تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من وقائع ندوة الدكتور "دالي في منتدي الجالية السودانية بمنطقة واشنطن ... بقلم: هاشم الإمام محي الدين
نشر في سودانيل يوم 10 - 02 - 2009


بسم الله الرحمن الرحيم
[email protected]
عقدت الجالية السودانية بمنطقة واشنطن ندوة بعنوان "الفكر الجمهوري والإسلام السياسي " تحدث فيها الدكتور/ أحمد المصطفي دالي، وقد أمها عدد من السودانيين ، المهتمين بقضايا الفكر والسياسة ، في منطقة واشنطن الكبري، وما جاورها من المدن . ولعل حرص الناس علي حضور هذه الندوة ، مردّه إلي أن صاحب الندوة، كان من أهل الجدل، وصاحب ركن للنقاش، في مقهي النشاط بجامعة الخرطوم أيام الطلب، وكثير من الذين أمّوا الندوة إمّا زاملوه في الجامعة، و إمّا سمعوا عنه ممن زاملوه، كما أن اختفاء الجمهوريين عامة، وصاحب الندوة خاصة، وتفرّقهم في الأرض، وعدم مشاركتهم في أي نشاط سياسي أو فكري، بعد موت أستاذهم ، أغري الناس وجذبهم إلي الندوة، آملين أن يسمعوا جديدًا في الفكر الجمهوري، أو تعليلاً لهذه الغيبة الطويلة التي امتدّت ربع قرن من الزمان، ولكن الحاضرين - حسب تقديري الخاص وسماعي من بعضهم – قد خاب أملهم إذ كانوا يتوقعون أن يسمعوا من " دالي" الدكتور والأستاذ الجامعي طرحاً أعمق مما كانوا يسمعونه من "دالي" الطالب الجامعي، فإذا هو هو أو إنْ شئت فإذا هو إيّاه علي رأي الكسائي في المسألة الزنبورية، فما زاد شيئاً غير خيلاء الدكتوراة ، و لا قال شيئاً غير ما كان يحفظه عن شيخه منذ أيام الصبا، ولا كفّ عن تقليده في استفزاز الخصوم، ومحاولة تجهيلهم، والتشبث بالمعني الحرفي لكلمة أو عبارة من عبارات الخصم تاركاً الفكرة، أو تحريف الكلم عن مواضعه، أو الإجابة بأحمق جواب، وأبعده عن الحق والصواب.
جاء "دالي" إلي الندوة مزهواً يملؤه الغرور، ويستبد به الكبر، وقد عبر عن هذا الغرور، وذاك الكبر أكثر من مرة أثناء حديثه ، فتارة يزعم أنه لم يسمع أحداً قال شيئاً ذا بال في نقد الفكر الجمهوري، وتارة يلمح بأنه المجادل الذي لا تدحض حجته ولا ينقض برهانه، وهذا بعض ماورثه عن شيخه وأستاذه فلا يغرنّك ما يروى عن ركوبه الدرجة الرابعة في القطار، وسكنه في بيت من طين، فكم من زعيم أبدى تواضعاً وقد علق الكبر منه معالقه ، وكم من ثري متطرّز في ثيابه ،متطرّس في مطعمه، أزهد من فقير يقف على الأبواب، ويلبس الخلقان من الثياب ، فالنفس الإنسانية أعظم من أن يحاط بأحوالها ، وأجل من أن تسبر مكنوناتها، وأعقد من أن يحكم عليها بمظهر خارجي أو حدث عابر .
لمّا كان الدكتور المحاضر من أهل المراء، الذين يجادلون من أجل الظفر، وغلبة الخصم فقد احتاط لنفسه بجملة من التدابير التي تضمن له الغلبة في جداله حتي يرضي بها غروره منها حديثه عن كل مبتدعات الحزب الجمهوري في الإلهبات، والعبادات، و الإسلام برسالتيه الأولي والثانية-حسب زعم شيخه -، وقضية المرأة والجماعات الإٍسلامية، والاسلام السياسي، والهوس الديني، وغير ذلك من الموضوعات التي لو اكتفي بواحد منها لكان جديراً أن يكون موضوعاً للمحاضرة، يريد بذلك أن يشتت أذهان المستمعين، ويضعف تركيزهم، ولم ينس المحاضر أن يتناول الحكومة بالذم، ويشتمها بما هو معروف ومشهور في أدبيات المعارضة منذ عشرين سنة، ولا أدري أأراد الدكتور أن يملّنا أم ظنّ أنه الإمام الغائب الذي ظلّت المعارضة تنتظر عودته من سراديب الجيش الأمريكي في العراق !؟
ومن هذه التدابير أيضاً ، أنه اشترط أن يجيب علي كل صاحب مداخلة أو سؤال مباشرة بعد سؤاله أو تعليقه، لا كما اعتيد أن تتاح الفرصة لعدد من المداخلات ، ثم يجيب المحاضر عليها ، ولكن "الدالي" لطول خبرته في المراوغة أبي هذا التقليد؛ ليتاح له من الوقت ما يشاء في التعقيب علي كل مداخلة ،وليضمن أنه آخر المتحدثين ، فإذا ارتضى التقليد السائد فربما أدركه الوقت، فلم يستطع أن يجيب علي بعض المداخلات ، وهو الحريص علي أن تكون له خاتمة الحديث ؛ ليبشع بصاحب المداخلة ، ويجهله فلا يجد صاحب المداخلة فرصة يدفع بها عن نفسه، وقد استطاع بهذه التدبير، والذي قبله أن يستأثر بأغلب الوقت ، وأن يحجّم عدد المداخلات ، وأن يكون هو آخر الناس حديثاً .
ومن أساليبه في الجدل والمراوغة، أنه إذا سئل عما لا يحب الإجابة عنه ، طالب بالدليل من كتب الأستاذ ، وبأرقام الصفحات، كأن الناس مطالبون بحفظ كتب محمود محمد طه، ومعرفة مواضع الاستشهاد ، وحفظ أرقام صفحاتها ، أو كأنهم يعلمون مسبقاً ما سيقول المحاضر . وربما أنكر ما هو مشهور منقول من أقوالهم بالتواتر، ألا تري أنه أنكر قوله بأن محموداً لن يموت ، وأنه إذا مات سيسوق ( لوري تراب)، ومات محمود ، وقيل إنه أبرّ قسمه يومئذِ، لكنه عاد اليوم، ينكر ما قاله بالأمس، ويكذّب ناقليه ، ويطالبهم بالدليل مع أنّ كلامه سمعه الجم الغقير، وبعضهم موجود في المنتدي إلا أنهم رأوا مكابرته فسكتوا ، وهم يعلمون من الكذّاب الأشر !
ولعل أشد ما يزهد المرء في جداله اختلاف المرجعية، فالخصمان إذا لم يتّفقا علي مرجعية عليا من صحيح المنقول أو صريح المعقول يتحاكمان إليها، فالحوار بينهما لا ينتهي إلي غاية، فمتي تحاور اثنان في الفروع والمتشابهات ، وكان أحدهما قد عقد خصومه مع الأصول والمحكمات، أو أعلن كفره ابتداء بصاحب الحق في الأمر والنهي، فلا ثمرة من حوارهما ، وكان هذا الجدل هو الجدل المنهي عنه ، فالمحاضر يهدر القرآن المدني،وماورد فيه من أحكام ، ويسخر منها غاية السخرية مع أنه يعدها مرحلة من مراحل الدعوة ، أو الرسالة الأولي كما يزعم أستاذه ، وهو يفسر بعض آيات القرآن بما يمليه عليه هواه ويستدل بها علي صحة دعواه، غير مبال بما يقوله المفسرون طالما أن شيخه يتلقي شريعته من الله كفاحاً دون وساطة، وهو أو شيخه يري أن السنة هي ما كان خاصاً بالنبي صلي الله عليه وسلم ، كانفاق مازاد عن الحاجة، وقيام الليل وغيرهما ، أمّا ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم أو عمله أو أقره فلا يسمي سنة وإنما هو شريعة ، وأمة المسلمين، أتباع دجّال الرسالة الثانية، وهم غير أمة المؤمنين ، أتباع النبي صلي الله عليه وسلم ، مطالبون بتطبيق السنة بمعناها الخاص، ولا أدري أين موقع زواج النبي صلي الله عليه وسلم من تسع نساء، فهي مما اختص به عليه السلام ، فهل يصير سنة واجبة التطبيق علي أمة الرسالة الثانية ؟! وكيف يتسق هذا مع دعوتهم إلى مساواة المرأة بالرجل وإلغاء التعدد ؟!
والمحاضر يسخر من حِلَق تلاوة القرآن و الاجتماع لختمته، ويضع كل الموروث الفقهي تحت نعليه إن لم يوافق فقه الرسالة الثانية، ولكن لا بأس عنده من الاستدلال بأشعار غلاة الصوفية ، أهل الاتحاد والحلول ، هذا من جهة المنقول. أما من جهة المعقول فكيف تجادل من يدعي إمكانية التلقي عن الله كفاحاً والاتحاد فيه بحيث يصير الشاهد هو عين المشهود . هذا تعطيل للعقل وخروج عن دائرة العقل إلي دائرة الهوس الديني، فهو أو شيخه يقف حيث لا حيث ، ونحن يشدّنا التراب إليه ، فأني لنا أن نحاوره أو نقترب من هالته النورانية ؟!
لم أسمع من "دالي" فكرة جديدة ، أو صياغة جديدة لفكرة قديمة، فهو يجتر كلام أستاذه دون تصرّف ، وكذلك شأن الجمهوريين كافة فقد أغناهم حديث الأستاذ عن كل مكرمة، فهم دخلوا باب التدين من بوابة محمود محمد طه، ولم يكونوا قد اتصلوا بالتراث الإسلامي من قبل، فما قرأوا قرآناً ولا سنة ، ولا تفقهوا في الدين من قبل اتصالهم بمحمود، فلقنهم دينه أو ضلالالته علي الأصح ، وسحرهم بشخصيته الكارزميّة، فاكتفوا به عمن سواه ، وظنوا أن الدين كل الدين ما شرع لهم .
ومن صور استفزاز الدالي لخصومه أنه حاول في تعقيبه علي مداخلتي أن يتهمني ابتداء ومن أول حديثه، أنني لم اتصل بالفكر الجمهوري ، وما علم المغرور أنني اتّصلت به قبله و في مدينة " مدني : قبل أن يرحل إلي أم درمان ولولا لطف ربي لظللتُ – كما ظلّ هو - عاكفاً عليه .
كذلك تشبث من كلامي بقولي (إنني أختلف معه في كل شئ) وفرح به ، وظن أنه عثر علي صيد سمين ، لإصال وجال ، ونعتني بالتطرف وعدم الدقة في حديثي، وما علم المسكين أنه حجّر واسعاً ، وأن غفلته عن حقيقة ألفاظ العرب التي تدور في كلامهم ، ومذاهبهم في القول ، أدخله هذا المدخل الضيّق ، فالكلية في لسان العرب لا تعني دائماً الإحاطة المطلقة بل قد تطلق ويراد بها الجزء، يشهد علي ذلك القرآن الكريم وكلام العرب، قال تعالي (ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبي . طه 56) علماً بأن موسي لم يأت بالآيات كلها ، وإنما جاء بتسع آيات ، قال الفخر الرازي : فإن قيل : قوله كلها يفيد العموم ، والله تعالي ما أراد جميع الآيات، لأنّ من جملة الآيات ما أظهرها علي الأنبياء (عليهم السلام) الذين كانوا قبل موسي (عليه السلام) والذين كانوا بعده، قلنا : لفظ الكل وإن كان للعموم لكن قد يستعمل في الخصوص عند القرينة كما يقال : (دخلت السوق فاشتريت كل شئ) .
وقال تعالي (يجعلون أصابعهم في آذانهم .. البقرة :19) وقال جل شأنه (إني وجدت أمرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم ) النمل : 23.
فالأصابع لم تدخل كلها في الآذان ' وإنما دخلت أطرافها، وملكة سبأ لم تؤت كل شيئ بالمعني الحرفي، وإنما أوتيت كثيراً من الأشياء، ولو أريد المعني الحرفي لما لزم أن يقال (ولها عرش عظيم) لأن العرش شيئ من الأشياء ، وقال تعالي (كل شيئ هالك إلا وجهه ..القصص : 88). ولا يعني هذا أن الأشياء عند الله يعتريها الهلاك بدليل قوله تعالي ( ماعندكم ينفد وما عند الله باق ) فكلامي صحيح فصيح قاعد على يافوخ اللغة وناشئ في حضنها ، وإطلاق الكل وإرادة الجزء باب في العربية معلوم وسياق كلامي لا يفهم منه الحرفية في فهم معني الكلية ، ولكن ولع المحاضر بتصيّد الأخطاء أورده هذا المورد الآسن .
وإذا صحّ أنّ الكلية لا تعني الإحاطة الشاملة فحديث الدكتور، ومثله المضروب بساعة الحائط الواقفة مردود عليه ، وإذا أراد الجدل العقيم فالساعة قد تكون جديدة وحجرها جديد، ولكنها مقدّمة أو مؤخّرة فهي لا تشير إلى الزمن الصحيح البتّة ولو دبّت عقاربها الدهر كله ، ومثل عبارتي ( أختلف معك في كلّ شئ ) كمثل الساعة الواقفة التي قد تصح مرتين في اليوم إذا أريد بها الكلية النسبية ، وكمثل الساعة المؤخرة أو المقدّمة التي لا تصحّ البتة إذا أُريد بها الكلية المطلقة ، ودلالة العبارة على هذا أو ذاك يحكمه سياق الموقف كما يقول علماء اللغة ، فافهم هذا، وليفهمه هؤلاء الرجرجة الذين ضحكوا لحديثك ، وليفهمه هذا الشيوعي الطّفس الذي فرح بحديثك، وطار به، وفتح ( بوست ) بعنوان : "الدالي يلقن الكوز هاشم الإمام درساً " كذلك فليفهمه هؤلاء الهتيفة الذين اتّبعوا من الجمهوريين ذوي الربذات ممن كانوا يناجونك أثناء مداخلتي ، فجانبت المنطق لتشتفي لهم ولكن خاب فألك وفألهم .
ومن تشبث المحاضر بظاهر قولي وتركه المحتوى، إسهابه في الإنكار عليّ غاية الإنكار، أن قلت أنّهم يقسّمون الإسلام إلى أوّل، ووسط ، وآخر، وطالب بالدليل من كلامه ،والمكان الذي قاله فيه ، وأنا حين تحدّثت إنّما تحدّثت عن الفكرة الجمهورية التي جاء يدافع عنها، ولست معنياً بألفاظه ، فالفكرة الجمهورية تقول إنّ الإسلام إسلامان : إسلام أوّل الذي تعبّر عنه الآية :"قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " ،ثمّ تأتي مرحلة الإيمان التي كان عليها الرسول وأصحابه ، ثمّ مرحلة الإسلام الأخير الذي يبشّر به الدّجال محمود محمد طه ، هذه هي المراحل الثلاث التي كنت أعنيها ، وهذا حديث آمل أن أتناوله في مقالات قادمة .
وحديث المحاضر عن التأويل فيه تخليط وتضليل. وفهم التأويل علي غير معناه الصحيح ، وتأويل النّص بما يمليه الهوى، هو سبب ضلال كثير من الناس، فالتأويل له ثلاثة معان:معنيان وردا في الكتاب والسنة، والمعني الثالث اصطلاح اصطلح عليه المتأخرون .
فالتأويل يطلق في القرآن والسنة ويراد به التفسير، وهذا كثير ما استخدمه ابن جرير الطبري – رحمة الله – في تفسيره: القول في تأويل هذه الآية، ومن ذهب إلي تأويل هذه الآية، بمعني تفسيرها . ومنه قوله تعالي (نبئنا بتأويله ) أي أخبرنا بتفسيره ومنه ايضا دعاؤه صلي الله عليه وسلم لابن عباس( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) أي التفسير . هذا هو النوع الأول، يأتي بمعني التفسير .
النوع الثاني يطلق في الكتاب والسنة ويراد به الحقيقة التي يؤول إليها الأمر ومنه قوله تعالي ( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله) المراد بتأويله حقيقة ومآله وفي حديث عائشة لما نزل قول الله تعالي (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) قالت : كان النبي صلي الله عليه وسلم يكثر أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ،استغفرك وأتوب إليك، سبحان الله وبحمده،أستغفر الله وأتوب إليه، يتأول القرآن ، يتأوله بمعني يمثله ويعمل به . وتأويل الأمر نفس الفعل المأمور به أي وقوع ذلك الشئ فإذا وقع وجاء، فقد ظهر تأويله، ومنه قوله تعالي عن يوسف عليه السلام ( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً) فيوسف أخبر في صغره أن الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً رآهم يسجدون له، وهذا الآن خبر ولا واقع،فلما تولي ملك مصر، ودخل إخوته وأبواه عليه وخروا له سجداً قال ( هذا تأويل رؤياي) الآن وقعت في الخارج ، وظهرت في العيان ،هذه حقيقة تلك الرؤيا ،وهذا تأويلها .
أما المعني الثالث الذي لم يرد في الكتاب والسنة ، فهو ما اصطلح عليه المتأخرون أهل الكلام، فإنهم اصطلحوا علي أن التأويل هو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلي الأحتمال المرجوح ،لدليل يقترن به فيقولون مثلاً في قوله تعالي ( مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي) إن لليد إحتمالات إحتمال راجح، وهو أنها اليد التي هي صفة الله اليد الحقيقية، واحتمال مرجوح أن المراد بها النعمة ، فنصرفها من الراجح إلي المرجوح ، ونجعل اليد هي النعمة . ثم خلف خلْف صرفوا اللفظ عن معناه الظاهر دون قرينة، وإنما حسب هواهم ومعتقداتهم الفاسدة ، وهذا هو التأويل الفاسد الذي تجده عند غلاة الشيعة، وغلاة المتصوفة ، ومن استن سنتهم من الإخوان الجمهوريين، وذلك كقول المحاضر – عفا الله عنه – أن معني "الماعون" في قوله تعالي " ويمنعون الماعون" هو القلب، فهذا تأويل فاسد ، وصرف للفظ عن معناه دون دليل يقترن به.
ومن ضلالات المحاضر، وترّهاته البسابس، ما ذكره تعقيباً علي أحد الشيوعيين الملاحدة الذي زعم أن الدين نشأ في الأرض وتطوّر وليس بوحي ، فقد وافق هذا الملحد علي نشأة الدين في الأرض ، ولكنه خفف العبارة وجعلها أقل تطرفاً فقال إنه في تطوره اتصل بأسباب السماء، وهكذا الفكر الجمهوري في جملته يقوم علي التلفيق والجمع بين الأفكار، والمذاهب المتناقضة .
الدين ليس شيئاً واحداً بدأ متخلفاً ثم تطور حتي أصبح علي ما هو عليه الآن، بل من الدين ما هو وحي ومنه ما هو من صنع البشر، وما كان الله سبحانه وتعالي أن يترك الخلق دون أن يبيّن لهم طريق الهداية،ويرشدهم إليها، فقد كان آدم- عليه السلام - أبو البشر نبياً . ومعاني الدين كثيرة ولن نعرف معني الدين تمام المعرفة ما لم نعرف هذه المعاني الحادثة والمتجددة التي تراكمت عليه ، وأن نحاول إدراك الروابط التي تجمع هذه المعاني حتي يدل هذا اللفظ علي معناه المركب ، وهو المعني الذي له صورة جامعة في الذهن يدركها عند سماعه، فالدين في اللغة هو الحال التي يخضع لها الإنسان خضوعاً طارئاً أو مستمراً، والعادة تسمي ديناً ؛لأن الخضوع لها أظهر شأنها، وسمي السلطان ديناً ؛لأن الناس يخضعون له، وسميت الطاعة ديناً ؛لأن المطيع خاضع ، وسمي حساب الناس علي أعمالهم ديناً؛ لأنه لا يكون حساب وجزاء إلا من قاهر علي مقهور خاضع . ثم صار كل ما يلزمه المرء من عادة يخضع لها، أو أسلوب من الفكر أو الحياة لا يفارقه مريداً أو غير مريد ديناً .
والعرب في جاهليتها استعملت لفظ الدين بهذه المعاني، ولما نزل القرآن جاء لفظ الدين علي الوجه الذي ألفته العرب، فجاء تارة بمعني الحساب والجزاء (مالك يوم الدين) وتارة بمعني الطاعة (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين، أي الطاعة والخضوع لحكمه وسلطانه، وجاء تارة بمعني الحكم ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر) أي حكم الله، وجاء تارة بمعني الطريق الذي يعتاده المرء ويخضع له ويألفه ( لكم دينكم ولي دين) أي لكم طريقكم الذي ألفتموه أنتم وآباؤكم من قبل، ولي طريقي الذي هداني الله إليه .
ثم جاء الدين بالمعني الجامع لهذه المعاني في غير موضع من كتاب الله (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) وهو الإسلام دين الحق كما سماه الله تعالي، وهو الدين الذي أنزله الله تعالي علي محمد صلي الله عليه وسلم منذ أول يوم بعثته، وجعل تمامه في تاسع ذي الحجة سنة عشر من الهجرة (اليوم أكملت لكم دينكم) وهو الإسلام الذي لا يقبل الله غيره (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) .
وللأستاذ العلامة محمود محمد شاكر بحث قيم في معني الدين يجده من يريد الاتساع في هذا المبحث في كتابه "أسمار وأباطيل" . الدين بمعني الخضوع فطرة في الإنسان فمن اهتدى بهدى الله عبد الله واستقام علي الفطرة ، ومن تنكّب هدى الله عبد ما يشاء من تماثيل وأهواء (والهوى إله يعبد) ليشبع ما هو مركوز في فطرته . الدين ليس شيئاً واحداً فالذي صنعه الإنسان يمكن القول بتدرجه وتطوره والجدال في ذلك سائغ ومشروع ، أمّا الدين الذي أنزله الله وحياً علي أنبيائه منذ أن خلق آدم فواحد في جوهره،وهو توحيد الله تعالي في ربويته وألوهيته، مع اختلاف في بعض أشكال العبادة وتنوعها وبعض أشكال التشريع والحلال والحرام .
القول بنشأة الدين في الأرض وتطوره هو قول بعض ملاحدة علماء علم الإنسان (الأنثربولجيا) ولا يقول ذلك مؤمن بالله ورسوله .
ومن أباطيل المحاضر، حديثه عن الشوري والديمقراطية، فقد ذكر أن الشورى غير الديمقراطية، وقد صدق وهو كذوب، إذ زعم أن الشورى هي حكم الفرد الرشيد، وهي بين المؤمنين بينما تتسع الديمقراطية لكل أصحاب الملل، وتستوعب الناس علي اختلاف أديانهم وأعراقهم وثقافتهم، وتكتسب فيها الحقوق علي مبدأ المواطنة، أراد بهذا القول أن يمجّد الديمقراطية، وينتقص من الشوري . الديمقراطية نظام سياسي وإقتصادي وإجتماعي شامل وليست هي إنتخابات،أو برلمانات ،وإنما هي دين كسائر الأديان بمعني أنها أسلوب في الحياة، وأما الشورى فآلة تتحقّق بها مشاركة الناس في اتخاذ القرار سواء أمورست من خلال برلمان أم مجلس تشريعي أم غيرهما من صور تحقيقها .
قول المحاضر ان الشوري في قوله تعالي (وشاورهم في الأمر ) آل عمران 159 هي حكم الفرد الرشيد وغير ملزمه ، لأن الله ختم الآية بقوله (فإذا عزمت فتوكل علي الله ) ليس بسديد؛ لأن الخطاب للنبي صلي الله عليه وسلم، وهو مؤيدً بالوحي فإنْ أوحي إليه في أمر فلا مجال للخيار بل يجب تنفيذ أمر الله ، وهو بهذه الصفة ، أي صفة النبوة ، ليس في حاجة إلي مشورة أحد ولكن الله تعالى أراد أن يعلم المؤمنين فضيلة الشورى.
رُوي عن الحسن- رضي الله عنه- في قوله تعالي (وشاورهم في الأمر): قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة ، ولكنه أراد أن يستن به من بعده" وقال الشوكاني - رحمه الله – في تفسير هذه الآية ( .. لما في ذلك من تطييب خواطرهم، واستجلاب مودتهم ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك حتي لا يأنف منه أحد بعدك) وقال أيضاً في تفسير بقية الآية (فإذا عزمت فتوكل علي الله) أي إذا عزمت عقب المشاورة علي شيئ، واطمأنت به نفسك، فتوكل علي الله في فعل ذلك أي اعتمد عليه وفوّض إليه)
وأما قوله تعالي في سورة الشوري (وأمرهم شوري بينهم – الشوري :38 ) فقد نزلت هذه الآية في الأنصار، وكانوا قبل الإسلام ، وقبل مقدم الرسول صلى الله عليه وسلّم المدينة إذا كان بهم أمر اجتمعوا وتشاوروا، فأثنى الله عليهم ، أي لا ينفردون برأي حتّى يجتمعوا فيه .
وإذا كان المحاضر قد وجد في خاتمة آية آل عمران ما أغراه بالشطط ، وركوب الهوى، وتأويلها هذا التأويل الفاسد ، فما قوله في آية سورة الشورى أهو مجرّد إخبار عن الأنصارأم هو الخبرفي صيغة الأمر؟
أمّا قوله بحصر الشورى بين المؤمنين فصحيح، إذا كان يعني بالمؤمنين ما نعني، ولكن إذا كانت دولة المسلمين تتقاسمها معهم ملل أخرى ، فما يمنع المسلمين أن يدخلوا أصحاب الملل الأخرى في مؤسسات الشورى، فالأمر كله على الإباحة ما لم يرد ما يقيده، والآية تحث على الشورى، ولا تمنع المؤمنين أن يشاوروا غيرهم في كلّ شئ لا يقع في خاصّة أمر دينهم ، بل هو من تمام الشورى أن يشاوروا غيرهم . والآيتان أمرتا بالشورى ولم تحددا أشكالها ، فاللمسلمين أن ينشئوا من المؤسسات الشورية ما يحقق مقاصد الدين ، سواء أكانت برلمانات أم مجالس نيابية أم مجالس شيوخ ، والأمر لايحتاج إلى رسالة ثانية أو رسول جديد.
لم يشأ المحاضر ان تخلو محاضرته من الهراء وسوء الادب ، باثارة الشبهات حول الاسلام، فتحدث عن الرق والمراة وقال في ذم الاسلام وفقهاء الاسلام ما لم يقله أشد الناس ضغنا ،وأسوأهم تحاملاً علي الاسلام وأهله، فقد زعم ان الاسلام يبيح الرق وان بيع العبد جائز وموجود في كتب الفقهاء دون ان يفصّل في هذا الامر، أو يستفيض في بيانه، كما تحدث عن المرأة ، وأباح لها ما لم يبحه الشرع، وجعلها كلأ مباحا يغشاها كلّ راتع ، يثير بذلك حفيظة النساء الحاضرات ويفتح لهن باب الشك في دينهن ، ويمهد بذلك لرسالة شيخه الدّجّال.
ولما كانت هاتان الشبهتان من الشبه العظيمة التي ظل الزنادقة يثيرونها منذ فجر الاسلام ، أحببت أن أقف عندهما وأتحدث عنهما بإيجاز حتي أعود اليهما في أحاديث قادمة ، فالرق ليس اختراعا إسلامياً ، فقد كان موجودا قبل الإسلام بأزمنة عديدة ، وكان الاسترقاق يتم بعدة وسائل منها الخطف والأسر والهدايا ، وكانت أعدادهم كبيرة، ويعدّون من سقط المتاع ،يباعون ويشترون ، كما تباع أية سلعة ، فلمّا جاءالإسلام لم يحرّم الرقيق ضربة لازب ؛ لأن منهج الاسلام في التغييير منهج تدريجي فهو يدفع الناس عن العادات الضارة إلى التي فيها صلاح المجتمع علي التدريج حتي لا ينفر الناس من تعاليمه؛ ولأن تغيير سلوك الناس لا يتم بفرض القوانين .
ولقد نهج الأستاذ محمود محمد طه هذا المنهج في بواكير حياته ، فأنكر اعتقال المراة التي خفضت ابنتها خفاضا فرعونيا لا لأنه يري في الخفاض الفرعوني خيراً ، ولكن لأنه يري أن العادات الاجتماعية الراسخة لا تحارب بالقوانين فهلا رأي تلميذه اليوم ما كان يراه شيخه بالأمس؟
والاسلام اغلق طرق الاسترقاق وجفف منابعه حتي تنتهي هذه الظاهرة بالتدريج
فحرّم خطف الحر واسترقاقه ، قال صلي الله عليه وسلم (ثلاثه أنا خصمهم يوم
القيامه ، رجل أعطي بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر
أجيرا ، فاستوفي منه ،ولم يعطه حقه) ، وأوجب عتق الأقارب وذوي الأرحام ،
وأعطي العبد حق المكاتبة ، وشراء نفسه من سيده ، وجعل الجارية حرّة اذا ولدت
من سيدهاوجعل إعتاق الرقبه من الكفارات .
أما استمرار الرق بعد الإسلام فسببه الحروب ، والحروب أكبر مصدر من مصادر
الرق، وما كان للإسلام ان يحرّم علي أتباعه استرقاق الأسري بينما أسراهم يسترقون، ولما اتفقت البشرية علي ابطال الرق بكل انواعه لم يعترض
علماء الاسلام علي هذا الاتفاق بل رحبوا به .
أما أحكام الرّق في القرآن الكريم ، وفي كتب الفقه القديمة، فأحكام لما كان جاريا عند نزول القرآن، ولمن كان لايزال موجوداً من الرقيق ، والفقه يستمد مادته من الواقع الاجتماعين لا من الأماني والأشواق، ثم إني أسأل المحاضر عن الغرض من نقل نصوص فقهيه من القرن الثالث ،والرابع الهجري واعتبارها هي الإسلام، كأن الزمان وقف هناك، والأمة لم تنجب فقيها في هذا الزمان .
مرة أخري أقول إنّ الإسلام أغلق أبواب الرق ولم يبق إلا باباً واحداً هو أسرى الحرب وما كان له ان يحرمه علي المسلمين حتي لا يضاموا ، فلما بلغت البشريّةشيئا من النضج وحرّمت الاسترقاق بسبب الحروب،لم يجد ذلك معارضة من فقهاء المسلمين ولكن المحاضر يرى أنّ الرسالة الثانية لن يكتب لها الذيوع إلا على أنقاض الرسالة الأولى.
وأما شبهة شهادة المرأة وأنها تعدل نصف شهادة الرجل كما في قوله تعالي" : فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخري"
فأود أن أبيّن أن هذه الشهادة خأصة بالدَيْن وأنها تخاطب صاحب الدَيْن الذي يريد
أن يستوثق لدَينْه بأعلي درجات الاستيثاق ولا تخاطب الحاكم القاضي الذي
له أن يحكم بالبيّنة واليمين، بغض النظر عن جنس الشاهد وعدد الشهداء الذين تقوم
بهم البيّنة، وللقاضي أن يحكم بشهادة رجلين، أو امرأتين، أو رجل وامرأة، أو رجل واحد،أو امرأة واحده طالما قامت البينة بهذه الشهادة.
الآية تخاطب صاحب الدين لا القاضي والمسألة تحكمها الخبرة ، قال الإمام أحمد
"إن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين فيما هو اكثر خبرة فيه وإن شهادة
المرأة تعدل شهادة رجلين فيما هي أكثر خبرة فيه. والآيه التي خاطبت صاحب
الدَيْن علّلت هذا الحكم بالنسيان " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخري "
والدراسات العلمية الحديثه تشهد بأن ذاكرة المرأة تقل في فترة الحمل، وقد تستمر
الحالة بعد الولادة عاماً كاملاً ففي دراسة قام بها علماء في سدني (استراليا)
ونشرت نتائجها علي قناة BBC بعنوان:
Pregnancy does cause memory loss, study says
أثبتت هذه الدراسة أنّ الحمل يضعف ذاكرة النساء، كما أثبتت بحوث علمية أخري
بنقص ذاكرة المرأة بعد سن اليأس، وإنْ كنّا لا نحتاج الي هذه البحوث لإثبات صحة
كلام ربنا ،ولكن المنافقين في ريبهم يترددون . ومن أراد أنْ يستزيد من الفقه الإسلامي في مسألة شهادة المرأة فليرجع الي آراء ابن تيمية وتلميذه ابن القيم
رحمهما الله في كتابه [ الطرق الحكميُة في السياسة الشرعية] فقد جاء فيه
( وأن ما جاء عن شهادة المرأة في آية سورة البقرة ليس حصراً لطرق الشهادة
وطرق الحكم التي يحكم بها الحاكم ، وإنمُا ذكر لنوعين من البينات في الطرق
التي يحفظ بها الانسان حقه فالآية نصيحة لهم وتعليم وإرشاد لما يحفظون به
حقوقهم ، وما تحفظ به الحقوق شئ، وما يحكم به الحاكم شئ، فإن طرق الحكم
أوسع من الشاهدين والمرأتين) .ص 103_104 طبعة القاهرة 1977
أما شٌبهة زواج السيدة عائشة رضي الله عنها، والقوامة ، والميراث وغيرها
من أباطيل المرجفين فساتناولها في مقالات لاحقة.
من العبارات التي أكثر المحاضر ترديدها : الهوس الديني ، ويعني به غالبا فكر
الجماعات الاسلامية ،أو ما يحكى من كرامات حدثت للمجاهدين في جنوب
السودان ، والمحاضر ينكرها غاية الإنكار، ويعدّ ذلك من الهوس الديني، ثم يعود
ويحدثنا عن اتحاد المخلوق فى الخالق ، وعن تلقي الشرائع من الله كفاحاً دون وساطة الملك وغير ذلك مما تأباه العقول الصحيحة وتنكره الفطر السليمة ولا أدري أي الفريقين أحق بصفة الهوس الديني من يزعم أن الله أكرمه ببعض الخوارق أم من
يزعم أنه اتّحد في الله وصار هوهو، وأنه يتلقي العلم من الله كفاحاً دون وساطة ؟
أترك الامر لاصحاب العقول.
وأختم مقالي هذا بحديث السياسة، فالمحاضر كغيره ممن يكايدون الاسلاميين عامُة
سواء أن كانو في مركب الإنقاذ أم خارجها ،وخطاب المعارضين بصفة عامة يقف
حيث تركته الإنقاذ عام 1989 فهو لا يزال يركزٌ علي التجاوزات ، ويصوٌر ما حدث
بالأمس وتجاوزتة المرحلة كأنه واقع اليوم ، وقد أفلح الاسلاميٌون في صرف أصحاب الايدولوجيات الأخري عن التعبير عن أفكارهم وشرح مشروعاتهم الي
محاولة إظهار فشل الإسلاميين في إنفاذ مشروعهم، فالإسلام وحده صار هو المرجعية التي يحيل إليها المعارضون عند محاكمة النظام ، وهذا مما يحسب للاسلامين لا عليهم .
والغضب يملأ جنبي المحاضر علي الحكومة ، فقدتساءل: لماذا تشرك الحكومة الحركة الشعبية في الحكم وتجعل رئيسها نائباً لرئس الجمهورية وقد كانت تكفٌرها من قبل؟!
ولماذا تفسح للحزب الشيوعي المجال ليعمل علناً ويعقد موٌتمره في قلب الخرطوم
وقد كانوا يكفُرونهم من قبل ويجاهدونهم ؟ ثم زعم أنٌ الجمهوريين محرومون من هذه الحرية وقد صودرت كتبهم من معرض الخرطوم وردٌ السبب في ذلك إلي أنهم لا يحملون السلاح ،ولا يوُمنون بالقوة أسلوباً للتغيير بينما الآخرون يوُمنون بذلك ولهم مليشياتهم الخاصة وأسلحتهم والحكومة تخشي بأسهم .
إذا كان هذا النظام قد أقصي في فترة من فترات حكمه الأحزاب الأخري وضيٌق عليها ثم علّمته الأيام، وحنّكته التجربة ، فانتهى إلى أنّ ما فعله كان خطأ فعدل عن خطئه ، وبسط الحريّات أو كاد ، أتلومونه على أنْ استجاب إلى ما كنتم تدعونه إليه !؟
وإذا كان هذا النظام قد عدٌل خطابه السياسي،فاختلف في كل مرحلة عٌما قبلها أيحمد له ذلك أم يذم عليه؟
لاشك أنّ السماح للجمهوريين بممارسة نشاطهم علناً اشٌد حساسيةمن السماح للشيوعيين؛ ذلك أنٌ الشيوعيين يدارون الأمة،ولا يبخسون عقائدها ،وقليل
منهم من ينكر الدين جملة، ولكنّ الجمهورين يصادمون مسلمات الأمة وثوابتها ويدّعون رسالة ثانية للإسلام نسخت الأولى، وقد أجمع علماء الأمة داخل السودان وخارجه، وأجمعت طوائفه الدينية علي ردّتهم وخروجهم عن الدين ، وسواء أصحّت الفتوى أم لم تصح ، فيصعب على نظام يدّعي الإسلام ، أو أيّ نظام آخر أن يتجاهل إجماع الأمة، ويسمح لهم بالعمل علناً .
وممٌا يوُخذ سياسياً علي الحزب الجمهوري دعواهم بانهم دعاة الديمقراطية وأعداء النظم الدكتاتورية ،وأنهم دعاة سلام لا يوُمنون بالعنف سلاحاً للتعبير، ولكن
سلوكهم السياسي لا يقف شاهداًعلي دعواهم، فقد أيدوا دكتاتورية مايو، وأيدُوا ضرب الأنصار في الجزيرة أبا، وخرجوا في المظاهرات وكتبوا المنشورات تاييداً لضرب
( المهاجرين ) في مسجد ودنوباوي ،وأيدوا اتفاقية كامب ديفيد مخالفين إجماع الأمّة.
والمحاضر – عفا الله عنه – يوُيد غزو الحكومة الاسرئيلية لقطاع غزة ، ويحمُل (حماس ) مسوُولية ما حدث وينعت قوات حماس بالجبن وبانٌهم احتموا بالخنادق والسراديب ، وتركوا شعبهم لنيران الدبابات الاسرئيلية ، وهو ليس ببدع في ذلك فلشيخه سبق في هذه الخيانات ، ولكنّي ما كنت أعلم أنٌ المحاضر قد بلغ به الأمر هذا المبلغ من الحقد، وكراهة أمُة الاسلام ، ولا أدري إن كان ذلك أصل فيه أم تعلُمه من اصطحابه الجيش الامريكي الغازي للعراق ؟!
أسأل الله الهداية لي وللمحاضر، وأدعوه أن يقرأ الإسلام في مصادره الأصلية، وبعقل متجرٌد متحرٌر من التحيٌز الايدلوجي، والأفكار المسبقة، فالله سائله عمٌا رزقه من نعمة العقل والتعليم وما اغتنمه من فوائد السياحة في أقطار الأرض .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.