الدعم السريع يغتال حمد النيل شقيق ابوعاقلة كيكل    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    وصول البرهان إلى شندي ووالي شمال كردفان يقدم تنويرا حول الانتصارات بالابيض    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    عقار يوجه بتوفير خدمات التأمين الصحي في الولايات المتأثرة بالحرب    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    الإمارات العربية تتبرأ من دعم مليشيا الدعم السريع    محمد الفكي يتهم إسلاميين بالتخطيط لإشعال الشرق    حسين خوجلي يكتب: مدينة الأُبيض ومن هناك تبدأ الشرعية ومجتمع الكفاية والعدل    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    لافروف: العالم يشهد أزمة في مجال الحد من التسلح وعدم الانتشار النووي    أمانة جدة تضبط موقعاً لإعادة تدوير البيض الفاسد بحي الفيصلية – صور    نصيب (البنات).!    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    بمشاركة أمريكا والسعودية وتركيا .. الإمارات تعلن انطلاق التمرين الجوي المشترك متعدد الجنسيات "علم الصحراء 9" لعام 2024    محمد وداعة يكتب: حميدتى .. فى مواجهة ( ماغنتيسكى )    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد بالفيديو.. الناشطة السودانية الشهيرة مدام كوكي تسخر من "القحاتة" وحمدوك: (كنت معاهم وخليتهم.. كانوا سايقننا زي القطيع وبسببهم خربنا وش مع البشير لمن قال أدوني فرصة)    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجندر والتحالف في وسط السودان .. عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
نشر في سودانيل يوم 26 - 01 - 2014


الجندر والتحالف في وسط السودان
Gender and Alliance in Central Sudan
Susan M. Kenyon بروفيسور سوزان كنيون
عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
هذا عرض وتلخيص لبعض ما ورد في مقال لبروفيسور سوزان كنيون الأستاذة الفخرية لمادة الأنثربولوجي (علم الأجناس) بجامعة بتلر بولاية انديانا الأمريكية، والذي نشر في العدد التاسع من مجلة علم الشيخوخة بين الثقافات Journal of cross-cultural gerontology لعام 1994م.
تناقش بروفيسور كنيون هنا أمر المصاعب التي تكابدها المرأة السودانية في مجتمع تسوده ثقافة ذكورية، وتناقش في أصول المشاحنات التي عادة ما تنشأ بين الزوجة السودانية وأصهارها (أم وأخوات الزوج)، وذلك في إطار التوتر المتأصل في المجتمع الذي تسود فيه الزيجات التقليدية المدبرة سلفا، خاصة بين الأقارب. وتزعم الكاتبة أنه قد صاحبت وأعقبت التطورات المهمة التي حدثت في السودان في عديد الجوانب الاقتصادية والاجتماعية كم هائل من التغيرات الكبيرة في تركيب الأسرة السودانية، وكذلك في الفرص المتاحة أمام المرأة مما قلل من آثار ذلك الصراع القديم (بين الزوجة وأصهارها)، وأدى لقيام تحالفات جديدة بين النساء.
تتعرض ورقة بروفيسور سوزان كنيون لقصص سمعتها من أفواه النساء في غضون سنوات ثمانينات القرن الماضي الأولى (1979 – 1985م) والتي قضتها بمدينة سنار الواقعة على النيل الأزرق، وكانت تلك القصص هي مدخلها لمناقشة التغيرات الإقتصادية والاجتماعية التي حدثت في السنوات الأخيرة في ذلك المجتمع.
بدأت الكاتبة مقالها بقصة تراجيدية (لا تخلو من غرابة) وقعت في قرية تقع بالقرب من سنار وتوضح – بالنسبة لها على الأقل- نوع العلاقة السائدة بين الزوجة وحماتها. جاء في القصة أن فتاة صغيرة متزوجة من رجل مغترب بالسعودية رزئت ب "نسيبة" غاية في اللؤم والشراسة لا تكف عن تقريعها ومضها بالقول، وكانت تلك الزوجة الصغيرة تكتفي بالصمت الكريم وتتجاوز عن كل ما لحق بها من أذي من حماتها الشريرة. وعندما عاد الابن من مهجره بعد غياب عامين شكت له أمه من زوجه وطالبته بتطليقها على الفور. وعند سماع الزوجة بذلك قامت بوضع صبغة حناء سامة (وليس زرنيخا كما ذكرت الكاتبة خطأ. المترجم) في قهوة حماتها فماتت العجوز بعد نحو ساعتين من تناولها لذلك السم. ودل بحث وتحريات الشرطة على أن القتيلة قد تناولت سما في قهوتها، وأشارت يد الاتهام للزوجة الصغيرة. وما أن سمع الزوج بذلك حتى طلق زوجته وهب من فوره وذهب لقاتلة أمه وأطبق يديه على عنقها وقتلها. لم تفعل الشرطة شيئا لمن أخذ القانون في يده باعتبار أن الرجل قد أقتص لنفسه من قاتلة أمه.
في مثل هذا النوع من القصص يميل الناس عموما (والنساء على الخصوص، حتى المسنات منهن) في وسط السودان إلى التعاطف مع الزوجة الصغيرة أكثر من الحماة. ومن المسلمات عند النساء في مجتمع وسط السودان أن أهل الزوجة (خاصة أم وأخوات الزوج) عادة ما يسيئون معاملتها، ولعل هذه هي من الموضوعات الأثيرة للنساء من مختلف الأعمار عند تجمعهن في جلسات الغيبة "القطيعة" والمؤانسة، فهي من الاهتمامات والقواسم والهموم المشتركة والتي قلما تنجو منها إحداهن.
ولا ريب أن مثل قصة الزوجة الصغيرة التي ذكرت آنفا تبين مقدار عدم المساواة بين الرجال والنساء في مجتمع وسط السودان، فهو مجتمع أبوي (patrilineal) أو من الناحية الإيديولوجية على الأقل مجتمع يميل إلى عائلة الزوج (patrilocal) أو مجتمع بطريركي (patriarchal) أكثر ما يميزه هو الفصل بين الجنسين، وهيمنة الرجال على النساء، وإلزام المرأة أن تبقى فيه مستكينة أو معزولة (على الأقل في حضرة جمع من الناس). ولكن يجب أيضا القول هنا أن هذا الأمر في واقع الأمر ليس بهذه البساطة ويختلف مثل هذا السلوك بحسب عوامل عديدة. وكما توضح القصة التي ذكرت في بداية المقال فإن عدم المساواة ينطبق على النساء فيما بينهن أيضا، ويختلف بين النساء والرجال. فمن الناحية السلوكية فإن بعض النساء ينلن حظا من المساواة أكثر من غيرهن، وربما يكون مرد ذلك هو أعمارهن الاجتماعية (social age). فالمرأة الصغيرة يجب عليها إبداء كامل الاحترام للمرأة المسنة، وهذه المرأة المسنة يجب عليها في المقابل إظهار الاحترام للرجل حتى وإن كان صغيرا في السن.
وفيما يتعلق بعلاقة النساء والرجال في الأمور الاجتماعية فإن مجتمع وسط السودان يمتاز بالاهتمام بالسن والقرابة، وهما عاملان مهمان يحددان دور كل من الجنسين في مجتمعي النساء أو الرجال المصغرين. وفي المناطق الحضرية، والتي يكثر فيها تحرك الناس وتنقلهم بين الأماكن (mobility)، تظهر أيضا عوامل أخرى تحدد التراتيب الاجتماعية مثل الوضع الاجتماعي والتعليم والرتبة وغير ذلك.
وفي موضع آخر حكت عن قصة مخالفة للقصة الأولى، إذ أننا نجد في هذه القصة الثانية الحماة (النسيبة) وهي توصف هذه المرة بالمرأة "المسكينة" والتي تعاملها زوجة ولدها الموظفة المتعلمة بتعال وغرور وقلة احترام، وترفض مساعدتها لها إبان أيام وضوعها، بل وتشتكي منها لزوجها (المحب لها)، فينتصر الزوج لها ضد والدته!
حدثت في السودان خلال السنوات الثلاثين الماضية (1955 – 1985م) تغيرات اقتصادية واجتماعية وبيئية وسياسية وثقافية عديدة، فقد دخلت في البلاد بعض الصناعات أسرعت بعملية الانتقال لمجتمع حضري تساهم فيه المرأة بدور نشط. ولمست الكاتبة بحسب ما تقول من خلال عملها في منطقة فقيرة تقطنها نساء من مناطق ريفية مجاورة لسنار(والتي عدتها المدينة السابعة عشر في ترتيب المدن السودانية) أن أولئك النسوة لديهن مشاعر إيجابية تجاه الحياة الحضرية، بسبب ما توفره لهن شخصيا من مزايا، وللفرص العديدة التي تتيحها تلك الحياة لأولادهن في مجالات الصحة والتعليم والتوظيف والحياة الاجتماعية على وجه العموم. ولم تبد إلا قله منهن الندم أو الأسف على الهجرة من قراهن الأصلية (والتي يزرنها بانتظام على كل حال) إذ قد أفلحن حيث أقمن بالمدينة في بناء شبكة علاقات اجتماعية وقرابات مصطنعة / زائفة (pseudokin) ليس بها أو عليها قيود. وكانت الميزة الكبرى لسكنهن بالمدينة هي حصول كل واحدة منهن على منزل مستقل يحررها من السكن الجماعي في وسط عائلة الزوج في القرية.
لا يزال الزواج بحسب رأي الكاتبة هو الحدث الأعظم في حياة كل رجل وامرأة في وسط السودان، ولا تبقى دون زواج عادة إلا قلة من الجنسين. بيد أن نمط الزواج قد تغير في العقود الماضية، فلم يعد الشاب يترك أمر اختيار زوجته لوالدته، وقلت نسب الزواج بين الأقارب، وتلعب الآن المرأة دورا في اختيار زوجها وفي تنظيم عملية الزواج. وهنالك أيضا عامل الاستقلال الاقتصادي للمرأة (إما بسبب الحاجة أو الرغبة أو كليهما)، وعامل اغتراب الأزواج في دول الخليج العربي بسبب سوء الأحوال الاقتصادية بالسودان، مما يترك الزوجة هي "رأس العائلة" في كثير من الأحوال، على الرغم من وجود رمز " بطريركي" كالأخ أو الولد أو أي قريب من الذكور.
يبدأ فصل الجنسين في منطقة سنار (ووسط السودان عموما) في مرحلة مبكرة في عمر الأنثى. قسمت الكاتبة دورة حياة الأنثى إلى خمس فترات هي الميلاد إلى سن البلوغ، ثم سن البلوغ إلى سن الزواج، وسنوات الزواج، ومن نهاية سنوات الإنجاب إلى سن انقطاع الطمث، ثم أخيرا سنوات العجز، وفصلت خصائص كل فترة كما يلي.
1. فترة الميلاد إلى سن البلوغ: يلعب الأطفال من الجنسين في هذه الفترة سويا دون قيود، ويتوقف ذلك بعد الختان (عادة بين سن الرابعة والثامنة). وتتعرض كثير من البنات للختان بأنواعه المختلفة ومن بينها ما يسمى بالفرعوني (وهو بعكس الختان السني الأخف وطأة) غير مقبول قانونا، بيد أنه لا يزال يمارس.
تقوم صغار الفتيات بمساعدة أمهاتهن وأخواتهن الكبار في عمليات النظافة وغسيل الملابس والاعتناء بالصغار وخدمة الضيوف (ويتعلمن هنا إبداء الاحترام للكبار). بينما يقوم الأولاد في هذه السن بالظهور علنا للمجتمع، ويبعث بهم لقضاء الحاجات وجلب الأغراض من الجيران ومن السوق وغيره.
2. فترة سن البلوغ إلى سن الزواج: بعد عملية الخفاض يجب أن تكف البنت عن اللعب مع الأولاد وأن تلبس لبوس التواضع والتحفظ أمام العامة، أو عندما تقابل كبار النساء، حيث يجب عليها أيضا تغطية شعر رأسها. ولا تفرض عزلة على البنت في هذه السن، بيد أن حركتها خارج الدار تظل محسوبة ومراقبة. وتتولى البنت بعض أعمال البيت تحت إشراف أمها وقريباتها اللواتي يكبرنها سنا. وعند بلوغ البنت سن البلوغ (حتى وإن كانت في المدرسة) تبدأ العائلة تفكير جديا في أمر تزويجها. وعادة ما تكون حفلات الزواج والمناسبات الاجتماعية الأخري فرصا مواتية للشباب للبحث عن فتاة أو شاب للزواج. وتتبادل الأمهات والخالات والعمات عندما لقاء الصديقات سير الشباب المقبلين على الزواج واحتمال تقدمهم لخطوبة فتاة بعينها.
3. فترة الزواج والإنجاب: هنالك تمييز واضح جدا في مجتمع وسط السودان بين المرأة المتزوجة وغير المتزوجة. وفي المدن كسنار يكون العريس عادة في أواخر العشرينيات ولكن قلما يتم تزويج بنت يقل عمرها عن 16 سنة. ويكون احتفال العرس هو أهم احتفال في المجتمع السوداني، وأهم احتفال للرجل وللمرأة على المستوى الشخصي. وتكون الليلة التي تسبق العرس محتشدة بالإثارة والدراما عند عائلتي العريسين. وتتولي أخوات وقريبات العروس من المتزوجات تجهيزها وتعليمها ما يجب عليها فعل في أمور الرقص وحركات الجسد والسلوك وغير ذلك.
أفاضت الكاتبة بعد ذلك في وصف أحوال المرأة المتزوجة وزينتها وعطورها (مما لا يسمح به لغير المتزوجة)، وما يفعل بها بعد كل ولادة لطفل من ما أسمته "إعادة الختان" وعن عودتها لزوجها وهي ك "العروس الجديدة".
عند إنجاب المرأة لعدد كبير من الأطفال تقوم أخواتها وقريباتها من غير المتزوجات بالمساعدة في رعايتهم. ومن هنا يبدأ ظهور "سلطة" المرأة المتزوجة على من يصغرها من النساء، وسيشمل ذلك فيما بعد بناتها وزوجات أولادها أيضا.
يتوقع من الزوجة الصغيرة السن – كما يتوقع عند غيرها من النساء- أن تظهر الخضوع والتواضع والتحفظ مع الجميع، وأن توفر كل جهدها وطاقاتها لخدمة بيت زوجها (بيت العائلة). وينظر المجتمع للمرأة المتزوجة على أنها امرأة مسئولة، وتظفر عادة بقدر معين من الاستقلال إذ أنها لم تعد عالة على بيت أبيها.
4. نهاية فترة الإنجاب وبداية سن انقطاع الطمث: مع تقدم المرأة في السن وعندما يكبر أطفالها تحصل المرأة على قدر أكبر الحرية وتتحلل تدريجيا من ما هو مفروض عليها في المرحلة السابقة من عمرها (أنظر رقم 3 أعلاه)، وتدع بعضا أو كثيرا من مسئوليات البيت والعائلة لبناتها، وتتحرك حيث تقطن، وتسافر بحرية خارج دارها مشاركة بفعالية أكثر في شبكة العلاقات الاجتماعية النسائية الواسعة. وفي هذه المرحلة من الحياة تحصل امرأة وسط السودان على قدر من السلطة والنفوذ في دائرة النساء من حولها وأيضا في عالم المجتمع الواسع. ويجب عليها في هذه المرحلة من عمرها أن تسدي النصح والإرشاد لصغار الفتيات في داخل وخارج عائلتها في أمور الحياة العامة والخاصة، وغالبا ما تكون هي "صاحبة القرار" في بعض أو كل هذه الشئون. وبالإضافة للاستقلال الاجتماعي يتاح للمرأة في هذه السن أيضا استقلالا اقتصاديا، إذ يمكنها العمل في مهن لا تقبل مجتمعيا عادة ممن يصغرها في العمر.
5. فترة كبر السن (العجز): تسمى المرأة في هذه السن "حبوبة" (ويسمي الرجل "جد"). تنال المرأة والرجل في هذه السن قدرا كبيرا من الاحترام والاستقلالية، رغم اعتمادهما الكبير على أولادهم البالغين. وفي حالة النساء يكون الاعتماد الأكبر في رعاية مسنات العائلة على الأخوات اللواتي يكن عادة في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من العمر.
تحالفات جديدة في مجتمع مدنيNew Alliances in Urban Society
منح العيش في الحضر النساء السودانيات فرصا جديدة لم تكن متاحة لهن في القرى، وقامت نساء الحضر بعقد تحالفات (غير رسمية) وشبكات رعاية وحماية (patronage) لمن يصغرهن في السن، وشبكات أخرى للاتصال مع الجيران والصديقات والمجموعات ذات المصالح الخاصة (special interest groups). سمت الكاتبة تلك الشبكات والتحالفات ب "الواسطة" والتي تفهم على إنها استفادة المرء من علاقته أو صلته بمن يحقق له رغبة أو هدف معين. وفي حالة كبار السن من النساء فإنهن في موقف من يمكنه تقديم النصح والإرشاد والمساعدة لمن يصغرهن من النساء الأخريات.
عددت الكاتبة أنواع التحالفات الممكنة وشملت التحالفات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والتعليمية والدينية تلك المتعلقة بالعادات والطقوس التقليدية.
1. التحالفات الاجتماعية: تربط نساء وسط السودان في مجال العلاقات الاجتماعية شبكة متداخلة وبالغة التكامل ومستقلة تماما عن عالم الرجال. وتتزاور النساء أحيانا عند الضحى وغالبا في فترة الظهيرة، ويعد رد الزيارة أمرا لازما لاستدامة الصلات بينهن.
وتكون الزيارات إما "غير رسمية"، وهذه تكون يومية تقريبا لصديقة مقربة بغرض تناول القهوة أو الشاي وتبادل الأخبار أو المشاركة في حمام البخار ( لعلها تقصد "الدخان" السوداني المعروف. المترجم) واستعراض إنجازات اليوم السابق (خاصة في مجال الحنة) أو غير ذلك. وقد تكون الزيارات "شبه رسمية" بغرض تبادل التهاني بمناسبة ما كشراء سيارة أو وصول ضيف من مكان بعيد، أو شفاء مريض أو غير ذلك. وقد تكون الزيارات "رسمية" مثل أداء فروض العزاء في من رحل أو حضور "كرامة" أو حفل ختان أو زواج أو غير ذلك. ويتوقع في مثل هذه الزيارات الرسمية المساهمة في تكاليف المناسبة (إما بدفع مبلغ معين أو شراء مادة كثيرة الاستخدام مثل السكر) أو بالخدمة اليدوية مثل النظافة أو الطبخ أو غيره.
2. التحالفات الاقتصادية: رغم أن الصرف على الزوجة والأطفال يعد من واجبات الزوج، إلا أننا نجد أن الزوجات في المدن والمناطق الحضرية عموما يعملن خارج البيت للحصول على دخل يذهب جله على العائلة. ويستعاض الآن بتقديم النقد (الكاش) عوضا عن الخدمات التي كانت النساء تؤديها للعائلة الممتدة بيديها، وسمت الكاتبة هذا ب "اقتصاد الظل /الاقتصاد الخفي Shadow economy"، وهو اقتصاد شائع لم ينتبه له كثير من الرجال، ولم يعوا بعد لأهميته في جلب مداخيل متنوعة.
وتعتمد النساء على أنفسهن وصديقاتهن في قيام مشاريعهن الاقتصادية الصغيرة. ففي سنار مثلا تقوم بعض النساء ببيع كميات قليلة من الخضروات والمشروبات مثل القهوة والشاي على جانبي الطريق. وهنالك نساء أخريات في منتصف أعمارهن، كن أكثر طموحا إذ نجحن في إنشاء سوق نسائي في أطراف المدينة بعد أن حصلن على التصديقات اللازمة عقب زحفهن على مكاتب المسئولين الإداريين ومطالبتهن بالحصول على سوق (أكشاك) مستقل للنساء. وفي السنوات الأخيرة بدأت بعض النساء من صغار السن (وتحت ضغط الحاجة) في العمل في ذلك السوق تحت رعاية من تكبرهن سنا.
وهنالك مهن أخرى كانت تعد من المهن التقليدية، مثل مهنة القابلة (الداية). وهنالك الآن عدد من القابلات (في منتصف العمر) اللواتي أكملن تدريبهن في مدرسة القابلات التابعة لوزارة الصحة، ولكنهن (وخلافا للممرضات) لا يعملن بأجر ثابت من الحكومة نظير التوليد وعمليات الختان. وفي عام 1982 تجمع عدد من القابلات في سنار لمطالبة السلطات الصحية المحلية بمنحهن مرتبات ثابتة أسوة بالممرضات. وكما هو متوقع لم تنجح محاولتهن تلك إذ أن قرار منح القابلات مرتبات ثابتة هو قرار مركزي وليس محلي، بيد أن الدرس المستفاد من مطالبتهن تلك هو أن القابلات قد بدأن في تقدير قوة وفعالية العمل التعاوني الجماعي.
3. التحالفات المالية: تمارس النساء (خاصة من متوسطات وكبار السن) في المناطق الحضرية وسيلة ادخارية فعالة تسمى "الصندوق" وهي نوع من نظام الائتمان المتناوب (rotating credit system). وللكاتبة - ولغيرها أيضا من الغربيين - عدد من الأوراق عن هذا "الصندوق" كوسيلة ادخارية مبتكرة. وتدير "الصندوق" عادة امرأة موثوقة ومتفرغة من الأعباء العائلية وذات مال (لتغطية أي خسارة قد تحدث) ومعرفة بالقراءة والكتابة والحساب لمسك الدفاتر.
عملت الكاتبة مع امرأة في سنار كانت تدير عدة صناديق لمدة 11 عاما منذ أن أتت للمدينة قادمة من قرية مجاورة. ومن ما إدخرته تلك المرأة في تلك الصناديق نجحت في مساعدة عائلتها في إقامة مشروع صغير للنقل وشراء منزل. وكانت تلك المرأة تدير صناديقها بوعي تام بمن من النساء كانت تحتاج للمال فتعطيها "صرفتها" قبل الأخريات.
عادة ما تكون "ستات الصناديق" من قادة النساء في أوساط مجتمع النساء في وسط السودان.
4. التحالفات التعليمية: لا شك أن تعليم الأولاد والبنات ضرورة هامة بالنسبة لنساء المدن. ومع شيوع تعليم المرأة صار دخولها لمجال العمل (خاصة في المجالين الأكثر احتراما في نظر المجتمع: التعليم والطب) أكثر انتشارا، رغم أنه ما زال قليلا دون الطموح. ولا شك أيضا أن قلة عدد النساء في مجال الطب يعوق استفادة أعداد كبيرة من النساء من الخدمات الطبية. وكذلك تعوق قلة أعداد النساء في سلك التدريس الجامعي وجود "قدوة" للنساء في هذا المجال الحيوي، و تتسبب أيضا في قلة أعداد المشرفات الأكاديميات الكافيات لأعداد الطالبات المتزايدة في الجامعات.
كذلك ترتاد النساء الأميات مدارس "محو الأمية" بأعداد كبيرة لإيمانهن بأهمية القراءة والكتابة. وتقوم بالتدريس في فصول "محو الأمية" مدرسات ينلن مرتبات قليلة، تتم زيادتها من القليل الذي يؤخذ من الطالبات. ويتعدى تأثير مدرسات "محو الأمية" على طالباتهن مجرد تعليم القراءة والكتابة، فهن يعتبرن بمثابة "قدوة صالحة" لهؤلاء النساء الفقيرات، ويقدمن أيضا لهن معرفة فنية ومهارات تسويقية تكون عونا لهم في حياتهن العادية، وفي سوق العمل أيضا.
5. التحالفات الدينية: تعتبر الكاتبة أن للدين الإسلامي تأثير كبير على نساء سنار. فالإسلام يحدد نظام اليوم لهؤلاء النساء ويتخلل أفكارهن وكلماتهن، بيد أنه لا يوفر لهن قيادة أو تدريبا منظما. وتقبل النساء بالدور الذي حدده لهن الدين، بيد أن معظمهن لم يتلقين إرشادا وتعليما كافيا عن الإسلام نفسه. وفي سنواتها في سنار رأت الكاتبة عددا كبير من "رجال الدين" و"الشيوخ" الذين كانوا يتولون أمور المعالجات الروحية عند السكان، ولكنها لم تصادف إلا امرأة واحدة، كانت عالمة متدينة في منتصف الخمسينيات من عمرها تسمى "بت الجميل"، وكانت تتولى وعظ النساء وإرشادهن، وتداوي المريضات منهن بالعرافة ومختلف أنواع المعالجات الروحية. تعرفت الكاتبة عليها وعلمت منها أنها متزوجة من ابن عمها منذ أربعين عاما، وقد أدت فريضة الحج 9 مرات من قبل. قالت لها إنها ظلت تدخل ومنذ 21 عاما خلت في مرحلة انجذاب مرضي (trance) حتى تتصل بالله عن طريق خادم روحي يسمى بشير. توسعت الكاتبة بعد وصفها الموسع لما كانت تمارسه "بت الجميل" من معالجات روحية، وناقشت تفاصيل ومعاني الطقوس الشائعة عند النساء مثل "الزار" وغيره.
نختم بالقول بأن كثيرا مما أتت به هذه العالمة الأمريكية في مقالها قد يبدو عاديا ومألوفا للقارئ السوداني، بيد أنه بالقطع ليس كذلك لغير السودانيين. وعادة ما تجد في كتابات "الأجانب" عن السودان أبعادا قلما يتطرق إليها من يتصدى للكتابة عن مثل هذه الأمور الاجتماعية من السودانيين (وهم قلة على كل حال).
يلاحظ، وعلى وجه العموم، أن كثيرا مما أوردته الكاتبة قبل أكثر من ربع قرن قد تغير في زماننا الحالي، وغدت المرأة السودانية في كثير من مدن السودان (وسنار ليست استثناءا) تشارك بفعالية أكثر في مختلف ضروب الحياة، وعلى قدم المساواة مع الرجال في غالب الأحيان . بيد أن هذا لا يعني بالطبع أن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات قد تحققت، فالكثير من النساء (وربما بعض الرجال أيضا) يرون أن "عازة ما زال مشوارها طويلا". وربما سيكون من المفيد أن تجرى أبحاث أنثروبولوجية عن ذات المنطقة بعد مرور كل هذه السنوات لتقويم مدي التغيرات التي حدثت في أحوال المرأة الاجتماعية والاقتصادية غيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.