دُعيتُ إلى لقاء حسبته من اللقاءات التفاكرية والتشاورية بين عدد من رؤساء التحرير والأخ البروفسور إبراهيم غندور نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية، بدعوة تلقيتُها من الأخ الصديق مجدي عبد العزيز أحد مسؤولي أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني، ولكني فوجئتُ بأن اللقاء لم يكن لقاءً تفاكرياً ولا مؤتمراً صحافياً، إذ اختلطتْ فيه كل أجناس اللقاءات الصحافية مع مسؤول مهم في المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، ولكن يُحمد للأخ البروفسور إبراهيم غندور أن حرص أن يكون اللقاء مثمراً أياً كان تصنيفه من خلال اتساع دائرة اندياح الاستفسارات والأسئلة والتعليقات حول خطاب الأخ الرئيس عمر البشير الذي وجهه إلى الأمة السودانية ليلة أول من أمس (الإثنين). جميل من الأخ البروفسور إبراهيم غندور أن يقدم شرحاً وافياً حول ما اكتنف الخطاب من بعض ما أُثير حوله من غموض أو تصنيف بأنه لم يلبِ التوقعات المرتفعة التي أُثيرت حوله عبر الوسائط الإعلامية والصحافية، من حيث وصفه بأنه يحمل في طياته مفاجآت رئاسية. فاجتهد البروفسور غندور لتفسير ذلك بأن الخطاب قد فُهم خطأً من بعض متلقيه بأنه خطاب جماهيري، بينما في الحقيقة لم يكن الخطاب سوى وثيقة إصلاح شامل قدمها الأخ الرئيس عمر البشير بصفته رئيساً للمؤتمر الوطني، وقد قُدمت هذه الوثيقة باسم المؤتمر الوطني، باعتبارها رؤية حزبية. ولم تقدم باسم حكومة القاعدة العريضة، لأنها لم تشارك فيها العناصر المكونة لحكومة القاعدة العريضة سوى عناصر المؤتمر الوطني. كما أن هذه الرؤية التي قُدمت باسم المؤتمر الوطني من خلال وثيقة الإصلاح الشامل لكل الأحزاب والقوى السياسية، حكومةً ومعارضةً، لذلك لم تتنزل باسم الحكومة حتى لا تكون هناك ضرورة لمقابلتها برؤية للمعارضة. وتضمنت هذه الوثيقة الإصلاحية الشاملة مصفوفة لتفعيل العمل في الحزب والدولة كرؤية متكاملة لمصفوفات المؤتمر الوطني. وفي رأيي الخاص، أن الأخ البروفسور إبراهيم غندور اجتهد اجتهاداً مقنعاً في تفسير بعض ما جاء في متن ذلكم الخطاب من رؤى متكاملة وأُطر منظمة، لتقديم أُطروحات مقنعة حول جدوى الحوار الوطني في هذا الوقت العصيب من حياة الأمة السودانية جمعاء، دون تقديم آلية للحوار الوطني، لأن تقديم آلية الحوار قبل أن تُقدم للأحزاب والقوى السياسية، يكون بمثابة إنزال واقع جديد لم تشارك في تأسيسه تلكم الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، مشيراً إلى أن الدعوة التي تضمنها خطاب الأخ الرئيس عمر البشير طُرحت لجميع السودانيين بمن فيهم حملة السلاح حتى لا يُستثنى أحد أو تُقصى جماعة من مداولات هذا الحوار الوطني الذي مأمول منه أن يفضي إلى أجندات توافقية، يكون من مخرجاتها إحداث قدر من الوفاق الوطني، لمعالجة قضايا الوطن الراهنة. وأحسب أن المنهج الذي أراده الأخ الرئيس عمر البشير من خطابه، وكذلك التفسير الذي قدمه الأخ البروفسور إبراهيم غندور، كان عن أهمية الحوار الوطني، للبحث عن آلية توافقية تصل بنا إلى معالجات توافقية، ولم يكن هذا الخطاب نتيجة إحساس من الحكومة بضعف أو خوف، بل إذعان لواقع يتطلب تضافر الجهود، ونسيان المرارات، والاشرئباب إلى آفاق مستقبل رحب، يصب كله في إرساء دعائم الإصلاح الشامل والتغيير الكامل. أخلص إلى أن ما تقدم لا يمكن إنجازه إلا بتأكيد الإرادة السياسية للإصلاح الشامل وتوسيع المشاركة واستنهاض همم السودانيين داخل السودان وخارجه من أجل إنفاذ متطلبات هذا الإصلاح الشامل، ومن ثم تقديم معالجات حقيقية توافقية لقضايا الوطن في إطار الوفاق الوطني. وأكبر الظن عندي أنه لتحقيق بعض مؤشرات ما جاء في خطاب الرئيس عمر البشير ليلة أول من أمس التأكيد على قضايا الحريات، لا سيما حرية التعبير وحرية الصحافة والبحث عن رؤية تنم عن فهم عميق لتنمية مستدامة تكون من مخرجاتها الأساسية إخراج المجتمع السوداني من دائرة الفقر وليس الفرد وحده. وأيضاً من بُشريات هذه المؤشرات أن يسبق تنزيل القرارات الجمهورية حول قضايا بعينها، بعض التوقعات التي طالما انتظرها الشعب السوداني قاطبة في ذلكم الخطاب من إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وتوسيع مواعين الحريات والمشاركات السياسية، والتأكيد بمؤشرات حقيقية على أهمية السلام مع حملة السلاح من خلال لقاءات ومفاوضات مباشرة. ومن الضروري أيضاً في هذا الصدد، أن تكون هناك تنازلات حقيقية من المؤتمر الوطني حول بعض ممسكاته، كالتنازل عن رئاسة المجلس الأعلى للسلام ليتسنمه السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، وأن يتسنم رئاسة مفوضية الدستور الشيخ الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، باعتباره قامة دستورية لا يُنكر سبقها وصدقها في صناعة الدستائر، وألا يتغافل المؤتمر الوطني عن دور السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل في مبادرات الوفاق الوطني وإصلاح علاقاتنا الخارجية لا سيما تلك العلائق ما بين السودان ومصر ودول الخليج، بمنحه تفويضاً حقيقياً لتحركات، تفضي في نهاية الأمر إلى تطوير تلكم العلائق الخارجية. وتأكيد أن لهذه القوى ممثلة في قياداتها وجماهيرها دوراً في مآلات المعالجات المنشودة لقضايا البلاد والعباد.