السودان المستعصية ،وان تسهم في جمع الشمل الوطني، وتحقق للسودان السلام والاستقرار. فهل يستجيب اهل الحكم لتلك المبادرة الوطنية الشجاعة والمخلصة. خاصة بعد فشل الاسلاميين في الحكم كما فشل غيرهم من ناصريين وقوميين عرب وبعثيين وشيوعيين جربوا وكانوا في الحكم بسلطات مطلقة وقاهرة وباطشة .. مما يساعد على نجاح تلك المبادرة انها جاءت بعد التغييرات الواسعة التي اجراها الرئيس البشير في سدة الحكم، وابعدت مراكز القوة على حسب تقديرات المتفائلين من المراقبين ، والتي نأمل ان تفتح تلك الخطوة الباب واسعا امام الرئيس البشير ليمضي قدما في جمع الصف الوطني ، وينفتح على شعبه باطيافه كلها ،والعمل على حشد جهود السودانيين جميعهم لاقرار دستور يحقق العدالة والمساواة وحكم القانون ، ويفتح بابا امام الحريات العامة والصحافة الحرة ،وان يشعر كل سوداني انه حر ويتمتع بكافةحقوق المواطنة ، وان تمهد مبادرة الميرغني و خطوة الرئيس البشير في اقامة انتخابات حرة و نزيهة وشفافة تشارك فيها جميع الاحزاب ، وتفضي لحكومة منتخبة ، تعمل على ترسيخ عملية السلام والديمقراطية والتنمية.