كنت قد عزمت ألا أكتب إلا فيما ينفع الناس و لكنني أصبت بخيبة أمل كبيرة ككثير من المراقبين حول طريقة اعداد خطاب الرئيس البشير ثم مضمون و محتوي الخطاب فشعرت بالمسؤولية أن أتناوله بالتعليق و التقريع . سيكتب في كتاب تاريخ حكومة الإنقاذ والموتمر الوطني أن معالجتها لمشكلة الجنوب كانت أكبر أخطائها السياسية ، و مشروع سندس الزراعي أفشل برامجها التنموية و خطاب " الوثبة" في يوم الإتنين 27/01/2014 أعظم طامّة إعلامية ترتكبها. عندما كنا في المرحلة الثانوية وقت أن كان التعليم بخير ، درسنا كتاب البلاغة الواضحة و البيان لعلي الجارم و مصطفي أمين الذي كان متعة في علوم اللغة العربية ، أتي تعريفهم للبلاغة بأنها الإفصاح و البيان خلافاً للإبهام و الغموض، فمتي كانت اللغة و اضحة و بيّنة، سهل الفهم و طابق الكلام مقتضي الحال. يخامرني شك ، أن من صاغ ذلكم الخطاب المهزلة هو من الفاقد التربوي لثورة التعليم العالي و إن كان من الحاصلين علي الشهادات الجامعية، فتلك مصيبة و داهية تحتاج لبحث جذورها ، أرجو الأ يكون جزاؤه استراحة المحارب. إن الذي كتب و أعد الخطاب ومن وافق علي أن ينشر بهذه الصورة الهزيلة و المحرجة يفتقد إلي بديهيات العمل الإعلامي من أهداف، إعداد و مناهج، فاللغة أداة من أدوات التواصل الاجتماعي و لا تخدم الغرض إلا إن نجحت في نقل الأفكار و الرؤي، فهل فعل الخطاب ذلك و هو يخاطب عامة الشعب؟ و إن حاول معد الخطاب التنطّع و التكلف فقد فشل في ذلك أيضاً، فوقع في أخطاء جسيمة لا يمكن حصرها و نحت ألفاظاً ليست من اللغة و البيان في شيئ ، جعلت من رئيس البلاد مضرباً للتهكم و التندر في كل وسائل الاتصال. ابتداع ألفاظ ليست من اللغة في شيئ هي من علامات مرض الفصام النفسي في تحليل أزمات البلاد و ايجاد مناهج لحلها. قراءة المشهد جلس الرئيس في كرسي و أمامه مكبرات الصوت العالية لمختلف أجهزة الإعلام ، كانت الكاميرا علي نفس المستوي فحجبت الصورة معظم وقت الخطاب، الفشل شامل يلازم كل شيئ في الأعداد و التنفيذ. كانت وجوه قيادات الحكومة و المعارضة علي حد سواء تجسد روح اليأس و القنوط و هو تمثيل و اقعي لحال البلاد المأزوم. كانت وجوه قيادات الإنقاذ التي تم التخلي عنها: علي عثمان ، نافع , أحمد ابراهيم الطاهر ترهقها قَتْرة ، هل هو فقد المنصب و السلطة أم عدم الاقتناع بما سيُعْرض. الدبلماسيون الأجانب الذين لا يتحدثون العربية تم مدهم بسماعات للترجمة الفورية ، تري كيف استطاع المترجمون ترجمة هذا الخطاب العجيب ترجمة فورية ، لا بد أنهم استخدموا نوعاً من التدليس شبيهٌ بمترجم تشييع جنازة مانديلا كان هنالك دبلماسيون أجانب لم تتوفر لهم سماعات فأصبحوا يتلفتون كالأطرش في الزفة طيلة زمن الخطاب ، إذا فشلت بطانة الرئيس في اعداد الخطاب فلا تثريب علي إدارة المراسم . قبل اللقاء نصب حزب الأمة القومي شباكه الواسعة و اضعاً شروطه لكي يستسلم المؤتمر الوطني ، كان يأمل أن يصطاد حوتاً يغنيه مشقة النضال ، فاتت بصغار" الصير" التي لا تسمن و لا تغني من جوع. سوف لن يتعلم الدرس و يواصل التبشير بمنهجه القديم. شارك في اللقاء مساعد رئيس الجمهورية و ممثله المتجول للأمم المتحدة الذي بدا حائراً كعادته يترقب موعد رحيله مرة أخري : لا تأتي مصائب الوطن فرادي ، ننصحه بأن ألآباء كثيراً مايضّلون أبناءهم اختيار الطريق و الهدف. شارك مساعد الرئيس عبد الرحمن الصادق المهدي في اللقاء و بدا منهمكاً يدوّن بيان ومنهج الخطاب ، نناشده أن يشارك الجميع بفهمه إن كانت له القدرة لفك طلاسمه. يستعصم بجبل الإنقاذ و الطوفان يرتفع، حتماً سيقفز يوماً لسفينة النجاة ليبرر إنه كان يقوّض النظام من الداخل أو متحرّفاً لقتال. متن و صدى الخطاب الشكر موصول لصحيفة سودانايل الالكترونية التي بادرت بحس اعلامي رفيع بنشر متن الخطاب عندما صادف إهتمام الرأي العام تم تسمية الخطاب بخطاب الوثبة لتكرارالكلمة و المعني بصورة سمجة طوال النص، فقد وردت تسع مرات في الصفحة الأولي فقط. نجح الرئيس البشير في إكمال الخطاب رغم الأخطاء اللغوية المتكررة و ناشز اللفظ و المضمون فقد سار في حقل ملئ بالألغام ، أشك إن كان بامكانه الرد علي الأسئلة إن سمح بذلك بعد نهاية الخطاب. رغم أن مشاكل السودان واضحة و بيّنة و تحتاج فقط للشجاعة و للإرادة السياسية لوضع منهاج لحلها ، إلا أن الخطاب طفق في اللف و الدوران حولها و سمّاها بغير مسمياتها و كابر في الاعتراف بمسؤوليتها ، إذا لم تعترف بالخطأ فلماذا المناداة بالإصلاح؟ تلك أبجديات التغيير . ناشد الخطاب لنبذ القبلية و العصبية و النأي بعيداً عن العنصرية العرقية ، تمّ هذا بعد أن تمددت الظاهرة الخبيثة أفقياً و رأسياً في ظل نظام الإنقاذ فأرسي دعائمها في المجتمع ، الخدمة المدنية و القوات النظامية . يفْلق ثم يبادر بمعرفة أصول المداواة و لا يدري أن فاقد الشيْ لا يعطيه. قابل عامة الشعب الخطاب بعدم المبالاة ثم السخرية و الازدراء و التهكم المباشر كأول مرة في تاريخ البلاد . برع الشبا ب نبض الأمة في استخدام وسائل الاتصال للاستهزاء علي مضمون و فحوى الخطاب ، هم ينتظرون من يقودهم لفجر جديد لكن رغم ذلك يكابر الدكتور ابراهيم غندور بأن الرئيس البشير رجل المرحلة المقبلة! معجم الخطاب وثبة: تعني القفز و قد يكون إلي الأعلي أو الأسفل في بعض الأحيان، لم يفصّل الخطاب اتجاه الوثوب لكنه دعا السودانيين بكل مكوناتهم للتهيؤ. اندغام : كلمة لا محل لها في اللغة و الإعراب وردت (إندغام) كمصدر فعل سداسي ، و حتي لا أتهم بالتسرع بحثت عنها في لسان العرب ، مختار الصحاح، تاج العروس و المعجم الوسيط و لم أجدها ، وجدتها في المعاجم الطبية الشامية و تشير إلي الاندغام الجنسي باتحاد الحيوان المنوي مع البويضة ، هذه دعوة رئاسية صريحة للاندغام . أظن أن كاتب الخطاب عني معني إدغام أي أدخل الشيء في بعضه كما في إدغام الحروف عند تلاوة القرآن أو التحدث بالعامية ، و لعله أراد معني انصهار ، أحمد لهم أنهم لم يستخدموا كلمة بوتقة في نص الخطاب ، أيقونة المتحذلقين و الإعلاميين الجدد. المشروطية:لا وجود لها في اللغة، تخريج لكلمة مشروط و هو نحت لغوي غير موفق غالباً من تاثير الثقافة الغربية، ننادي بالتأصيل ثم ننحر اللغة من الوريد الي الوريد . أظن أنهم مهّدوا لتناول مشكلة الهوية، هل نحن عرب أم أفارقة ، أرجوا ألا يكون الضيوف العرب قد اطلعو ا علي نص الخطاب فيعاد التشكيك في انضمامنا لجامعة الدول العربية. كلالة : من مات و لم يترك ولداً أو والداً ليرثه ، كلمة قرآنية وردت في آية الميراث من سورة النساء ، تم الزج بها و حشرها حشراً دون أن تخدم الغرض . يقول نص الخطاب " إقبالاً علي ترتيب أمور السودان بفكر صادق، غير منتحل أو مستوهب من الاباعد ( الأباعد) أو موروث عن كلالةٍ " يريد الكاتب أن يقول "لا بد أن نبني السودان بفكر و منهج وطني أصيل ينبع من مورثات و قيّم الشعب ، غير متأثر بالأفكار والعوامل الخارجية" ، عجبي أمثالهم يرتقون الثريا و نحن نلتحف الثرى ! لهفي عليك يا وطني. السيرورات: جمع سيرورة وهي الامتداد و التطور في حركات متتالية، أتت في استخدام غير موفق، لعل الكاتب أراد كلمة تدابير ، حاول تعريب المصلح الانجليزي و لم يوفق ، أنصح باستخدام محرك قوقل للترجمة الفورية فهو خير معين عندما يختلط عليك البقر. مناهج التغيير كنت قد بذلت جهداً مقدراً لتشريح أزمات البلاد و وضع أفكاراً و مناهج للتغيير ، نشرت ذلك قبل أحداث سبتمبر و قبل أن تصل سكين الأزمة السياسية العظم و تبلغ دماء الأبرياء الثنن ، نخاطب الرئيس و زمرته أن اتركوا التعميم و الحديث المبهم و ألزموا جادة الطريق إن كانت لكم الشجاعة و الإرادة السياسية للتغيير لأن المنهج و اضح و بيّن، هل يستطيع المؤتمر الوطني السير علي هداه؟ http://www.sudanile.com/index.php/2008-05-19-17-39-36/34-2008-05-19-17-14-27/57719-2013-08-27-18-06-36 ///////////