لم تعلن بعض الأحزاب والقوى السياسية المعارضة موافقتها على دعوة الأخ الرئيس عمر البشير في خطابه الشهير، للمشاركة في الحوار الوطني، بلا شروط واشتراطات، مع حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، إلا بعد أن درست الأمر دراسة مستفيضة، وأجرت مشاورات معمقة، ومن ثم أعلنت قبول الانخراط في الحوار الوطني، خاصة حزبيّ الأمة القومي برئاسة السيد الصادق الصديق المهدي، والمؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي، بُغية معالجة الوضع السوداني الراهن المأزوم، من خلال البحث الدؤوب والعزيمة الصادقة والإرادة القوية لمعالجات توافقية، تتنزل على أرض الواقع بتراضي الأحزاب والقوى السياسية التي ارتضت الحوار منهجاً، والتوافق أسلوباً، والسلم وسيلةً، والإصلاح غايةً، تنزيلاً لقول الله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ". وأحسب أن الحوار الوطني الذي جاءت دعوته في ثنايا الخطاب الرئاسي الشهير الذي تضمن المرتكزات الأربعة، كأرضية توافقية، ليس كشرط إلزام، أو اشتراط إذعانٍ لقبول المشاركة في الحوار الوطني عبر مراحله المختلفة. فالمطلوب أن تنداح من خلال المداولات والمناقشات في دوائر الأحزاب والقوى السياسية التي توافقت على مبدأ الحوار كخلاصٍ وطني، لتحدث مقاربةً في التوافق، وتقارباً في المواقف، لإحداث توافق وطني، يفضي إلى اتفاق حول الأجندات الوطنية، لتكون مُخرجات هذا الحوار الوطني ومآلاته المنتظرة في الوصول إلى معالجات عاجلة وأخرى آجلة لكثير من قضايا الوطن وهموم المواطن. وفي رأيي الخاص، لإنجاح الحوار الوطني والتدافع إلى منابره، حباً وكرامةً، لا كُرهاً وإذعاناً، من الضروري أن يُدعم هذا الاتجاه، باستجابة فورية من قبل الدولة، متمثلة في إطلاق الحريات السياسية، وحرية العمل السياسي، والتأكيد بحق وصدق على حرية الصحافة وحرية التعبير، وحرية ممارسة العمل الحزبي دون تضييق أو افتعال قيود وإشكالات، وتسيير أمر تنظيم الندوات السياسية والملتقيات الجماهيرية، مع ضمان تفعيل دور الشرطة في استتباب الأمن والنظام، لتتسم هذه اللقاءات بالسمات الحضارية في تنظيم العمل الجماهيري، بعيداً عن الفوضى والشغب والغوغائية. ومن الضروري أيضاً إعلان صدق النيات لتتسع منابر الحوار الوطني للجميع، دون إقصاءٍ أو إلغاءٍ، وأن يتم إعلان صريح لا لبس فيه ولا غموض، بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والعفو الشامل غير المشروط للحركات المسلحة، ودعوتها لإسكات صوت البندقية، وإعلاء صوت العقل، وحقن دماء أبناء الوطن الواحد، مهما اختلفت رؤاهم وتباينت مواقفهم في ما يرون أنه من أجل الوطن والمواطن، بعيداً عن المزايدات، وخدمة أجندات غير سودانية. أخلص إلى أن المرتكزات الأربعة التي تضمنها خطاب الأخ الرئيس عمر البشير جاءت محل اتفاق، وشبه إجماع وطني، عدا تلك القوى السياسية التي مازالت تعيش أسرى ماضٍ تليد، تردد مقولات عفا عنها الزمن، كادعاء جيل التضحيات وجيل البطولات، بينما الواقع يتطلب نظرة واقعية لمعالجة قضايا آنية، يئن من تداعياتها الوطن، ويشكو من قسوتها المواطن. مَنْ مِنا ليس مع المرتكز الأول الذي يُعنى بقضية السلام. فالسلام هو المدخل الأساسي للاستقرار الدائم والتنمية المستدامة. ومَنْ مِنا يناصب المرتكز الثاني الذي يهتم بأن يكون المجتمع السياسي حُراً، لا تكبله القيود ولا الهواجس المصطنعة، يدافع بقوة وعزيمة عن حرية الصحافة وحرية التعبير، ويشرئب لتحقيق الحريات الأخرى دون أن تكون مضرجة بالدماء. ومَنْ يأبى خروج المجتمع السوداني من الفقر والعوز، وهذا ما تطرق إليه المرتكز الثالث. وأخيراً وليس آخراً، اختتم الأخ الرئيس عمر البشير مرتكزات خطابه الرئاسي الشهير، بمعالجة قضايا الهوية السودانية التي اعتبرت من المرتكزات المهمة في معالجة قضايا الشأن السوداني، توافقاً وإجماعاً. من هنا ندعو صادقين، ونناشد مخلصين، كل القوى السياسية السودانية، حكومةً ومعارضةً إلى التفكير الجاد والبحث المضني في التوافق على آلية توافقية يُجمع عليها أهل السودان كافة، لوضع أجندات وطنية للحوار الوطني، يتدافع إلى منابره السودانيون جميعاً. وينبغي أن تكون من أهم مآلاته تحقيق الوفاق الوطني، لمعالجة القضايا الوطنية كافة، ليكون السودان وطناً غير طاردٍ، وأمةً جامعةً، وليس ذلك على الله ببعيد. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". وقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي: إذا رمن السلامة من طريق أتت من دونه للموت طرق